أما بعـــد ،،
فبين أيديكم بحث بعنوان ( علاج الإسلام للتمييز العنصري )
قد كلفت به من قبل أستاذي الفاضل الدكتور طارق الطواري، ضمن مقرر الحديث الموضوعي.
وأود في هذه المقدمة أن أسلط الضوء على تعريف التمييز العنصري ومظاهره قديماً وحديثاً وآثاره على المجتمعات، أما سبل العلاج التي قررها الإسلام فستكون ضمن المباحث التي يشملها البحث وهي :-
1. المبحث الأول: جمع الآيات والأحاديث والآثار المتعلقة بعلاج الإسلام للتمييز العنصري.
2. المبحث الثاني: علاج الإسلام للتميز العنصري، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: المبادئ العامة التي أرساها الإسلام ومن شانها القضاء على التمييز العنصري.
المطلب الثاني: موقف الإسلام من مظاهر التمييز العنصري التي كانت متفشية في ذلك العصر.
وتليها الخاتمة وفيها أهم النتائج.
* تعريف التمييز العنصري:
( التمييز ) من ماز الشيء أي عزله وفرزه، وكذا ميزه تميزاً فانماز وتميز واستماز كله بمعنى. يقال امتاز القوم إذا تميز بعضهم عن بعض. (1)
(1) مختار الصحاح – للرازي ( حرف الميم / مادة ميز )
( العنصري ) من العنصر: والعُنصُر أو العُنصَر: الأصل.
قال الأزهري: العنصر أصل الحسب (1). والعنصر أيضاً بمعنى الجنس، يقال فلان من النصر الآري أو السامي(2).
فيكون المعنى الكلي ( للتمييز العنصري ) هو التفرقة وفرز الناس على أساس أصل الحسب أو الجنس.
ومظاهر التمييز العنصري متعددة، فقد كان التمييز العنصري عند العرب في الجاهلية قائم على التفاخر بالأحساب والانساب، واستعباد البشر.
وللتمييز العنصري مظاهر كثيرة عند اليهود والنصارى، وفي الدعوات الحديثة مثل الشيوعية والرأسمالية والاشتراكية.
قال د. عبد الله بن هادي القحطاني:
" وأما النصرانية التي لم يكتب لها أن تطبق كنظام حياة متكامل كما في الإسلام إلا أنها تحوى في تعاليمها كثيراً من المبادئ العنصرية، والتي اتخذها كثير من أتباعها ذريعة لاستعباد الشعوب الأخرى واستعمارها. وفي الجانب الآخر فإن التعاليم التلمودية التي تقوم عليها اليهودية الحديثة تعلي من شأن اليهود، وتصفهم بأنهم شعب الله المختار، وأما الأمم الأخرى بما فيهم أعوانهم من النصارى، فتصفهم بأنهم أمميون، ويمكن أن تمتد القائمة لتشمل الشيوعية ونداءاتها الجوفاء بأن الناس سواسية، والتي واقعها أن هناك ( أناساً أكثر سواسية من غيرهم ) وأما الرأسمالية الطاغية بظلمها على العالم اليوم فإنها لا تهدف ولا حتى على المستوى التنظيري إلى تطبيق المساواة، لأنها تشجع الابتزازية المطلقة، وتقوم على الاحتكار الذي يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء والرأسمالية وبلورة نظمها في بوتقة جديدة، ما فتئت إلا أن تخبطت في حمأة أخطاء ذينك النظاميين، وبهذا لم تنجح في
(1) لسان العرب – ( باب العين / مادة عنصر )
(2) المعجم الوجيز – ( حرف العين / مادة عنصر ).
أن تقدم خياراً مقبولاً لنظام عالمي جديد. وبهذا فإن الإسلام يبقى الخيار الأوحد لنظام يسير البشرية، فهو يحترم حقوق البشر بغض النظر عن اختلافهم. (1)
ومن مظاهر التمييز العنصري في هذا العصر، التمييز العنصري ضد السود في الولايات المتحدة الأمريكية.
" فهذا السيناتور جون كالهون ( John Calhoun ) من كارولينا الجنوبية يقول حول أحقية السود بالعبودية دون غيرهم:
أن الحرية عندما تعطي لأناس لا يستحقونها فبدل أن تكون بركة فإنها تكون لعنة... فإن الله خلقهم عبيداً وهذا وضعهم الطبيعي. (2)
* آثار التمييز العنصري:
1. انتشار الجريمة
2. أولاد الزنا
3. الأمراض النفسية بسبب المعاناة من الاضطهاد وسوء المعاملة.
4. قلة الإنتاج إما للضغوط النفسية او كردة فعل ممن مورس بحقهم التمييز العنصري، فهم لا يرغبون بخدمة مجتمع لا يحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم.
5. تقسيم المجتمع إلى طبقات متناحرة.
وبعد هذا العرض المجمل ابدأ بطرح الموضوع حسب المباحث التي سبق ذكرها. فأسأل الله التوفيق والسداد.
