القوات المسلحة في عهد الاحتلال الفرنسي لسورية 1920-1946
====
كان من المتوجب على فرنسا بموجب صك الانتداب أن تعد جيشاً محلياً للدفاع عنالجمهورية السورية الحديثة عقب استقلالها, ولكن سلطة الانتداب عمدت إلى بناءمؤسسة عسكرية تدين لها بالولاء.
وقبل تحليل السياسة الفرنسية العسكرية لا بد من تفصيل تركيبة القوات المسلحة خلال فترة الانتداب والتي تم تقسيمها على النحو التالي:
١− جيش الشرق الفرنسي: تطلبت عملية إحكام السيطرة على سورية الاعتماد على جيش الشرق الذي بلغ تعداده ٧٠.٠٠٠ عام ١٩٢١ , وكان يتألف من المغاربة والفرنسيين والأفارقة. وبحلول عام ١٩٢٤ تم تخفيض هذه القوات إلى15000 فقط, حيث تم دعمها بالقوات الخاصة للشرق.
ويخلط الكثير من الكتابالمعاصرين بين جيش الشرق الذي يتكون من عناصر خارجية, وبين القوات الخاصة للشرق والتي تم تأليفها من العناصر المحلية, وأصبحت نواة الجيشين السوري واللبنانيفيما بعد.
2-القوات الخاصة للشرق: استخدمت السلطات الفرنسية القوات الخاصة للشرق كفرق أمن داخلية مهمتها حفظ النظام وقمعالثورات داخل المدن.
وقد كان تعدادها عندما تأسست عام ١٩٢٤ نحو 6500 مجند من المخطط لها أن تتكون من عشر كتائب من المشاة, وعشرين فصيل خيالة, وفصيلين أو
ثلاثة من المدفعية الثقيلة ووحدات تدعيم, ولذلك فقد استمرت القوات الخاصة في توسع حتى عام ١٩٣٥ عندما أصبح تعدادها ١٤.٠٠٠ , ثم أخذت تتناقص بعد ذلكحتى بلغ مجموعها ١٠.٠٠٠ جندي, وكانت القوات الخاصة تتألف من متطوعين منالأقليات الدينية والعرقية, إلا أن الفرنسيين حافظوا على جميع المناصب القيادية حتى( انتهاء فترة الانتداب.
3- القوات الإضافية : تم استحداث القوات , الإضافية لدعم القوات الخاصة للشرق في قمع الثورة السورية الكبرى التي اندلعت سنة ١٩٢٥
وقد غلب طابع الهمجية وسوء التنظيم على هذه الفرق الإضافية, مما اضطر السلطات الفرنسية لتسريح معظم أفرادها بعد استتباب الأمور عام ١٩٢٨ , وضمت الفرق المتبقية. منها إلى القوات الخاصة في مارس
4- قوات الدرك: تألفت قوات الدرك من ٣.٠٠٠ جندي, وكان أغلب ضباطها من السوريين ولكن ضابطاً فرنسياً برتبة مقدم ضم إليها كأركان حرب. وكانت تخضع هذه القوات لوزارة الداخلية, وشملت واجباتها حفظ الأمن في الريف وتنفيذ العقوباتالقضائية والإشراف على احتكار التبغ وحراسة السجون.
5-جهاز الشرطة: يعتبر جهاز الشرطة قوة صغيرة مقارنة بالفرق الأخرى, وقدتغلب فيها العنصر الفرنسي. وبالإضافة إلى جهاز الاستخبارات الفعال كانت مهماتالشرطة تشمل كذلك العديد من المسؤوليات الإدارية ومكافحة الجريمة.
كما تم استبدال الأكاديمية العسكرية التي سبق تأسيسها في دمشق خلال العهدالفيصلي بكلية أخرى في مدينة حمص سنة ١٩٣٢ , وكان أغلب خريجيها من السنةوالنصارى بينما كان تمثيل الأقليات الأخرى ضعيفاً بسبب تدنى المستوى العلمي لديهم.
