لهذه الأسباب لا تستطيع موسكو وواشنطن الانتصار في سوريا
============
العنوان الأصلي: لماذا لا تستطيع أمريكا الانتصار في سوريا؟
المصدر: ناشيونال انترست
بقلم: دانييل ديبيتريس
ترجمة: مركز الجسر للدراسات
أقدم فلاديمير بوتين، الذي سيطر على الساحة السياسية الروسية طيلة السبع عشرة سنة الأخيرة، أقدم على زيارة سوريا لأول مرة منذ أن أمر القوات الجوية الروسية، قبل أكثر من سنتين، بالوقوف في وجه جماعات الثوار التي كانت تزحف نحو القصر الرئاسي حيث كان نظام الأسد على وشك السقوط، على عكس الوضع حاليا.
في الوقت الذي قد يرى فيه الكثيرون، في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، أنه من المناسب وصف المغامرة العسكرية التي قام بها بوتين في سوريا "بالنصر غير المشروط" للروسيين وعلى أنها كارثة كبيرة لواشنطن وبروكسيل، إلا أن التاريخ السوري لازال يكتب. فعلى الرغم من إعلان بوتين النصر في المجال الجوي الروسي والاستعراض العسكري الذي قدمه حرس الشرف الروسي، وضعت موسكو الآن نفسها في مكان محفوف بالمخاطر حيث أصبحت المسؤولة عن استمرار انتصار نظام الأسد. وبالفعل، فعندما هُرعت إلى نجدة الأسد في أيلول/ سبتمبر 2015 ومكّنت نظامه من تحقيق مكاسب على الأرض على مدى السنتين الماضيتين، تجد روسيا اليوم نفسها مسؤولة بشكل مباشر عن مستقبل سوريا.
على المستوى العسكري، لا شك في أن بشار يفوز في الحرب. فعندما لم تَهزم الفصائل المتطرفة المعارضة السورية المعتدلة ولم تُفقدها أهميتها، زجّ بها في الغوطة الشرقية، أو تم الدفع بها نحو شمال محافظة إدلب نحو أجزاء آخذة في الانكماش.
قبل سنة من الآن، اعتقد معظم المراقبين أن فكرة إعادة فرض النظام سيطرته على شرق مدينة دير الزور ضرب من الخيال. والواقع أن تلك الفرضية لم تكن ضربا من الخيال. فقد تم تطهير دير الزور من مقاتلي تنظيم الدولة الذين طوّقوا قوات النظام التي كانت موجودة في قلب المدينة، حيث يسيطر النظام على جميع المعابر الرئيسية للمدينة والمطارات والمراكز السكنية، الشيء الذي مكّنه من استرجاع سيطرة رمزية على الأقل على البلاد. ولعل أكبر دليل على انتصار النظام عسكريا، هو عندما فقد الغرب اهتمامه بمصير الأسد السياسي. قبل سنوات، كان طرد الأسد من السلطة خطا أحمر وشرطا أصرّت واشنطن عليه بشدة خلال المفاوضات السورية-السورية التي جرت في جنيف برعاية الأمم المتحدة. كما إن السعودية اليوم قد اعترفت سرا أن رحيل الأسد خلال المرحلة الانتقالية السياسية في شقها النظري غير ممكن، وحثت على أن تتماشى مطالب المعارضة السياسية مع بقاء الديكتاتور في الرئاسة لفترة قادمة.
وعلى الرغم من أن مسار الحرب الأهلية يصب في صالح النظام، إلا أن سوريا في حالة يُرثى لها. فالدولة مدمرة، كما إن المجتمع منقسم واقتصادها مدمّر بالكامل، مع وجود نظام سياسي غير كفء وفاسد، كل هذا قد يشجع بعضا من خصوم الأسد على محاربته. فالشجاعة التي أبداها فلاديمير بوتين خلال زيارته تلك ولقائه مع مسؤولي النظام ماهي إلا سراب مخادع، عند النظر عن كثب، يتبين أن انتصار الأسد لا يمكن أن ينتج دولة قائمة على مؤسسات سليمة قادرة على تأدية وظائفها وذات سيادة على حدودها أوحتى الاستمرار بشكل مستقل.
لقد كانت تكلفة الحرب السورية باهظة جدا، ليس فقط لشعبها- حيث قتل نحو 400 ألف شخص خلال العمليات القتالية- لكن لإمكانياتها الاقتصادية ووحدتها المجتمعية. فحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن نحو 13 ونصف مليون سوري (أي ما يقارب 72% من السوريين) يعتمدون على المساعدات الإنسانية من المانحين الدوليين للبقاء على قيد الحياة. بينما نزح نحو ستة ملايين شخص داخليا وتقطعت بهم السبل في أجزاء أخرى من البلاد وأصبحوا غير قادرين على العودة إلى ديارهم بسبب الوضع الأمني. خمسة ملايين سوري فروا نحو مخيمات اللجوء المكتظة في كل من لبنان وتركيا والأردن التي تعاني مشاكل في طاقتها الاستيعابية وعوزا في التمويل الدولي
فالإمكانيات الاقتصادية التي كانت تملكها سوريا قبل الحرب قد اختفت الآن. وأي تقييم منطقي لما حدث، سيقول بأن الأمر سيستغرق أجيالا كي تعود سوريا إلى سابق عهدها قبل الحرب. حسب تقديرات البنك الدولي، كلفت الحرب والتدمير، الذي استمر لأكثر من نصف عقد، النظام خسائر تراكمية تقدر قيمتها ب 226 مليار دولار.
