1 ـ قال سبحانه في آخر سورة ص :
{ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)} .
وقال في أول سورة الزُمر :
{ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)} .
جاء في روح المعاني (1) : وجه اتصال أول سورة الزُمر بآخر سورة ص أنه قال سبحانه في آخر سورة ص : { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87)} ، وقال في أول سورة الزُمر : { تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)} ، وفي ذلك الالتئام بحيث لو أسقطت البسملة لم يتنافر الكلام .
ثم إنه تعالى ذكر آخر سورة ص قصة خلق آدم ، وذكر في صدر سورة الزُمر قصة خلق زوجه منه وخلق الناس كلهم منه ، وذكر خلقهم في بطون أمهاتهم خلقا من بعد خلق ، ثم ذكر أنهم ميتون .
2 ـ ذكر تعالى في آخر سورة ص قسم إبليس على إغواء بني آدم إلا المخلصين من عباده فقط وذلك في قوله :
{ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)} .
وقال في أوائل سورة الزمر : { ... فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2)} .
فأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بعبادة الله مخلصا له الدين لينجو من إغواء إبليس . وهذا هو السبيل للنجاة .
1 ـ ذكر سبحانه في خواتيم سورة الزمر من سيقَ إلى النار : { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ... (71)} ، ومن سيقَ إلى الجنة : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ... (73)} .
وذكر في أوائل سورة غافر أنه سبحانه غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول فقال سبحانه :
{ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)} .
وذلك ليدعوهم إلى التوبة والاستغفار وذكّرهم بأنه شديد العقاب لينجوا من العذاب الشديد فيكونوا من أهل زمر الجنه.
2 ـ لما ذكر تعالى مصيرهم في خواتيم سورة الزمر قال في أول سورة غافر : { ... إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)} .
3 ـ ذكر عزّ وجل في أواخر سورة الزمر عاقبة الكافرين في الآخرة وعقوباتهم .
وذكر في أوائل سورة غافر عقوبة المكذبين في الدنيا فقال :
{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)} .
فذكر في سورتي الزمر وغافر عاقبة المكذبين في الدنيا والآخرة
4 ـ قال جلّ شأنه في آخر سورة الزمر :
{ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)} .
وقال في أوائل سورة غافر :
{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)} .
فذكر الملائكة وتسبيحهم في الدنيا والآخرة والدعاء للمؤمنين بالنجاة من النار ودخول الجنة .
جاء في روح المعاني (1) : وجه مناسبة أول سورة غافر لآخر سورة الزمر أنه تعالى لما ذكر في أواخر سورة الزُمر ما يؤول إليه حال الكافر وحال المؤمن ، ذكر جل وعلا في أوائل سورة غافر أنه تعالى غافر الذنب وقابل التوب ليكون ذلك استدعاء للكافر إلى الإيمان والإقلاع عما هو فيه .
ذكر سبحانه في أواخر سورة غافر عاقبة الذين كفروا في الدنيا فقال :
{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)} إلى أن ختم السورة بقوله :
{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)} .
وذكر تعالى في أوائل سورة فصلت إعراض قريش وحذرهم وحذَّرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب الاولين فقال :
{ حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)} إلى أن قال :
{ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)}.
جاء في روح المعاني (1) : مناسبة أول سورة فصلت لما قبلها أنه سبحانه ذكر قبل : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ } ،وكان ذلك متضمناً تهديداً و تقريعاً لقريش ، وذكر جل شأنه في سورة فصلت نوعاً آخر من التهديد والتقريع لهم ، وخصَّهم بالخطاب في قوله تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)}،ثم بين سبحانه كيفية إهلاكهم وفيه نوع بيان لما في قوله : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ }.
قال سبحانه في خاتمة سورة فصلت : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ (54)} .
وقال تعالى في أول سورة الشورى : { حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)} .
فأشار إلى القرآن في الموضعين .
وذكر الله سبحانه وصفاته فيهما .
فقد قال في أواخر سورة فصلت : { ... أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ (54)}.
وقال في أوائل سورة الشورى : { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)} .
فالذي له مافي السماوات ومافي الارض العلي العظيم هو الذي بكل شيء محيط.
