شبة القارة العربية - موضوع مفتوح

ثالثًا: ذكرت عبارة في الإصحاح الأول من سفر أيوب في التوراة أن لصوصًا سبأيين فتكوا برعاة أيوب، وقال قائل: البقر كانت تحرث، والأتن ترعى بجانبها، فسقط عليها السبئيون وأخذوها، وضربوا الغلمان بحد السيف، ونجوت أنا وحدي لأخبرك. ولما كان أيوب فيما يحتمل من أهل الشمال أكثر من أهل الجنوب، فإن ذلك قد عنى في رأي هومل وأصحابه أن السبأيين كانوا يعيشون في عهد أيوب قريبًا من دياره في شمال شبه الجزيرة وليس في جنوبها، وهو استنتاج طريف لولا أنه أقرب إلى أن ينطبق على بعض رجال الجالية السبأية الصغيرة التي أشرنا إليها، دون دولة سبأ الغنية الكبيرة.

رابعًا: ذكرت عبارة أخرى من عبارات العهد القديم اسم سبأ إلى جانب اسم ددان. وكانت ددان هذه دولة شمالية قامت حول واحة العلا في شمال الحجاز. وقد عنى ذلك عند هومل وأصحابه أن سبأ كانت بدورها قريبة منها في الشمال وليست بعيدة عنها. وذلك استنتاج منطقي هو الآخر، ولكن يمكن أن يرد عليه بما انتهينا إليه في القرينة السابقة من حيث أنه أقرب إلى أن ينطبق على الجالية السبأية التى سكبت حول واحة تيماء إلى الشمال الشرقي من واحة العلا أو ددان.

وقبل أن ندع قرائن التوراة لا بأس من أن نشير إلى أنه لما كانت أسفار التوراة قد أقرت في بعض قصصها الأخرى بالأمر الواقع من استقرار السبأيين في الجنوب في دولة سياسية كبيرة، اتجه بعض الباحثين إلى القول بأن هذه القصص عندما تذكر شبا تعني بها سبأ اليمن، وعندما تذكر سبأ تعني بها السبأيين القاطنين في الشمال، وإن كان كتبة التوراة قد خلطوا بين التسميتين في صحفهم ولم يراعوا هذه التفرقة كثيرًا.

خامسًا: سجل كبيران من حكام ددان أيضًا في نص مشترك أنهما توجها بالشكر إلى أرباب معين (وكانت معين دولة جنوبية ارتبطت بها دولتهما بالولاء) على نجاة قافلة تجارية اضطرت إلى المرور في مناطق شملتها الحروب. وتعرضت خلال سيرها لهجوم سبأ (وخولاني) عليها. ورأى هومل أن الأخطار التى تعرضت لها هذه القافلة كانت في شمال شبه الجزيرة العربية، كما أضاف فلبي أنه ليس من المعقول أن يعمل السبئيون على نهب قافلة تجارية في عهود نضجهم السياسي وإنما الأرجح في رأيه أنهم كانوا لا يزالون يعيشون حينذاك على حالة من البداوة.

ومرة أخرى يمكن التعقيب على هذا الاستنتاج بأنه إذا صح أن السبئيين الذين تعرضوا للقافلة المعينية كانوا من أهل الشمال فعلًا فإنه ليس هناك ما يحول دون اعتبارهم من أفراد الجالية السبأية الشمالية الصغيرة لاسيما وأن فشل
 
هجومهم عليها يدل على قلتهم وبساطة شأنهم. ويمكن أن نتجاوز هنا عن أن قبائل خولان التى ذكرت مع المهاجمين السبئيين قد عاشت هي الأخرى على أطراف الجنوب، وأن تاريخ نجاة القافلة متأخر عن تاريخ إنشاء دولة سبأ الجنوبية بأجيال كثيرة.

