العنصرية مرض شيطاني يهودي

رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

أوباما يعترف بتنامي العنصرية في أمريكا الخميس 29 ذو القعدة 1429 الموافق 27 نوفمبر 2008
1_20081127_1110.jpg


الإسلام اليوم/ وكالات

اعترف الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما بتصاعد وتيرة العنصرية في بلاده منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية مطلع هذا الشهر, واستخف في هذا الإطار بالتهديدات التي تستهدفه، ومن بينها مخطط مفترض لاغتياله تم الكشف عنه قبل أسابيع.

وعزا أوباما خلال مقابلة تلفزيونية أجرتها معه محطة إي بي سي الإخبارية- انتخابه رئيسًا إلى التقدم الذي أنجزه فيما يخص تمتين العلاقات بين المجموعات العرقية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك لالتزامه بمساعدة الطبقة الوسطى.

وقال: إن العناصر المتطرفة داخل المجتمع الأمريكي ستتعرض للتهميش بشكل متزايد؛ لأن الجيل القادم من الأمريكيين هم الأكثر انفتاحًا على مبدأ التعايش بين أعراق وديانات مختلفة.

وأضاف أن المهمشين في أي مجتمع يمكن أن يتحولوا إلى متطرفين، لكنه قال: إن هؤلاء لن يجدوا لهم مكانًا في المجتمع الأمريكي.

وأكد باراك أوباما في المقابلة التلفزيونية ذاتها أنه لا يكترث لتهديد عناصر متطرفة باغتياله قائلاً: إنه لا يفكر بهذا الموضوع.

وتابع الرئيس الأمريكي المنتخب بأنه لا يخشى على نفسه من هؤلاء المتطرفين؛ لسببين اثنين, أولهما الحماية الأمنية المشددة حوله، وثانيهما: إيمانه (الديني) العميق.

وقال أيضا: إن تركيزه على القيام بالمهمة التي عهد بها إليه الأمريكيون، وبالتالي لا يأبه بتلك التهديدات العنصرية.
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

قاموس وبستر ... عنوان أمريكا العنصري

يقول نيكولاس فون هوفمان الصحفي في جريدة واشنطن بوست " أنه لم تشوه سمعة جماعة دينية أو ثقافية أو قومية ويحط من قدرها بشكل مركز ومنظم كما حدث للعرب "
النسخة الثالثة للقاموس الأمريكي وبستر أشار إلى ترجمة ( العربي ، العرب ) بأنها لفظة تعني المتشرد والكسول والعالة والمتسول ،وتعرف الإسلام بأنه كل من يعادي السامية ويتعاطف مع أعداء إسرائيل .
والمتتبع لهذه الفقرة وهذه التعاريف ويملك ولو جزء يسير من عقل يستخدمه عند الحاجة ، لأيقن بأن كل ما في الأمر هي رغبة جامحة لكيل الشتائم لجماعة قومية وفئة دينية معينة ، وأن هذه الشتائم وضعت بحيث تكون مكررة وبشكل دائم قدر المستطاع ومتوفرة عند الطلب .
فمن المعيب أن نعتقد أن المعدين لذلك القاموس يعتقدون فعلا أن تعريف العربي تعني تلك الأوصاف المبتذلة ، ألا أن كانوا هم فعلا قد أمتزج عليهم بين رؤيتهم لنا وتعريفهم اللغوي العلمي .
وحين أقول رؤيتهم لنا ، فأنا هنا لا أتبني نظرية المؤامرة ، لأن النظرية غدت فعل متحرك وكائن مادي يجول بيننا ، والحديث عنها بين نفي وتأكيد هو أمر تجاوز المنظور الفكري ليقفز حتما إلى الصفع في الوجه بلا حياء .

مناهجنا التعليمية من حيث حث و تحفيز العقل على العمل هي ولا شك عاجزة عن ذلك ومتجمدة منذ عقود طويلة ، وأصبح القائمون على تأليف تلك المناهج يعانون أنفسهم من حالة برود مزمنة ، ونحن إذ نقر بهذا الشيء ونطالب بتطوير ما يمكن تطويره ، نجد رفض داخلي بأن الآخر يعتقد بأننا أساس هذا العداء ، ومدمنين تحريض من خلال مناهجنا الدراسية ، بينما هم أياديهم ممرغة بكل شائن ونشاز ، وأن كانت في الفترة الأخيرة و التي بلغت قمة الهوان العربي تفرغ أبناء جلدتنا لنقد ما لذ لهم من قيمنا ومبادئنا ، نود ولو للحظة أن نشير إلى الجهة الأخرى التي تدعي أنها رسولة البشرية في القيم والإنسانية .

ولو ألقينا نظرة عابرة على مناهجهم وكيف يتحدثون عنا ، لربما أصيب البعض بمفاجئة أننا أمة متسامحة جدا ، فقد قام الباحثان ويليام جريسورد و أياد القزاز بدراسة لحساب جمعية دراسات الشرق الأوسط وخرجوا بهذه النتائج .
- التلميح في المناهج الدراسية الأمريكية بأن الصعوبات التي تواجه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ترجع بصفة رئيسية إلى الطابع السلبي للقومية العربية وعداء العرب لإسرائيل
- تصوير إسرائيل على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط مع عروض الحروب الإسرائيلية العربية الأربع من جهة نظر إسرائيل وتجاهل المنظور العربي والفلسطيني
- يميل المؤلفون لدى مناقشة عناصر الصحراء إلى تأكيد منجزات إسرائيل مع تجاهل منجزات العرب في تغير الصحراء .
ويذكر الدكتور أديب خضور في كتابة ( صورة العرب في الإعلام الغربي ) أن الاستشراق وجد في المناهج الدراسية المقررة على الطلاب الأمريكيين في مراحل التعليم المختلفة وسيلة فعالة لتشكيل وعي الأجيال وتصوير العرب كشعب بدوي مغرم بالغزو والنهب والسلب والعربي وثني كافر والإسلام ديانة غير متسامحة أنتشر بحد السيف ، ناهيك عن تصوير العرب بأنهم يكرهون الغرب ويشكلون خطرا وأن منظمة أوبك مرادفة للعرب دائما وتأتي بمضمون سلبي وأن العرب أعداء العالم ومثيرو الحروب ، كما أن المعالم البصرية لصورة العربي هو رقص هز البطن ولباس العربي الكوفية والعقال والعباءة للرجال والحجاب للمرأة وآبار النفط وسيارات الليموزين الطويلة واللحية السوداء الضخمة والنظارات الشمسية ...

