منقول
في سنة 1856م أعطى وزير الحرب الفرنسي أمرا لجيسلان (Geslin) بإعداد تقرير مفصل عن اللهجات المحلية المستعملة في الجزائر، وقد تمت قراءة التقرير ومناقشته من طرف لجنة من المستشرقين بأكاديمية الفنون والآداب بباريس تحت إشراف المستشرق رينو... (Reinaud) ولا شك أن أمرا كهذا لا يتعلق بمجرد إدارة مستعمرة جديدة...
لقد أنشأت في عام 1880م المدرسة العليا للآداب بالجزائر، تلك المدرسة التي كان هدفها استشراقيا محضا وتخرج منها دعاة النزعة البربرية الأوائل وعلى رأسهم سعيد بوليفة (1865-1931) ومحمد معمري ...
و نشرت إحصائية صدرت في 1892 تدل على أن المدارس الفرنسية المخصصة للجزائريين بمنطقة القبائل كانت تمثل 34 % من سائر المدارس بالقطر الجزائري، علما بأن هذه المنطقة هي ولايتان أو ثلاثة من 48 ولاية حاليا.، وهو ما يُفسّر اختلاف نسبة التعلّم بين مناطق الجزائر خلال الفترة الاستعمارية...
ونورد ما قاله الكابتن “لوغلاي” المشرف على التعليم في الجزائر وهو يخطب في المعلمين الفرنسيين في بلاد القبائل في القرن التاسع عشر فيقول: “علموا كل شيء للبربر ما عدا العربية والإسلام”...
وقال الكاردينال لافيجري Lavigerie في مؤتمر التبشير المسيحي الذي عقد سنة 1867 في بلاد القبائل: “إن رسالتنا تتمثل في أن ندمج البربر في حضارتنا التي كانت حضارة آبائهم (ربما القصد هو روما) ينبغي وضع حد لإقامة هؤلاء البربر في قرآنهم، لا بد أن تعطيهم فرنسا الإنجيل، أو ترسلهم إلى الصحراء القاحلة، بعيدا عن العالم المتمدن...
بتاريخ 1843 ورد في الجريدة الرسمية للدولة الفرنسية في عددها الصادر في 15 فبراير 1843 قرار بتخصيص 300 ألف فرنك فرنسي لتشييد مدارس لقبائل جرجرة، 1000 فرنك فرنسي لفتح تخصص لتدريس اللغة البربرية بدلا من العربية، وفي سنة 1856 أمر جنرال الحرب الفرنسي المارشال جون بابتيست المستشرق “جيسلان” بإعداد تقرير مفصل عن اللهجات الشفوية المستعملة في الجزائر. وفي 20 ديسمبر 1875 انشأت سلطات الاحتلال الفرنسي مدرسة اللغات والقانون والعلوم في عهد الوزير الاستعماري جون ديراند، ومن خلالها قامت هذه السلطات بتسييس اللهجات القائمة بغرض تحويلها إلى لغات قائمة واستحدثت لذلك الغرض عدة شهادات، فقامت بتاريخ 28 جويلية سنة 1885 باستحداث شهادة الأهلية في اللغة القبائلية. وخصصت 300 فرنك سنويا كمنحة لكل طالب. وبتاريخ 27 ديسمبر 1887 استحدثت شهادة أخرى تحت مسمى دبلوم اللغة البربرية...
لقد كان “باصيه” في المجال العلمي تأثير أكبر من “ماسكري” فيما يبدو، حيث استطاع أن ينشئ مدرسة قائمة بذاتها...
ولقد كتب عنه “ألفريد بيل” في المجلة الإفريقية سنة 1924م، وأبرز ما قدمه من أبحاث وخدمات، ولقد أحصى حوالي 25 دراسة لها علاقة بالبربرية، وساهم في تخريج مجموعة من الباحثين الجزائريين والفرنسيين واصلوا العمل الذي ابتدأه، وبسطوا سيطرتهم على مدرسة الجزائر، وذلك بفضل تربعه على مدرسة الآداب خلفا لـ”ماسكري” سنة 1894م، ثم تعيينه عميدا لكلية الآداب سنة 1909م حتى سنة 1924م...
ولقد تخرج على يديه “ألفريد بيل” وابنه “هنري باصيه” و”ديبر مي” المعروف بعدائه للغة العربية...
ولقد ربط “رينيه باصيه” نشاطه العلمي بالمصالح الفرنسية الاستعمارية، وخاصة في مجال البحث اللغوي والأدبي؛ فلقد انتظم أولا بتدريس اللغة العربية، ثم البربرية بإحداث كرسي لها بالكلية. كما كان له دور ومساهمة في مساعدة احتلال المغرب وخاصة من خلال أتباعه وتلامذته “ديستان”، “بوليفة”، “هنري” و”أندري باصيه” وآخرون...
ان البربر أنفسهم عبر تاريخهم الطويل اتخذوا البونيقية (العربية الفينيقية الكنعانية) لغة للعلم والثقافة ، وبعد الإسلام إتخذت دول المغرب العربي من العربية لغة للدولة والعلم والثقافة مثل دول بني زيري وبني... حماد وبني رستم ...وبني مدرار... والمرابطين... والموحدين ...وبني مرين ...وغيرهم...
كتاب سنة أولى للغة القبائل (لهجة الزواوة) لاستخدام المرشحين للقسط وشهادة القبائل... عمار بن سعيد بوليفة ...