سادسًا: جمعت بعض النصوص السبئية بين اسم سبأ واسم يقرأه هومل يهبليح ويراه مرادفًا لاسم دقلة وأنه يدل على منطقة الجوف في شمال شبه الجزيرة كما جمعت بينه وبين اسم يقرأه هومل أيضًا بيشان أو فيشان ويراه مرادفًا لاسم وادي الدواسر أحد أودية الشمال أو أودية الجنة على حد تعبيره.

غير أنه يبدو أن هذا الاستنتاج لا يزال هو الآخر قرين الظن إن لم يكن قرين الافتعال، وكل ما يمكن قوله الآن هو أن اسم يهبليح قد استعمل كذلك للدلالة على قبيلة عاشت حول صرواح أقدم عواصم سبأ في الجنوب، وأن اسم بيشان إن دل على وادي الدواسر أو وادي بيشة فهو أقرب إلى حافة الربع الخالي، وإن دل على قبيلة عاشت حول صرواح أيضًا وانتسب إليها أوائل الحكم السبئيين.

سابعًا: يرى هومل أن اسم مأرب (أو مريب) الذي اشتهرت به عاصمة سبأ الجنوبية (بعد صرواح) ذو صلة بلفظ أريبي الذي أطلقه الآشوريون على أعراب شمال شبه الجزيرة وبادية الشام، ولفظ يارب الذى أطلقته عليهم بعض نصوص التوراة، وذلك مما يعني في رأيه أن السبئيين كانوا من الأقوام الشماليين الذين عناهم الآشوريون والعبرانيون، فلما انتقلوا إلى الجنوب أطلقوه على عاصمتهم.

ولكن يلاحظ على هذا الاستنتاج أن السبئيين في الجنوب لم يتخذوا مأرب عاصمة لهم منذ بداية أمرهم أي في الوقت الذي كانوا يستطيعون أن يتذكروا فيه أصلهم ويخلدوا ذكره، وإنما اتخذوا أولى عواصمهم في صرواح قبل أن ينتقلوا إلى مأرب بعشرات السنين. وهم لم يصفوا أنفسهم صراحة في نصوصهم المكتوبة بتسمية عرب أو أعراب المرادفة لتسمية أريبي الآشورية. بل ولم يستعملوها إلا في عهود متأخرة نسبيًا ليصفوا بها أعراب الجبال والوديان التابعين لدولتهم، وذلك في حدود ما هو معروف حتى الآن من نصوصهم.

ثامنًا: نبه هومل وأصحابه إلى أن اللهجة السبأية هي أقرب اللهجات الجنوبية صلة بلغة القرآن العربية الشمالية. وفي ذلك قرينة لطيفة لا تنكر، لولا أن هذه الصلة يمكن أن تفسر من ناحية أخرى باستمرار النصوص السبأية الحميرية حتى عهد نزول القرآن الكريم أكثر مما عداها من بقية النصوص الجنوبية الأخرى، وأن عامل الزمن كان له أثره في التقريب بين لهجات عرب الجنوب
 
ولهجات عرب الشمال نتيجة لاستمرار الصلات التجارية والحضارية والتنقلات القبلية بين الفريقين، وذلك فضلًا عن وحدة الأصل البعيد بينهما.

وعلى أية حال، فقد تعمدنا الإسهاب في مناقشة وجهات النظر المختلفة حول الأصول السبأية كنموذج لما يمكن أن تعالج به مشكلات التاريخ العربي القديم على أساس من أدب النقد، ومقارعة الحجة بالحجة، وعدم التسليم برأي ما إلا بدليل يزكيه، وعدم رفض رأي ما إلا بدليل يضعفه.

من المؤلفات المختارة في دراسات الفصل:

تكاتش، ج: سبأ -في دائرة المعارف الإسلامية- ج١٨ - ص١٦٨ وما بعدها. نيلسن وهمول ورودوكاناكيس وجروهمان: التاريخ العربي القديم -١٩٢٧ - ترجمة فؤاد حسنين -القاهرة ١٩٥٨، ص٦٣ - ٦٤.