ويمكن القول بأن القوات الخاصة للشرق كانت أكثر هذه الفرق أهمية لأنها كانتتتألف في غالبيتها من السوريين, وكانت السلطات الفرنسية تعتمد على هذه القواتلتكسب بها الشرعية وتحتكرها ورقة أساسية للتفاوض مع القوى الوطنية, في المراحل الأخيرة للاستقلال.
أما القوات التي جاءت بها فرنسا − والتي كانت تسمى جيش الشرق− فقد غادر معظمها بحلول ١٩٢٤ , وبقيت فرق قليلة استخدمت في مقاومة الثورة التي استمرت مابين ١٩٢٥ و ١٩٢٧ , وقد وقع الخلط لدى كثير من المؤرخين بين جيش الشرق والقوات الخاصة للشرق, بسبب تشابه الأسماء وتداخل المهام المتعلقة بحفظ الأمن وقمع حركاتالتمرد في أنحاء البلاد.
ولذلك فإن السطور القادمة ستركز على القوات المحلية بسبب الدور السياسي والعسكري الذي لعبته طوال فترة الانتداب.
تطور القوات الخاصة للشرق
==============
يعود تاريخ الجيش المحلي التابع لفرنسا إلى فترة سابقة لمرحلة الانتداب وتحديداً عام 1916 عندما كانت قيادة القوات الفرنسية المتمركزة في مصر تعمل على تشكيل الكتيبة(Détachement Françasis du Palestine et Syrie) الفرنسية لفلسطين وسورية (( كانت تسمى في بعض المصادر بالجيش السوري)) ضمن الحملة التي كانت تعد لها قوات الحلفاء لاحتلال البلاد العربية بعد طرد الجيوش العثمانية منها.
وكان الهدف من هذه الكتيبة إنشاء قوات محلية ينتمي أفرادها إلى المناطقالتي ينوي الفرنسيون احتلالها فيما بعد بحيث يمكن الاعتماد عليهم في تثبيت الأمنوتوفير الشرعية المطلوبة للقوات الغازية.
وفي مناورة سياسية بارعة استطاع الجنرال أللنبي, بدعم من جهاز الاستخباراتالعسكرية البريطانية, أن يكسب تأييد الجيش العربي بقيادة الأشراف الذين تمردوا على الدولة العثمانية وأخذوا يحاربون جنباً إلى جنب مع الحلفاء لإخراج الجيوش التركية منبلاد الشام.
وفي المقابل لم يكن الفرنسيون يحظون بتعاطف العرب واحترامهم وذلك بسبب تحالفهم العقائدي مع الموارنة في لبنان ونشاطهم التجاري والتعليمي الذي كانيهدف إلى خدمة الأقليات المسيحية دون غيرها في المنطقة. كما أن الأطماع الفرنسية في سورية كانت تتعارض مع طموح الأشراف بتأسيس دولة عربية كبرى على أنقاض الإمبراطورية العثمانية.
وبينما نجح الإنجليز في كسب الحركة القومية العربية وتظاهروا بتأييدها المطلق كان الفرنسيون يبحثون عن بديل يضمن لهم السيطرة على الإقليم, وكان هذا البديل يتمثل فيحلفائهم العقائديين من الأرمن الذين اشتركوا معهم في مشاعر الضغينة ضد الدولة العثمانية وضد الثورة العربية على حد سواء.
وكانت مذابح الأرمن وما تعرضوا له منالتشريد عقب تمردهم على الدولة العثمانية كفيلة بجعلهم ينتمون إلى طلائع الكتيبةالفرنسية لفلسطين وسورية, والانضواء تحت راية الفرنسيين للقضاء على الدولة العثمانية ووأد مشروع الدولة العربية التي لم تكن لتحقق لهم الكثير.
وفي نفس العام توصلت القيادة الفرنسية في مصر إلى اتفاق مع البطريرك الماروني في لبنان لتزويد القوات الفرنسية بالمتطوعين المحليين, وإرسالهم إلى قبرص عبر جزيرة أرواد السورية مقابل طرطوس حيث كان هناك مركز لتدريبهم وإعدادهم عسكرياً للانضمام إلى القوات الفرنسية المحاربة.