(1) مقال بعنوان ( النظام العالمي والعدالة الاجتماعية " المساواة " د. عبد الله بن هاني القحطاني . على الموقع
www.islamtoday.net
(2) المرجع السابق.
المبحث الأول
الآيات والأحاديث المتعلقة بعلاج الإسلام للتمييز العنصري
أولاً: الآيات القرآنية:-
إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (10) يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساءٍ عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون 11. الحجرات.
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً . النساء (1)
يا أيها الذي أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أوتعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً . النساء 135
ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور . لقمان 18
ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . الأنعام 52
ثانياً: الأحاديث النبوية:
(1) عن عقبة بن عامر الجهني- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم ( كلكم بنو آدم طف الصاع لم تملؤوه، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو تقوى، وكفى الرجل أن يكون بذيئاً بخيلاً فاحشاً )
أخرجه أحمد – مسند عقبة بن عامر- ( 5 – 160 ) حديث ( 17116 )
{ حسن } – مسند أحمد بتحقيق شعيب الارناؤوط – ( 4 / 145 ) حديث (17351)
طف المكيال.. إذا قارب ملأه ولما يملأ، والمعنى المراد في الحديث: كلكم في الانتساب إلى أب واحد بمنزلة واحدة في النقص والتقاصر عن غاية التمام.
وشبههم في نقصانهم بالكيل الذي لم يبلغ أن يملأ المكيال.(1)
(2) عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية )
أخرجه أبو داوود في سننه- باب في العصبية – (14/26) حديث (5116)
{ ضعيف } – ضعيف الجامع الصغير – حديث ( 4935 )
(3) عن أبي نضرة – رضي الله عنه- حدثني من سمع خطبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وسط أيام التشريق فقال:
( يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى. أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام، ثم قال: أي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام
(1) النهاية في غريب الحديث- ( حرف الطاء- طفف ).
قال، ثم قال: أي بلد هذا؟ بلد حرام، قال: فإن الله قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم، قال: ولا أدري قال: وأعراضكم أم لا- كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: ليبلغ الشاهد الغائب).
أخرجه أحمد- حديث شيخ من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم( 6/57 ) حديث (233105) { صحيح } – مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر – ( 17 / 12 ) حديث (23381)
(4) عن المعرور بن زيد- رضي الله عنه- قال لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حله، وعلى غلامه حله، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلاً فعيرته بأمه؟ فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم- يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ إنك إمرؤ فيك جاهلية إخوانكم خولكم جعلهم الله نحن أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم ).
أخرجه البخاري- كتاب الإيمان ( 11/11 ) حديث (4267)
وأبو داود – باب في حق المملوك – ( 14 / 67 ) حديث ( 5153 )
وابن ماجة- كتاب الأدب – باب الاحسان إلى المماليك ( 2/1216 ) حديث (3773)
وأحمد – مسند أبي ذر ( 6/202 ) حديث ( 2105 )
والربذة : من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق، وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري (1).
معجم البلدان/ ياقوت الحموي- ( حرف الراء ).
(5) عن عائشة- رضي الله عنها:-
( أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فكلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قال: فخطب فقال: أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم إذا سرق الشريف تركوه. وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ).
أخرجه البخاري- كتاب الحدود- باب كراهية الشفاعة في الحد ( 14 / 38 ) حديث (6640)
والنسائي في الصغرى- ج 8 صـ 444 ( 4882 ).
(6) عن إدريس الأودي- رضي الله عنه – قال:
( أخرج إلينا سعيد بن أبي بردة كتاباً وقال: هذا كتاب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما: أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، أفهم إذا أدلى إليك فإن لا ينفع كلمة حق لانفاذ له، أس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يخاف ضعيف من جورك )
البيهقي في سننه الكبرى- جماع أبواب ما على القاضي ( 15 / 137 ) حديث ( 20909 )
(7) عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم- أنه قال ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثل ذرة من كبر )
أخرجه مسلم- كتاب الإيمان – ( 2 / 76 ) حديث (227)
(
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
( لينتهي أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم من جهنم، أو ليكونن من أهون على الله من الجعل الذي يدهده، الخراء بأنفه.
إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي أو فاخر شقي، الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب )
أخرجه الترمذي- باب في فضل الشام واليمن- ( 10 / 350 ) حديث شريف (4216)
{ صحيح } – صحيح الجامع ( 1 / 963 ) حديث ( 5482 )
- يدهده : يتدحرج (1)
- عبية : يعني الكبر (2)
(1) النهاية في غريب الحديث- ( حرف الدال/ دهدأ ) – دار الفكر
(2) النهاية في غريب الحديث- ( حرف العين / عبب ) – دار الفكر.
(9) عن عياص بن حمار- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ( إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد )
أخرجه مسلم- كتاب الجنة- ( 17 / 168 )- حديث ( 7159 )
وأبو داود – كتاب الأدب- ( 13 / 238 )- حديث ( 4891 )
وأبن ماجة- باب البراءة من الكبر والتواضع ( 2 / 1399 )- حديث ( 270 ).