وثيقة روسية في أستانا تحدد من سيكتب الدستور السوري
===================
الأبحاث
مركز الجسر للدراسات...
في ختام جولة أستانا 1 المنعقدة بتاريخ 23-24/1/2017 قال رئيس الوفد الروسي إلى أستانا، ألكسندر لافرينتيف إن محادثات أستانا "ليست بديلاً عن جنيف، بل إضافة إلى الإطار القائم"، وأضاف: "سلمنا المعارضة السورية مشروع الدستور السوري الجديد الذي أعده الخبراء الروس"، مشيراً إلى "أننا نحتاج إلى آلية ملموسة لتأسيس لجنة دستورية ستشمل جميع أطراف النزاع السوري".
منذ ظهر هذا التصريح، بدا للعيان أن جولات جنيف لم تعد ذات قيمة تُذكر بنظر الروس، فأستانا بدأت بالهيمنة على المسارين السياسي والعسكري رغم المغالطة التي حاولها وفد الفصائل باقتصار مشاركتها على مناقشة القضايا العسكرية، واتفاقات خفض التصعيد لاحقاً، فالروس من اليوم الأول سلّموا الوفد "مشروع الدستور السوري الجديد الذي أعده الخبراء الروس"، كما سلّموهم وثيقة بعنوان "بيان عن اللجنة الدستورية المختصة بوضع الدستور السوري.
إذن لم يكتف الروس بوضع مشروع الدستور، لكن أيضاً وضعوا محددات للجنة الدستورية التي ستعمل على تقديم الصياغة النهائية للدستور للتصويت عليه في "مؤتمر شعب سوريا".
اللجنة الدستورية حسب الوثيقة الروسية، ستتكون من أعضاء دائمين وخبراء ومراقبين.
1- الأعضاء الدائمون: شروط العضوية: تشترط الوثيقة أن يكونوا "من بين المواطنين السوريين المقيمين الدائمين في أراضي الجمهورية العربية السورية على الأقل 15 سنة".
هذا الشرط يعني أن ملايين السوريين الذين غادروا البلاد تحت وطأة الحرب سيكونون محرومين من المشاركة في اللجنة الدستورية، وغالب هؤلاء من المعارضين للنظام، ومن الذين يريدون إدخال تعديلات جوهرية على الدستور، ويرفضون التعديلات السطحية التي قدمها الروس في دستورهم المسلّم لوفد أستانا.
هذا الشرط يعبّر عن إرادة الروس تمرير دستورهم كما هو، ويعبّر كذلك بطريقة صريحة عن استهزاء الروس بسلّة الدستور التي يتحدث عنها القرار 2254، وينشئ لها دي مستورا آليات تشاورية في لوزان وجنيف، وتناقشها وفود المعارضة في خمس جولات تفاوضية متتابعة، وتضع لها مقترحات، فيما الروس حسموا الأمر من جولة أستانا 1، التي سبقت جولات جنيف الخمس الأخيرة.
وقد عاود وزير الخارجية الروسي لافروف قبل أسبوعين تقريباً الحديث عن مشروع الدستور الروسي، وأنه سيعاد طرحه على طاولة أستانا 6 التي ستبدأ اليوم 14/9/2017.
عدد الأعضاء: تحدد الوثيقة الروسية عدد أعضاء اللجنة الدستوري ب 24 شخصا، مناصفة بين النظام و "الأحزاب السياسية التي غير ممولة من قبل الحكومة، ومنظمات المجتمع المدني، والجمعيات القبلية، والمجموعات من الناس"، دون أن تشير أدنى إشارة إلى توصيفهم كمعارضة مثلاً، فالروس كما النظام لا يرون أي دور لمن يسمي نفسه معارضة للمشاركة في رسم مستقبل سوريا.
من هي الجهة التي ستشكّل اللجنة؟تقول الوثيقة: "لاختيار الأعضاء الدائمين يجب تقديم طلب إلى المجموعة المشتركة من دول الضمان التي ستشكل اللجنة، وتعطي السلطة لها لمزيد من العمل".
إذن نحن تحت حالة وصاية أو انتداب تقريباً، لكن بدل أن يقفز لأذهان السوريين دستور "بول بريمر" أبّان الاحتلال الأمريكي للعراق، وربطه بالاحتلال الروسي، يريد الروس شرعنة دستورهم بأيادي سورية يختارونها هم بمشاركة إيران، وسيكون الضامن التركي في موقف ضعيف فهو يمثل ثلث المجموعة المشتركة، وبالتالي سيكون القرار الروسي الإيراني هو المهيمن على غالبية أعمالها.
لا تكتفي الوثيقة بإهانة السوريين في وجوب تقديم طلب للروس والإيرانيين للموافقة على أسماء أعضاء ممثليهم في اللجنة، بل تزيد في أن دول الضمان هي التي ستمنح اللجنة الدستورية السلطة للعمل، وليس الشعب السوري.
2- الأعضاء الخبراء:تحدد الوثيقة عددهم ب "(6) أشخاص، وبنسب متساوية من دول الضمان في عدم وجود مانع من الأعضاء الدائمين.سيكون لدينا هنا 4 خبراء روس وإيرانيين، وهذا يعطيهم مزيد من النفوذ لفرض الدستور الروسي.
3- الأعضاء المراقبون:تقول الوثيقة: "تعيّن ثلاثة أشخاص من بين موظفي الأمم المتحدة".هذا هو الهامش الضئيل الوحيد الذي تظهر فيه الأمم المتحدة، وكامل فريق دي مستورا وخبرائه، في السماح لهم بتعيين ثلاثة أشخاص بصفة مراقبين لا أكثر.
