معركة البادية السورية.. حرب المصير
================
بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
تمهيد
تشهد المعركة الدائرة في البادية السورية تطورات محمومة بين أطراف المواجهة تجسدها منعطفات غامضة, تتمدد معها مساحة السيطرة حينا وتتقلص أحيانا, تتشابك فيها قواعد الصراع, تتعاظم الخلافات على المكان والاتجاه, وبين هذا وذاك, تتباعد الفجوات بين المتصارعين في صحراء تلتهم رمالها كل يوم عشرات القتلى لتموت معها مشاريع وتطفو على السطح أخرى إيذانا لتفاهمات قد تطول أو تقصر أو تصحو على قرع طبول حرب مديدة.
تقدم هذه الورقة وصفًا موجزًا للمعركة الناشبة في البادية السورية بين فصائل الجيش السوري الحر, والميليشيات الشيعية الإيرانية التي يساندها الروس, بالإضافة إلى تنظيم "الدولة" المتقهقر, ونوطئ لهذه الورقة باستعراض تحليلي موجز لأهمية البادية السورية في بعدها العسكري المتصل بنتائج المعركة وأهدافها، وما يرافق ذلك من تحولات كبيرة بين أطراف الصراع الدولي في خطط المواجهة والأهداف المتباينة في السباق إلى منطقة وادي الفرات, مع رصد أطراف الصراع عددا وعدة, وآفاق القادم بين المتصارعين حسب وجهة عجلة المعارك, وما يمكن أن تؤول إليه الأحداث بكل تشابكاتها المعقدة.
وتستعرض هذه الورقة أبرز التطورات وأكثرها تأثيرا في مسرح المعركة, كما تناقش المحركات الدافعة لكل الأطراف التي فرضت مراجعة الخطط استجابة للتطورات المتماهية مع الانعطاف الأميركي بعد قرع طبول الحرب في الرياض ضد تنظيم "الدولة" وإيران, والتوقف عند حالة الإرباك الروسية المعتادة على تخاذل إدارة أوباما في الملف السوري, وأخيرا تحاول الورقة تصوير المشهد وفقا لشكل البادية بدروبها وممراتها المتغيرة واستنتاج المعطيات في شكلها المتوقع.
مقدمة
احتدم وطيس الحرب على البادية السورية بين قوى الصراع المحلية والإقليمية والدولية كنتيجة طبيعية لمفرزات اجتماعي آستانة والرياض, وعلا غبار الحرب واشتد أوارها لتكون الحدث الأكبر على الساحة السورية. ولما تزل المعارك في تمدد مستمر على خريطة البادية المتبدلة بين وقت وآخر.
أمام استمرار المعارك طرأت تغيرات على نمط القتال وخططه وإمكانياته ومواقف الأطراف في التحالفات والتكتلات, وما يشكل السيطرة عليها من قوة دفع لعجلة الحرب وتأثيرا مهما في الجبهات الأخرى يجني ثمارها الفائز وصولا للهدف الأبرز المتمثل في السيطرة على منطقة وادي الفرات الغنية بنفطها وثرواتها وجغرافيتها.
الأهمية الإستراتيجية للبادية السورية
يمكن وصف البادية التي تشكل 40 بالمئة من مساحة سورية, والبالغة 74 ألف كيلومتر مربع, بأنها تشكل منطقة حيوية، تدفع جميع أطراف الصراع للسيطرة عليها.
يسمى القسم الجنوبي الأوسط منها "الحماد" وتتميز بمعدلات منخفضة من الأمطار سنوياً تقدر بحوالي 127 مم فقط.. وتعتبر الجزء الأكثر حساسية وتأثيرا في قلب سورية باعتبارها بوابة العراق عبر منفذ "التنف", وتتصل بالمملكة الأردنية بحدود طويلة, وتجوب ثراها قبائل عربية عريقة مثل "بني خالد والفواعرة والعمور"، وعلى حوافها الغربية تتموضع قبائل الجبل وتعتبر مدينة تدمر حاضرتها ومركز استقطاب كبير في زمن الحرب والسلم, وفيها منطقة خنيفيس الغنية بالفوسفات.