Abdel-Aziz Saleh, The Gnbtyw of Thutmosis III.htm's Annals and the south Arabian Gebbantae of the Classical Writers,BI FAO, ١٩٧٢,٢٤٥,-٢٦٢.

Eissfeldt.O.,in CAH.II, ١٩٦٥,٥٩٣ and referncs.

Grohmann,A., Aragien, ١٩٦١.

Musil, A., The Northern Hegaz, ١٩٢٦.
 
الآشوريون

1763407232991.png


هم فرع من الاقوام الجزرية العربية القديمة التي كانت تقطن أصلاً شبه الجزيرة العربية ثم هاجرت منها إلى بوادي الشام والعراق، وذلك في الالف الثالث قبل الميلاد، ولا يعرف على وجه التحديد الطريق الذي سلكته هذه الاقوام(1)، ولكن هجرتهم كانت بسبب ما أصاب الجزيرة في احدى فترات الجفاف وأدى إلى ضعف الحالة الاقتصادية وقلة موارد العيش، وانهم لم يأتوا إلى العراق مباشرةً بعد تلك الهجرة ولربما اتخذوا وطناً مؤقتاً لهم استعدوا فيه في رحلتهم فتعلموا الزراعة وحياة الاستقرار، ثم قدموا إلى موطنهم الذي عرف ببلاد آشور(2) والراجح ان الآشوريين كانوا يستقرون في اعالي الفرات عند أطراف الباليخ(3).

التسمية:

ينسب الآشوريون باسمهم إلى اول مراكزهم الحضارية في مدينة آشور التي اصبحت عاصمة لهم وربما يكون الاسم نسبة إلى إلههم القومي "آشور"(4)، ولا يعلم بوجه التأكيد ايهما أصلاً للآخر(5).

وقد وردت كلمة آشور في النصوص المسمارية بعدة صيغ منها(آ-أوسار A-Usar) التي تبدو وكأنها كتابة سومرية رمزية، ولكن الكتابة المألوفة الاخرى كانت بهيئة (آ-آشور A-Šur) تتبعها العلامة المسمارية الدالة على اسماء الاماكن وهي (كي Ki)، واقدم ما ورد من هذه الصيغة كان في النصوص الاكدية من مدينة(نوزي NUZI) (كاسور Gasur) القديمة(6).

وترد التسمية من العصر الآشوري القديم من عهد الملك (شمشي-أدد الاول Šamši-Adad I) والذي حكم (1813-1781ق.م) بصيغتين هما (أو-سار كي U-SARki و(أ-شو-أور-كيA-ŠU-URki)(7)، وهنالك قراءة ثالثة وردت بالصيغة السومرية التالية A.SIR. KI)) (8).

وترد التسمية من العصر الآشوري الوسيط من عهد الملك (آشور أوبالط الاول Aššur-uballit I) الذي حكم (1365-1330 ق.م) بالصيغة المتعارف عليها(أش- شورAš-šur)(9).

وورد مصطلح آشور في المصادر الآرامية والعربية المتأخرة على هيئة "أفور أو أقور"(10) وقد استعمل المؤرخ اليوناني الشهير "هيرودتس" القرن الخامس قبل الميلاد مصطلح بلاد آشور(Assyria) استعمالاً خاطئاً إذ أطلقه على بلاد بابل والبابليين(11). ولم يكن اسم آشور معروفاً في القسم الشمالي من العراق القديم في الالف الثالث قبل الميلاد، بل كان يطلق عليه اسم (سوبارتو Subartu) نسبتاً إلى القوم الذين استوطنوا هذا الجزء من شمال العراق، الذين كانوا يعرفون باسم (السوباريين Subarian) قبل مجيء الآشوريين اليها، والمرجح ان الاشوريين قضوا على جماعات من اولئك السوباريين وازاحوا جماعات اخرى منهم إلى سفوح الجبال والمناطق الجبلية المجاورة واندمج من بقى منهم مع الاشوريين وكان موطن السوباريين يشمل كذلك الاجزاء الشرقية والشمالية من نهر دجلة(12).

