خفايا تنشر لأول مرة.. هكذا أسقطت برزة وهذه أسماء من باعوها وأسهموا بحصار الغوطة لــ"يستثمروا" في الخارج
=================
تقارير خاصة | 2017-12-11 04:08:05
المنشار (يمين) مع القيادي الذي تم اغتياله، فهد المغربي (أقصى يسار اللقطة)
*"أبو ليث" خرج من معتقلات النظام ليتصدر المشهد سريعا ويتولى مهمة إسقاط برزة
*لم يبق جميع الخونة في حضن النظام، فهناك منهم من غادر نحو الشمال أو تركيا، دون أن يمسهم أحد
* "أبو بحر" كان واجهة لـ"أبو الطيب" وهذا الأخير كان واجهة لشخص مقيم في تركيا
*اللواء الأول كان في إصدار البيانات في الصف الأول، وكان على الورق تشكيلا ثوريا مثاليا
*لم يتركوا نوعا من التجارة إلا مارسوه.. من تجارة المخدرات والسلاح، مرورا بتجارة الأغذية الموجهة لإطعام الجائعين
تقدم "زمان الوصل" في هذا التقرير الجزء الثاني من سلسلة "خبث الثورة"؛ لتكشف فيه بالوقائع والأسماء عن دور "التهجيج" (التطفيش، الدفع للرحيل) والتضييق، الذي كان يمارسه قادة الفصائل الفاسدون بحق أهالي برزة قبل أن يحل موعد هؤلاء القادة ليبصموا على حملة "التهجير".
ورغم أن الحديث يتركز بشكل أساسي عن "أبو بحر" و"المنشار" اللذين جاهرا بخدمة النظام وأجرا بندقيتهما له (حسب ما ورد في شهادة المصدر الأول في الجزء الأول)، فإن شهادتي مصدرينا الثاني والثالث تقود إلى أسماء أفراد لايقلون خطورة عن المذكورَين آنفا، لاسيما أولئك الذين وضعوا اللمسات النهائية على تسليم حي برزة للنظام.
*هدايا على الملأ
==
يقدم مصدرنا الثاني شهادته بخصوص قيادات الفصائل في برزة، مؤكدا لنا أنه على معرفة عميقة وتفصيلية بكثير من الأمور، لاسيما أنه كان "مقاتلا" في الحي، فضلا عن علاقاته الوثيقة بمن كان يظن أنهم قيادات ثورية حقيقية.
ويشرح مصدرنا كيف تطورت دوافع القتال ضد النظام، من القتال لأجل الدفاع عن الناس، إلى القتال بغرض الحصول على الغنائم (أسلحة، ذخائر) التي تمكن المجموعة أو الفصيل من المواصلة، إلى القتال الذي يهدف لاستجرار دعم الداعمين والحفاظ على تدفقه، وقد كان "المنشار" ممن يعرفون كيف تؤكل كتف الداعم، وخاض في سبيل ذلك اشتباكات ضمنت تحسين صورته وتأمين داعم يقدم له الأموال ليغدو صاحب صولة وجولة في برزة.
أما بالنسبة لـ"أبو بحر" فهو ممن لم يشاركوا بالحراك السلمي، وظل ساكنا حتى اندلع الحراك المسلح رغم أنه جبان، حسب مصدرنا، ولم يكن يقوى على غمار الاقتحامات، بل إنه خرج نحو نصف سنة إلى بلدة "معربا"، بداعي العلاج، الذي لم يكن يستوجب بقاءه كل تلك المدة.
ويؤكد المصدر أنه كان على معرفة وثيقة بـ"أبو الطيب" و"المنشار" و"أبو بحر" وعلى اطلاع بأحوالهم قبل الثورة وخلالها، فهم يتحدرون من أسر لم تكن ميسورة الحال، وكان الأول منهم يعمل في قطاعة حديد، أما الثاني فكان ميكانيكيا، والثالث "أبو بحر" كان يعمل على سيارة لنقل المازوت.
ويلفت مصدرنا إلى أن شهوة المال هي التي أعمت هؤلاء وحولتهم إلى مرتزقة وتجار حروب، بعد أن كانوا ثوارا، وقد كانت نقطة الانحراف الأولى مع مسالمة النظام، ولجم البنادق وحامليها عن مقارعته، حيث شرع "أبو بحر" في تجارة المحروقات بخطوات بسيطة وبمساعدة أخيه، وشيئا فشيئا كبرت أطماعه، لاسيما بعدما زوده "أبو الطيب" –قائده وقائد اللواء الأول- بمبلغ 25 ألف دولار، يفترض أنها من أموال الثورة- ليتاجر بها.