ويتضمن هذا التقييم المنشآت الطبية والنظام التعليمي والبنى التحتية بشكل عام، التي لم تكن في حالة جيدة بالأساس وتعتبر غير فعّالة في أحسن الأحوال. وقد أصدر البنك الدولي تقريرا يفيد بأن " 27% من الوحدات السكنية مهدمة، بينما دمرت 7% من هذه الوحدات بشكل كامل، وهدم 20% منها بشكل جزئي. هذا بالإضافة إلى أن نصف المستوصفات الطبية والمشافي إما دمرت بالكامل أو تضررت بشكل جزئي؛ الشيء الذي أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل مروّع في البلاد بسبب منع الملايين من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة. إذا ما نظرنا إلى مقاطع الفيديو والصور التي تبث اليوم من سوريا نجد أن مدنا كالرقة وحلب وكذا ضواحي دمشق وإدلب والمقاطعات التي كان يسيطر عليها الثوار في حمص قد دمرت بالكامل.
لمَ يُعد الأمر مهما بالنسبة لبوتين؟
لأن مجموعة أصدقاء سوريا- وهي مجموعة من الدول الغنية تضم كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية وقطر- قد أوضحت أنها لن تقدم مساعدات لإعادة إعمار سوريا ما لم تكن هناك عملية انتقال سياسية تقوم على قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. وكان قد شدد مساعد وزير الخارجية الأميركي في الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد، في مؤتمر صحفي له في 18 من أيلول/ سبتمبر الماضي، شدد على فكرة أنه إذا ظل الأسد في السلطة، فسيبقى وحده. مضيفا أن " النظام وداعميه لا يستطيعون إعلان النصر من خلال الخرائط والمناطق الملونة". فإذا لم تكن هناك عملية انتقالية، فإن المجتمع الدولي " لن يساهم في إعطاء الشرعية أو المصادقة على عملية إعادة إعمار في سوريا".
دون وجود مساعدات مالية من الغرب والعالم العربي، ستعاني سوريا بقيادة الأسد بشكل كبير من العودة إلى الحالة الطبيعية في فترة ما بعد الحرب، وهو هدف يسعى الديكتاتور إلى تحقيقه، إذ لم يعد هناك سبب آخر لدعم فكرة شرعيته في نظر شعبه.
أما بالنسبة لبوتين، فهذا يعني أنه يتعين على موسكو اتخاذ قرار: تحمل المسؤولية وإنفاق ملايين الدولارات لإعادة بناء حليف ضعيف أو الانسحاب والتخلي عن نظام الأسد لينهار.
سيكلف الخيار الأول بوتين الكثير للقيام به، وخصوصا بعدما عرف الاقتصاد الروسي نموا بمعدل أقل من مما كان متوقعا. أما الخيار الثاني سيعني أن الحليف الأول لروسيا في المنطقة سيبقى في حالة دائمة من التراجع، غير قادر على الدفاع عن أمنه القومي دون تدخل أجنبي من حزب الله اللبناني، والمليشيات الشيعية العراقية، وعناصر الحرس الثوري الإيراني.
من خلال الحفاظ على حكم الأسد، يصبح كل من بوتين وشركاؤه الإيرانيون المسؤولين الفعليين عن ضمان قيام دولة سورية ولو بشكل جزئي، دولة قادرة على مكافحة أي تحدّ أمني يهددها. وبالنظر إلى انعدام القدرة العسكرية لقوات النظام بعد موت عشرات الآلاف وسقوط العديد من الجرحى في صفوفه وكذا انشقاق الكثيرين عنه، سيستغرق الأمر سنوات قبل أن يتمكن الأسد من صد التهديدات التي من الممكن أن تتعرض لها البلاد دون معين - إذا استطاع القيام بذلك.
آخر شيء يمكن لموسكو أن تقدمه بعد كل هذا الاستثمار للحفاظ على الأسد هو نصر ساحق، وهو نصر يجعل خطة بوتين بشن الحرب خطأ وعلى أنها ليست فكرة عبقرية.
إن ما حدث في سوريا يحمل في ثناياه درسا للولايات المتحدة أيضا، وهو درس كان حريا بها أن تتعلمه طيلة ست عشرة سنة من التدخل العسكري في قارتين والعديد من الدول. فحوى الدرس كالتالي: حذار من التقدمات التكتيكية التي تتخفى على شكل انتصارات استراتيجية. إن المكاسب في ساحة المعركة ليست ثابتة وكثيرا ما تتطلب قدرا هائلا من الأرواح والعتاد من أجل أن تصبح هناك إمكانية لجعل هذه المكاسب واقعا على الأرض.
من المكلف جدا إنفاق ملايين الدولارات وتكريس موارد عسكرية وسياسية هائلة للحفاظ على الانتصار المحقق، من إرسال المقاتلات الحربية ونشر القوات الخاصة لمساعدة الحلفاء على السيطرة على الأرض.
فواقع السياسة الخارجية لا يختلف عن أمور الحياة، من الأفضل أن نفكر في العواقب قبل اتخاذ قرار والعمل بناء على ذلك القرار