وبالتالي فإنه لم ينقض عام ١٩١٦ حتى تشكلت فرقة جديدة من الموارنة الذين تعود أصولهم إلى منطقة كسروان في وسط لبنان تم انتقاؤهم من قبل الكنيسة المارونيةوبمباركتها, وكان الموارنة يكنون شعوراً مماثلاً بالضغينة تجاه الدولة العثمانية ومشروعالدولة العربية الكبرى التي كان يبشر بها فيصل بن الحسين.
وقد هبت الكنيسة المارونية لتأييد المشروع الفرنسي منذ مرحلة مبكرة نظراً لما كان يتمتع به الموارنة من اهتمامالفرنسيين وعطفهم. وكان الجنود الموارنة على درجة عالية من التدريب والتسلح والانضباط, وكانوا كذلك يتمتعون بعلاقات ممتازة مع الضباط الفرنسيين بخلاف المقاتلين الأرمن الذين
كانوا ينزعون إلى الفوضى والتمرد, ونتيجة لهذا التضارب بين الفريقين فقد وقعت بينهم مواجهة عام ١٩١٧ مما أدى إلى فصل الفرقة المارونية عن الفرقة الأرمنية مع بقائهما تحت قيادة فرنسية موحدة .
وقد سجلت القوات الفرنسية لفلسطين وسورية أول إنجاز عسكري من خلال مشاركتها في حملة الجنرال أللنبي ضد القوات العثمانية في سبتمبر ١٩١٨ , وكان أداء هذه الكتيبة مرضياً للقيادة الفرنسية التي تمركزت بعد ذلك في بيروت وسيطرت على المنطقةالساحلية بأسرها.
ولكن تكرر الاعتداءات من قبل الأرمن على المواطنين المحليين في لبنان أدى إلى إعادة تقسيم هذه القوات إلى فرقتين; فرقة محلية من المتطوعين اللبنانيين والسوريين قوامها ٦٩٨ رجلاً بقيت في لبنان, وفرقة أرمنية قوامها ٤١٢٤ رجلاً تمركزت في كلكيليا جنوب شرق تركيا, وبقيت هناك حتى سرحت بعد حركة تمرد قامت بها عام ١٩٢١ , ولم تنشأ بعد ذلك فرقة أرمنية أخرى.
لقد تميزت فترة نشوء القوات الفرنسية لفلسطين وسورية ( 1916-1920) بتغلب النزعة العقدية التي لم يكن من الممكن تجاهلها, فقد كانت عملية التجنيد محصورة فيالنصارى من الأرمن والموارنة الذين لم يجمعهم سوى الضغينة الكامنة في نفوسهم ضد السلطة العثمانية والأغلبية المسلمة في الأقاليم العربية على حد سواء.
وكانت هذه العمليةتتم بإشراف الكنيسة المارونية وبمباركتها, حيث تحدث العديد من المؤرخين حول ظاهرةبعث الروح الصليبية في نفوس الضباط الفرنسيين الذين كانوا ينظرون إلى دخول البريطانيين, تؤازرهم سرية فرنسية, عاصمة بني أمية عام ١٩١٨ بأنه أول عودة للسيادة النصرانية في مدينة القديس بطرس .
وقد بلغت هذه النزعة الصليبية أوجها عندما احتلت القوات الفرنسية مدينة دمشق عام ١٩٢٠ ودخل الجنرال هنري غورو دمشق المدينة المقدسة في مواكب النصر ولم يتمالك نفسه عندما وقف على قبر صلاح الدين الأيوبي ليصرخ بأعلى صوته « ها نحن صلاح الدين »
ولم يكن الجنرال غورو وحده مسكوناً بهاجس انتصار الصليب على الهلال وانتهاك حرمة الأرض المقدسة بل شاركه عدد من المفوضين والضباط الذين أرسلتهم فرنسا لحكم بلاد الشام, وقد تحدثت عن هذهالظاهرة العديد من الصحف الفرنسية المعاصرة, ومن أبرزها صحيفة اللوموند التي انتقدت انبعاث « الروح الصليبية في القرن العشرين »
ونتيجة لهذه النزعة الصليبية فقد نظر السوريون إلى القوات المحلية التي جندتها فرنسا نظرة ريبة وحذر وعزفت الأغلبية عن المساهمة فيها طوال فترة الانتداب, في حين أسهمت السياسة الفرنسية غير المسؤولة في تعميق الهوة بين الأغلبية السنية والأقليات الدينية والعرقية بتمزيق الإقليم على أسس طائفية إلى خمس دويلات متناحرة, محدثة بذلك شرخاً اجتماعياً عميقاً على طول الساحل السوري.