وقد وردت اقدم الإشارات التاريخية إلى السوباريين على ما يرجح في اخبار حاكم لكش (أنناتومEannatum)()(13)، ومن اخبار فتوحات الملك (سرجون الاكدي Šarru-gīn) (2334-2279 ق.م)(14) وقد استعمل مصطلح "سوبارتو وبلاد سوبارتو" في كثير من النصوص التاريخية البابلية مرادفاً لبلاد آشور، كما وردت تسمية سوبارتو في نصوص الملك البابلي حمورابي (1792-1750 ق.م) إذ أرخ بذلك سنة حكمه التاسعة والثلاثين بانتصاره على آشور قائلاً :

"بالقوة العظيمة التي منـحها إيـاه أنو أنليـل،

هزم كل اعدائه صعوداً إلى حد بلاد سوبارتو"(15)

وقد نأى الاشوريين بعيداً عن كلمة سوبارتو كتسمية لبلادهم باستثناء ما ورد في بعض نصوص الفأل ومنها نبوءة احد المنجمين الاشوريين حين قال لاحد الملوك الاشوريين:

"بان السوباريين سيقضون على الاخلامو"

والأخلام هم (فرع من القبائل الارامية) واضاف المنجم موضحاً لذلك الملك بكلمة (نحن السوباريين)(16)، وترد كلمة سوباروم Subarum وسبروم Subrum
في اللغة الآشورية القديمة بمعنى (العبد)(17)، وان البابليين كانوا ينظرون إلى سكان تلك المنطقة بنظرة شائنة لانهم طالما جلبوا العبيد منها(18).
 
العرب القدماء في شبة الجزيرة العربية وبلاد مصر
1763419536782.png

نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب
القسم الأول
تاريخ العرب المبلبلة البائدة
هؤلاء هم الذين خرجوا من أرض بابل حين تبلبلت الألسن، وتفرقت على الأرض بنو نوح، فتناسلوا في جزيرة العرب، وخرج منهم إلى الشام ومصر وغيرهما من اشتهر في العالم ذكره
...............................................
مملكته مثلها، فجلب العمد من أقطار الأرض، وخاطب الملوك في شأنها، فتاحفته بها، وبنى بها الإسكندرية بأرض مصر. وكان له من هنالك إلى البحر المحيط، والبربر رعيته، وكان القفط يدارونه على مصر، وملوكها تخضع له.
ولما مات، وبعدت ملوك بني عاد في إفريقية، هدمت الفراعنة الإسكندرية، ثم بناها الإسكندر بما وجده من آلات البينان في مكانها، فنسبت له.
1763419869924.png

ومن الكمائم: أن هوداً عليه السلام لما أهلك الله عاداً بالأحقاف على يده، وخرج من أرض العرب، ونزل بالشام في مكان جامع دمشق، وبنى له هناك متعبداً هو معلوك إلى اليوم. ولم يزل يعبد الله فيه إلى أن مات به. وعظمته الأمم بعده، فتعبدت به كل فرقة إلى أن جعله المسلمون جامعاً.
قال: "وآوى إليه من بقي من قوم عاد الذين أخرجتهم العمالقة وجرهم من مكة، وكثر نسلهم بالشام، وتوالت
1763419590154.png

ملوكهم، فبنوا في مكان دمشق إرم ذات العماد على حكاية ما بلغهم عن المدينة التي كانت بالأحقاف.
وقد حكى ابن خرداذبة في تاريخه أن دمشق بناها جيرون بن سعد بن عاد وسماها جيرون. قال: "وهي إرم ذات العماد".

قال ابن عساكر في تاريخ دمشق: "كان جيرون وبريد أخوين، وهما ابنا سعد بن لقمان بن عاد، وهما اللذان يعرف حصن جيرون وباب البريد بهما". وقيل غير ما مر مما هو مذكور في تاريخ بني إسرائيل المتعلق بذكر الشام.
 
عودة
أعلى