وهذه الصورة السلبية ليست قصرا على الولايات المتحدة وحسب ولكنها تجول بمعاني مختلفة لدى دول الغرب في أوروبا ، فتصوير العربي بأنه مجرد لص أو خائن أو شخصية سلبية هي تنميط دام لقرون طويلة واشتدت كلما زادت حاجة الغرب لتحقيرنا بقصد الضغط واحتلال أراضى جديدة لنا .

إذا لماذا يطالب جورج دبليو بوش بضرورة تغير المناهج ، ولماذا أنصاع له العرب بثورة تعليمية لطالما حلمنا بها أن تأتي من صميم إرادتنا لنقيس هذا التعديل ونحسب نتائجه على العقل العربي لا لأجل إرضاء العقل الأمريكي أو الأوروبي . بينما هم وفي نسختهم الثالثة للقاموس اللغوي يصفنا بأوصاف لا تليق أن تذكر بحق جماعة تتسم بتلك الصفات حقيقة .

هم متطرفون ، وتتم تربية أجيالهم على الكراهية والتحقير والانحياز لدولة صهيونية لم يرى التاريخ مثلها في أعمال القتل والتهجير لشعب صاحب أرض وحق ، بل لم يرى التاريخ كيف أن العالم كله تكتل مع الغاصب ضد الأعزل ، وهم إذ يفعلون هذا الشيء يرون أنه عين الصواب من حيث ضمان بقاء نفوذهم السياسي والعمل على الحصول على مصالحهم بأية طريقة كانت حتى وأن كان همجية تصل إلى حد الغزو المباشر واحتلال الشعوب من جديد فهم قد ضربوا عرض الحائط بكل القوانين الدولية لشن حرب قذرة عل شعب عربي وتمزيقه لدويلات وطوائف ومذاهب ، ومن جهة أخرى يجب علينا أن لا نتعجب حين نرى ما يفعله الجنود الأمريكيون في سجون العراق أو غاتناموا من تمزيق للقرن أو تعرية المساجين و امتهان كرامتهم ، لأنهم حين يقومون بهذه الأعمال فهي لا تمثل في أخلاقهم شيء منافي لما تعلموه خلال مسيرة حياتهم في تلك الدولة العظمى التي أصبح معظم العالم يشكك في أخلاقياتها السياسية التي أمتزجت بفكر أيديولوجي ديني متطرف !

هناك من يطالب بحراك عربي مشترك تقوده الجامعة العربية لتغير ما يمكن تغيره وجمع المال للقيام بحلمة قضائية طويلة ، ولكن هل هناك من أحد بقي يثق بالقضاء أو العدالة أو النزاهة الأمريكية بعد أن صدر هذا القاموس بكل الشتائم وهو يعلم بأنه أمن قانونيا وقضائيا ، وألا وان كان العكس فمن كان يجروء على وصفنا بتلك الأوصاف التي والله لا تمت لنا بصلة من قريب أو بعيد ، والتي نعلم نحن جيدا بأننا أمة تملك كل مقومات الحضارة وتعيش ثقافة متحركة وتفخر بانتمائها وكرمها وتسامحها إلى حد بلغ من هذا التسامح مرحلة الضعف والسذاجة .
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

في اعلى القاموس بالاحمر نرى البصمة الصهيونية اليهودية واضحة ولا تحتاج الى برهان
لكن الحمد لله راح يحصل لهم كما حصل للابليس والامة اليهودية الفانية بحول الله وقدرته
نشوف هذا المقطع المبشر بالخير
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

نهياية أمريكا قادمة وتفككها واقعة لامحالة بسبب العنصرية


قالت دراسة أمريكية إن المجموعات المسلحة من اليمين المتطرف التي لم تتقبل حتى الآن انتخاب أول رئيس اسود للولايات المتحدة تشهد نهضة جديدة في هذا البلد بعد عقد من التراجع، مشيرة إلى أن عدد المجموعات العنصرية في الولايات المتحدة ازداد بنسبة 54% بين 2000 و2008 فارتفع من 202 إلى 926 مجموعة.
وأوضحت جمعية "ساوذرن بوفرتي لو سنتر" المعروفة بأعمالها حول اليمين المتطرف أن المجموعات الأمريكية الصغيرة التي تعتنق إيديولوجيا عنصرية معادية للحكومة والمهاجرين والتي ازدهرت في تسعينات القرن الماضي وشنت عددا كبيرا من الهجمات الإرهابية الدامية، عادت إلى الازدهار.
ونقلت الجمعية في دراستها الصادرة بعنوان "الموجة الثانية: عودة الميليشيات" عن مسؤول في الشرطة قوله "انه اكبر نمو شهدناه منذ عشر سنوات أو 12 سنة".
وأضاف المسؤول الذي لم يذكر اسمه "لا ينقص سوى شرارة. إنها مسألة وقت فقط قبل أن نشهد تهديدات وأعمال عنف".
وتعود أضخم عملية دبرها أمريكي في بلاده إلى العام 1995 وقد نفذها ناشط من اليمين المتطرف.
ففي ابريل 1995 قام تيموثي ماكفي الجندي السابق الذي كان يحركه عداء شديد للحكومة الفدرالية الأمريكية، بتفجير شاحنة ما أدى إلى تدمير مبنى حكومي في اوكلاهوما سيتي (اوكلاهوما، جنوب) وقتل 168 شخصا.
واعدم تيموثي ماكفي عام 2001 في سجن في انديانا (شمال). وفي الفترة ذاتها، وصل الجمهوري جورج بوش إلى البيت الأبيض ولفت مارك بوتوك من الجمعية إلى أن ولايته الرئاسية الأولى شهدت ملاحقات قضائية متعاقبة ما أدى إلى انحسار اليمين المتطرف في السنوات التسعة الاخيرة. لكن التقرير حذر من أن الوضع قد يتبدل اليوم.
ولفت إلى أن "الحكومة الفدرالية - الكيان الذي تعتبره جميع الحركات اليمينية المتطرفة تقريبا عدوها الأول - هي برئاسة رجل اسود" ما ينذر بتأجيج غضب العنصريين المنادين بـ"تفوق العرق الأبيض".
وبحسب معطيات نشرتها الجمعية في فبراير، فان عدد المجموعات العنصرية ازداد بنسبة 54% بين 2000 و2008 فارتفع من 202 الى 926 مجموعة.
وتم إحصاء هذه الارقام قبل تولي الرئيس الديمقراطي مهامه في يناير 2009، وقد خلصت الدراسة إلى وجود رابط مباشر بين وصول اوباما إلى السلطة وارتفاع عدد جرائم القتل التي استهدفت شرطيين منذ مطلع السنة.
وذكر لاري كيلير من الجمعية من بين الحالات المسجلة هذه السنة "رجلا "غاضبا جدا" لانتخاب أول رئيس اسود للولايات المتحدة سعى لصنع "قنبلة قذرة إشعاعية".
كما ذكر مثال "رجل اخر غاضب بسبب انتخاب اوباما أبدى اهتماما بالانضمام إلى مجموعة مسلحة وقام بقتل مساعدي شريف في فلوريدا (جنوب شرق)". من العناصر التي تدعم تنامي الحركات المسلحة انتشار أخبار عن مؤامرات مزعومة غير مدعومة بأي أدلة ولكن تلقى رواجا كبيرا وأصداء إعلامية واسعة.
وأشار التقرير إلى أن الحركات العنصرية ما زالت تؤكد أن اوباما لا يمكن أن يكون رئيسا لاعتباره لم يولد مواطنا أمريكيا، كما أن المجموعات المتطرفة تتمسك بفرضيات المؤامرة حول ضلوع الإدارة في اعتداءات 11 سبتمبر.
وقال تشيب بيرلت محلل الحركات اليمينية المتطرفة ان "البيئة السياسية الحالية تغص بفرضيات المؤامرة العبثية والمطالب تبدو عبثية غير انها تنتشر بين الناس، والادعاءات المبالغ بها، الامر الذي يولد بيئة مؤاتية لظهور العنف".
ويدعم هذا التوجه عدد من الإعلاميين ومقدمي البرامج الذين يروجون لهذه الايدولوجيا.
وأشارت الجمعية بصورة خاصة إلى معلقين على شبكات إخبارية يروجون لفرضيات مؤامرة وفي طليعتهم غلين بيك على "شبكة فوكس نيوز" الذي وصف اوباما بأنه "فاشي" و"نازي" و"ماركسي".
وكان تقرير داخلي للحكومة الفدرالية حذر في مطلع السنة من أن الانكماش الاقتصادي وانتخاب باراك اوباما يشكلان حافزين لتجنيد ناشطين جدد في اليمين المتطرف.
من جهتها اعتبرت وزارة الامن الداخلي ان انتشار الانترنت والمخاوف من ان تعدل ادارة اوباما التشريعات المتعلقة بالاسلحة النارية وعودة جنود قاتلوا في العراق وافغانستان الى البلاد، كل ذلك "قد يؤدي الى ظهور مجموعات ارهابية او خارجة عن القانون قادرة على تدبير اعتداءات".
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

