قال سبحانه في أواخر سورة المجادلة :
{ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)} .
وقال تعالى في أوائل سورة الحشر :
{ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)} ... { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4)} .
فقد أذلّ الذين يحادون الله ورسوله وأخرجهم من حصونهم .
فاتصلت الآيات كأنها في موضع واحد .
جاء في روح المعاني (1) : مناسبة سورة الحشر لما قبلها أنه عزّ وجل قال في أواخر سورة المجادلة : { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } وقال في أوائل سورة الحشر : { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } ، وفي أواخر سورة المجادلة ذكر جلّ شأنه من حاد الله ورسوله وذكر في أوائل سورة الحشر من شاق الله ورسوله .
1 ـ خاطب الله سبحانه المؤمنينَ في أواخر سورة الحشر وأمرهم ونهاهم فقال :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)}.
وخاطبهم في أول سورة الممتحنة وبين ما أراد أن يبينه لهم فقال :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (1) إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)} .
فكأنما سورة الممتحنة استكمال للأوامر والتوجيه .
فآية الحشر في تقوى الله ومراعاته وآية الممتحنة في معاملة أعداء الله .
2 ـ ذكر تعالى في سورة الحشر قبل ذكر أسماء الله وصفاته ما يتعلق بالقتال فقال :
{ لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14)} .
ونحو ذلك ذكر في أوائل سورة الممتحنة فقال :
{ ... إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ... (1) إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)} .
3 ـ ذكر عزّ وجل في أواخر سورة الحشر الاستعداد لليوم الآخر فقال :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)} ... { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)} .
وقال في أوائل سورة الممتحنة :
{ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)} .
فذكر أن الله خبير بما يعملون في سورة الحشر وأنه بصير بما يعملون في سورة الممتحنة .
جاء في روح المعاني (1) : مناسبة سورة الممتحنة لما قبلها أنه جلّ شأنه ذكر في سورة الحشر موالاة الذين نافقوا للذين كفروا من أهل الكتاب وذلك بقوله :
{ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)} .
وذكر في سورة الممتحنة نهى المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء لئلا يشابهوا المنافقين .
1 ـ قال سبحانه في خواتيم سورة الممتحنة : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12)} .
وقال في أوائل سورة الصف : { كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} .
فلا يصح أن يبايعوا على شيء ولا يفعلوه .
2 ـ قال تعالى في خاتمة سورة الممتحنة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)} .
وقال في أوائل سورة الصف : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4)} .
فعليهم أن يجاهدوهم ويقاتلوهم لا أن يتولوهم .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة أول سورة الصف لآخر السورة قبلها أن في آخر سورة الممتحنة قال عزّ وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } . فاقتضى ذلك إثبات العداوة بينهم فحض تعالى على الثبات إذا لقي المؤمنون في الحرب اعدائهم .
1 ـ قال سبحانه في خاتمة سورة الصف :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)} .
وقال في أوائل سورة الجمعة :
{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)} .
فما ذكره في آية الصف إنما هو من تعليم الله لهم في كتابه .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة سورة الجمعة لما قبلها أنه تعالى لما ذكر تأييد من امن على أعدائهم بقوله في آخر سورة الصف : { فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } ، أتبعه بذكر التنزيه الله تعالى وسعة ملكه وتقديسه وذكر ما أنعم به على أمة محمد صلى الله عليه وسلم من بعثته إليهم وتلاوته عليهم كتابه وتزكيتهم فصارت أمته غالبة سائر الأمم قاهرة لها، منتشرة الدعوة كما انتشرت دعوة الحواريين .
2 ـ قال تعالى في أواخر سورة الصف :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11)} ،
وقال أيضا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ } .
وقال في سورة الجمعة : { قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)} .
فالمسلمون يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم والذين هادوا لا يتمنون الموت ويفرون منه .
3 ـ وقد ذم الله عزّ وجل بني إسرائيل في سورتي الصف والجمعة فقال في سورة الصف :
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)} .
وقال في سورة الجمعة : { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)} .
1 ـ ذكر الله سبحانه في سورة الجمعة الكافرين والمسلمين ..
فقال في المؤمنين في أواخر سورة الجمعة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9)} .
