خاتمة سورة النازعات في من طغى وآثر الحياة الدنيا ، وفي من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، قال سبحانه في أواخر السورة :
{ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45)} .
وذكر تعالى في أوائل سورة عبس نماذج من هؤلاء وأولئك فقد ذكر من استغنى ، ومن جاءه يسعى وهو يخشى ، وذلك قوله تعالى :
{ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6)} ، وقوله عز وجل : { وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)} .
جاء في روح المعاني (1) : لما ذكر سبحانه في آخر سوره النازعات : { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45)} ، ذكر عز وجل في سورة عبس من ينفعه الإنذار ومن لم ينفعه وهم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجيهم في أمر الإسلام
(1) روح المعاني 30/39 وانظر البحر المحيط 427 ـ 8/426
خاتمة سورة عبس في جزاء المؤمنين والكافرين وذلك قوله سبحانه :
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)} .
وأوائل سورة التكوير في اليوم الآخر وذلك قوله تعالى :
{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)} ...(14)} .
جاء في روح المعاني (1) : في سورة التكوير من شرح يوم القيامة الذي تضمنه أواخر سورة عبس .
1 ـ أقسم سبحانه في أواخر سورة الانشقاق بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق فقال :
{ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)} .
والشفق ظاهرة سماوية والقمر في السماء والليل إنما يكون بعد غروب الشمس وهي في السماء فأقسم سبحانه في أول سورة البروج بالسماء فقال :
{ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)} .
2 ـ وذكر ربنا في آخر سورة الانشقاق جزاء الكافرين والمؤمنين فقال :
{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)} .
وذكر عزّ وجل قبل ذلك حساب من أُوتي كتابه بيمينه ومن أُوتي كتابه وراء ظهره فقال :
{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)} .
وأقسم ربنا سبحانه في أول سوره البروج باليوم الموعود وهو اليوم الذي يكون فيه كل ذلك فقال :
{ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)} .
وذكر تعالى بعد ذلك عاقبة الكافرين والمؤمنين فقال : { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)} .
ذكر سبحانه في أواخر سورة الطارق السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع فقال :
{ وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)} .
وفُسِرَ الرجع بالمطر والصدع بالنبات (1).
وقال في أوائل سورة الأعلى : { وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4)}
فالمناسبة ظاهرة .
جاء في روح المعاني (2) : ذكر تعالى في سورة الطارق خلق الإنسان وأرشد إلى خلق النبات بقوله :
{ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)} .
وذكر في سورة الأعلى في قوله تعالى : { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)}
وقوله سبحانه : { وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى (5)}.
وجاء في البحر المحيط (3) : لما ذكر عزّ وجل في سورة الطارق : { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)} كأن قائلا قال، من خلقه على هذا المثال فقيل : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}.
الهوامش:
(1) البحر المحيط 451 ـ 8/450
(2) روح المعاني 30/101
(3) البحر المحيط 8/458
لما قال سبحانه في خواتيم سورة الأعلى :
{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)} .
وقال قبل ذلك :
{ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11)} ،
ابتدأ سورة الغاشية بقوله تعالى :
{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} ، وهي الآخرة وذكر جزاء من آثر الحياة الدنيا بقوله :
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)... } .
وذكر ما هو خير وأبقى وذلك قوله عزّ وجل :
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ (8)} ، وما بعدها .
جاء في البحر المحيط (1) : لما ذكر جلّ شأنه في سورة الأعلى : { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (9)} ، وذكر النار والآخرة قال في أول سورة الغاشية : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} .
فذكر جزاء من تذكر وهو الذي قال فيه في سورة الأعلى : { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى (10)} ،وجزاء من تجنب الذكرى وهو الأشقى الذي يصلى النار الكبرى.
ذكر سبحانه في آخر سورة الغاشية من تولى وكفر وذكر أنه سيعذبه العذاب الأكبر بقوله :
{ إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)}.
وذكر في أول سورة الفجر فسما ممن تولى وكفر فيعذبه في الدنيا وسيعذبه في الآخرة وهم قوم عاد وقوم ثمود وفرعون فقال تعالى :
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)} ،
وقال فيهم : { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} .