4- مكان اجتماع اللجنة الدستورية:حسب الوثيقة "تجتمع اللجنة بانتظام (مكان-أستانا-كازاغستان، ثم يتم تحديد المكان والتاريخ على أساس نتائج الاجتماعات).
إذا كانت اللجنة مكونة من النظام، والأشخاص المقيمين في سوريا، فلماذا الاجتماع في أستانا؟ الاجتماع في دمشق هو الأنسب لها فجميع الأعضاء داخل البلاد، والوفد المفاوض عن الفصائل في أستانا مستثنى من الحضور والمشاركة، باعتباره مقيماً في الخارج ولا تنطبق عليه شروط العضوية، كذلك كل المستشارين القانونيين والسياسيين المرافقين لوفد الفصائل ينطبق عليهم شرط الاستثناء والحرمان من المشاركة في صياغة الدستور أو اختيار أعضاء اللجنة الدستورية، ومع ذلك قبلوا تسلّم هذه الوثائق المذلّة في أستانا 1.
5- إقرار الدستور: تتحدث الوثيقة عن شيء تسمّيه "خريطة للجمعيات القبلية " تنشئها اللجنة الدستورية، وتمنح كل واحدة منها صوتاً للموافقة على الدستور.يتم إنشاء الخريطة القبلية هذه "من خلال الحصول على المعلومات عن القبائل من شيوخها".يبدو أن سوريا بنظر الروس مجموعة قبائل فقط، لا توجد فيها حواضر ولا مدن كبرى، ولا طوائف، ولا أديان، ولا أعراق انقرضت فيها قضية القبلية منذ زمن بعيد، إلا أن يكون الروس يوصّفون الواقع الذي سيكون عند بدء اللجنة عملها، عندما تكون المدن السورية دمّرت عن بكرة أبيها، ولم يبق فيها إلا أريافها، وتحققت أماني الإيرانيين بإعادة بلد عربي ثاني بعد العراق إلى القرون الوسطى، وحالة البداوة كما يروق للإيرانيين أن يصفوا العرب بها.الأمر الثاني هنا هو أن الدستور لن يطرح على الاستفتاء الشعبي العام، لكن كما ورد في الوثيقة "يعتبر عمل اللجنة منتهياً بعد الموافقة على المشروع من قبل (مؤتمر شعب سوريا)"، مؤتمر الشعب هذا مكون حسب الوثيقة من "الجمعيات القبلية المسجلة، والمجموعات الوطنية السورية" دون تحديد معنى لهذه المجموعات الوطنية.
انتهت الوثيقة هنا.
قدّم الروس أيضاً في هذه الجولة وثيقة "دستور الجمهورية السورية"، ومعلوم أن من أكبر الاعتراضات على الدستور الحالي للبلاد، هو الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية، فهو يكاد يجمع السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية بيده.
الدستور الروسي يكرّس هذه السلطة شبه المطلقة للرئيس على البلاد، فالرئيس هو "القائد الأعلى للقوات المسلحة والتنظيمات المسلحة"، ويتولى "تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم وقبول استقالاتهم وإعفائهم من مناصبهم"، ويحق له "إعلان الاستفتاء العام حول المواضيع المهمة، والتي تخصّ المصالح العليا للبلد، وتعد نتائج الاستفتاء إلزامية".
المسألة الأهم في الدستور الروسي كله هو المادة 82 منه التي تنصّ على: "تنتهي ولاية رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسَم الدستوري رئيساً للجمهورية، وله حق الترشح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية، وتسري عليه أحكام الدستور الخاصة بمدة ولايته اعتباراً من الانتخابات الرئاسية القادمة"، هذه المادة تثبّت رئيس النظام الحالي في منصبه إلى عام 2021، وتمنحه حق الترشح في الدورة التالية أي إلى عام 2028، وتسمح له بخوض دورة ثانية أي إلى عام 2035.
الملاحظة الوحيدة من النظام التي وردت على الدستور الروسي، كانت تعديل هذه المادة لتسمح للرئيس بالتمديد لولايتين وليس لولاية واحدة، بمعنى استمراره في منصبه إلى عام 2042، وحينها يكون ولي عهده بطل أولمبياد الرياضيات قد بلغ السن القانوني الذي يتيح له خلافة والده دون إحراج مجلس الشعب واضطراره لتعديل الدستور كما حدث مع رئيس النظام الحالي.
يجب على وفد الفصائل المشارك في أستانا التأكيد على خصوصية المسار العسكرية، واتفاقات خفض التصعيد، ورفض إدخال قضايا الحكم والدستور والانتخابات فيه، وإلا فإنهم بذلك ينسفون كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بسوريا، وعلى رأسها بيان جنيف والقرار 2254، الذي تجري مفاوضات جنيف على أساسهما، وهذا هو غاية الروس والإيرانيين والنظام من فتح مسار أستانا الموازي لمسار جنيف الذي يشارك فيه هيئة المفاوضات العليا، والوفد المنبثق عنها، ويريد الروس بذلك قطع الطريق على الأمم المتحدة، والمعارضة السياسية في إيجاد حل سياسي، وفرض الأمر الواقع على الفصائل المسلحة، والتوصل إلى اتفاق معها يقضي بقبولها بالهزيمة العسكرية على الأرض أولاً، والقبول ببقاء النظام الحالي من خلال شرعنته دستورياً ثانياً.