بعدما ضربنا امثلة من العالم وخصصنا جزء كبير منها لمجرم العالم الكبير والاول
راح نكمل غدا كيف عالج الاسلام هذا المرض والتطعيمات والتلقيحات التي اعطاها للمسلم كي لا يصاب به
وكيف يتصدى له عند دخوه جسم الامة
تصبحون على خير
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

images



القومية الصهيونية لا تنفصل بتاتاً عن العقيدة اليهودية ومفرداتها ومفاهيمها وتعاليمها، ومقولاتها، التي تنص صراحة على أنّ (اليهود يشكلون عنصراً مميزاً على سائر العناصر البشرية، وشعباً متميزاً على الشعوب كافة، بخصائصه وفرادته، واختياره من قبل الربّ ذاته). وهي بذلك تجعل من نظرّية الجنس، أو العرق، أساساً جوهرياً لها. وعلى هذا الأساس تقوم النظرية العنصرية اليهودية
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

انا شخصيا عنصري مع اعدائي خصوصا الخونة
ومن عائلة عرقية
لكنني طيب جدا :12[1]: وزعيم كمان
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

انا شخصيا عنصري مع اعدائي خصوصا الخونة
ومن عائلة عرقية

لكنني طيب جدا :12[1]: وزعيم كمان


:a023[1]:
:celebrate14[1]:

:p30[1]:

:a020[2]:

انا الشاهد الاول


انت قاتل الاشرار ايضاً



-

على العموم اليهود يجيهم يوم و ان شاء الله تتكرر حادثة هتلر


:budo[1]:
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

images



القومية الصهيونية لا تنفصل بتاتاً عن العقيدة اليهودية ومفرداتها ومفاهيمها وتعاليمها، ومقولاتها، التي تنص صراحة على أنّ (اليهود يشكلون عنصراً مميزاً على سائر العناصر البشرية، وشعباً متميزاً على الشعوب كافة، بخصائصه وفرادته، واختياره من قبل الربّ ذاته). وهي بذلك تجعل من نظرّية الجنس، أو العرق، أساساً جوهرياً لها. وعلى هذا الأساس تقوم النظرية العنصرية اليهودية

اليهود عندهم مرض نفسي يلزم يعالحو عند الطبيب خويا الميغ
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

انا شخصيا عنصري مع اعدائي خصوصا الخونة
ومن عائلة عرقية
لكنني طيب جدا :12[1]: وزعيم كمان
متخفش لكل داء دواء والخونة علاجهم عندي
:kar[1]:
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي


empty.gif
علاج الإسلام للتمييز العنصري
http://nagd.activebb.net/t10162-topic#12047


أما بعـــد ،،
فبين أيديكم بحث بعنوان ( علاج الإسلام للتمييز العنصري )
قد كلفت به من قبل أستاذي الفاضل الدكتور طارق الطواري، ضمن مقرر الحديث الموضوعي.
وأود في هذه المقدمة أن أسلط الضوء على تعريف التمييز العنصري ومظاهره قديماً وحديثاً وآثاره على المجتمعات، أما سبل العلاج التي قررها الإسلام فستكون ضمن المباحث التي يشملها البحث وهي :-
1. المبحث الأول: جمع الآيات والأحاديث والآثار المتعلقة بعلاج الإسلام للتمييز العنصري.
2. المبحث الثاني: علاج الإسلام للتميز العنصري، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: المبادئ العامة التي أرساها الإسلام ومن شانها القضاء على التمييز العنصري.
المطلب الثاني: موقف الإسلام من مظاهر التمييز العنصري التي كانت متفشية في ذلك العصر.
وتليها الخاتمة وفيها أهم النتائج.

