مدخل لفهم دولة مالي

الحاج سليمان 

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
5 سبتمبر 2007
المشاركات
7,264
التفاعل
19,869 259 28
الدولة
Algeria
لفهم قضية مالي لابد من الإلمام ببعض الأساسيات فيها
سأسمي ذلك ألف باء مالي

حقوق النقل غير محفوظة مع الاشارة للمصدر :

ألف باء مالي:
----------------
إذا أردت أن تفهم أبجديات قضية مالي عليك أولا أن تستوعب:
البمبارة+الملنكي+الدوغون= الماند
تتركز السلطة عند البمبارة، مع أن القائد العسكري اليوم من الملنكي، كما للدوغون حضور مهم في الجيش، ورغم التباينات فالماند ينظرون لأنفسهم كحلف من جذر واحد.
الملنكي إسلامهم قديم
البمبارة إسلامهم جديد
الدوغون أرواحيون/ديانة تقليدية
هذه المجموعات ورثت الهياكل الاستعمارية في الإدارة والجيش، وتتركز في الوسط والغرب، وضمن مجالهم تقع العاصمة: بمكو.
الفلاني: من أقدم السودانيين إسلاما، زعماء حركات الجهاد في القرن 19 وخصوم الاستعمار، ينظر إليهم بريبة من المجموعات السابقة، وكان يغلب عليهم نمط الترحال، وعداوتهم للدوغون شديدة، خلفيتها دينية وقبلية واقتصادية (صراع على مجالات الرعي والزراعة)، وبينهم ثارات نتيجة مجازر مروعة، وهم مجموعة مميزة ضمن المجموعات السودانية واسعة الانتشار، ومع أنهم (في أصلهم) من حيث الجذر الانثوي من الشعوب السوداء، لكن من حيث الآباء هم خليط وفيهم حضور لافت للأمازيغ الذين تزوجوا من سودانيات.
التوارق: بعيدون جدا عن سلطة القرار، حاولوا الانفصال عدة مرات، وشكلوا العديد من الحركات لتحقيق هذا المطلب منذ استقلال مالي، يعانون من غياب التنمية، وعدم إشراكهم في السلطة، ومع أن بعضهم يتبنى خيارات أقل راديكالية فإنهم من الصعب أن يسلموا للبمبارة بحكمهم، وهم امتداد لتوارق الصحراء وليس للمجموعات السودانية (أمازيغ)
السنغاي: مجموعة تراجعت ديمغرافيا، وهي داعمة لحلف الماند، لأنها أقرب لهم اجتماعيا وثقافيا، وهم في الأصل سودانيون، كانوا قادة مملكة ضخمة أسقطها المغاربة السعديون سنة: 1591 ، ولأنهم موجودون شمالا فهم الامتداد للماند (سياسيا وليس عرقيا) داخل مجالات ذات أغلبية من التوارق.

النظام العسكري في مالي عزز من هذه التناقضات، لأنه عمل على إقحام كل المشكلات ذات الخلفيات المتعددة داخل سردية وهمية: "الحرب على الإرهاب"، مستندا إلى انضمام بعض الفلان أو التوارق إلى جماعات ذات خلفية "سلفية جهادية"، وهي حيلة تجعل النتيجة سببا.

من الزاوية الديمغرافية ليس هناك إحصاء رسمي، لكن مجموعة الماند وحدها تتجاوز 50 % من السكان، لكن من حيث المساحة التوارق مع انهم يشكلون حوالي 20% فإن مجالهم الترابي يتجاوز نصف مساحة مالي، ويشاركهم فيه قليلا الفلان الذين يتوزعون في كل المساحة وينازعون الجميع بسبب نمط الترحال، كما يوجد في الشمال قبائل عربية تقدر بحوالي 2% من السكان، وهم جزء من حالة الرفض الأزوادي، بينما يميل السنغاي زرما إلى حكومة بمكو خوفا من انتقام التوارق كنتيحة لكل الصراعات القديمة والمتجددة
 
التعديل الأخير:
IMG_9292.jpeg
 
ألف باء مالي (2):
---------------------

تحمل مالي جرحا استعماريا لم يندمل بعد، ولا يبدو أنه سيندمل في المدى المنظور، فقد تشكلت حدودها -المصطنعة- التي جمعت قبائل متنافرة في كيان سياسي واحد، كأحد تمظهرات ترتيبات ما بعد الكولونيالية، وتركت فرنسا –وهي تخرج شكليا – قنابل موقوتة تتيح لها استمرارية النفوذ عبر آلية "الاستقلال المراقب".
خلفت فرنسا في مالي نظاما بيروقراطيا، تديره نخب جنوبية بالأساس(قبائل الماند: البمبارة، الملنكي، الدوغون) ورثت الجيش والإدارة والمدرسة والإعلام، وتمكنت من تكريس هيمنة إثنية ومجالية، مقابل تهميش مزمن للشمال (التوارق، الفلاني، العرب) الذين ظلوا خارج المعادلة الحقيقية للسلطة والثروة.
هذه الهياكل التي كان يفترض بها أن تعيد إنتاج الدولة تحوّلت بعد الاستقلال إلى آلة لصنع الريع، إذ احتكرت النخب العسكرية والإدارية من الماند مناجم الذهب وطرق التجارة ومراكز القرار، بينما حشر الشمال في موقع الضحية المتهمة، يعاني التهميش والفقر، فتحول تدريجيا إلى برميل بارود انفجر أكثر من مرة منذ ستينيات القرن الماضي، دون أن تبذل بمكو أي مجهود حقيقي لمعالجة الجذور العميقة للأزمة.
 