ويبدو أن هذه الأموال أثارت شهية النظام وضابطه أيضا، وكانت ممهدا لالتقاء مصالح القيادات في برزة معهم، ثم عاملا مساعدا في تجنيدهم واعتمادهم وكلاء حصريين للنظام بلباس ثوري، حتى إن "أبو بحر" كان يخرج من "برزة" بسيارته إلى وسط دمشق ويتجول هناك دون أن يعترضه أحد فضلا أن يعتقله، بينما يفترض أنه من بين أوائل المطلوبين، وقد كان "أبو بحر" يناور ويسوغ هذا الانكشاف المفضوح عبر قوله إنه يدفع الرشى لضباط النظام وجنوده، ما يجعلهم يغضون الطرف عنه... وإن كان هذا الكلام قد انطلى على البعض، فإن هناك من لم ينطل عليه، لاسيما أن هناك من أهل برزة من يملك رؤوس أموال ضخمة، ولم يكن يجرؤ على الخروج والتجول علنا في دمشق، أو لم يستطع فك معتقل يهمه أمره.
لقد كانت الهدنة قنطرة لإقامة جسور تواصل وعلاقات متشابكة بين قادات الفصائل وبين النظام، و"أبو بحر" مثلا كان على علاقات مباشرة بضباط النظام ومنهم "قيس فروة"، وكان يشتري منهم سيارات ويبيعها في برزة.
وكان "أبو بحر" يقدم لـ"فروة" هدايا ثمينة، والمثير أن هذا كان يتم أحيانا على المكشوف، والحجة الجاهزة أن هذه الهدايا تساعد أهل برزة وتقضي لهم حوائجهم، من فك معتقل أو إدخال بضائع أو...
ورغم أنه حصد أموالا طائلة، فإن "أبو بحر" لم يكن سوى تاجر صغير مقارنة بـ"أبو الطيب" الذي كانت له ولآخرين نشاطات أخرى، لاسيما تهريب وتجارة الآثار، التي يؤكد المصدر أنه وقف عليها بنفسه.
*75 مليون منعته
==
لم تكن الآثار ولا المحروقات فقط، هي كل ما في جعبة قادة الفصائل من "بضائع"، فهناك تجارة المخدرات القادمة من لبنان (مليشيا حزب الله)، وتجارة الأغذية، وتجارة السلاح (يشترونه من النظام ويبيعونه للفصائل في الغوطة)، وتجارة البشر (تهريبهم عبر الأنفاق..).
ويلخص المصدر تصوره عن مكاسب بعض قادة الفصائل في برزة، قائلا: "أبو بحر" كان واجهة لـ"أبو الطيب"، وإن كان الأول قد جنى الملايين فإن الأخير لابد أن يكون جنى المليارات، ومن المهم العلم أن "أبو الطيب" نفسه واجهة لشخص يدعى "أبو حلا"، مؤسس "اللواء الأول"، وهذا الشخص كنت أعلم أنه كان في تركيا عام 2014، وبعدها لم أعد أعرف أخباره.
وينوه المصدر بأن قائد اللواء الأول "أبو الطيب" أنشأ ما يسمى "المكتب الاقتصادي"، فقط من أجل جني الأموال وفرض الأتاوات على التجار، وكان مسؤولا معه في هذا المكتب شخص يسمى "أحمد الريس"، لقبه "أبو وديع"، وقد كانت جهود المكتب منصبة على مراقبة الطرق الموصلة إلى الغوطة في سبيل التحكم بها ومنع مرور أي شيء منها أو إليها بغير أتاوة.
ولم يكتف القادات بتجميع الأموال من طرق الأتاوات والتجارات المشروعة وغير المشروعة (رغم أن أي تجارة بأموال الثورة لمنفعة شخصية هي في النهاية تجارة غير مشروعة)، بل عمدوا إلى أكل رواتب المقاتلين بالباطل فكانوا يحرمونهم من تسلمها، وقد تكرر هذا عدة مرات، بحجة عدم وصول الدعم المالي، علما أن الحقيقة خلاف ذلك، بل إن بعض القياديين كان يدرجون في كشوف مجموعاتهم أسماء لأناس لايقاتلون، فقط من أجل تحصيل رواتبهم.
وفي النهاية فقد دمّر المال ثورة شعب، لم تستطع كل قوى الشر أن تخمدها، لا بل إن "الداعم" الذي كان بمثابة الآمر الناهي، بات شخصا لايؤبه له ولا لدعمه، عندما قويت شوكة القادات المالية وأصبحوا من ذوي الأرصدة الضخمة.