القوات الخاصة للشرق خلال السنوات الأولى من الانتداب الفرنسي
=========================
شهدت السنوات الأولى من فترة الانتداب تغيراً ملحوظاً في السياسة الفرنسية تجاه سورية ولبنان, حيث توجب على الفرنسيين إقامة سلطة بديلة عن الحكم العثماني ومن ثم الفيصلي, وقد أدرك الجنرال غورو من خلال حركات المقاومة التي اندلعت في سائر أنحاء سورية بأن نزعته الصليبية وجيشه العقائدي على صورته القائمة لا يمكن أن يضمن السيطرة على هذه المنطقة التي تمثل عصب المصالح الفرنسية في الشرق.
فعمل غورو على إنشاء جهاز إدارة ذات صبغة مدنية في بيروت يرأسه المفوض السامي ويعاونه عدد منالمندوبين والممثلين في كل من الدويلات الطائفية الوليدة. ولإحكام سلطة الانتداب دأب غورو على توسيع القوات المحلية ليضمن تمثيل فئات المجتمع الموالية والتي لا تشكلخطراً مباشراً على المصالح الفرنسية في المنطقة.
ولكن السياسة الفرنسية في إدارة القوات المسلحة لم تكن متجاوبة بأي حال مع تطلعات السوريين وآمالهم, فقد اعتمد غورو ( 1919 -1923) وبعده ويغان ( 1923- 1925) على العنصر الجبلي أي سكان الجبال من الأقليات وتم تجنيد أعداد كبيرة من جبل النصيرية وجبل الدروز وجبل لبنان,وأصبح غالبية المنتمين إلى القوات الخاصة من الفلاحين العلويينوالدروز والموارنة بالإضافة إلى تشكيل فرق جديدة من الأقليات الإسماعيلية والأكراد
والشراكسة.
ويعزو المؤرخ البريطاني مالكولم ياب ظاهرة تجنيد الأقليات الطائفية في سورية إلى السياسة الفرنسية التي كانت متبعة في المغرب العربي, فقد جاء أغلب الضباط والموظفينالفرنسيين إلى سورية بعد أن تلقوا خبرتهم في شمال إفريقيا حيث كان اعتماد السلطاتالفرنسية فيها على قبائل البربر لتشكيل الفرق العسكرية الموالية وقمع المشاعر الوطنية فيالمدن الرئيسة.
وكان أفراد هذه القبائل يتمتعون بمزايا عسكرية بالفطرة ويبغضونالسلطة المركزية ولديهم رغبة جامحة بالانفصال عنها وتكوين كياناتهم الخاصة.
فقد دأبت القوى الاستعمارية على ترسيخ حالة انعدام التوازن الطائفي والاجتماعي من خلالإقامة مؤسسات الحكم المدنية والعسكرية التي تدين للمستعمر بالولاء, ولذلك فقد هدفت سياسة التجنيد إلى تجنب المدن الرئيسة واستقطاب العناصر الأكثر بداوة في المناطق التي تعاني من التخلف العلميوالاقتصادي بحيث يصبح أبناؤها أكثر الفئات انتفاعاً من السلطة الاستعمارية, ولا يتأثرون في الوقت نفسه بالعواطف القومية المتأججةفي سائر أنحاء الأقاليم المستعمرة.
إن مشاعر التعاطف التي أظهرها الفرنسيون مع المطالب الانفصالية التي قدمها العلويون والنصارى والدروز شبيهة إلى حد ما بالتعاطف الذي أبداه الإنجليز معالقوميين العرب الذين أرادوا الانفصال عن الدولة العثمانية, وفي حين أخلف الإنجليز وعدهم للأشراف وتملصوا من جميع الالتزامات التي تعهدوا بها أثناء الحرب العظمى (1914-1918) كانت السلطة الفرنسية البديلة في بلاد الشام أقدر على تحقيق مطالب أنصارها فأنشأت لهم دويلاتهم المستقلة وميزتهم في سياسة التجنيد والضرائب والخدمات العامة عن الأغلبية السنية.