ومنها يمر خط القوس الفارسي أو ما يسمى الهلال الشيعي معبر إيران البري الوحيد عبر "التنف" وصولا إلى دمشق فاللاذقية وبيروت على البحر المتوسط, وإلى الجنوب والغرب منها تقع معاقل الجيش السوري الحر التي تقاتل تنظيم "الدولة" والميليشيات الإيرانية منذ ثلاث سنوات, وتتواجد على أطرافها أكبر المطارات الحربية التابعة للأسد (التيفور والشعيرات والسين والناصرية). والذي يسيطر على فيافيها ووهادها, يضع نهاية لتنظيم "الدولة" في منطقة وادي الفرات.
ويتبع ذلك قيمة إستراتيجية وجيوإستراتيجية للبادية من خلال تنوع تضاريسها بين السهلية والهضبية التي تضم سلاسل جبال القلمون الشرقي, وسلسلة جبال تدمر, ويخترقها وديان شهيرة كوادي المياه الذي ينتهي بنهر الفرات مما جعلها حظيرة مفتوحة للثروة الحيوانية من أغنام وإبل أعطاها ميزة اقتصادية لها أهميتها الكبيرة في ظروف السلم والحرب .
لذلك انطلقت القوى المتصارعة لتلتقي في هذه الفيافي المتباعدة, فالجيش الحر أطلق معركة كبيرة تحت مسمى "بركان البادية", وأطلق على أخرى "الأرض لنا".
وتكمن أهمية البادية في كونها أهم نقطة وصل وفصل جغرافي بين العراق وسورية وهو ما يضعها في خريطة من يسعى لتحقيق نصر عسكري ضامن لوحدة سورية أو تقسيمها.
وعسكريا, يكتسب معبر "التنف" الواصل بين طهران وبغداد ودمشق فبيروت أهمية استراتيجية بعد إغلاق فصائل الثورة لهذا الممر الدولي الهام.
ويعتبر التحكم بطرق إمدادات الميليشيات الشيعية الإيرانية وتحركاتهم, تهديدا لتماسكهم والتأثير على أفكار قادتهم ومقاتليهم, فيربك حساباتهم ويحد من خياراتهم, وحجم التأثير يتوقف على طبيعة التحكم بها وطرق توظيفها. كما أن مسار فصائل الجيش الحر باتجاه مدينة البوكمال وتحرير مناطق وادي الفرات من بين أهدافه المعلنة.
هنا تجدر الإشارة إلى أن من بين ما ركزت عليه الميليشيات الشيعية التحرك إلى عمق البادية بعد أوامر صدرت من طهران في سباق محموم للسيطرة على تركة تنظيم "الدولة" المتقهقر والسيطرة على معبر "التنف", وسعيها لإخضاع كامل البادية السورية بوصفها ثقلاً جغرافياً واستراتيجياً.
في ظل هذه المعطيات, يمكن تفسير التعامل المبكر مع معبر "التنف" من قبل فصائل الثورة حيث هاجمتها بالتعاون مع التحالف في العام 2014م وطردت منه تنظيم "الدولة", وهي خطوة عسكرية قطعت الطريق مبكرا أمام أية محاولة لجعل المعبر نقطة استراتيجية لإيران وميليشياتها.
المشهد الميداني القائم
تكشف المعارك الجارية في البادية السورية عن وجود اندفاعة إيرانية شيعية غير منضبطة باتجاه معبر "التنف" الاستراتيجي, مما حدا بفصائل الجيش السوري الحر بالتحرك عسكريا لصد هذه الهجمة غير المسبوقة بتنسيق عالي المستوى بين تكتل "جيش أسود الشرقية" وتجمع "الشهيد أحمد العبدو" و"شهداء القريتين", قدمت خططا تكتيكية أبهرت نتائجها المراقبين بكسر القوس الدفاعي الاستراتيجي الذي أنشأته الميليشيات الشيعية على الطريق الدولي دمشق - بغداد رغم انكشافها الجوي أمام الطيران الحربي الروسي وذاك التابع لنظام الأسد.
ولرصد سير المعارك وتفاعلاتها المهمة لابد من معرفة أطراف القتال .
أولا: فصائل الجيش الحر
1- جيش أسود الشرقية: أحد أهم وأقوى فصائل الجيش الحر في منطقة البادية السورية, تشكل في العام 2014م بعد انفصاله عن جبهة الأصالة والتنمية, له نفوذ وسيطرة واسعة في البادية السورية يقوده طلاس السلامة أبو فيصل.