* تعريف التمييز العنصري:
( التمييز ) من ماز الشيء أي عزله وفرزه، وكذا ميزه تميزاً فانماز وتميز واستماز كله بمعنى. يقال امتاز القوم إذا تميز بعضهم عن بعض. (1)






(1) مختار الصحاح – للرازي ( حرف الميم / مادة ميز )
( العنصري ) من العنصر: والعُنصُر أو العُنصَر: الأصل.
قال الأزهري: العنصر أصل الحسب (1). والعنصر أيضاً بمعنى الجنس، يقال فلان من النصر الآري أو السامي(2).
فيكون المعنى الكلي ( للتمييز العنصري ) هو التفرقة وفرز الناس على أساس أصل الحسب أو الجنس.

ومظاهر التمييز العنصري متعددة، فقد كان التمييز العنصري عند العرب في الجاهلية قائم على التفاخر بالأحساب والانساب، واستعباد البشر.
وللتمييز العنصري مظاهر كثيرة عند اليهود والنصارى، وفي الدعوات الحديثة مثل الشيوعية والرأسمالية والاشتراكية.
قال د. عبد الله بن هادي القحطاني:
" وأما النصرانية التي لم يكتب لها أن تطبق كنظام حياة متكامل كما في الإسلام إلا أنها تحوى في تعاليمها كثيراً من المبادئ العنصرية، والتي اتخذها كثير من أتباعها ذريعة لاستعباد الشعوب الأخرى واستعمارها. وفي الجانب الآخر فإن التعاليم التلمودية التي تقوم عليها اليهودية الحديثة تعلي من شأن اليهود، وتصفهم بأنهم شعب الله المختار، وأما الأمم الأخرى بما فيهم أعوانهم من النصارى، فتصفهم بأنهم أمميون، ويمكن أن تمتد القائمة لتشمل الشيوعية ونداءاتها الجوفاء بأن الناس سواسية، والتي واقعها أن هناك ( أناساً أكثر سواسية من غيرهم ) وأما الرأسمالية الطاغية بظلمها على العالم اليوم فإنها لا تهدف ولا حتى على المستوى التنظيري إلى تطبيق المساواة، لأنها تشجع الابتزازية المطلقة، وتقوم على الاحتكار الذي يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء والرأسمالية وبلورة نظمها في بوتقة جديدة، ما فتئت إلا أن تخبطت في حمأة أخطاء ذينك النظاميين، وبهذا لم تنجح في

(1) لسان العرب – ( باب العين / مادة عنصر )
(2) المعجم الوجيز – ( حرف العين / مادة عنصر ).
أن تقدم خياراً مقبولاً لنظام عالمي جديد. وبهذا فإن الإسلام يبقى الخيار الأوحد لنظام يسير البشرية، فهو يحترم حقوق البشر بغض النظر عن اختلافهم. (1)
ومن مظاهر التمييز العنصري في هذا العصر، التمييز العنصري ضد السود في الولايات المتحدة الأمريكية.
" فهذا السيناتور جون كالهون ( John Calhoun ) من كارولينا الجنوبية يقول حول أحقية السود بالعبودية دون غيرهم:
أن الحرية عندما تعطي لأناس لا يستحقونها فبدل أن تكون بركة فإنها تكون لعنة... فإن الله خلقهم عبيداً وهذا وضعهم الطبيعي. (2)

* آثار التمييز العنصري:
1. انتشار الجريمة
2. أولاد الزنا
3. الأمراض النفسية بسبب المعاناة من الاضطهاد وسوء المعاملة.
4. قلة الإنتاج إما للضغوط النفسية او كردة فعل ممن مورس بحقهم التمييز العنصري، فهم لا يرغبون بخدمة مجتمع لا يحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم.
5. تقسيم المجتمع إلى طبقات متناحرة.
وبعد هذا العرض المجمل ابدأ بطرح الموضوع حسب المباحث التي سبق ذكرها. فأسأل الله التوفيق والسداد.




(1) مقال بعنوان ( النظام العالمي والعدالة الاجتماعية " المساواة " د. عبد الله بن هاني القحطاني . على الموقع www.islamtoday.net
(2) المرجع السابق.
المبحث الأول
الآيات والأحاديث المتعلقة بعلاج الإسلام للتمييز العنصري

أولاً: الآيات القرآنية:-
 إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (10) يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساءٍ عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون 11. الحجرات.

 يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً . النساء (1)

 يا أيها الذي أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أوتعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً . النساء 135

 ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور . لقمان 18

 ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . الأنعام 52


ثانياً: الأحاديث النبوية:
(1) عن عقبة بن عامر الجهني- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم ( كلكم بنو آدم طف الصاع لم تملؤوه، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو تقوى، وكفى الرجل أن يكون بذيئاً بخيلاً فاحشاً )
أخرجه أحمد – مسند عقبة بن عامر- ( 5 – 160 ) حديث ( 17116 )
{ حسن } – مسند أحمد بتحقيق شعيب الارناؤوط – ( 4 / 145 ) حديث (17351)
طف المكيال.. إذا قارب ملأه ولما يملأ، والمعنى المراد في الحديث: كلكم في الانتساب إلى أب واحد بمنزلة واحدة في النقص والتقاصر عن غاية التمام.
وشبههم في نقصانهم بالكيل الذي لم يبلغ أن يملأ المكيال.(1)

(2) عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية )
أخرجه أبو داوود في سننه- باب في العصبية – (14/26) حديث (5116)
{ ضعيف } – ضعيف الجامع الصغير – حديث ( 4935 )
(3) عن أبي نضرة – رضي الله عنه- حدثني من سمع خطبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وسط أيام التشريق فقال:
( يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى. أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام، ثم قال: أي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام



(1) النهاية في غريب الحديث- ( حرف الطاء- طفف ).
قال، ثم قال: أي بلد هذا؟ بلد حرام، قال: فإن الله قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم، قال: ولا أدري قال: وأعراضكم أم لا- كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: ليبلغ الشاهد الغائب).
أخرجه أحمد- حديث شيخ من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم( 6/57 ) حديث (233105) { صحيح } – مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر – ( 17 / 12 ) حديث (23381)

(4) عن المعرور بن زيد- رضي الله عنه- قال لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حله، وعلى غلامه حله، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلاً فعيرته بأمه؟ فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم- يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ إنك إمرؤ فيك جاهلية إخوانكم خولكم جعلهم الله نحن أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم ).
أخرجه البخاري- كتاب الإيمان ( 11/11 ) حديث (4267)
وأبو داود – باب في حق المملوك – ( 14 / 67 ) حديث ( 5153 )
وابن ماجة- كتاب الأدب – باب الاحسان إلى المماليك ( 2/1216 ) حديث (3773)
وأحمد – مسند أبي ذر ( 6/202 ) حديث ( 2105 )
والربذة : من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق، وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري (1).





