ما نحتاجه في عملية "عاصفة الحزم"
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
@khojah10
@khojah10
بسم الله الرحمن الرحيم
أن ندرك أهمية أن نبتغي بها وجه الله تعالى، فكل الأسباب تدعو إلى ذلك، وواحدة منها تكفي؛ فهي عملية تدفع وتذب عن أقدس البقاع وأحبها إلى الله تعالى، وهي: الكعبة، والبيت الحرام، والمشاعر المقدسة للحج، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وقبره، ومحط هجرته. هذه الأمكنة المقدسة عند كل مسلم سني، تفرض على كل حرب من أجلها، أن تكون لله خالصة، يتقرب بها إلى جنابه، ويرغب بها عند بابه: أن يمن بحفظها، ويزيد العباد من فضله.
ثم إن هذه البلاد خالصة للقرآن والسنة وعلى منهج السلف الصالح أهل القرون الثلاثة المفضلة الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم، فحمايتها فرض على كل مسلم لأجل بيضة الإسلام وحماه، ومأرز الإيمان وأصله، فهذا سبب آخر يفرض على من قاتل على حدودها، وبذل نفسه لحماية ثغورها: أن يبتغي بذلك وجه الله تعالى.
ثم إن جميع أعداء الملة الحنيفية والإسلام دين إبراهيم عليه السلام، من: صهاينة يهود ونصارى، وصفويين مجوس رافضة شيعة تلبسوا بلباس الإسلام وحب آل البيت، وهو منهم بريء، يضمرون الحقد والحسد والبغض والثأر لهذا البلد. قد دأبوا على وضع الخطط لإسقاط حكم السنة فيه، واستبدال منهج السلف إما بمنهج علماني ملحد، أو منهج صفوي شيعي، وكلها قد باءت بالفشل، وإنما غرضهم القضاء على بلد فريد وحيد في إعلان: الشريعة، والسنة، والسلفية مذهبا ومنهجا له، وكلها شعارات دينية إسلامية أصيلة.
فمن دافع عنه وقام له، فإنما يقوم لشعائر الله يدفع عنها ويصون، فما له إلا الإخلاص لوجه الله تعالى، ما أحراه بذلك، فالإخلاص بين يديه يناديه: عملك يحيط به الإخلاص، فلتفز به.
ويظن أناس، أن ما قد أعلن من أهداف للحرب، وهو: نزع سلاح الحوثي، وإعادة الحكومة الشرعية المنتخبة. مانع ومناف لمبدأ الإخلاص لله تعالى؛ لأنه لم يعلن أن مقصوده: إعلاء كلمة الله تعالى. بل التمكين لحكم علماني يجمع خليطا من التيارات المختلفة حتى الماركسية.
وهذا فيه قصور في الإدراك والفقه؛ فإن الحرب ليس مقصودها إعادة الشرعية للحكم فحسب، بل درء فتنة ومحنة الصفويين عن البلاد، أعداء السنة والإسلام، بعدما تبينت مآربهم بإعلان عزمهم على احتلال مكة والمدينة والجزيرة كلها، وتسمية زعيمهم: أنه سيد الجزيرة الجديد. وإسقاط الدولة السعودية. فإذا كانت هذه طويتهم التي عجزوا عن كتمها، وهي معلومة لاتخفى: فإن المدافع عن البلاد في هذه الحرب وغيرها، إنما يحمي مكة والمدينة، أن تقع بأيدي قوم لهم تاريخ سيء وقبيح مع الإسلام والمسلمين منذ القرن الرابع الهجري؛ حين غزا أسلافهم من القرامطة مكة، فقتلوا من الحجيج ألوفا، وملؤوا منهم زمزما، حتى قال قائدهم الباطني أبو طاهر الجنابي، وهو يرى القتل يستعر في المسلمين بين يديه عند الكعبة:
أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا
وبلغ بهم الجرم، أن نزعوا الحجر الأسود من مكانه، وأخذوه معهم إلى ناحية البحرين في بلاد هجر، وهي جهة القطيف اليوم، فمكث عندهم ثنتان وعشرون سنة منذ 317هـ- 339هـ.
