اللعبة الكبرى": المعركة على مصير أمريكا في المنطقة
===================
2017-6-24 |
خدمة العصر
كتب اللواء الإسرائيلي المتقاعد، يعقوب عميدرور، أن منطقة "الشرق الأوسط" يبدو أنها تدخل مرحلة أخرى أكثر تعقيدا في الصراع على مستقبله. والسبب في ذلك يكمن في تغيير نهج الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه المنطقة. فإدارة ترامب مستعدة لأن تكون أكثر مشاركة من سابقتها، التي قررت عمليا الانسحاب من المنطقة.
وضع التغيير روسيا في الاختبار، وهي غير راضية على تقلص حرية عملها في المنطقة. وبالتوازي، في ظل استغلال الوضع الفوضوي في المنطقة، تقدمت إيران إلى وضع تكون لها فيه إمكانية لفتح رواق شيعي يربط بغداد بدمشق، على قرب حقيقي من الأردن. في منطقة الرواق المستقبلي (منطقة التنف) تعمل قوات خاصة أمريكية وبريطانية.
ورأى المحلل الإسرائيلي أن نجاح القوات الكردية في القتال في القسم الشمالي من سوريا يمس بالخطة الإيرانية لإقامة رواق بري في الشمال بالتوازي مع ذاك الذي يُعدَ في الجنوب، ويتسبب أيضا في قلق كبير لتركيا، التي تخشى أكثر من أي شيء آخر الاستقلال الكردي أو حتى حكم ذاتي كهذا في سوريا. هكذا تدور في شرق سوريا أربعة أو خمسة صراعات مختلفة في وقت واحد.
الوضع في المنطقة سخن في الأيام الأخيرة. وقوات النظام السوري التي عملت في مجال الواقع أمام مثلث الحدود مع العراق والأردن -بهدف الارتباط بنظرائهم من العراق- تعرضت للهجوم من الجو من قبل الأمريكيين. طائرة سورية وطائرة غير مأهولة إيرانية أُسقطتا على أيدي الأمريكيين أيضا لأنهما بزعم الولايات المتحدة عرضتا للخطر جنودا أمريكيين يعملون هناك مع القوات المحلية.
وردا على إسقاط الطائرة السورية أعلنت روسيا بأنها ستسقط كل طائرة تحلق غربي نهر الفرات، فنقلت بذلك الكرة إلى الملعب الأمريكي. فإذا قررت واشنطن مواصلة الطيران في المنطقة "الممنوعة"، فستقف موسكو أمام قرار صعب جدا، فهل تسقط طائرة أمريكية أم تتراجع عن تصريحات متسرع؟
ووفقا لتقديرات الجنرال الإسرائيلي، فإن المواجهة الحالية هي نتيجة رغبة أمريكية للمشاركة في تصميم سوريا بعد تصفية داعش. ولهذا فقد أقيم معسكر أمريكي قرب التنف، ولهذا السبب تعمل في تلك المنطقة قوات خاصة. ولكن الصراع في المنطقة هو أيضا جزء من صورة أوسع تتعلق بمسألة هل يمكن وقف إيران التي تتحول لتصبح القوة السائدة في المنطقة.
وهنا رأى الكاتب، ردا على تساؤله، أنه إذا لم توقف إيران في التنف، فإنها ستنشئ رواقا بريا من بغداد حتى دمشق، ولأول مرة في التاريخ الحديث سيكون للإيرانيين قدرة وصول مباشرة إلى البحر المتوسط. الكابوس، الذي وصفه الملك الأردني "الهلال الشيعي" سيتحقق، وستكون الجغرافيا الإستراتيجية للشرق الأوسط مختلفة.
إن زعامة الإيرانيين، الذين يقودون الشيعة في كل مكان وفقا لخطتهم الكبرى، تبرز في ضوء الانقسام السني. فالسُنة، رغم كونهم أغلبية مطلقة في المنطقة، لم ينجحوا في الوقوف في وجه الموجة الشيعية، وباستثناء إخراج السودان من دائرة النفوذ الإيراني يجدون صعوبة للوقوف ضد الحرس الثوري والميليشيات الشيعية التي تنفذ إرادة إيران.
وحين يتحقق الرواق الإيراني على الأرض، ستحين لحظة الاختبار لإدارة ترامب في الولايات المتحدة. إذا ما تراجعت مثل سابقتها بعد استخدام الأسد للسلاح الكيميائي، سيحسم مصير الولايات المتحدة باعتبارها طرفا قويا مؤثرا في المنطقة. وإذا تبين بأن الرئيس الحالي هو أيضا نمر من ورق، سيفقد الأمريكيون كل مصداقية. وقوة عظمى بلا مصداقية ليست قوة عظمى.
هذا الوضع تفهمه إيران وروسيا أيضا، كما كتب، وكلتاهما تحاولان إثبات مصداقيتهما على حساب الولايات المتحدة (هذا هو أحد أسباب إطلاق الصواريخ الإيرانية نحو قواعد داعش في سوريا). وعليه، فإن الأزمة الحالية هي منذ الآن جزء من "اللعبة الكبرى"، التي تحاول فيها روسيا للعودة إلى مكانة الاتحاد السوفييتي في ذروة قوته في الشرق الأوسط.
ورأى أن الحلف بين روسيا وإيران قوي، ولكن ليس لأنهما تتشاركان في الفكر ذاته، بل لأنهما تكملان الواحدة الأخرى. روسيا تقدم الغلاف الدولي، الاستخبارات والمساعدة الجوية، بينما توفر إيران الجنود لتنفيذ العمل على الأرض.
أما روسيا، التي توجد في الجانب الشيعي من هذا الصراع، ستحاول في الوقت نفسه الحفاظ على العلاقات الطيبة مع السُنة وبيع السلاح للسعودية ولمصر.
ومن شمال التنف، على مقربة من الحدود التركية، يواصل الأكراد الهجوم –بمساعدة أمريكية– على الرقة، المعقل الأكبر الأخير لداعش في سوريا. وبعد تحررها ستصبح الرقة، حسب الفهم الأمريكي، المكان الذي يوقف فيه المسعى الإيراني في الرواق الشمالي، الذي يمر في الموصل.
وتعزز قوة الأكراد في سوريا يقلق جدا الأتراك، الذين يدعون وعن حق على ما يبدو، بأن للأكراد في سوريا علاقات مع التنظيم الكردي في تركيا: حزب العمال الكردستاني. فضلا عن ذلك، وفقا لما كتب، فإن كل تعزيز للقوة الكردية والخطوات نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال يخيف الأتراك، وبهذا تكون تركيا عرضة لمطالبات كردية بحكم ذاتي آو استقلال يعرض وحدتها للخطر. هذا هو الكابوس التركي الأكبر ويشارك فيه حتى الأتراك الذي يكرهون اردوغان. تركيا ستفعل كل ما في وسعها كي تمنع قيام هذا الكيان.
وختم الجنرال الإسرائيلي مقالته بالقول إن "ارتباط الكفاح الإيراني بإنشاء اتصال بري بالبحر المتوسط مع الصراع بين القوى العظمى، والقتال ضد داعش، والصراع بين الشيعة والسُنة في الشرق الأوسط، بين الأتراك والأكراد على الحدود التركية، وبين نظام الأسد والثوار، يتلخص ظاهرا في منطقة مثلث الحدود بين سوريا، العراق والأردن (الذي يشعر بأنه مهدد) وشمالا من هناك. والقرارات المختلفة في الأزمة ستؤثر لمدى بعيد جدا في مستقبل الشرق الأوسط كله..."