وذكر قبلها الكافرين بقوله : { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)} .
وذكر المنافقين في أول سورة المنافقون : { إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} .
فذكر الكافرين من أهل الكتاب ، وذكر المؤمنين ، وذكر المنافقين ، فجمع عموم المكلفين .
2 ـ ذكر تعالى صفة متشابهة بين اليهود والمنافقين وهي الجبن ..
فقال في اليهود في سورة الجمعة : { ... فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)} .
وقال في المنافقين في أول سورة المنافقون : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)} .
3 ـ قال عزّ وجل في خاتمة سورة الجمعة : { ... وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)} .
وقال في سورة المنافقون : { ... وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... (7)} .
فالذي له خزائن السماوات والأرض هو خير الرازقين .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة سورة المنافقون لما قبلها أنه لما كان سبب الانفضاض عن سماع الخطبة المعنية بقوله جلّ شأنه في أواخر سورة الجمعة : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)} ، ربما كان حاصلا من بعض المنافقين واتبعهم ناس كثير من المؤمنين في ذلك الوقت ، لسرورهم بالعير التي قدمت بالميرة إذ كان وقت مجاعة ، جاء ذكر المنافقين وما هم عليه من كراهة أهل الإيمان حيث ذكر الله قولهم : { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا ... (7)} إذ كانوا هم أصحاب أموال والمهاجرون فقراء قد تركوا أموالهم و متاجرهم وهاجروا لله تعالى .
وجاء في روح المعاني (2) : وجه اتصالهما أن سورة الجمعة ذكر فيها المؤمنون وسورة المنافقون ذكر فيها أضدادهم وهم المنافقون .
الهوامش :
(1) البحر المحيط 8/271
(2) روح المعاني 28/108
1 ـ ذكر الله سبحانه المؤمنين والكافرين في أواخر سورة المنافقون فقال :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10)} .
وذكر المؤمنين والكافرين في أوائل سورة التغابن فقال :
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)} .
2 ـ قال تعالى في خاتمة سورة المنافقون : { وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} .
وقال في أوائل سورة التغابن : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)} .
فذكر علمه بالعمل في الموضعين ، وذكر علمه في كل شيء في السماوات والأرض بعد ذلك فقال :
{ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)} .
فاستوفى علمه كل شيء .
3 ـ قال عزوجل في خواتيم سورة المنافقون :
{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)} .
وقال في أوائل سورة التغابن : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5)} .
فللكافرين الذلة وللمؤمنين العزة وقد أتاهم نبأ الذين كفروا من قبل ممن ما ذاقوا وبال أمرهم .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة سورة التغابن لما قبلها أن ما قبلها يشتمل على حال المنافقين وفي آخرها خطاب المؤمنين فأتبعها في أوائل سورة التغابن ما يناسب من قوله جل شأنه : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ } هذا تقسيم في الإيمان والكفر .
وجاء في روح المعاني (2) : مناسبة سورة التغابن لما قبلها أنه سبحانه ذكر في سورة المنافقون حال المنافقين وخاطب بعد المؤمنين وذكر جلّ وعلا هنا تقسيم الناس إلى مؤمن وكافر . وقال أيضا في آخر سورة المنافقون : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)} ، وقال في سورة التغابن : { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)} ، وهذه الجملة على ماقيل كالتعليل لتلك .
الهوامش :
(1)البحر المحيط 8/276
(2)روح المعاني 28/119
1 ـ قال سبحانه في أواخر سورة التغابن : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)} . وقال في أول سورة الطلاق : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ... (1)} . اذا ربما كانت العداوة تؤدي الى الانفصال بين الزوجين .
2 ـ قال تعالى في أواخر سورة التغابن : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} وقال في أول سورة الطلاق : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} . فقال في سورة التغابن : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } . وقال في سورة الطلاق : { وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ } . وقال في سورة التغابن : { وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا } . وقال في سورة الطلاق : { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } . ومن يتعد حدود الله لم يسمع ولم يطع .
3 ـ قال عزّ وجل في آخر سورة التغابن : { ... وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)}
وقال في أوائل سورة الطلاق : { ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ... (3)} وقال ايضا : { ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} فكانت المناسبة من أكثر من وجه .