جاء في البحر المحيط (1) : لما ذكر عز وجل في سورة الغاشية : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)} ، { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ (8)} ، أتبعها بذكر الطوائف المتكبرين المكذبين المتجبرين الذين وجوههم يومئذ خاشعة وأشار إلى الصنف الآخر الذين وجوههم ناعمة بقوله في سورة الفجر: { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)} .
و ايضا لما قال جلّ شأنه في سوره الغاشية : { إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)} ، قال في سوره الفجر : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} ، تهديداً لمن كفر وتولى .
لما ذكر ربنا سبحانه في سورة الفجر ابتلاء الإنسان بالمال وابتلاءه بقلة الرزق ذكر ربنا تعالى في سورة البلد أنه خلق الإنسان في كبد وهو ابتلاء على أية حال وذكر من قال : { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا (6)} وما أراده ربنا من ذوي المال .
جاء في روح المعاني (1) : لما ذم الله سبحانه في سورة الفجر من أحب المال وأكل التراث أكلاً لماً ولم يحض على طعام المسكين ذكر جلّ وعلا في سورة البلد الخصال التي تُطلب من صاحب المال من فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة .
وجاء في البحر المحيط (2) :لما ذكر تعالى في سورة الفجر ابتلاءه للانسان بحالة التنعيم وحالة التقدير وذكر من صفاته الذميمة ما ذكر وما آل إليه حاله وحال المؤمن اتبعه في سورة البلد بنوع من ابتلائه ومن حاله السيء وما آل اليه في الاخرة والاشاره لهذا البلد إلى مكة المكرمة .
ذكر سبحانه في خاتمة سورة البلد أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة بقوله :
{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19)}.
وذكر تعالى في سوره الشمس من أفلح وهم أصحاب الميمنة وذكر من خاب وهم أصحاب المشأمة فقال: { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)} .
جاء في روح المعاني (1) : لما ختم سبحانه سوره البلد ذكر أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ،أعاد جل شأنه في سورة الشمس الفريقين على سبيل الفذلكة بقوله سبحانه :
{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)} .
وفي سورة الشمس :
{ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} ،
وهو كالبيان لقوله تعالى في سوره البلد :
{ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) ... } .
وختم سبحانه سوره البلد بشيء من أحوال الكفرة في الآخرة وختم جلّ وعلا سوره الشمس بشيء من أحوالهم في الدنيا .
ذكر سبحانه في سورة الشمس اختلاف النفوس وذكر انه افلح من زكاها وأنه خاب من دساها بقوله :
{ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)} .
وذكر تعالى في أوائل سورة الليل أن سعي الإنسان مختلف فقال : { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)} .
وذكر حال كل من الفريقين حال من أعطى واتقى وصدق بالحسنى وحال من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فكان ذلك كأنه تفصيل لما ذكره عز وجل في سورة الشمس .
جاء في روح المعاني (1) : لما ذكر سبحانه في سورة الشمس : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)} ، ذكر سبحانه في سورة الليل من الاوصاف ما يحصل به الفلاح وما يحصل به الخيبة ففيها نوع تفصيل ذلك لا سيما وقد عقب جلّ وعلا ذلك بشيء من انواع الفلاح و أنواع الخيبة والعياذ بالله .
قال ربنا سبحانه في أواخر سورة الليل :
{ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13)} .
وقال تعالى في أوائل سورة الضحى :
{ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى (4) } .
وقال : { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)} .
فإن عليه الهدى وقد هداه ربه .
وإن له الآخرة والأولى وقد جعل له ربه الآخرة خيرا له من الأولى .
كلتا السورتين في رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطاب له وتذكيرا بالنعم التي أنعمها الله على رسوله في أواخر سورة الضحى بقوله :
{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) } .
وفي أوائل سورة الشرح استكمال لما ذكره تعالى من النعم من حيث شرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر وذلك بقوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2)} ، { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} .
قال سبحانه في أواخر سورة الشرح :
{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} .
وذكر تعالى في سوره التين من ردَّه إلى أسفل سافلين و هي حاله العسر ، واستثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقال :
{ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)} .