معجم البلدان/ ياقوت الحموي- ( حرف الراء ).
(5) عن عائشة- رضي الله عنها:-
( أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فكلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قال: فخطب فقال: أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم إذا سرق الشريف تركوه. وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ).
أخرجه البخاري- كتاب الحدود- باب كراهية الشفاعة في الحد ( 14 / 38 ) حديث (6640)
والنسائي في الصغرى- ج 8 صـ 444 ( 4882 ).

(6) عن إدريس الأودي- رضي الله عنه – قال:
( أخرج إلينا سعيد بن أبي بردة كتاباً وقال: هذا كتاب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما: أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، أفهم إذا أدلى إليك فإن لا ينفع كلمة حق لانفاذ له، أس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يخاف ضعيف من جورك )
البيهقي في سننه الكبرى- جماع أبواب ما على القاضي ( 15 / 137 ) حديث ( 20909 )






(7) عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم- أنه قال ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثل ذرة من كبر )
أخرجه مسلم- كتاب الإيمان – ( 2 / 76 ) حديث (227)

(
icon_cool.gif
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
( لينتهي أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم من جهنم، أو ليكونن من أهون على الله من الجعل الذي يدهده، الخراء بأنفه.
إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي أو فاخر شقي، الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب )
أخرجه الترمذي- باب في فضل الشام واليمن- ( 10 / 350 ) حديث شريف (4216)

{ صحيح } – صحيح الجامع ( 1 / 963 ) حديث ( 5482 )
- يدهده : يتدحرج (1)
- عبية : يعني الكبر (2)






(1) النهاية في غريب الحديث- ( حرف الدال/ دهدأ ) – دار الفكر
(2) النهاية في غريب الحديث- ( حرف العين / عبب ) – دار الفكر.
(9) عن عياص بن حمار- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ( إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد )
أخرجه مسلم- كتاب الجنة- ( 17 / 168 )- حديث ( 7159 )
وأبو داود – كتاب الأدب- ( 13 / 238 )- حديث ( 4891 )
وأبن ماجة- باب البراءة من الكبر والتواضع ( 2 / 1399 )- حديث ( 270 ).
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

(10) عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه:-
كنا مع النبي صلى اللهعليه وسلم- نفر، فقال المشركون للنبي – صلى الله عليه وسلم. اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست اسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه. فأنزل الله تعالى: ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) الأنعام (52)
أخرجه مسلم- كتاب فضائل الصحابة- ( 15 / 156 ) ( 6194 ).

(11) عن أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزني- رضي الله عنه- أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر- رضي الله عنه. أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال: ( يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن أغضبتهم لقد أغضبت ربك ) فأتاهم فقال: يا أخوتاه أغضبتهم؟ قالوا: لا يغفر الله لك يا أخي.
أخرجه مسلم- كتاب فضائل الصحابة. ( 16 / 55 ) حديث ( 6364 )
وأحمد- في مسند عائذ بن عمرو- ( 6 / 57 ) حديث ( 20243 )
(12) عن البراء رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى عليه وسلم: ( أما أنت يا زيد فأخونا ومولانا )
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه- كتاب الفضائل- (7/533) حديث (28044).
{ صحيح } – صحيح الجامع ( 1 / 310 ) حديث ( 1479 )
(13) عن عائشة قالت:
( ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم، ولو كان حياً بعده لا ستخلفه ).
أخرجه احمد في مسنده – مسند عائشة – ( 6 / 254 ) حديث ( 26217 )
أخرجه ابن أبي شيبه في مصنفه- كتاب الفضائل- (7/533 ) حديث ( 28042 ).
{ إسناده حسن } – مسند أحمد بتحقيق شعيب الارناؤوط حديث ( 26217 ).
(14) عن أبي البحترى: قالوا لعلي: أخبرنا عن سلمان؟ قال:
(أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا يترفع قعره، هومنا أهل البيت )
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه – كتاب الفضائل ( 7 / 536 ) حديث ( 28065 ).
(15) عن عمر رضي الله عنه قال:
( أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا يعني بلالاً ).
أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب فضائل الصحابة ( 3 / 1371 ) حديث (3544).
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف- كتاب الفضائل- ( 7 / 538 ) حديث (8072).
(16) عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم:
( لا يدخل الجنة خب ولا بخيل ولا منان ولا سيء الملكة، وأول من يدخل الجنة المملوك إذا أطاع واطاع سيده )
اخرجه احمد- مسند أبي بكر – ( 1/14،9 ) حديث (14)، (33).
{ ضعيف } مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر ( 1 / 171 ) حديث ( 13 / 32 )
الخب: الخداع(1)
(17) عن رافع بن مكيث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( حسن الملكة يمن ، وسوء الخلق سوم )
أخرجه أبو داود- باب في حق المملوك – (14/70، 72) حديث (5157)، (5158).
{ ضعيف } – ضعيف الجامع – حديث رقم ( 2720 )

(1) النهاية في غريب الحديث – ( حرف الخاء – مادة خبب ).
(18) عن أنس بن مالك:
(كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت).
أخرجه البخاري في صحيحه- كتاب الأدب – (12/113)- حديث رقم (5933).

(19) عن عائشة رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم:
( مازال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه يورثه ومازال يوصيني بالمملوك حتى ظننت أن يضرب له أجلاً أو قتاً إذا بلغه عتق،.
أخرجه البيهقي في سننه الكبرى – جماع أبواب النفقة – (11/518) – حديث رقم (16103).
الحديث صحيح فقد رواه الجماعة ، لكن قوله ( وما زال يوصيني بالمملوك .... )
في رواية البيهقي، وهذه زيادة شاذة أو منكره- انظر ارواء الغليل ( 3 / 401 ).

(20) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
( كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة، الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ).
أخرجه أبو داود . باب في حق المملوك- (14 / 64 ) حديث (5151).
{ صحيح } – صحيح الجامع ( 4616 ).

(21) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من اعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار حتى فرجه بفرجه )
أخرجه البخاري- كتاب كفارات الإيمان – (13 / 462) حديث (6567).
(22) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
( من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إرب منه من النار )
أخرجه مسلم- كتاب العتق ( 10 / 122 ) حديث (3750).
الإرب. على العضو ، والجمع آراب، منه حديث الصلاة ( كان يسجد على سبعة آراب (1).