2- لواء شهداء القريتين: يضم ثوار القريتين والمناطق المحيطة بها, وله دور فاعل وأساسي في محاربة نظام الأسد وتنظيم "الدولة", يقوده أبو حسام.
3- جيش مغاوير الثورة: تشكيل عسكري, يعرف سابقا باسم جيش سورية الجديد ينتشر في البادية السورية بالقرب من معبر التنف الحدودي مع العراق تشكل أواخر العام 2016م بدعم من التحالف الدولي, وأهم أهدافه محاربة تنظيم "الدولة" وطرده من مناطق البادية ووادي الفرات, يقوده المقدم مهند الطلاع.
4-تجمع الشهيد أحمد العبدو: فصيل عسكري مقاتل يتألف من تجمع عدة ألوية وكتائب وسرايا, أسسها العقيد بكور السليم الذي اغتاله تنظيم "الدولة" إثر عملية انتحارية في البادية السورية يسيطر على مناطق واسعة في القلمون الشرقي ومنطقة الضمير.
5- جيش العشائر: فصيل مسلح ينتمي للجيش الحر يقوده أبو راكان, ويتألف من أبناء العشائر, مهمتهم قتال نظام الأسد وتنظيم "الدولة"، تربطه مع الأردن علاقة وطيدة, ينتشر عناصره على الحدود مع الأردن وفي ريف السويداء الشرقي.
ثانيا: قوات نظام الأسد وميليشيا الشبيحة والميليشيات الشيعية (adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
تمثل هذه التشكيلات الطرف المواجه لفصائل المعارضة المسلحة, وهي:
1- الميليشيات الإيرانية: مجموعة من المقاتلين الشيعة زجت بهم إيران في معارك البادية لمواجهة فصائل الجيش السوري الحر مقابل مبالغ مالية وتجييش طائفي لقتال أهل السنة, يطلق على تشكيلاتها أسماء إيديولوجية مثل (حركة الأبدال العراقية, والقوة الجعفرية, وميليشيا سيد الشهداء, وميليشيا محمد الباقر, وحزب الله اللبناني, وكتائب أبي الفضل العباس الشيعية العراقية, ولواء فاطميون العراقي). إضافة لمجاميع الحرس الثوري الإيراني، وتمتلك إيران قاعدة عسكرية مركزية بالقرب من مطار دمشق الدولي وفروع أخرى في مطاري الضمير والناصرية, ولقي العديد من قادة وعناصر الميليشيات مصرعهم في المعركة الدائرة.
2- قوات نظام الأسد: تتكون من بقايا الجيش وتمتلك عدة قواعد عسكرية في ريف دمشق الشمالي الشرقي, أهمها التجمع العسكري في منطقة القطيفة مركز الفرقة الثالثة وبعض القطع العسكرية المنهكة المتناثرة حول مطار السين. وباتت جميعها تحت إمرة ضباط وخبراء روس عسكريين .
3- ميليشيا الشبيحة المشاركة في معركة البادية: وهي جماعة مسلحة شكلها أمن نظام الأسد لقمع المتظاهرين، من أصحاب السوابق الجنائية التي أفرج عنهم الأسد في بداية الثورة يرفعون شعار "شبيحة للأبد كرمى لعيونك يا أسد". يتخذون من السويداء مركزا لهم, أطلقوا معركة "لبيك يا سلمان" وهو أحد الشخصيات الدينية الدرزية, ومنهم مجموعة وئام وهاب اللبناني, مهمتهم قمع أحرار محافظة السويداء, زج بهم الإيرانيون في معارك الجبل, يرفعون العلم الروسي, ويتحدر غالبيتهم من أهالي محافظة السويداء, بالإضافة إلى شبيحة السوتورو الآشورية.
4- تنظيم "الدولة": العدو المشترك لجميع الأطراف المتصارعة, يسيطر على مساحة كبيرة من البادية السورية, وبات في وضعية متقهقرة بعد خسارته مناطق شاسعة لصالح الميليشيات الشيعية الإيرانية.