وحول عدم اختيار "أبو الطيب" و"أبو بحر" "والمنشار" الخروج من برزة، وتفضيلهم حضن النظام، تحفظ المصدر على من يقول بأن هذا القرار عائد لخوف هؤلاء من محاسبة الناس لهم، معقبا: هناك عدد من قادات برزة هم من الخونة، وللناس معهم ثارات، وقد خرجوا إلى الشمال وحتى إلى تركيا ولم يمس أحد منهم شعرة، منهم "حسان هاشم" الذي كان أحد أعمدة "المكتب الاقتصادي" وهو الآن يستقر في إحدى ولايات شمال غرب تركيا، فضلا عن "فرعون"، أحد أبناء حي برزة من عائلة "سعد الدين"، وهو الطفل المدلل لـ"أبو الطيب" والشخص المسؤول عن التحويلات المادية.
وإلى جانب هؤلاء الخارجين من الحي، يبرز أيضا اسم "فارس قداح" المعروف باسم "فارس الدمشقي" والذي كان ناطقا رسميا باسم اللواء الأول ويتولى تجميل صورته، ويتواصل مع الإعلاميين ويزودهم بأخباره على أنها حقائق وأن هذا "اللواء" يقاتل بحق لإسقاط النظام.
وحسب مصدرنا، فإن "فارس الدمشقي" يعمل الآن على مشروع بميزانية تعادل 100 ألف دولار.
أما ما منع "أبو بحر" من المغادرة فهو حرصه الشديد وخوفه على ما فقدان ما جنى من أموال، حيث كان لديه وقت إبرام صفقة التسوية مخزون ضخم من المحروقات تعادل قيمته نحو 75 مليون ليرة، عدا الأشياء الأخرى.
*رانج روفر
==
لم يتردد المصدر في وصف قادات الفصائل بالخونة، مؤكدا أن تعاملهم مع النظام وإثراءهم السريع وغير المشروع كاف لإدانتهم، فكيف بهم وقد صاروا يقاتلون علنا في صفه وتحت رايته وشعاراته، لافتا إلى أنه كان ينتظر التهجير وتسليم برزة، ولهذا خرج قبل الطوفان، ولم تفاجئه عودة كثير من القادة إلى حضن النظام، فالقيادات النظيفة قضت، ومنها من قتل بـ"نيران صديقة" أو بخيانات ووشايات، حسب قول المصدر.
وعن سبب اختيارهم الانكفاء أو الخروج من برزة، بدل مواجهة من يصفهم بالخونة والفاسدين، قال المصدر أن خيانة كثير من القيادات كانت واضحة، ولكن مقاومتهم أو التخلص منهم ليس أمرا متيسرا، كونهم يحيطون أنفسهم بشبيحة تحميهم وتجعل الوصول إليهم عسيرا، فضلا عن أن الناس شهدوا بأنفسهم كيف يتعاطى هؤلاء مع من يعترضون عليهم، حتى لو كان من "زملائهم" وشركائهم في حمل السلاح، ومنهم "فهد المغربي" قائد كتيبة "شهداء برزة" التابعة للواء الأول، والذي اغتيل خريف 2015 برصاصة أتته من الخلف عندما كان يهم بدخول بناية عائلته، التي تحوي عدة شقق منها شقة تسكنها مجموعة لـ"المنشار".
وقال المصدر إن من اغتال "المغربي" مكشوف مهما حاول التستر، فإطلاق الرصاص عليه من الخلف يشي بأن المغدور مرّ من أمام قاتله دون أن يثير أي ريبة لديه، وهذا يعني أن القاتل كان معروفا للضحية.
وبخصوص "معركة دمشق" ودور قادة اللواء الأول في إفشالها، يطرح المصدر رؤية مغايرة بعض الشيء، مفادها أن الفصائل الممسكة بزمام الغوطة لم تكن تريد شن معركة حقيقية، ولو أرادات فعل ذلك لحشدت حشودا كبيرة لن يستطيع اللواء الأول منعها أو عرقلة مسيرها، ولكن هذا لايعني تبرئة ساحة قادة "اللواء الأول" وغيرهم من القادات الذي كان همهم جمع الأموال والتمهيد لتسليم برزة، ومنهم مسؤول الأنفاق "أبو أنس طه"، وشخص من عائلة قاسم (من القلمون)، كان صلة الوصل بين الفصائل من جهة والروس والنظام، والمثير أن هذا الرجل المكنى "أبو ليث" كان معتقلا لأكثر من 4 سنوات، ثم أخرجه النظام، ليتصدر المشهد في برزة (تفتح زمان الوصل هنا قوسين لتشير إلى معلومة غاية في المفارقة مفادها أن "أبو الليث" الذي كان يفترض أنه يمثل الثورة والثوار، كان يقابله "أبو ليث" آخر من طرف النظام، اسمه "رامز صالحة"، وهو من أكثر الشخصيات تأثيرا في إعادة برزة إلى حضن النظام).