(23) عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
( أيما امرئ مسلم أعتق امرئ مسلماً كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضواً منه وأيما امرئ أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزى كل عضو منها عضواً منه )
أخرجه الترمذي – كتاب النذور والإيمان- ( 5/110) حديث ( 1550 ).
{ صحيح } صحيح الجامع ( 1 / 525 ) حديث ( 2700 ).
(24) عن أبي نجيح السلمي: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( أيما رجل مسلم أعتق رجلاً مسلماً فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامه عظماً محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامها عظماً من عظام محررها من النار يوم القيامة ).
أخرجه أبو داود- كتاب العتق- ( 10 / 511 ) حديث (3964).
{ صحيح } صحيح الجامع ( 1 /525 ) حديث ( 2700 ).

(25) عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه ).
أخرجه مسلم- كتاب الإيمان- ( 11 / 106 ) حديث ( 4252 )
وأبو داود – باب في حق المملوك – ( 14 / 75 ) حديث (5163).

(26) عن أبي مسعود البدري قال:
( كنت أضرب غلاماً بالسوط فسمعتصوتاً من خلفي ( أعلم أبا مسعود ) فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني، إذا هو رسول الله، فإذا هو يقول: ( أعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، قال: فألقيت السوط من يدي، فقال: ( أعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ) قال: فقلت لا أضرب مملوكاً بعده أبداً.

(1) النهاية في غريب الحديث- ( حرف الهمزة – مادة ارب )
وفي رواية: فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: أما لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار )
أخرجه مسلم- كتاب الإيمان – باب صحبه المماليك (11/109-110) حديث (4261) (4262).

(27) عن ابن عباس عن النبي- صلى الله عليه وسلم:
( أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبرمنه ؟ وقال من بعده )
أخرجه أحمد. مسند عبد الله بن عباس- (1/498،521) حديث (2762) و (2913).
قال شعيب الارناؤوط : حسن ، وهذا إسناد ضعيف { مسند أحمد بتحقيق شعيب الارناؤوط حديث ( 2912 ).

(28) عن موسى بن أنس أن سيرين سأل أنس بن مالك المكاتبة وكان كثير المال فأبى، فانطلق إلى عمر فقال: كاتبه، فأبى فضربه عمر بالدرة وتلا عمر ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً )
رواه البخاري معلقاً في كتاب المكاتب (5/493).

(29) عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
( من ملك ذا رحم محرم فهو حر ).
أخرجه الطيالسي- مسند سمرة- (1/123) حديث (911).
{ صحيح } صحيح الجامع ( 2 / 1116 ) حديث ( 6557 ).

 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

المبحث الثاني
علاج الإسلام للتمييز العنصري

المطلب الأول: المبادئ العامة التي أرساها الإسلام ومن شأنها القضاء على التمييز العنصري.
وضع الإسلام عدة قواعد وأسس إذا التزمها المجتمع كانت كفيلة بمنع ظهور أي شكل من أشكال التمييز العنصري، فضلاً عن القضاء على أشكال التمييز التي كانت منتشرة فيه من قبل. وفيما يلي أهم تلك المبادئ:-
1. بيان الغاية من الخلق، وهي عبادة الله عز وجل، لينصرف الناس إلى تلك الغاية ويبتعدوا عن كل ما يشغلهم عن القيام بها.
قال تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ...).

2. إقرار مبدأ المساواة بين الناس، فلا فرق بينهم إلا بدين أو تقوى
قال تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ). النساء

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كلكم بنو آدم طف الصاع لم تملؤوه. ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو تقوى ... ) (1)

قال سيد قطب- رحمه الله تعالى- ( إنه الخطاب " للناس " بصفتهم هذه، لردهم جميعاً إلى ربهم الذي خلقهم " من نفس واحدة " ولو تذكر الناس هذه الحقيقة


(1) أخرجه أحمد- مسند عقبة بن عامر- (5/160) حديث (17116).
لتضاءلت في حسهم كل الفروق الطارئة التي نشأت في حياتهم متأخر ففرقت بين أبناء النفس الواحدة .. واستقرار هذه الحقيقة كفيل باستبعاد الصراع العنصري الذي ذاقت منه البشرية ما ذاقت، ومازالت تتجرع منه حتى اللحظة الحاضرة، في الجاهلية الحديثة التي تفرق بين الألوان، وتفرق بين العناصر، وتقيم كيانها على أساس هذه التفرقة، وتذكر النسبة إلى الجنس والقوم وتنسى النسبة إلى الإنسانية الواحدة، والربوبية الواحدة.

3. النهي عن التعصب بكل أشكاله وصوره، لأنه طريق التفرقة والتمييز بين الناس.
عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية ) (2).

4. الحث على التواضع مع الناس.
عن عياض بن حمار- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر احد على أحد ولا يبغي أحد على أحد ) (3) وكان النبي صلى الله عليه وسلم خير قدوة ويحتذي بها في التواضع
قال ابن القيم رحمه الله:
( وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر على الصبيان فيسلم عليهم، وكانت الأمة تأخذ بيده صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت،



(1) في ظلال القرآن ( 1 / 574 ).
(2) أخرجه أبو داود – باب في العصبية – (14/26) حديث (5116)
(3) أخرجه مسلم- كتاب الجنة – (17/168) حديث (7159).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل لعق أصابعه الثلاث. وكان صلى الله عليه وسلم يكون في بيته في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط. وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاه لأهله ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم ويجالس المساكين ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتها، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاة، ولو إلى أيسر شيء (1).
قلت: من اتصف بهذه الصفات فهو بعيد كل البعد عن التمييز العنصري، واحتقار الناس بسبب ؟؟؟؟؟؟؟ أو أصولهم أو مكانتهم.
قال ابن القيم في معنى التواضع:
" وقيل التواضع أن لا ترى لنفسك قيمة، فمن رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب (2).
5. تغليظ عقوبة الكبر والتنفير منه.
عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم:
( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) (3)
6. إذكاء الجانب الروحي والإيماني في نفوس المسلمين يذيب جميع الفوارق بينهم
7. التطبيق العملي للعبادات قائم على إلغاء الفوارق بين المسلمين، فصلاة الجمعة والجماعات يقف فيها الغني بجانب الفقير والعربي بجانب الأعجمي لا فرق بينهم، وفي الحج يتساوى المسلمون في لباسهم وفي أداء المناسك، وكذلك الصيام يجعل المسلم يستشعر معاناة الفقراء في الجوع فيتعاطف معهم.
8. ويتساوى المسلمون أيضاً في المقابر، فقد نهت الشريعة عن رفع القبور وبنائها.