دوائر الاشتباك وتكتيك المعركة
تجري معارك البادية السورية وفق خطط تفرضها الأحداث العسكرية على كل طرف وسط صحراء مترامية الأطراف, ولا يمكن فصلها عما يجري في ريف السويداء أو منطقة التنف, أو الرحيبة وجيرود, بمعنى أن الصورة هنا وهناك تصعيد عسكري واستماتة لكسب مزيد من الأرض يقابله تصعيد واستماتة للتشبث بالأرض واستردادها, وفي جانب التكتيك المتبع في معارك البادية, فالملاحظ أن فصائل الجيش الحر في معركة "سرجنا الجياد لتطهير الحماد" التي أطلقها جيش أسود الشرقية كانت قد تحولت من وضعية الدفاع إلى الهجوم وتطويره مما مهد عمليا لتحرير منطقة واسعة بعد أن كسرت في المرحلة الأولى من المعارك خطوط دفاع النظام والتنظيم في مناطق "ظاظا والسبع بيار والشحمي" على أتوستراد دمشق بغداد, وفي منطقة الزلف بريف السويداء الشرقي،
في المرحلة الثانية قامت إيران بزج ميليشياتها الشيعية المتعددة الجنسيات وإطلاق سلسلة عمليات على محاور عدة بهدف إبعاد الجيش الحر عن طريق بغداد - دمشق, وتمكنت من السيطرة على مناطق واسعة على جانبي الطريق, واقتربت من قاعدة التنف العسكرية بهدف فتح الممر الإيراني الواصل بين طهران والبحر المتوسط مرورا ببغداد ودمشق,
وأتاحت سيطرة الميليشيات الشيعية على مواقع إستراتيجية واقعة على الطريق الدولي دمشق- بغداد، فرصة تقطيع مناطق سيطرة فصائل الجيش الحر إلى جزر يسهل الإطباق عليها وحصارها بعدما تقدمت من عدة محاور في جنوب شرق مطار السين تزامنا مع الاندفاعة في شرق السويداء، وفي حال اتصال ميليشيات الشيعة ببعضها سيتم حصار مناطق فصائل الجيش الحر أسود الشرقية وجيش العشائر في محيط بئر القصب، شرق مطار خلخلة, مثلما أطبق الحصار الكامل على منطقتي جيرود والرحيبة, مما جعل تجمع أحرار العشائر يطلق معركة "بركان البادية", وكذلك أسود الشرقية في معركة "الأرض لنا".
الجيش الحر والانكشاف الجوي
إن تضاريس البادية السورية الجرداء الواسعة والمفتوحة لا توفر مخابئ وملاذات آمنة في حال استهدافها بالطيران الحربي, وعندما أعلنت فصائل الجيش الحر الأربعاء31 أيار/مايو، طرد قوات النظام والميليشيات الإيرانية من عدة مواقع في البادية السورية، أفاد سعدي الحاج لشبكة بلدي نيوز, وهو الناطق باسم المكتب الإعلامي لـ (جيش أسود الشرقية) "بتشكيل غرفة عمليات جديدة تحت مسمى (الأرض لنا)، تضم كلاً من جيش أسود الشرقية وتجمع الشهيد أحمد العبدو. والتي شنّت فجر الأربعاء هجوماً واسعاً على مواقع المليشيات الشيعية الإيرانية في البادية السورية، واستطاعت كسر خطوط الدفاع الأولى للمليشيات، والسيطرة على نقاط متقدمة بالقرب من حاجز ظاظا والسبع بيار في البادية السورية", وأكد الحاج "انسحاب سيارات محملة بقتلى من المليشيات الإيرانية باتجاه مطار السين، وتصاعد ألسنة اللهب داخل مواقعهم بعد استهدافها براجمات الصواريخ والمدفعية".
فكثف الطيران الحربي الروسي وذاك التابع للأسد غاراته الجوية على المنطقة المذكورة, وكذلك على منطقة بئر القصب وتل دكوة بهدف "الشلل الاستراتيجي" للجيش الحر وحرمانهم من استخدام قدراتهم الهجومية والدفاعية في منطقة مفتوحة ومكشوفة جوا لعدم امتلاك فصائل الثوار لمضادات دفاع جوي ذات أمدية تطال الطائرات الحربية الروسية التي تحلق على ارتفاعات شاهقة.
بصورة عامة، يمكن القول إن الضربات الجوية الروسية المستمرة ضد فصائل الجيش الحر تأتي لتغطية تقدم الميليشيات الشيعية, ولو توفر للجيش الحر غطاء جوي لدارت رحى الحرب بطريقة مغايرة لعلها تمكن الثوار من حسمها بأيام قليلة.