أما لماذا قتلوا الناس في مكة والعراق وفارس وهجر، وكل مكان كانوا يكونون فيه؟.
فالجواب هو ذات السبب الذي لأجله يقتلون السنة اليوم في العراق؛ إنه ثأر وانتقام من قوم كسروا كسرى حتى لم يقم له بعد حتى اليوم قائمة، فهم ينتقمون لدولتهم وحكمهم البائد، ولم يخلصوا من ثأرهم إلى اليوم، فلو أعادوا الكرة على مكة والمدينة، لفعلوا كما فعلوا أسلافهم، وقد رأينا شاهدا على ذلك؛ أنهم لا يحفظون حرمة لشيء مقدس عند المسلمين، حين انتهكوا حرمة مكة عام 1406هـ، وعام 1411هـ وفي غيرهما بالقتل والتفجيرات.
لأجل كل هذا، فالمدافع عن هذا البلد، فإنما يدفع عن حمى: الإسلام، والقرآن، والسنة، والكعبة، والمسجد، والقبر. فلا مناص له من أن يصحح نيته ليكون عمله لوجه الله تعالى، سواء كانوا جندا، أو قادة، أو أمراء وحكاما.
وكونه يدافع مع ذلك عن الشرعية في اليمن، ولو حكمت بالعلمانية، وكانت حكومة خليطا من تيارات شتى، فذلك لا يضر الإخلاص والنية في شيء؛ إذا ما كان القصد الأول وجه الله تعالى بإرادة حفظ بيضة الإسلام وحماه، ثم لا بأس أن يقصد تولية وتنصيب من لا يعادي بلاد الإسلام بل يواليه، ولو حكم بغير الشريعة، هو خير ألف مرة من الذي يخطط لإسقاط مكة والمدينة، ويزيل حكم القرآن والسنة والسلف عن البلاد، ويستبدلها بدين المجوس.
فالجهاد ممكن ومشروع بنية دفع الضرر والشر الأكبر بالأصغر، إذا لم يمكن إلا ذلك، ويكون من جهاد الدفع، وجهاد الدفع لا يلزم فيه ألا يكون إلا بشرط إقامة الشريعة، بل يمكن أن يكون لدفع شر العدو وحسب، وتقليل الضرر قدر الإمكان، ولو لم يبلغ إقامة الشريعة والحكم بما أنزل الله؛ إذ الإسلام جاء رحمة على العباد، فلم يكلفهم ما لا يطيقون، فإن أطاقوا تطبيق الشريعة فبها ونعمت، وإن عجزوا فلهم أن يقصدوا بجهادهم وقتالهم دفع أعظم الضررين.
وحقيقة الأمر: أنه من الممكن الجمع بين نيتين في عمل واحد كالجهاد؛ ابتغاء وجه الله تعالى، وحفظ الدنيا أيضا، لكن بشرط أن يكون المقدم وجه الله تعالى، فهذا الجمع لا يطعن في الجهاد ولا يفسده فالجهاد لايتم بمجرد نية الإخلاص، دون أن يكون له نية أخرى معه كإقامة الدولة أو حفظها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما جاهد المشركين في: بدر، وأحد، والخندق، والفتح، وحنين، وتبوك. وغيرها، كانت النية ابتغاء وجه الله تعالى، لكن معها أيضا إقامة دولة الإسلام، وحفظ بيضتها وصونها من العدوان، وقبل الحلف مع بعض المشركين لنصرة المظلوم كحلف المطيبين، ولا يوجد في تاريخ المسلمين جهاد وحرب قصد فيه إعلاء الكلمة مجردا من هدف سياسي كإقامة دولة، أو أمني كحفظ الدولة، أو اقتصادي كتقوية الدولة ماديا، كما في أمره صلى الله عليه وسلم بالإغارة على قافلة لقريش يقودها أبو سفيان، بقصد غنيمة ما فيها من مال، تعويضا لما خسره المسلمون في مكة، فدخول نية السياسة، أو الأمن، أو الغنيمة في الحرب غير مفسد لها، ما دام القصد الأول ابتغاء وجه الله تعالى. كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل قتيلا فله سلبه). أي يغنم ماله الذي معه.
