سيطرة تركيا على عفرين مستبعدة
عدة أسابيع مرت على بدء الهجوم التركي على جيب عفرين، وتشير الخريطة إلى تقدم محدود جدا للقوات التركية وعناصر الجيش الحر، ولعل أحد الأسباب التي تجعل مسألة السيطرة على مدينة عفرين مكلفة وطويلة، ان المنطقة جبلية وعرة تقلل من تأثير القصف الجوي، تمنح المتمركز على قمة الجبل، مميزات قمرة طائرة قاصفة، يسيطر فيها ناريا على الاراضي المنبسطة تحته.
هذه التضاريس تحارب مع مقاتلين أشداء في جيب غير محاصر، بمعنى أن خط الامداد المفتوح على عفرين من حدودها المتصلة بمناطق النظام جنوب شرق عفرين، سيبقى «الشريان» الذي يغذي مقاتلي عفرين ويمنحهم قدرة كبيرة على المطاولة، وعلينا أن نتذكر أن الجيش التركي يقاتل الاكراد منذ ربع قرن في الطبيعة الجبلية نفسها جنوب شرق تركيا، بدون نتائج حاسمة للآن، بحيث ان المعارك عادت لتكون داخل مدن تركية كردية حدودية قبل عامين. اما قوات المعارضة السورية المرافقة للجيش التركي، فهي ضعيفة في قدرتها القتالية، ولا تحمل أي دوافع عقائدية تحضها على القتال في معركة ليست معركتها المباشرة، وكثيرا ما تشكو القيادات الأمنية التركية من ضعف أدائهم، حسبما ينقل أحد الصحافيين الاتراك، خصوصا خلال معركة «درع الفرات» التي استغرقت ستة شهور في قرى صغيرة، ثلاثة شهور منها بمدينة واحدة هي الباب، مع أن تضاريسها ليست جبلية.
السبب الثاني، هو التوازنات السياسية في سوريا التي تميل لصالح إيران والنظام، فالتدخل التركي في سوريا، تم بتوافقات مع روسيا، حليفة إيران، لكن إيران لا ترغب بتثبيت اقدام تركيا داخل اراضي معسكرها العراقي السوري، حصل ذلك من قبل في أربيل والان في عفرين، ولم ترجع العلاقات التركية الايرانية لتوافقها في العراق، إلا عندما اصطفت انقرة مع طهران تأييدا لهجومها الاخير على بارزاني في كركوك، بحكم عدائهما المشترك للطموحات الكردية شمال العراق وسوريا، فمن الواضح أن إيران غضت النظر عن الهجوم التركي بعفرين في إطار السياق نفسه الراغب بإخضاع الاكراد وإخراجهم من التحالف الامريكي، ويبدو ان روسيا اقنعت الايرانيين والنظام بأن هذا التدخل قد يصب في مصلحتهم عندما يضطر الاكراد تحت الضغط العسكري المتواصل والمستنزف، ان يعودوا لحضن نظام الاسد، وأيضا هناك هدف بعيد يتعلق بإبعاد الامريكيبن عن شمال سوريا، بكسر تحالفاتها مع الاكراد، وجذبهم لحضن طهران، وجاءت تصريحات الايرانيين الاخيرة، المعارضة للهجوم التركي على عفرين، لتضع النقاط على الحروف، كأنهم أرادوا إيصال رسالة «قلنا نعم للهجوم تركي، لكن لا للسيطرة تركية».
النفوذ الايراني الواسع في سوريا، يجعلنا نعتقد بأنه من الصعب أن تسير العملية العسكرية في عفرين ضد رغبة طهران، خصوصا اذا عرفنا ان الاتراك لا يتدخلون في سوريا وعفرين، الا بتفاهم معلن مع روسيا، حليفة دمشق وطهران، وما زلت أرجح أنه حتى مناطق درع الفرات ستؤول لتسوية، بعد انتهاء النزاع المسلح وسيطرة النظام المرتقبة على ادلب، التي تقضي بانسحاب الاتراك مقابل عودة النظام لهذه المناطق.
السبب الثالث، هو خيارات الأكراد الواسعة، فالاكراد يعرفون أن هناك خيارين قد يجنبان عفرين السيطرة التركية، الأول أن يكتفي الاتراك بحزام امني حدودي بدون التوغل صوب مدينة عفرين، وهذا قد يحدث، إن نجح الاكراد بالمطاولة اكثر بالمعارك، ويتزايد الضغط الدولي لوقف المعارك، خصوصا إذا واصل الاكراد سحب قواتهم من الدير والرقة مفسحين المجال لعودة تنظيم «الدولة». أما الخيار الثاني، وهو ما يريده النظام وطهران وروسيا، وهو ان تتواصل المعارك لتقترب من عفرين، وحينها يستعين الاكراد بقوات النظام، لتدخل عفرين، وما يؤخر هذا السيناريو، هو ربما محاولة الاكراد للحصول على شروط أفضل للعودة تحت خيمة سلطة دمشق، بالحفاظ على حد ادنى من مكتسبات الإدارة الذاتية الكردية في جيب عفرين.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»