هذه الجذور تتجاوز صورتها الإعلامية، وتضرب عميقا في التناقضات الإثنية والمجالية، التي يمكن تتبعها إلى القرن السادس عشر، حين قام المغاربة السعديون بغزو مملكة السنغاي، وأعادوا تشكيل التوازنات السكانية والاجتماعية والسياسية في هذه المنطقة الحساسة.
ما يسوق اليوم من قبل حكومة بمكو على أنه: "حرب على الإرهاب" ليس في جوهره سوى صراع هويات وموارد، ولأضرب أمثلة للمتابعين أشير أن الفلاني الرعاة الذين فقدوا مواشيهم بسبب سرقات الجيش وابتزاز السلطات المحلية قد دفعت تلك التصرفات بعض شبابهم إلى أحضان الجماعات المسلحة، لا بدافع أيديولوجي بقدر ما هو فعل يائس في مواجهة الإقصاء والمعاملة العنصرية التي تمعن في اعتبارهم أعداء المشروع الوطني، كما أن الدوغون -وهم من الماند كما أشرت أعلاه- لا يقاتلون الفلاني لأنهم "إرهابيون" حتى وإن زعموا ذلك، بل لأنهم يرون فيهم تهديدا وجوديا لأراضيهم الزراعية التي تقلصت تحت وطأة الجفاف، والتوارق الذين حمل بعضهم السلاح تحت شعارات "جهادية" لم يفعلوا ذلك قناعة، بل لردع مشروع التطهير العرقي الذي يرونه خلف خطاب الدولة المركزية، ومن أجل الدفاع عن حكمهم الذاتي المقموع تاريخيا، ولذلك بقيت حركاتهم ذات الطابع الاثني أكثر قوة ونفوذا وتماسكا وأقرب لحاضنتهم الشعبية.
إن الأزمة هنا ليست ظرفا طارئا، بل إنها مخرجات طبيعية لهياكل إنتاج للفوضى، فقد حولت النخب الحاكمة من الماند حالة التوتو والصراع إلى سوق مفتوح تستثمر فيه فوضى الشمال وفشل التنمية وانعدام الخدمات لتكريس مزيد من الريع والهيمنة، والجيش المالي الذي يُفترض أن يحمي البلد بات يحصد ميزانيات ضخمة تحت عنوان "مكافحة الإرهاب"، فيما قادته أنفسهم متورطون في شبكات تهريب الذهب ذاتها التي تتغذى منها الجماعات المسلحة، في مشهد تذوب فيه الحدود بين الفاعل النظامي وغير النظامي، ويصبح الفساد ليس انحرافا عن النظام بل هو النظام ذاته.
أما التدخلات الدولية منذ عملية برخان الفرنسية، فلم تؤد إلا إلى تعقيد الوضع أكثر، فقد كانت باريس تقدم نفسها منذ 2013 كطليعة الحرب على "الإرهاب"، بينما كانت طائراتها تقصف قرى الطوارق وتحمل ذهب أزواد نحو أوروبا، وعندما جاء مرتزقة فاغنر الروس منحوا النخب العسكرية في بمكو غطاء جديدا للقمع، مقابل السيطرة على مناجم كيدال.
إن فشل مبادرة الجزائر للسلام سنة 2015 لم يكن في حقيقته نتيجة رفض الجماعات الأزوادية المسلحة، بل لأن النظام في بمكو لم يكن يومًا جادا في تقاسم حقيقي للسلطة مع الشمال، بل كان ينتظر حسما أمنيا مدعوما من الخارج (روسيا وتركيا لاحقا)، يتوهم من خلاله فرض الاستقرار بالقوة.
إننا اليوم أمام دولة تتفكك بسبب حرائق متشابكة
 