وهذا مما يسره ربنا سبحانه لهذا الصنف .
جاء في روح المعاني (1) : لما ذكر سبحانه في سوره الشرح حال أكمل النوع الإنساني بالاتفاق بل أكمل خلق الله عز وجل على الاطلاق صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر عزّ وجل في سورة التين حال النوع وما ينتهي إليه أمره وما أعده سبحانه لمن آمن منه بذلك الفرد الأكمل .
وجاء في البحر المحيط (2) : لما ذكر جلّ شأنه في سوره الشرح من كمله الله خَلْقاً وخُلُقاً ذكر في سورة التين حالة من يعاديه وأنه يرده أسفل سافلين في الدنيا والاخره .
الهوامش
(1) روح المعاني 30/173
(2) البحر المحيط 8/489
1 ـ قال سبحانه في خاتمة سورة التين :
{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)} .
وقال في أول سورة العلق :
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} .
فالذي أمر بالقراءة حكيم .
والذي خلق الإنسان من علق هو أحكم الحاكمين .
والذي علم بالقلم هو أحكم الحاكمين .
والذي علم الانسان مالم يعلم هو أحكم الحاكمين .
2 ـ قال تعالى في سورة التين :
{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} .
وقال في سوره العلق :
{ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} .
فالمناسبة ظاهرة .
جاء في روح المعاني (1) : لما ذكر سبحانه في سوره التين خلق الإنسان في أحسن تقويم بَيَّنَ عز ّ وجل في سوره العلق انه خلق الانسان من علق وكان ما تقدم كالبيان للعلة الصورية وهذا كالبيان للعلة المادية .
وجاء في البحر المحيط (2) : لما ذكر تعالى في سوره التين خلق الانسان في احسن تقويم ثم ذكر ما عرض له بعد ذلك ذكره في سوره العلق منبهاً على شئ من أطواره وذكر نعمته عليه ثم ذكر طغيانه بعد ذلك وما يؤول إليه حاله في الآخرة.
الهوامش
(1) روح المعاني 30/178
(2)البحر المحيط 8/492
قال سبحانه في آخر سورة العلق :
{ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} .
وقال تعالى بعدها في أول سورة القدر :
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} .
وليلة القدر هي الليلة التي ينبغي أن يحييها المسلم بالسجود والاقتراب (قال ابن عباس وغيره فيها أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا) .
وجاء في البحر المحيط (1) : لما قال سبحانه (في أول سورة العلق) : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} ، فكأنه قال اقرأ ما أنزلنا عليك من كلامنا (في سورة القدر) : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} .الضمير عائد على ما دل عليه المعنى وهو ضمير القرآن .
ذكر سبحانه في سورة القدر إنزال القرآن بذكر ضميره :
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} ، ولم يذكره تصريحا .
وبين ما أنزله في أوائل سورة البينة فقال تعالى :
{ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)} .
جاء في روح المعاني (1) : وجه مناسبة سورة البينة لسورة القدر أن قوله تعالى فيها : { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ... } كالتعليل لإنزال القرآن ، كأنه قيل : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} ، لأنه : { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)} ، وحتى يأتيهم ... { رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2)} وهي ذلك المُنزل .
وذكر تعالى في أول سورة الزلزلة أهوال يوم القيامة بقوله : { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) ...} .
وهو وقت الجزاء المذكور في سورة البينة .
جاء في البحر المحيط (1) : لما ذكر سبحانه في سورة البينة كون الكفار يكونون في النار وجزاء المؤمنين فكأن قائلا قال : متى ذلك ؟ فقال عزّ وجل : { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)} .
ذكر سبحانه في خواتيم سورة الزلزلة حال الإنسان في الآخرة فقال :
{ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} .
وذكر تعالى في سورة العاديات حال الإنسان في الدنيا فقال :
{ إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)} .
وختمها جلّ شأنه باليوم الآخر فقال : { أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)} .
جاء في روح المعاني (1) : إن قوله عزّ وجل في سورة الزلزلة : { وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)} يناسب قوله في سوره العاديات : { أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)} .