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة أول سورة فصلت لآخر ما قبلها أنه عزّ وجل قال : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)} .وكان في ذلك الحكم عليهم بالضلال بما كفروا به قال في أوائل سورة فصلت : { كَذَلِكَ } ، أي مثل الإيحاء السابق في القرآن الذي كفر به هؤلاء { يُوحِي إِلَيْكَ } أي :إن وحيه إليك متصل غير منقطع يتعهدك وقتاً بعد وقت .
قال سبحانه في خاتمة سورة الشورى :
{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)} .
وقال في أول سورة الزخرف :
{ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)} .
وقال أيضا في أول سورة الزخرف :
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)} .
1 ـ فذكر القرآن في الموضعين في خاتمة سورة الشورى وأول سورة الزخرف ...
فقد قال في خاتمة سورة الشورى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ... (52)} .
وقال في أول سورة الزخرف : { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)} .
2 ـ وصف تعالى القرآن في أول سورة الزخرف بأنه عليّ حكيم فقال :
{ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)} .
ووصف الله سبحانه نفسه في خواتيم سورة الشورى بأنه عَلِيٌّ حكيم فقال :
{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)} .
فالقرآن عَلِيٌّ حكيم والذي أوحاه عَلِيٌّ حكيم ...
وهل يوحي العلِيُّ الحكيمُ إلا العلِيُّ الحكيم ؟!
3 ـ قال عزّ وجل في خاتمة سورة الشورى :
{ ... الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)} .
وقال في أول سورة الزخرف :
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)} .
وربنا سبحانه خلق السماوات والأرض وله ما فيهما وإليه وحده تصير الأمور .
1 ـ قال ربنا سبحانه في خواتيم سورة الزخرف :
{ سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82)} . وقال : { وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)} . وقال في أوائل سورة الدخان :
{ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (7)} .
2 ـ قال تعالى في أواخر سورة الزخرف :
{ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)} . وقال في أوائل سورة الدخان :
{ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)} . فالذي هو في السماء إله وفي الأرض إله لا إله إلا هو فاتصل الموضعان وتناسبا .
3 ـ قال عزّ وجل في أواخر سورة الزخرف :
{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)} . وقال في أوائل سورة الدخان :
{ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ (10)} . فذكر اللعب والتهديد في الموضعين حتى يلاقوا ما يلاقون .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبه سورة الدخان أنه تعالى ذكر في اواخر سورة الزخرف : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)} . فذكر يوما غير معين ولا موصوفاً فبين في أوائل سورة الدخان ذلك اليوم وصفه ، فوصفه فقال : { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ (10)} . وان العذاب ياتيهم ويحل بهم من الجدب والقحط ويكون العذاب في الدنيا ، وإن كان العذاب في الآخرة فيكون يومهم الذي يوعدون يوم القيامة .
وجاء في روح المعاني (2) : وجه مناسبة سورة الدخان لما قبلها أنه عزّ وجل ختم سورة الزخرف بالوعيد والتهديد وافتتح سورة الدخان بشيء من الإنذار الشديد وذكر سبحانه في أواخر سورة الزخرف قول الرسول صلى الله عليه وسلم : { وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ (88)} . وقال في سورة الدخان نظيره في ما حكى عن أخيه موسى عليهما الصلاة والسلام قوله تعالى : { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ (22)} .
الهوامش: (1) بحر المحيط 8/32
(2) روح المعاني 25/110
1 ـ قال سبحانه في خاتمة سورة الدخان :
{ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ (59)} .
وقال في أول سورة الجاثية :
{ حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)} .
وقال أيضا : { تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} .
فالموضعان كلاهما في القرآن
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة أول سورة الجاثية لآخر سورة الدخان في غاية الوضوح قال تعالى : { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ } . وقال : { حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)} .
2 ـ قال عزّ وجل في خاتمة سورة الدخان : { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } .
وذكر في أوائل سورة الجاثية طرفا مما يدعو الى التذكر ، قال تعالى :
{ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} .
فكلا الموضعين مدعاة إلى التذكر والإيمان فما ذكره في سورة الجاثية يدعو إلى ما ذكره في سورة الدخان .
قال سبحانه في خاتمة سورة الجاثية :
{ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} . وقال في أول سورة الأحقاف :
{ حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (4) } . والمناسبة بين النصين ظاهرة في أكثر من موضع :
1 ـ فإن قوله سبحانه في أواخر سورة الجاثية : { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } ، يناسبه قوله في أوائل سورة الأحقاف : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ } .
2 ـ وقوله تعالى في أواخر سورة الجاثية : { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } ، يناسبه قوله في أوائل سورة الأحقاف : { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)} ، وآيات الله إنما هي من الكتاب .
3 ـ قوله عزّ وجل في أواخر سورة الجاثية : { لَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)} يناسبه قوله في أوائل سورة الأحقاف : { مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } .
4 ـ قوله تقدست أسماؤه في خاتمة سورة الجاثية : { وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} ، يناسبه قوله في أوائل سورة الأحقاف { مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } .
5 ـ ذكر جلّ شأنه اسميه الكريمين في سورتي الجاثية والأحقاف فقد ختم سورة الجاثية بقوله : {... وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} ، وقال في أول سورة الأحقاف : { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)} .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة أول سورة الأحقاف لآخر سورة الجاثية : { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } ، وقلتم إنه عليه الصلاة والسلام اختلقها فقال تعالى : { حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)} .وهاتان الصفتان هما آخر سورة الجاثية وأول سورة الأحقاف ، { وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } اي موعد لفساد هذه البنية .
وجاء في روح المعاني (2) : وجه اتصالها أنه تعالى لما ختم سورة الجاثية بذكر التوحيد وذم أهل الشرك والوعيد افتتح سورة الأحقاف بالتوحيد ثم بالتوبيخ لأهل الكفر من العبيد.
الهوامش: (1) البحر المحيط 8/54
(2) روح المعاني 4/26
وفي هذا النص أكثر من مناسبة بينه وبين افتتاح سورة محمد :
1 ـ فقد قال سبحانه في خواتيم سورة الأحقاف :
{ وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (32)} .
وقال في افتتاح سورة محمد :
{ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)} ، ومن كان في ضلال مبين فقد ضل عمله .
2 ـ وذكر تعالى في أواخر سورة الأحقاف أن الجن قالوا إن القرآن يهدي الى الحق والى طريق مستقيم { ... يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30)} .
وقال في مفتتح سورة محمد :
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)} .
فقد ذكر في سورة محمد أن ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق من ربهم .
3 ـ قال عزّ وجل في خواتيم سورة الأحقاف : { يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)} .
وقال في سورة محمد إن من آمن بما أُنزل على محمد كفر عنهم سيئاتهم : { ... كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)} .
4 ـ قال جلّ شأنه في آخر سورة الأحقاف : { ... كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)} .
وقال في أوائل سورة محمد : { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ... (4)} .
1 ـ قال سبحانه في أواخر سورة محمد :
{ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)} .
وقال في أول سورة الفتح : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (2) وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)} .
2 ـ وقال تعالى في أواخر سورة محمد :
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)} .
وقال في أوائل سورة الفتح :
{ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا (6)} .
والذين لا يغفر الله لهم يعذبهم فكأنهما آيتان متتاليتان .
3 ـ قال عزّ وجل في أواخر سورة محمد :
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)} ... { فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)} .
والسياق في سورة الفتح إنما هو في الجهاد والمبايعة على النصر :
{ ... وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)} ... { ... وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ... (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)} ... { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ... (10)} .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة سورة الفتح لما قبلها أنه تقدم في آخر سورة محمد : { ... وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} . وهو خطاب لكفار قريش ، أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالفتح العظيم وأنه بهذا الفتح حصل الاستبدال وآمن كل من كان في مكة وصارت مكة دار الإيمان .
1 ـ كلام سبحانه في خاتمة سورة الفتح عن الذين آمنوا :
{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ... (29)} .
وفي بداية سورة الحجرات خطاب لهؤلاء المؤمنين :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) }.
2 ـ قال تعالى في خاتمة سورة الفتح :
{ ... وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} .
وقال في أوائل الحجرات :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)} .
فكلتا الآيتين في أصحاب رسول الله وقد وعدهم الله بالمغفرة والأجر العظيم .
3 ـ آية الفتح في من كان معه في الحرب .