* الصراعات القبلية التي تتغذى على تناقضات الهوية والأرض والموارد، وتتداخل فيها مخاوف البقاء مع صدمات التاريخ، حيث لا تزال الدولة تبقي على منطق "المركز" مقابل "الأطراف"، و"المواطن" مقابل "المتهم الأبدي".
* تحوّل الجماعات المسلحة إلى آليات إنتاج للعنف المنظم، تغذيها هشاشة الدولة وغياب البدائل التنموية، وتغذي بدورها الخطابات الطائفية والانتقامات المتسلسلة، في بيئة فقدت الثقة في أي أفق وطني مشترك.
* النخب العسكرية التي تدير الأزمة وتربح منها، والتي لم تعد السلطة بالنسبة إليها وسيلة للحكم فقط، بل مدخلا للغنيمة، يشترى فيه الولاء بالأموال، وتبرر فيه الانقلابات بمنطق "الإنقاذ"، بينما لا يتغير شيء في البنية العميقة للفساد والتمييز.
* تنازع القوى الدولية على هذا الجسد الإفريقي المثخن بالجراح، وفي مقدمة هذه القوى: فرنسا وروسيا وتركيا والإمارات... كل واحدة تحمل شعارا مختلفا، لكن الجميع يسير نحو نفس الهدف: الذهب، والمعادن، والموقع الاستراتيجي، والأسواق المفتوحة، وهكذا تحول البلد إلى رقعة شطرنج تحرك فيها البيادق الداخلية بتوجيه خارجي، في تواطؤ علني بين المصالح الدولية والفساد المحلي.
لقد ضاعف التغير المناخي من المأساة، فقد أدى زحف الصحراء على منطقة السافانا إلى ندرة المياه، وتقلص الأراضي الرعوية والزراعية، وهو ما عزز صراعات قديمة بين الرعاة والمزارعين، وقد صبغت مذابح موبتي وسلسلة الانتقامات المتبادلة بين الفلاني والدوغون بلون العنف العرقي، بينما خلفياتها اقتصادية وبيئية في جوهرها حتى لو جرى تسويقها دينيًا أو إثنيًا، وأنا هنا لا أنفي فاعلية هذا المؤثرات ولكن أشير للعامل المحرك وليس لخطابات الاصطفاف والتجييش، فقد كان يمكن للتنمية أن تعيد تفعيل مشاهد التعايش التي تحولت من التاريخ المرئي إلى التاريخ المجهول.
بعيدا عن منطق الحتمية التاريخية، فإن مالي ليست فاشلة لأنها فقيرة، بل لأن نخبها حولت الدولة إلى غنيمة، حتى في السنوات التي كان يبدو فيها الجنوب مستقرا كان هذا الاستقرار مبنيًا على إقصاء 60% من التراب الوطني هو الشمال الأزوادي المقصي عن كل تنمية، والذهب الذي يُفترض أن يبني المدارس والمستشفيات صار وقودا لحرب داخلية، أو تم تهريبه لتمويل فيلات النخبة في دبي ومدن غسيل الأموال.
إن الخروج من هذا النفق المظلم لن يتم عبر اتفاقيات سلام هشة تقفز على الجذور، ولا من خلال طموحات راديكالية تتجاوز مساحة الممكن، بل عبر مشروع جذري لتفكيك تحالف السلاح والسلطة والذهب، الذي خنق هذا البلد منذ لحظة استقلاله، ولا يزال يضعه في قلب عاصفة يخشى أن تنقله من صورة الدولة الهشة إلى اللادولة، وبالتالي إلى حالة احتراب شاملة لن تكون في مصلحة أحد سوى جيوش النهب الاستعماري للثروات
.
 
الحاج سليمان @الحاج سليمان
نحن نعرف أن القبائل التي ذكرتها أنت قليلا ما عاشت تحت قيادة دولة أغلبها قبائل تفضل الحرية و العيش بقيادة شيخ واحد هل هذا يعني أنا النظام العالمي الجديد الذي فرض عليهم سياسة الدولة و المؤسسات لم يناسبهم لهذا لا يزالون في تخلف
يعني هم من كثرة تفرق هذه القبائل صعب إصدار لغة رسمية لهذا تراهم يعتمدون الفرنسية
كما أنهم كانوا بعيدين عن الحضارات القديمة فلم يتعلموا النظام المدني منها
لو كانوا أدرى بمصالحهم أظن أن حكم الفيديراليات سيناسبهم كل قبيلة لها حكم ذاتي أما الشؤون العليا فليجؤون للشورة ،لكن المشكل هنا الأوروبي ينتظر التفرق ليزود جهة بالسلاح و يستلم الأخرى
 
الحاج سليمان @الحاج سليمان
نحن نعرف أن القبائل التي ذكرتها أنت قليلا ما عاشت تحت قيادة دولة أغلبها قبائل تفضل الحرية و العيش بقيادة شيخ واحد هل هذا يعني أنا النظام العالمي الجديد الذي فرض عليهم سياسة الدولة و المؤسسات لم يناسبهم لهذا لا يزالون في تخلف
يعني هم من كثرة تفرق هذه القبائل صعب إصدار لغة رسمية لهذا تراهم يعتمدون الفرنسية
كما أنهم كانوا بعيدين عن الحضارات القديمة فلم يتعلموا النظام المدني منها
لو كانوا أدرى بمصالحهم أظن أن حكم الفيديراليات سيناسبهم كل قبيلة لها حكم ذاتي أما الشؤون العليا فليجؤون للشورة ،لكن المشكل هنا الأوروبي ينتظر التفرق ليزود جهة بالسلاح و يستلم الأخرى
الخلاف الاساسي بين قبائل مالي هو اقتصادي بحت
هو استمرار للنزاع بين المزارعين والرعاة وهو اصل الخلافات الداخلية في كل السودان ، او منظقة الساحل
 
عودة
أعلى