ورفض المصدر أن يوصف قادات الفصائل بأنهم ضحايا لتيار المال الذي قلما صمد في وجه أحد، قائلا إن "بذرة" هؤلاء ليست طيبة ولا نظيفة، ولو كانوا كذلك لما تخلوا عن مبادئهم، فضلا عن قفزهم من النقيض إلى النقيض، منوها أن الحرص الظاهر لهؤلاء على برزة (ومعظمهم من أبنائها!)، إنما هو في حقيقته حرص على إبقاء الحي على حاله، بصفته كان منبعا لثروتهم ومنجم ذهب لاينضب، مع وجود الأنفاق والتجارات الرائجة والمنفلتة من أي عقال، ويقصد المصدر هنا بالضبط أن اللواء الأول كان تحديدا حريصا على وضع برزة كما هو، لا مع الثورة (عمليا) ولا ضد النظام، خازنا على بوابات الغوطة لا يسمح بمرور شيء إليها دون أتاوة، تعمق عذابات المحاصرين هناك، وحاميا لظهر النظام من أي معركة أو حتى تسلل، وكل ذلك مقابل قبض الأموال من جميع الجهات والاتجاهات.
وقدم المصدر معلومة "طريفة" حول سيارة "رانج روفر" التي كان يفاخر بها "أبو بحر" عندما كان في صفوف "اللواء الأول"، وبات يتنقل بها وعليها صورة بشار الأسد بعدما قفز إلى ضفته.. حيث قال المصدر إن النظام هو من مرر هذه السيارة من لبنان إلى "أبو بحر" مقابل مبلغ 25 ألف دولار، وهو يمثل سعر التكلفة نوعا ما، أي إن "أبو بحر" لم يدفع على السيارة أي رسوم جمركية، فضلا عن أنها بقيت بلا لوحات.
*البيك
==
شاهدنا ومصدرنا الثالث في هذا التحقيق، مقاتل كان منضويا في "اللواء الأول" وكان يرابط على حاجز "كوسكو" في برزة، وهو الحاجز الذي كان في عهدة "أبو بحر"، قبل أن يكتشف أن "أبو بحر" وأمثاله دفنوا الثورة وباعوا ما ائتمنوا عليه بثمن بخس.
يؤكد هذا المصدر ما تمت الإشارة إليه سابقا على لسان الشاهدين السابقين، من أن انحراف "أبو بحر" وغيره من قيادات الفصائل إنما كان بعيد الهدنة (عام 2014)، حيث صار التواصل مع النظام وضابطه أمرا عاديا وملحا من أجل "حلّ المشاكل" الطارئة.
ويروي المصدر كيف كان شاهدا على تهريب المحروقات لـ"أبو بحر" تحت جنح الظلام، حتى لا ينتبه للأمر أحد، حيث كان "أبو بحر" يتولى بيعها وتصريفها.. يوما وراء يوم تأكد للمصدر أن الرجل الذي يراه قائدا ثوريا ما هو إلا تاجر من ضمن مجموعة تجار آخرين، جمعهم التسلق على ظهر الثورة وادعاء تمثيلها والدفاع عنها.
ويؤكد المصدر أن "أبو بحر" لم يكن استثناء بين القادة، فمعظمهم غارق في الفساد والتجارة باسم الثورة وبمالها، ولكن "أبو بحر" بالمقابل ليس رقما سهلا، حيث يمكن اعتباره بين أول 3 أو 4 شخصيات أثرت (جمع ثروتها) على حساب الحرب في برزة، رغم أن كل ما مارسوه من تجارة كان يغطونه بغطاء "التخفيف" من معاناة الأهالي.
ويلفت المصدر إلى أنه كان يتحين الفرصة لمغادرة "برزة"، بعدما جعله هؤلاء "يقرف" القتال، وعندما قرر الرحيل لم يخبر قائده المباشر "أبو بحر" بذلك، لاعتقاده بأن هذا الشخص لا يؤتمن على سر، رغم أنه كان مقربا منه، حيث كان المصدر يتولى كتابة الرسائل والمنشورات على الواتس والفيس، نيابة عن "أبو بحر" الذي لايعرف الكتابة.