جاء في روح المعاني (1) : لما ذكر سبحانه في ٍسورة التغابن : { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ } وكانت العداوة قد تفضي إلى الطلاق ، ذكر جلّ شأنه هنا الطلاق وأرشد سبحانه الى الانفصال منهن على الوجه الجميل . وذكر أيضا ما يتعلق بالأولاد بالجملة .
وجاء في البرهان في تناسب سور القرآن (2) : لما تقدم قوله تعالى في سورة المنافقون : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)} وقوله في سورة التغابن : { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ...(14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)} ، والمؤمن قد يعرض له ما يضطره إلى فراق من نبه على فتنته وعظيم محنته ، وردت سورة الطلاق منبهة على كيفية الحكم في هذا الافتراق ، وموضحة أحكام الطلاق ، وأن هذه العداوة وإن استحكمت ، ونار الفتنة وإن اضطرمت لا توجب التبري بالجملة وقطع المعروف وذلك في قوله تعالى : { ... لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} .
وجاء في البحر المحيط (3) : مناسبة سورة الطلاق لما قبلها لما ذكر سبحانه الفتنة بالمال والولد أشار الى الفتنة بالنساء وأنهن قد يعرضن الرجال للفتنة حتى لا يجد مخلصا الا بالطلاق ، فذكر أنه ينفصل منهن بالوجه الجميل بأن لا يكون بينهن اتصال لا بطلب ولد ولا حمل .
الهوامش :
(1) روح المعاني 28/128
(2) البرهان في تناسب سور القرآن لأحمد بن إبراهيم بن الزبير ص 189
(3) البحر المحيط 8/281
1 ـ سورة الطلاق في الطلاق وأحكامه
قال سبحانه في أوائل سورة التحريم : { عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)} .
2 ـ قال تعالى في خاتمة سورة الطلاق : { ... لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} .
وذكر في أوائل سورة التحريم علمه بما نبأت به بعض أزواجه وأظهره الله عليه فقال : { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)}
جاء في البحر المحيط (1) : المناسبة بين سورة التحريم وبين السورة قبلها أنه لما ذكر عزّ وجل جملة من أحكام زوجات المؤمنين في سورة الطلاق ، ذكر في سورة التحريم ما جرى من بعض زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم .
1ـ ذكر سبحانه في أواخر سورة التحريم من الذين أحسنوا العمل امرأة فرعون ومريم ابنة عمران بقوله :
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)} .
و من الذين أساءوا العمل امرأة نوح وامرأة لوط بقوله :
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)} .
وذكر في أول سورة المُلك أنه سبحانه خلق الموت والحياة ليبلو المكلفين أيهم أحسن عملا فقال :
{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} .
فذكر في آخر التحريم قسما ممن بلاهم أيهم أحسن عملا فأساء بعض و أحسن بعض ، فكان ما في سورة التحريم مثالا لما ذكر في سورة المُلك .
2 ـ ذكر تعالى في سورة التحريم جزاء من أساء ومن أحسن فقال في من أساء:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7)} .
وقال فيمن احسن :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)} .
وكذلك ذكر في سورة المُلك جزاء الكافرين والمؤمنين فقال في الكافرين :
{ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)} .
وقال في الذين يخشون ربهم :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)} .
قال سبحانه في أواخر سورة الملك :
{ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (29)}.
وقال تعالى في أوائل سورة القلم : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7)} .
فالمناسبة ظاهرة بينهما .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة سورة القلم لما قبلها أنه تعالى ذكر في سورة الملك أشياء من أحوال السعداء والأشقياء وذكر قدرته الباهرة وعلمه الواسع وأنه تعالى لو شاء لخسف بهم أو أرسل عليهم حاصبا ، وكان ما أخبر تعالى به هو ماتلقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي ، وكان الكفار ينسبونه مرة إلى الشعر ومرة إلى السحر ومرة الى الجنون ، فبدأ سبحانه وتعالى سورة القلم ببراءته مما كانوا ينسبونه إليه من الجنون وتعظيم أجره على صبره على أذاهم وبالثناء على خلقه العظيم .