إنها حرب بين السنة والشيعة، إذا أردنا أن نعرض الحقائق كما هي، لكن المسالك السياسية تقول إنها حرب نفوذ إقليمية بين الدول، بدأت منذ قيام الثورة الخمينية 1979م بتصدير الثورة، والذين يخشون من تهمة "الطائفية" أن تتسلط عليهم، يسمونها حرب صفوية مجوسية، وكلها لها حظ من الحقيقة. لكنها أيضا حرب سنية شيعية، وأن كره هذا الوصف قوم، فالواقع لا يمكن التعمية عنه، فهذا النوع من التعمية أضر بنا نحن السنة، منذ أن كان ممنوعا - بسوط الطائفية - التفريق بين السنة والشيعة ، حتى تمددوا بين السنة واحتلوا دولهم، مستفيدين من الحصانة التي وفرت لهم بغطاء الوحدة، فصرنا إلى هذا الحال، فمن اليوم وجب أن نضع النقاط على الحروف، لنعرف من عدونا، فإن ما وقع على السنة من أذى الشيعة شيء لا يطاق.
لذا كان ينبغي لنا أن نظهر الحقيقة: إنها حرب سنية شيعية. ولا أدل على هذا من اصطفاف جميع السنة-إلا من شذ-مع تحالف "عاصفة الحزم" وفرحهم بها أيما فرح، وشعورهم بالرضا والعزة والتمكين، أما الشيعة فكافتهم وجميعهم مصطفون مع الدولة الصفوية معارضة للعاصفة، حتى الموصوفين بالاعتدال من: المراجع، أو الآيات، أو النخب، أو العامة. كل من هو معتز بشيعيته فهو كذلك معهم، أما من هو أقرب للسنة منهم؛ الذي عرف نقده المستمر للشيعة والتشيع في الأصول والفروع، فهؤلاء لا يعدون منهم، فلا يحسبون عليهم.
هي حرب سنية وشيعية ولو لم تسم بذلك، ولا حاجة للتسمية، يكفي أن يعرف الجميع هذه الحقيقة، ليعرفوا عدوهم فلا يغتروا بكذبه، الذي هو ديدنه ودينه وعادته وطبعه، الذي لايعرف خلقا سواه، فلو مكث يوما لا يكذب، لأصيب بداء "الامتناع من الكذب".
وقد كانت الدول والإعلام، كذلك عامة الجماعات الإسلامية تتحاشى أن تسمي الصراع بمسمياته الحقيقية: "سني وشيعي". حتى ألجأهم الشيعة إلى ذلك بأعمالهم الصريحة في العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج، حيث التحركات من منطلقات شيعية محضة، بدعايات دينية، ولافتات صور الآيات والمراجع، وبشعارات الثأر والانتقام ممن سموهم أعداء آل البيت زورا، وقتل السني على الهوية، وصدور فتاوى المراجع بمشروعية كل ذلك، مع تصريحات لمسئولين إيرانيين تنضح تعصبا وطائفية ومجوسية، فلذلك اضطرت الدول والإعلام أن تدخل مصطلح الشيعة والسنة في بياناتها، فاليوم الكل يسمع بالسني والشيعي في وسائل الإعلام، كذلك هي الحرب إن استمرت، واشتعلت في مواقع أخرى مواجهات مع المشروع الصفوي في المنطقة، لن يجد الناس لها مسمى غير سني وشيعي، فالشيعة لا غير هم وقودها، سواء كانوا مستغفلين أو عارفين، وفيهم هذا وهذا، لكن كل الحروب هي كذلك، فيها أغرار جهال تقودهم نخب نفعية كاذبة، فإذا قامت الحرب كانوا صفا واحدا، لا فرق بينهم في المسمى، أما عن معاملتهم فإنه العدل شعارنا، لا نحمل أحدا جريرة أحد أبدا.