الضربة الأميركية اليتيمة وفشل احتواء الميليشيات الشيعية
شنت الميليشيات الشيعية الإيرانية هجوما باتجاه معبر التنف الحدودي مع العراق مركز تجمع جيش مغاوير الثورة القريب من قاعدة عسكرية للتحالف الدولي, وجاء الهجوم تزامنا مع اجتماع عسكريين ودبلوماسيين أميركيين وروس في العاصمة الأردنية عمان لبحث إقامة "منطقة آمنة" تقع بين دمشق والأردن، فأبلغ االبنتاغون عبر قناة الاتصال مع وزارة الدفاع الروسية ضمن اتفاق "منع الصدام" رسالة عاجلة مفادها بوجوب وقف تقدم رتل عسكري قادم باتجاه التنف, وجاء الرد الروسي بأن الميليشيات الإيرانية مستمرة بالتقدم, فوجهت القاذفات الأميركية في البداية ضربات تحذيرية, ثم دمرت الرتل بكامله.
وتعد هذه الضربة اليتيمة والوحيدة من نوعها في دفاع قوات التحالف عن أرض تخضع لسيطرة فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من البنتاغون.
ومن خلال المتابعة وتطورات الأحداث المتلاحقة تبين أن الضربة موجهة ضد الميليشيات الإيرانية, وتحذيرها من تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها إدارة الرئيس ترامب, واختبار مقدرة موسكو على احتواء الميليشيات الشيعية ومدى قدرتها على الانفكاك عنها في حال التفاهم على إقامة منطقة آمنة في الجنوب السوري.
بالمقابل تلقت إيران الرسالة الأميركية بإصدار أوامر لميليشياتها اللبنانية والعراقية الاستمرار في التقدم عبر محاور عدة على جبهات سيطرة الجيش السوري الحر, وتوقف عملياتها العسكرية على جبهة تدمر- السخنة ضد تنظيم "الدولة", والتقدم البطيء باتجاه معبر التنف لاختبار جدية واشنطن التي تنأى بنفسها عن المواجهة الميدانية في سورية.
السباق إلى المعابر.. ومعركة كسر العظم
لا تزال طهران مستمرة في الضغط على الطريق الدولي بغداد- دمشق بتحرك بطيء باتجاه معبر التنف، لانتزاعه من سيطرة فصيل جيش المغاوير التابع للجيش السوري الحر, لاستكمال رسم القوس الفارسي, ضمانا لاستمرار شريان تدفق الإمدادات لميليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية الخاضعة عسكريًا وعقائديًا لها, وللتوغل باتجاه محافظة دير الزور من بوابة البوكمال لقطع الطريق أمام فصائل الجيش الحر المدعومة من التحالف الدولي بالسيطرة على معبر القائم العراقي - البوكمال السوري بالتعاون بين الميليشيات الشيعية العاملة في الأراضي السورية, وميليشيا "الحشد الشيعي" من الجانب العراقي, مما يجعل إيران تبدي اندفاعا كبيرا للوصول إلى معبر التنف أولا.
تزامن التمدد الإيراني مع ظهور قوات أميركية وبريطانية علناً إلى جانب فصيل مغاوير الثورة خلال تقدمها باتجاه معبر التنف، إذ قام التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بقصف رتل عسكري لهذه القوات المتقدمة، في رسالة واضحة الدلالات، بأن التحالف لن يسمح للمليشيات الإيرانية بالوصول إلى المعبر, وتعاظمت لغة التصعيد ضد إيران في لقاء الرياض وما استولد عنه من حلف جديد, عبر عنه الرئيس دونالد ترامب في إظهاره عداء علنيا للسياسة الإيرانية التي تحاول جس نبض جدية واشنطن فزجت بقواتها باتجاه عدة محاور, وجعلت محور التنف رأس الحربة غير آبهة بقصف رتل ميليشياتها ما دام القتلى مرتزقة وعملاء, وشددت واشنطن عبر مناشير ألقتها من طائراتها بعدم تجاوز "حاجز ظاظا" الذي يبعد مسافة 55 كم من معبر التنف, وبذلك ستتوقف إيران عن مواجهة الولايات المتحدة إن اقترنت تحذيرات واشنطن المتتالية من المساس بمصالحها في هذه المنطقة الحيوية, من هنا يبدو المشهد كسر عظم في السباق إلى المعابر التي تشكل لكلا الطرفين أهمية إستراتيجية, تتوقف على مدى تفعيل إدارة ترامب لآلية مواجهة طهران في هذه المنطقة التي ستكون مفصلية في إطار الصراع على سورية.