وآية الحجرات في من كان معه في السلم ، يعلمهم ربهم كيف يتعاملون مع الرسول و مع المسلمين .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة سورة الحجرات لآخر سورة الفتح واضحة لأنه عزّ وجل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم قال : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} ، فربما صدر من المؤمن عامل الصالحات بعض الشيء مما ينبغي أن ينهى عنه فقال تعالى في أول سورة الحجرات : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} .وكانت عادة العرب وهي إلى الآن الاشتراك في الآراء وأن يتكلم كل بما يشاء ويفعل ما أحب فجرى من بعض من لم يتمرن على آداب الشريعة بعض ذلك .
1 ـ ذكر سبحانه المؤمنينَ في أواخر سورة الحجرات وفي من أسلم ولم يدخل الإيمان قلبه ، وذكر الكافرين في أوائل سورة ق ، وقد قال سبحانه في سورة الحجرات مخاطبا المؤمنين :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)}.
وقال في من أسلم ولم يدخل الإيمان قلبه :
{ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)}.
ثم ذكر صفات المؤمنين :
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}.
وذكر في أوائل سورة ق من كفر وكذب بالحق فقال :
{ بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ (5)}.
فاستعرض المكلفين جميعا ، المسلم ، ومن أسلم ولم يدخل الإيمان قلبه ، والكافر .
2 ـ قال تعالى في أواخر سورة الحجرات :
{ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)}.
وقال في أوائل سورة ق :
{ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)}.
وكلتا الآيتين في بالغ علم الله سبحانه .
جاء في البحر المحيط (1) : ومناسبة سورة ق لآخر سورة الحجرات أنه تعالى أخبر في أواخر سورة الحجرات عن مُدَعّي الإيمان بقوله عزّ وجل : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا } ولم يكن إيمانهم حقاً وانتفاء إيمانهم دليل على إنكار نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال في أوائل سورة ق : { بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ } ، وعدم الإيمان يدل على إنكار البعث أيضا فلذلك أعقبه به .
إن خاتمة سورة ق في يوم الحشر وكذلك أول سورة الذاريات ...
فقد قال سبحانه في أواخر سورة ق :
{ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)} . وقال في أوائل سورة الذاريات : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)} . ثم ذكر عاقبة كل من المكذبين والمؤمنين فقال تعالى في المكذبين :
{ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)} . وذكر المتقين فقال : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)} . وقد سبق ذكر ذلك في سورة ق فقال عزّ وجل :
{ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)} ... { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30)} . وذكر عاقبة المتقين فقال :
{ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} . فالمناسبة ظاهرة .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة أول سورة الذاريات لآخر سورة ق انه جلّ شأنه قال في آخر سورة ق : { ... فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (45)} ، وقال في أوائل سورة الذاريات بعد القسم : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)} .
وجاء في روح المعاني (2) : مناسبة سورة الذاريات لسورة ق انه لما ختمت سورة ق بذكر البعث واشتملت على ذكر الجزاء والجنة والنار وغير ذلك ، افتتحت سورة الذاريات بالاقسام على أن ما وعدوا من ذلك لصادق وأن الجزاء لواقع .
قال سبحانه في خاتمة سورة الذاريات : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)} .
وقال تعالى في أوائل سورة الطور : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِن دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)} .
فالموضعان في عذاب الظالمين المكذبين وتهديدهم بالويل .
والذَّنوب هو النصيب من العذاب .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة سورة الطور لآخر سورة الذاريات ظاهرة ، إذ قال عزّ وجل في خاتمة سورة الذاريات : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59)} . وقال في أوائل سورة الطور : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)} .
وجاء في روح المعاني (2) : مناسبة أول سورة الطور لآخر سورة الذاريات اشتمال كل على الوعيد .
الهوامش:
(1)البحر المحيط 8/146
(2) روح المعاني 27/26 وأنظر نظم الدرر 7/ 291
1 ـ قال سبحانه في خاتمة سورة الطور : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)} .
وقال في أول سورة النجم : { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} .
وهويّ النجم إدباره .
وذكر التسبيح في خاتمة سورة الطور وسورة النجم إنما هي في المعراج إلى السماء الممتلئة بالتسبيح.
2 ـ ذكر تعالى في سورة الطور ما يقوله الكفار في رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي القرآن فقال:
{ فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)} .
وقال : { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (34)} .
وقال في أوائل سورة النجم: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} .