1 ـ قال سبحانه في أواخر سورة القلم :
{ فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)} .
وذكر في أوائل سورة الحاقة قسماً ممن كذب رسله واستدرجهم وأهلكهم فقال :
{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8) ... (12)} .
2 ـ ذكر الله تعالى في أواخر سورة القلم المتقين والكافرين فقال في المتقين :
{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)} .
وقال في الكافرين :
{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)} ،
وذلك في يوم القيامة
وذكر ذلك اليوم في ابتداء سورة الحاقة فقال :
{ الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)} .
ثم ذكر بعد ذلك من أوتي كتابه بيمينه :
{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) ... (24)} .
وذكر من أوتي كتابه بشماله فقال :
{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) ... (37)} .
ذكر سبحانه يوم القيامة في سورة الحاقة ابتداء من قوله : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13)} إلى أواخرها ،
ثم قال في آخرها : { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)} .
وذكر تعالى يوم القيامة في أوائل سورة المعارج فقال : { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)} . ويستمر في ذكر أحداث ذلك اليوم .
جاء في روح المعاني (1) : سورة المعارج هي كالتتمة لسورة الحاقة في بقية وصف القيامة والنار .
1 ـ قال سبحانه في أواخر سورة المعارج :
{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)} .
وذكر في أوائل سورة نوح قوم نوح الذين كانوا يخوضون ويلعبون ويستهزئون وذكر عاقبتهم إلى أن قال :
{ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25)} .
2 ـ قال تعالى في أواخر سورة المعارج :
{ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)} .
وضرب لنا بعدها في سورة نوح مثلا بقوم نوح الذين أهلكهم وأبدلهم خيرا منهم.
جاء في البحر المحيط (1) : لما أقسم عز وجل على أن يبدل خيراً منهم وكانوا قد سخروا من المؤمنين وكذبوا بما وُعِدوا به من العذاب ذكر قصة نوح وقومه وكانوا أشد تمرداً من المشركين فأخذهم الله أخذَ استئصال حتى إنه لم يُبْقِ لهم نسلاً على وجهِ الأرض ... فحذّر تعالى قريشاً أن يصيبهم عذاب يستأصلهم إن لم يؤمنوا .
وجاء في روح المعاني (2) : لما قال جل شأنه في سورة المعارج : { إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ } ، عَقَّبَ تعالى بقصة قوم نوح عليه السلام المشتملة على إغراقهم عن آخرهم بحيث لم يبق منهم في الأرض ديار وبَدّل خيراً منهم ، فوقعت موقع الاستدلال والاستظهار لتلك الدعوة .
1 ـ قال سبحانه في اواخر سوره نوح عن قوم نوح :
{ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)}
فكانوا مصرين على الشرك .
وقال في أول سورة الجن على لسان مؤمنين الجن :
{ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)}
فأولئك أشركوا به آلهة وهؤلاء لا يشركون به أحدا .
2 ـ وقال تعالى في سورة نوح :
{ وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)} .
وقال في أول سورة الجن عن الجن :
{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)} .
فكلاهما أضلّ صاحبه وأرهقه .
3 ـ قال عز وجل في سورة نوح :
{ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25)} .
وقال في سورة الجن :
{ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)} .
4 ـ قال جلّ شأنه في سورة نوح :
{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11)} .
وقال في سورة الجن :
{ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (16)} .
جاء في روح المعاني (1) : أنه سبحانه قال في سورة نوح : { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11)} ، وقال عز وجل في سورة الجن لكفار مكة : { وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (16)} ..
وقوله في سورة الجن : { ... وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)} فإنه يناسب قوله تعالى : { مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25)} .
1 ـ قال سبحانه في أواخر سورة الجن :
{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)} أي اجتمعوا عليه لمحاربته .
وقال في أوائل سورة المزمل :
{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلاً (5)}
ومن ذلك ما لقيه من قومه من عنت وأذى .
2 ـ قال تعالى في سورة الجن :
{ ... فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} .
وقال في أوائل سورة المزمل :
{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)} .
فكأن آية المزمل مكملة لآية الجن .
3 ـ قال عز وجل في أواخر سورة الجن :
{ ... وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)} .
وقال في سورة المزمل :
{ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا (14)} .