وعندما شعر الفرنسيون باستتباب الأمور في سورية وتحقق هدوء نسبي في السنواتالأولى للانتداب; قاموا بتخفيض قوات جيش الشرق. بينما عمدت سلطة الاحتلال إلى إنشاء فرقة جديدة باسم: القوات الخاصة للشرقوكان قوامها من الأقليات الطائفية التي تخضع لقيادة فرنسية.
وقد أثبتت هذه الفرقالطائفية بأنها أقدر من القوات الفرنسية على إخماد الثورات وقمع المظاهرات الوطنية,وأثبتت في الوقت نفسه ولاء كاملاً لسلطة الانتداب, مما شجع الفرنسيين على استحداث عرفت باسم الفرق الإضافية − قوة عسكرية طارئة خلال سنوات الثورة (1925-1927) يتكون غالب أفرادها من الأكراد والشركس والاسماعيليين والدروز والعلويين .
جدول بعدد منتسبي القوات الاضافية من الطوائف
الطائفة ....1925 ....1930....1944
نصارى ... 1633 .....3291 ....6952
نصيريون....933.......2505.....5124
دروز .....45.........809......1958
اسماعيلي ....58.......207......352
شيعة .......3 .........38...... 788
========
========
وكان لهذه القوات سمعة سيئة بسبب جهل أفرادها والوحشية التي كانوا يعاملون بها أبناء المدن وما سجلته المصادر العديدة من تعديهم على المواطنين.
وقد تحدث القنصل البريطاني سمارت عن هذه الظاهرة, في خطاب وجهه إلى الخارجية البريطانية 23/2/1926 بقوله:
(( يشرفني أن أفيدكم بأن الفرنسيين قد جندوا حوالي ٢٠٠ إسماعيلي من السلمية شمال غربي حمص حيث يوجد تجمع إسماعيليهناك. لقد جيء بهؤلاء الرجال إلى دمشق تحت قيادة أحد زعمائهم …إن صاحب العقل الرومانسي سيسر لاكتشاف ربط تاريخي بين الفرنجة والحشاشين أيام الحروب الصليبية ضد الإسلام. ولكنالمعنيين بالوضع السوري اليوم سينظرون إلى هذه المسألة بتخوف فقد جر الفرنسيون الأرمن واللبنانيين [الموارنة] والشركس والأكراد والإسماعيليين وجميع الأقليات للمواجهة ضد الإسلام العربي. ومن المتحقق أن العرب لن ينسوا هذه الحقبة المفجعة))
وقد بلغت السياسة الطائفية أوجها في الجيش خلال الفترة ١٩٢٤مثل العلويون والنصارى وحدهم ٤٦ بالمائة من مجموع القوات الإضافية. وبسبب ما
كانت تتمتع به هذه القوات من سمعة سيئة وسوء إدارة وتنظيم فقد سرح الكثير من فرقها وضمت البقية منها إلى القوات الخاصة في مارس ١٩٣٠ , حيث شهدت فترة الثلاثينيات تغيراً في سياسة التجنيد.
قائمة تحدد نسبة الطوائف في المجتمع وفي القوات الإضافية في سورية ولبنان خلال الفترة 1924-1928:
الطائفة ......في المجتمع .......في القوات الاضافية التابعة لفرنسة
السنة ......71.3 % .........51.7%
النصارى ....12.6% .........26.6%
العلويون .....10.7% ........19.5%
اسماعيلي ....1% .........1.3%
دروز..........3.1% ........0.7%
شيعة .........1.3%..........1 %
====
====
أغلب أبناء السنة في القوات الإضافية ينتمون إلى الأقليات العرقية كالأكراد والشركس.