فرد عليهم أقوالهم .
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة أول سورة النجم بآخر سورة الطور ظاهرة لأنه عزّ وجل قال : { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } . أي اختلق القرآن ونسبوه إلى الشعر وقالوا هو كاهن ومجنون .
فأقسم تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { مَا ضَلَّ } ، وأن ما يأتي به هو وحي من ربه .
وجاء في روح المعاني (2) سورة النجم هي شديدة المناسبة لما قبلها فإن سورة الطور ختمت بقوله جلّ شأنه :{ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } ، وافتتحت هذه بقوله سبحانه { وَالنَّجْمِ } .
الهوامش:
(1) البحر المحيط 8/157
(2) روح المعاني 27/44
قال سبحانه في خواتيم سورة النجم : { أَزِفَتْ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)} .
وقال تعالى في أول سورة القمر : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)} .
وقال : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7)} .
فكلا الموضعين في الساعة واقترابها .
جاء في روح المعاني (1) : مناسبة أول سورة القمر لآخر ما قبلها ظاهرة فقد قال عز وجل في أواخر سورة النجم : { أَزِفَتْ الْآزِفَةُ (57)} ، وقال في أول سورة القمر : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ } .
قال سبحانه في خواتيم سورة القمر : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55)} .
وقال تعالى في أول سورة الرحمن : { الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3)} .
فالمليك المقتدر هو الرحمن الذي علم القرآن وخلق الإنسان ، ويكونون في مقعد الصدق إذا أطاعوا ما في القرآن .
جاء في روح المعاني (1) : لما أبرز قوله سبحانه { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } بصورة التنكير فكأن سائلا يسأل ويقول : من المتصف بهاتين الصفتين الجليلتين ؟ فقيل { الرَّحْمَنُ } .
يكاد يكون أغلب سورة الرحمن في اليوم الآخر وذلك من قوله سبحانه :
{ فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)} ، إلى خاتمتها وذلك قوله :
{ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)} .
وبداية سورة الواقعة في القيامة وذلك قوله تعالى :
{ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)}.
جاء في البحر المحيط (1) : مناسبة أوائل سورة الواقعة لما قبلها أن ما قبلها تضمن العذاب للمجرمين والنعيم للمؤمنين ، وفاضل بين جنتي بعض المؤمنين وجنتي بعض بقوله عزّ وجل في سورة الرحمن : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)} فانقسم العالم بذلك إلى كافر ومؤمن مفضول ومؤمن فاضل .
وهكذا جاء ابتداء سورة الواقعة من كونهم أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة وسُبّاق وهم مقربون وأصحاب اليمين والمكذبون المختتم بهم آخر هذه السورة.
ختمت سورة الواقعة بقوله سبحانه : { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)} . وافتتحت سورة الحديد بقوله تعالى : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)} .
جاء في روح المعاني (1) : وجه اتصال سورة الحديد بسورة الواقعة أن سورة الحديد بُدِئَت بذكر التسبيح وختمت سورة الواقعة بالأمر بالتسبيح ، وكان أولها واقعاً موقع العلة للأمر به فكانه قيل {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} لأنه سبح له مافي السماوات والأرض .
(1) روح المعاني 27/164 وانظر البحر المحيط 8/217 ونظم الدرر 7/433
1 ـ قال سبحانه في آخر سوره الحديد : { لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)} .
وذكر من فضل الله العظيم في أول سورة المجادلة أنه سمع المرأة التي تجادل رسول الله في زوجها وأنها تشتكي إلى الله فحفظها من التضييع وحفظ المسلمين من نحو ذلك إلى يوم القيامة وذلك قوله :
{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)} .
جاء في روح المعاني (1) : وجه مناسبة سورة المجادلة لما قبلها أن سورة الحديد ختمت بفضل الله تعالى وفتحت سورة المجادلة بما هو من ذلك .
2 ـ ذكر الله تعالى في أواخر سورة الحديد أن أهل الكتاب ابتدعوا رهبانية ما كتبها الله عليهم وذلك قوله :
{ ... وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ... (27)} .
وذكر في أوائل سورة المجادلة من الأمور المبتدعة التي لم يكتبها الله سبحانه بل أبطلها وهي الظهار ، قال عزّ وجل :
{ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)} .