تفاعلات معركة البادية وآفاقها المحتملة
تعمل فصائل الجيش السوري الحر وبالأخص (جيش أسود الشرقية, وتجمع الشهيد أحمد العبدو وتجمع شهداء القريتين) بالتنسيق والتعاون فيما بينها على زيادة رصيدها, فتمكنت منذ انطلاقة المعركة الأخيرة من تحرير مناطق إستراتيجية مهمة (ظاظا والسبع بيار والشحمي على أتوستراد دمشق بغداد, وفي منطقة الزلف بريف السويداء الشرقي). محققة نتائج كبيرة يمكن رصدها من خلال امتلاك هذه الفصائل المبادرة والمبادأة,
باتت الميليشيات الشيعية الإيرانية تعتمد بشكل رئيسي على سلاح الطيران الروسي, بعد أن عطلت قوى الثوار جزئيا تقدم القوات المعادية، وبعد زج إيران بكامل ميليشياتها في المعركة الدائرة اتسعت يمينا وشمالا ما يعني دخول مناطق أخرى ضمن دوائر المعركة مثل معبر التنف على الحدود العراقية, وكذلك الشريط الحدودي مع الأردن, مما يضطر الميليشيات الشيعية, وقوات نظام الأسد لاستقدام أعدادا كبيرة من التعزيزات عدا عن تشتت سلاح الطيران, علاوة على اشتداد المواجهة التي تبديها فصائل الثورة, مما يعطي المجال لتنظيم "الدولة" للملمة صفوفه والعودة من جديد لخلط الأوراق في البادية السورية في حال إصرار واشنطن على وقف تمدد إيران في المنطقة وإغلاق الحدود السورية العراقية في وجهها, لذلك تستميت إيران ومعها نظام الأسد درءا لمثل هذا المصير, حيث تعتبر السيطرة على منطقة الحدود السورية العراقية توسيعا للمنطقة المحررة وتحولها لمعسكرات داعمة للثورة بالمقاتلين ومؤن الحرب, وستخسر إيران منفذها البري الوحيد نحو البحر المتوسط.
لذلك فإن فصائل الثورة المسلحة تشن هجوما بشكل يومي على قواعد الميليشيات الشيعية الإيرانية سواء على أوتوستراد بغداد أو في ريف السويداء الشمالي الشرقي, وتعمل على التشبث بالأرض التي حررتها وتأمينها وتحصينها, خاصة أن عددا من الاعتبارات المهمة تدفع الطرف الآخر للقتال باستماتة في محاولة الوصول إلى معبر التنف. غير أن اتساع المساحات الصحراوية من طريق بغداد شمالا, ولغاية ريف السويداء الشرقي, يضخم حجم حاجة فصائل الثورة، من عناصر إلى خطوط إمداد وشبكة اتصالات ونفقات, وتأمين أكبر ضد ضربات الطيران الروسي وذاك التابع للأسد، فاتساع المساحات الجغرافية في ظل حرب طويلة يدخل في رهانات غامضة في حسابات الخطط العسكرية للتركيز على الميدان الجغرافي المهدد الفعلي لأهداف إيران المتمثلة في السيطرة على الشريط الحدودي مع العراق.
وفي تفاعلات المعركة في جانبها العملياتي تفتقد فصائل الثورة وبالأخص جيش العشائر الذي أطلق معركة "بركان البادية" للتنسيق مع باقي الفصائل الأخرى لسد الثغرات التي فتحتها الميليشيات الإيرانية لعزل فصائل الثورة في جزر جغرافية واسعة لا تملك حرية الحركة بعد قطع طرق إمدادها كما حدث في الرحيبة وجيرود على أطراف البادية من الجهة الغربية.
ويتوقف استثمار معركة البادية على مدى التفاهم البيني لفصائل الثورة المسلحة, وامتلاك الإرادة السياسية التي عليها التخلص من ارتهانها الخارجي وحساباتها المجانية الضيقة.
ولعل المصالح المتضاربة بين واشنطن وطهران ومن خلفهما روسيا تعمل على وقف واستئناف المعارك تحقيقا لمكاسب سياسية, وستبقى هكذا إلى أن تتوافق مختلف القوى الإقليمية والدولية إلى حد أدنى من التفاهم على شكل تقاسم النفوذ بعد التخلص من تنظيم "الدولة".