جاء في روح المعاني (1) : لا يخفى اتصال أول سورة المزمل : { قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) }...إلخ بقوله تعالى في آخر سورة الجن : { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)} وقوله : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} .
كلتا السورتين خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم
1ـ قال سبحانه في ختام سورة المزمل : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ... (20)} .
ثم خاطب تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في أول سورة المدثر بقوله : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2)} .
فالأولى في إصلاح النفس والأخرى في إصلاح المجتمع .
2 ـ ذكر عزّ وجل في سورة المزمل عذاب الكافرين بقوله : { إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} .
وكذلك في سورة المدثر : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرَ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (29)} .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة سورة المدثر لما قبلها أن في سورة المزمل : { وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11)} وفيها : { إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)} . فناسب قوله عزّ وجل في سورة المدثر : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2)} ، وناسب ذكر يوم القيامة بعد وذكر بعض المكذبين في قوله : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)} .
وجاء في روح المعاني (2) سورة المدثر متواخية مع السورة قبلها وبُدئت تلك بالأمر بقيام الليل : { قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)} وهو عبادة خاصة .. وبُدئت هذه بالإنذار : { قُمْ فَأَنذِرْ (2)} ، وفيه من تكليف الغير مافيه .
ذكر سبحانه في أواخر سورة المدثر أصحاب النار وقد قيل لهم : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)} .
وبداية سورة القيامة في يوم القيامة
وقال تعالى في أواخر سورة المدثر : { كَلَّا بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53)} .
وأول سورة القيامة : { لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة سورة القيامة لما قبلها أن في أواخر سورة المدثر : { كَلَّا بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54)} ، وفيها كثير من أهوال القيامة فذكر تعالى في سورة القيامة يوم القيامة وجملاً من أحوالها .
وجاء في روح المعاني (2) : لما قال عزّ وجل في أواخر سورة المدثر : { كَلَّا بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53)} بعد ذكر الجنة والنار وكان عدم خوفهم إياها لإنكارهم البعث ذكر جلّ وعلا في سورة القيامة الدليل عليه بأتم وجه ووصف يوم القيامة وأهواله وأحواله.
الهوامش :
(1) البحر المحيط 8/384
(2) روح المعاني 29/135
1 ـ قال سبحانه في آخر سورة الإنسان :
{ يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)} .
وفي أول سورة المرسلات بعد القسم ذكر اليوم الآخر فقال سبحانه :
{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13)} .
2 ـ ذكر الله تعالى في سورة الإنسان جزاء الكافرين والمؤمنين فقال :
{ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)} .
وقال : { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)} ... إلى أواخر السورة
وكذلك ذكر تعالى في سورة المرسلات جزاء الكافرين والمؤمنين فقال :
{ وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (15)} ، وقال :
{ وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (28) انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)} .
وقال : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ (44)} .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة سورة المرسلات لما قبلها ظاهرة جدا وهو أنه تعالى يرحم من يشاء ويعذب الظالمين بقوله { يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)} وهذا وعد منه صادق فأقسم على وقوعه في هذه فقال : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7)} .
وجاء في روح المعاني (2) : لما قال عزّ وجل في آخر سورة الإنسان : { يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)} ، افتتح سورة المرسلات بالإقسام على ما يدل على تحقيقه وذكر وقته وأشراطه.
الهوامش
(1)البحر المحيط 8/403
(2) روح المعاني 29/169
خاتمة سورة المرسلات في جزاء كل من المؤمنين والكافرين ، قال سبحانه :
{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41)} ... { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ (46)} .
وبدايه سوره النبأ عن اليوم الآخر وهو النبأ العظيم وقد قال تعالى فيه :
{ عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)} .
جاء في روح المعاني (1) : لما ختمت سورة المرسلات بقوله سبحانه : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)} ، وكان المراد بالحديث فيه القرآن ، افتتح سورة النبأ بتهويل التساؤل عنه والاستهزاء به .
ذلك على إن المراد بالنبأ العظيم القرآن والكثير من المفسرين يقولون إنه البعث .
(1) روح المعاني : 30/12 وانظر البحر المحيط 8/419