فقد ذهب ستيفن لونغريغ وألبرت حوراني وفيليب خوري وعدد من الكتاب الذين أرخوا لهذه المرحلة إلى أن سلطة الانتداب قد عمدت إلى إنشاء جيش طائفي لضرب المقاومة السنية ضد الحكم الفرنسي, وذلك من خلال تجنيد الأقليات من الأرمن والموارنة (1916-1920) ومن ثم النصيريين والدروز والإسماعيليين والأكراد والشركس (1921-1928) استخدمتهم في قمع ثورات السنة ضد الحكم الفرنسي التي اندلعت في عموم سورية
وركز أصحاب هذا الطرح على إبراز العنصر العقدي فيالمواجهة بين المسلمين السنة والأقليات الدينية والطائفية من جهة, والدور الفرنسي في
تأجيج الخلاف بين الفريقين من جهة أخرى.
وفي مراجعة لهذه النظرية السائدة حاول بوناكلي أن يثبت بأن السلطة الانتدابية لم تكن تسعى إلى توظيف العنصر العقدي بقدر ما كان اهتمامها منصباً نحو إحداث خلخلة في الصف الوطني المعارض لسلطة الانتداب الفرنسي ,( ١) وكانت سياستهم متباينة بحسب تغير الظروف وتباين الولاءات.
فخلال الحرب العالمية الأولى كان الجنرال أللنبي قد استحوذ على تأييد الجيوش العربية ولم يكن يسمح للفرنسيين بتجنيد أبناء السنة في صفوف
الجيش السوري التابع لفرنسا, فاعتمد الفرنسيون على الأرمن والمورانة.
وفي غضون الفترة 1924-1927 لم يكن الفرنسيون قادرين على تجنيد أبناء السنة لانعدام المصداقية وفقدان الثقة بين الطرفين, ولكن عندما هدأت الأمور في المرحلة التي أعقبت القضاءعلى الثورة الكبرى شرعت سلطة الانتداب تجنِّد عدداً من أبناء العوائل السنية في المدن وكذلك أبناء السنة القادمين من الأرياف الذين يبحثون عن الرقي المادي والمكانة الاجتماعية.
ويدلل بوناكلي على ذلك بأن الفرنسيين على سبيل المثال قد اعتمدوا على النصيريين بصورة ملحوظة طوال فترة الانتداب, ولكنهم لم يمنحوهم أي مناصب عليا في المؤسسة العسكرية. فبالرغم من أن النصيريين كانوا يشكلون حوالي نصف فرق المشاة الثمانية في القوات الخاصة إلا أنهم لم يتمتعوا بأي تمثيل في فرق الخيالة أو قوات الدرك,وحتى في الفرق التي كانت لهم الأغلبية فيها فإنهم لم يستلموا أي مواقع قيادية.
ويلاحظ كذلك بأن الفرنسيين لم يجندوا أبناء القبائل النصيرية التي تمردت عليهم كعشيرة البشاغرة على سبيل المثال, بل كان التجنيد محصوراً في العشائر التي أظهرت الولاء للفرنسيين أو كانت محايدة على أقل تقدير.
وبناء على ذلك يقرر بوناكلي بأن الفرنسيين قد استخدموا العنصر الطائفي في الفرق العسكرية لضمان ولائها, ونظراً لأن النصارى كانوا أكثر الفئات التي يمكن الاعتماد عليها من ناحية الولاء والتأهيل العلمي فقد استحوذوا على الرتب العليا في الجيش,وشغلوا المناصب الإدارية والفنية, وقد انسجموا مع الفرنسيين بسبب تربيتهم الغربية والعلاقات التجارية والتعليمية التي كانت تربطهم مع فرنسا منذ عام 1860
وبينما كان الدروز والنصيريون يستحوذون على فرق المشاة في القوات الخاصةوالقوات الإضافية, كان تمثيل الأكراد والشركس عالياً في قوات الدرك. أما في جهاز الشرطة فقد اعتمد الفرنسيون على النصارى الذين بلغت نسبتهم ٦٥ بالمائة, ثم جاءت نسبة الإسماعيليين في المرتبة الثانية, حيث كان تمثيلهم يقدر بحوالي ٠.١٧ رغم أنهم لم يكونوا يمثلون أكثر من ٠.٠٧ بالمائة من سكان الإقليم.
٣