ويختم المصدر مشيرا إلى بعض أسماء القيادات الذي خرجوا من برزة واتجهوا إلى تركيا، ليستثمروا من جنوه من تجارة الحرب ومنهم "أبو وليم كريم" الذي استأجر بناء من 3 طوابق، وسدد إيجاره لـ5 سنوات قادمة، أما أبو محسن الصالحاني فقد دخل في شراكة مع "حسان هاشم" في مطعم باسطنبول سموه "البيك"!
*للتذكير فقط
==
كان "اللواء الأول" حتى صفقة تسليم برزة وتهجير أهلها (انكشاف أمره) من أنشط الفصائل العسكرية المحيطة بدمشق في إصدار البيانات وتزيينها، وتصديرها بالآيات القرآنية، وتطعيمها بالعبارات التي تضع القارئ "الغافل" في صورة تشكيل عسكري مثالي: قلبه على الثورة وحاضنتها، وعينه على إسقاط النظام، وروحه تهفو لفك الحصار عن المنهكين والجائعين في الغوطة.. بندقيته مرفوعة في وجه الظلم، ويده ممدودة لأي فصيل أو شخص يريد محاربة النظام، وخطواته حثيثة للوصول إلى وسط دمشق ورفع علم الثورة في ميادينها.
هكذا كان "اللواء الأول" على الورق، وهكذا كان من يحسبون أنفسهم من إعلاميي الثورة الموجودين على أرض "برزة" يقدمونه، إما رغبا بما عنده من "جوائز" وأعطيات، أو رهبا من بطشه، دون أن يقيموا وزنا للحقيقة التي ائتمنوا عليها، والتي كبد إخفاؤها الثورة خسائر لايمكن الإحاطة بمداها، وأفدحها تلطيخ صورة الثورة بطريقة عجز حتى النظام وأعوانه عن بلوغها.
ففيما كان دم "فهد المغربي" يسيل (خريف 2015) جراء عملية اغتيال تدور شكوكها حول قيادات في "اللواء الأول"، كان هذا اللواء يصدر بيانا ينعى فيه "ببالغ الحزن والأسى" الضحية، منوها بأن من اغتالته هي "يد العمالة والغدر".
وفيما كان جيش الإسلام وفيلق الرحمن (أيضا خريف 2015) يعدان العدة لاقتحام "ضاحية الأسد" أحد معاقل شبيحة النظام، كان "اللواء الأول" ينشر بيانا صدّره بآية [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ]، صارخا في آذان هؤلاء "الفساق" الذي يريدون شق الصف حسب قوله، ومدعيا أن الذين عطلوا حشود الثوار المهاجمين عن معركتهم إنما هم "بعض أهالي وفلاحي برزة وحرستا".
واعتبر "اللواء" حينها أن اتهامه بتعطيل المعركة محض "إشاعات" بثها النظام وأعوانه، ردا على الانتصارات التي "مُنيت بها ثورتنا المباركة" (نعم منيت!).
وفيما كان النظام يتحضر (آذار 2017) للانقضاض النهائي على حي برزة وما جاوره (تشرين والقابون)، لشطبها نهائيا من خارطة الأحياء الثائرة، كان "اللواء الأول" مشغولا بإصدار بيان موقعا هذه المرة باسم قائده "أبو الطيب"، يدعي فيه أنه هو وفصليه "على العهد باقون"، وأنهم لن يكلوا حتى يسقطوا النظام المجرم، مخاطبين النظام: "إن ظننتم أننا سنسلمكم بلادنا فأنتم واهمون"، بينما كانوا وقتها ينسجون اتفاق إسقاط برزة، الذي خرجت أنباؤه للعلن نهاية نيسان 2017، وبدأ تنفيذه في أيار ليسلموا "برزة" وأسلحة ثوراها، ويلتحقوا (وخصوصا القادة) بمليشيات النظام، واضعين أهل برزة ونازحيها في مهب الريح، فإما الترحيل، وإما البقاء في قبضة نظام لن يتأخر في تجنيدهم لصالحه.
وكان بيان "اللواء" حينها ردا غير مباشر على من اتهموه بتعطيل معركة دمشق، منددا في بدايته بـ"التآمر الدولي العجيب على ثورتنا".
الجزء الأول: "خبث الثورة".. "أبو بحر" و"المنشار" يفجران ملف أمراء حرب تاجروا بكل شيء وأجروا بندقيتهم للأسد
إيثار عبدالحق-زمان الوصل-خاص