يلعب لعبة خطرة: هل يسيطر بوتين على سوريا أم إنه عالق في رمالها؟
كتب مارك غاليوتي، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن الرئيس فلاديمير بوتين يلعب لعبة خطيرة في سوريا، ومفاد تحليله أن فلاديمير بوتين حقق الدور الذي يريده في الحرب السورية ويشعر أنه ينتصر فيها لكن اللعبة لم تنته والثمن في ازدياد مستمر.
وتحدث الكاتب عن المواجهة القصيرة في دير الزور، ففي 7 فبراير حاولت الميلشيات الموالية لنظام الأسد السيطرة على حقل النفط "كونكو" قرب دير الزور الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية. وبدأوا بالهجوم على الموقع حيث تتمركز قوات أمريكية بشكل أدى لرد أمريكي مدمر. وكان من بين القتلى عدد غير معروف من المرتزقة الروس يعملون مع شركة اسمها "فاغنر"، ومع هذه الأحداثق، فالسؤال الذي يطرح حول فلاديمير بوتين، هل يسيطر على سوريا أم إنه عالق في رمالها؟
والجواب، وفقا للكاتب، أن بوتين بين الحالتين: يسيطر وعالق. ويقول غاليوتي إن تثبيت حكم الأسد ونظامه الديكتاتوري في دمشق، لم يكن الهدف الرئيس للتدخل الروسي. وبدلاً من ذلك، كان الهدف هو دخول روسيا في المعركة الجغرافية السياسية وإجبار واشنطن التي حاولت أن تعزل موسكو على أنها لا تستطيع تجاوز القوة الروسية. وكان التدخل يرمي أيضاً إلى منع تحول سوريا إلى دولة تابعة لإيران، فموسكو وطهران هما مثل الأعداء الأصدقاء، وهما اللذان يعملان على تهميش الولايات المتحدة ولكنهما في الوقت نفسه متنافسان قويان على التأثير في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز.
وبناء على هذا، تبدو الأمور جيدة لروسيا في الوقت الحالي، فالأسد يملك الزخم الآن ولا يبدو أنه يتجه نحو الانهيار، وأظهرت موسكو أنها ليست قوة إقليمية كما وصفها باراك أوباما (وهو ما أدى لحنق بوتين)، بل هي عراب قوة في الشرق الأوسط ومخرب في شمالي أفريقيا وشريك (من نوع ما) في آسيا بشكل تبدو كما لو أنه لاعب دولي إن لم تكن قوة عظمى.
إلا أن المشاحنة الأخيرة بين إيران وإسرائيل جلبت معها مزاياها، فالعلاقة بين بوتين وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، غريبة بعض الشيء. ويفهم بوتين أن إيران ووكيلها حزب الله لديهما فكرة مختلفة تماما عن سوريا من تلك التي يحملها. وهذا يسمح له بأن يلعب دور صانع سلام بين إسرائيل والفلسطينيين ويراقب في الوقت نفسه إسرائيل وهي تضرب الإيرانيين وحزب الله.
لكن على بوتين أن لا يشعر بالراحة. فقد شعر الروس بشحنة من الوطنية عندما علموا أن قائد المقاتلة التي سقطت في إدلب، رومان فيلبوف، فجر نفسه بدلاً من الوقوع في الأسر. لكن هذه الحرب ليست عزيزة على الروس ولا تحظى بدعم شعبي واسع. وتسامحهم معها مرتبط بعدم سقوط ضحايا أو قلة الكلفة المالية. ومن هنا، فإنمحاولة موسكو إخفاء الثمن الحقيقي للحرب قادتها إلى تشكيل شركة التعهدات الأمنية "فاغنر"، وهي وإن كانت مسجلة شركة أجنبية خاصة، إلا أنها تظل شركة روسية التمويل والإدارة والأفراد. وهي شركة أنشئت لتقديم الدعم في جبهات القتال، وخاصة أن الدعم الروسي منحصر في القوة الجوية والمدفعية والمساعدات الأمنية الخلفية. وعليه فليست هناك حاجة لتسجيل وفيات "فاغنر" أو تنظيم جنازات رسمية لقتلاها.
وباعتماده على المرتزقة فمن غير الواضح إلى متى سيظل بوتين قادراً على الحفاظ على "حربه النظيفة"، فقد قتل من شركة "فاغنر" منذ 2015 وحتى العام الماضي العشرات منهم، وأصبحت هذه الأرقام بعد حادث دير الزور معروفة للرأي العام، والسؤال هل سيتمكن بوتين من تجنب ردة فعل سلبية؟ ويطالب القوميون الروس بنوع من الرد على الهجوم الأمريكي والانتقام لقتلاهم، وهو آخر شيء يريده بوتين. فبعد أن بنى لنفسه صورة بطل روسي مفتول العضلات يجد نفسه الآن أمام انتقادات ليس من الليبراليين، وفقط، ولكن من القوميين أيضا الذين يرون أنه لم يحقق وعوده.
فهل هناك نهاية في الأفق؟ رغم إعلان بوتين في ديسمبر أن الحرب قد انتهت إلا أنها في الحقيقة أصبحت معقدة. وعلى ما يبدو لا يرغب في أي شيء يثير قلق الرأي العام الروسي قبل الانتخابات الرئاسية في الشهر المقبل.
فلو قرر بوتين الخروج من سوريا الآن، فإنه يقوم بتسليمها إلى إيران خاصة بعد فشل محادثات السلام. ويرى الكاتب أن روسيا تتعلم الدروس التي تعلمتها القوى الإمبريالية من قبل: من السهل أن تنجر إلى نزاعات الشرق الأوسط ومن الصعب الخروج منها. ومع تكرار أحداث مثل دير الزور، فهناك فرصة لأن يخرج الوضع عن السيطرة. وذكرت صحيفة "كومرسنات" أن القيادة الروسية في دمشق لم توافق على "المبادرة الخطرة".
ولو كان هذا صحيحاً، فإنها تظهر حالة الفوضى النابعة من كثرة اللاعبين حيث تجد فيها قوة إمبريالية تتحمل مسؤولية أخطاء جماعات وكيلة وزبائن يقوم باتخاذ مبادرات من دون أوامرها. وعندما يصل الأمر إلى افتعال حرب مع مقاتلين تدعمهم أمريكا وبالضرورة حرب مع أمريكا تريد موسكو تجنبها.