(1) تهذيب مدارج السالكين – لابن القيم ( 2 / 679 .
(2) المرجع السابق ( 2 / 680 )
(3) أخرجه مسلم- كتاب الإيمان – ( 2 / 76 ) حديث ( 227 ).
المطلب الثاني: موقف الإسلام من مظاهر التمييز العنصري التي كانت متفشية في ذلك العصر.
كان العرب قبل الإسلام يمارسون التمييز العنصري من خلال تفاخرهم بالأحساب والانساب، ومن خلال استعبادهم للرقيق الذين فقدوا أدنى مقومات الإنسانية في ذلك العصر. فلما جاء الإسلام عالج هاتين الظاهرتين وذلك من خلال:
1. إلغاء الافتخار بالأحساب والأنساب، وقد بدأ النبي بأقرب الناس إليه، وبين ميزان التفاضل وهو التقوى، وبين أساس الولاء وهو الإيمان.
عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم – جهاراً غير سر يقول: " إن آل أبي – قال عمرو في كتاب محمد بن جعفر: بياض – ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين " (1)

2. إعطاء مكانة عالية لكثير من الصحابة من غير العرب، كسلمان الفارسي،
وبلال بن رباح وصهيب الرومي وغيرهم، ومساواتهم بسادة قريش.









(1) أخرجه البخاري- كتاب الأدب – ( 12 / 26 ) حديث ( 5853 )

3. آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين بلال بن رباح، وخالد بن رويحة الخثعمي، وبين مولاه زيد وعمه حمزة، وبين خارجة بن زيد وأبي بكر، وكانت هذه المؤخاة صلة حقيقية تعدل رابطة الدم، ومازالت البشرية في عصر المناداة بالحريات وحقوق الإنسان تتطلع إلى ما هو دونها فلا تبلغه (1).
4. الإسلام محا الفروق في تطبيق العقوبة على أساس طبقي ومن ذلك قصة المخزومية التي سرقت (2). وقد سبق ذكرها في المبحث الأول (3).
5. علاج الإسلام لمشكلة الرق:
كانت مشكلة الرق عميقة الجذور في التاريخ، متشعبة بفروعها الشائكة داخل النفوس، فانقسمت البشرية إلى سيد قد علاه الكبر والبطر، وإلى عبد قد أضاه الذل والضجر. وعندما ظهر الإسلام الذي يتميز بالمنطق العملي والتدريجي في علاج مشكلات المجتمع الإنساني الأول، فإنه لم يأمر بتحريمه مرة واحدة، ولكنه جفف ينابيعه وعمل على حصره في أضيق الحدود والقضاء على أسبابه، حتى لا نكاد نذكر آثراً لتلك المشكلة منذ عدة قرون في الدول الإسلامية والتي استضاءت بنور الإسلام. هذه المشكلة ( الرق ) التي كانت تمارس قانوناً في أوروبا وأمريكا إلى






(1) التفرقة العنصرية قديماً وحديثاً – لمحمد بخيت – ( ص/106 )
(2) المرجع السابق ( ص / 107 )
(3) أنظر ( ص / 7 )
عهد قريب، ولم تلغ في أمريكا قانوناً إلا عام 1862م، وبالرغم من ذلك ظلت آثارها ودوافعها في نفوس الأمريكيين تمارس مع السود (1).
وتمثل علاج الإسلام للرق بالخطوات التالية:
أ) حصر مصدر الاسترقاق في الحرب ، خلافاً لما كان قبل الإسلام فقد اعتادت قبائل العرب على خطف الناس واستعبادهم، وكذلك في العصر الحالي مثل استعباد الأفارقة بخطفهم من ديارهم ثم تهجيرهم إلى دول أوروبا وأمريكا ، أما الإسلام فقد قصر الرق في الحروب، وهذه الحروب ليست هدفاً بذاتها وإنما هي وسيلة للدعوة إلى الله وإعلاء كلمته ، ويخير أهل كل بلد قبل ذلك بثلاث خيارات:-
1. إما الإسلام فيكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين
2. فإن أبوا فالجزية وهو قدرزهيد يؤخذ عن رجالهم ويؤخذ نصفه عن النساء، ولا يؤخذ عن الشيوخ والأطفال، ومقابل ذلك لا تهدم لهم كنيسة أو معبد وتتكفل الدولة بحمايتهم.
3. فإن أبوا فالحرب لأنهم بذلك أصبحوا عائقاً في طريق دعوة الله عز وجل.
ب) الأمر بحسن معاملة المملوك.
عن رافع بن مكيث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( حسن الملكة يمن ، وسوء الخلق شؤم ) (2).
وعن علي بن أبي طالب قال: ( كان آخر كلام رسول الله: الصلاة. الصلاة. اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ).
جـ) الحث على العتق من خلال:
1. العتق مصرف من مصارف الزكاة:
( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي رقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليكم حكيم ) (60) التوبة.
2. العتق في الكفارات مثل: كفارة الإفطار العمد في رمضان، كفارة القتل الخطأ، كفارة الظهار.
3. العتق باب من أبواب الأجر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( من أعتق رقبة مؤمنة، أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار ) (3)
4. عتق المملوك إذا ضربه سيده.
عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه ) (4)
5. عتق أم الولد:
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه أو قال من بعده ) (5)














(1) التفرقة العنصرية قديماً وحديثاً- محمد بخيت ( ص/ 96-97 )
(2) أخرجه أبو داود – باب في حق المملوك- ( 14 / 70 – 71 ) حديث (5157) ، (5158)
(3) أخرجه مسلم – كتاب العتق- (10/122) حديث (3750).
(4) أخرجه مسلم – كتاب الإيمان – (11/106) حديث (4252)
(5) أخرجه احمد- مسند عبد الله بن عباس ( 1/489 ) حديث ( 2762 )
6. الأمر بالمكاتبة:
عن موسى بن أنس أن سيرين سأل أنس بن مالك المكاتبة، وكان كثير المال فأبى فانطلق إلى عمر، فقال كاتبه فأبى، فضربه عمر بالدرة، وتلا عمر، ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً ) (1)

7. العتق بسبب القرابة:
عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
( من ملك ذا رحم محرم فهو حر ) (2)












(1) رواه البخاري معلقاً في كتاب المكاتب – ( 5 / 493 ).
(2) أخرجه الطيالسي – مسند سمرة – ( 1 / 123 ) حديث ( 911 ).
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي



بعد عرض الموضوع أستطيع أن ألخص أهم ما توصلت إليه بالنقاط التالية :-
أ- أن التمييز العنصري يقصد به التفرقة على أساس الأصل أو الجنس، يدل على ذلك المعنى اللغوي، وكذلك الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والتي لم يكن في أي بند من بنودها ما يتعلق بالتمييز على أساس الدين، أوغيره، وهذا مما أشكل على البعض فجعل التمييز العنصري شاملاً لكل أنواع التمييز.
ب- أن التمييز العنصر ليس مشكلة عصرية، بل هو مشكلة قديمة وان اختلفت أشكاله وصوره عبر التاريخ.
جـ- تبين لي ما امتاز به الإسلام من الشمولية والواقعية في حل هذه المشكلة. ويمكن تلخيص أهم الفروق بين علاج الإسلام للتمييز العنصري وبين علاج الدعوات الحديثة له بما يلي (1):
1. الفارق الزمني الذي يثبت أسبقية الإسلام وعراقة فكرته، قبل أن تفكر الأنظمة الحديثة في هذه الحقوق من جراء ما لحقها من ويلات الحروب.
2. الفارق الكمي والنوعي والكيفي، فالإسلام يسجل أسبقية في نوع ومستوى وكيفية التطبيق وكمية هذه الحقوق، وهي حقوق مجردة لا ترتبط بهوى غالب أو مغلوب، أو بمصلحة فئة أو جنس لأنها تشريع رباني.
3. هذه الدعوات تجعل من أفكارها مجرد حقوق، ومن طبيعة هذه الحقوق أنها ترجع لرأي صاحبها إن شاء أخذها وطالب بها، وإن شاء تركها، أما الإسلام فيجعل من هذه الحقوق أمراً تعبدياً يثاب من يفعله، ويأثم من يتركه.
4. مادة هذه الحقوق في الإسلام ( مطلق الإنسان ) الذي يقع في أعلى المخلوقات، المربوب لله تعالى- اعترف بذلك أم أبى- وليس الإنسان العربي، أو الإنسان الأبيض، أو الجنس الأري، أو السامي.
هذا وأصلي وأسلم على سيدي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1) انظر حقوق الإنسان بين التطبيق والضياع- د. محمود إسماعيل ( ص / 202- 3 ).
المراجع

1. التفرقة العنصرية قديماً وحديثاً- محمد محمد بخيت – دار التوزيع والنشر الإسلامية – القاهرة – الطبعة الأولى 2004م.
2. تهذيب مدارج السالكين- لابن القيم الجوزية – مؤسسة الرسالة – الطبعة الخامسة 1993م.
3. حقوق الإنسان بين التطبيق والضياع – محمود إسماعيل – طبعة مجدلاوي عمّان – الطبعة الأولى 2002م.
4. سنن أبي داود – دار إحياء التراث العربي.
5. سنن الترمذي – دار الكتب العلمية.
6. سنن النسائي الصغرى – دار الفكر – سنن النسائي الكبرى – دار الكتب العلمية.
7. سنن ابن ماجة – دار إحياء التراث العربي.
8. سنن البيهقي الكبرى – دار الفكر.
9. صحيح البخاري – دار الكتب العلمية.
10. صحيح مسلم – دار الكتب العلمية.
11. ظلال القرآن – سيد قطب – دار الشروق.
12. لسان العرب – طبعة دار إحياء التراث العربي.
13. مبدأ المساواة في الشريعة والقانون الوضعي – د. محمد علي السالم عياد – طبعة الدار العلمية الدولية – عمّان – الطبعة الأولى 2002م.
14. مختار الصحاح – للرازي – مكتبة لبنان.
15. مسند أحمد – دار إحياء التراث العربي.
16. مصنف ابن أبي شيبة – دار الفكر
17. موطأ مالك – دار الكتاب العربي.
18. معجم البلدان – ياقوت الحموي – طبعة دار صادر.
19. النهاية في غريب الحديث – لابن الأثير – طبعة دار الفكر.


 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

العنصرية وعلاجها من منظور تربوي إسلامي

الأحد, 04 أبريل 2010 01:00 محمد مصلح ثلجي عبابنة




العنصرية وعلاجها من منظور تربوي إسلامي/ محمد مصلح ثلجي عبابنة، إشراف: محمد عقلة الإبراهيم ومحمد أحمد صوالحه، التربية في الإسلام، جامعة اليرموك، أربد الأردن، ماجستير 2004.

ملخص الدراسة: هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على ماهية العنصرية، وأبعادها على الأفراد والجماعات وبيان دور التربية الإسلامية في مواجهة هذه المشكلة، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
1- ما مفهوم العنصرية وما أسبابها و أشكالها.
2- ما الآثار الناجمة عن العنصرية؟
3- كيف عالجت التربية الإسلامية مشكلة العنصري؟

وقد قام الباحث باستخدام المنهجين الاستقرائي والاستنتاجي، حيث اقتضت الدراسة تحديد عناصر الموضوع وترتيبها وفق وحدات موضوعية متناسقة ثم تحليلها ببيان آثارها المؤثرة في حياة الفرد والمجتمع.

وقد توصل الباحث إلى النتائج التالية:

- إن العنصرية مرض اجتماعي، يدب في جسم الأمم ليحولها بعد ذلك إلى أشلاء متناثرة.

- عوامل العنصرية متنوعة، منها ما هو داخلي كالحقد والحسد، ومنها ما كان خارجا عن يد الغنسان، كلون البشرة والجنس.

- لم تتوقف العنصرية عند هذه الكلمة، بل تتعداها إلى أشكال متعددة، كالقومية والإقليمية، والطبقية وغيرها.

- لا تكاد أمة أو شعب يخلو من هذا المرض.

- للعنصرية آثار مدمرة عائدة على الأفراد والجماعات، وآثار أخرى تنشر الفساد في المجال التربوي. ومن هذه الآثار الصراع، والعدوان، وتنميط التعليم وغيرها.

- إن الإسلام بتربيته السمحة لم يدع بابا من أبواب الفرقة إلا وعمل على سده. ومن هذه الأبواب: العنصرية،فقد عمد الإسلام غرس معاني الحب والعدل والمساواة في النفوس، وحذر من التكبر والأنانية، وحب الذات، وذلك للقضاء على جميع مظاهر الفوقية والتفريق بين البشر.

وأوصى بمجموعة من التزصيات:

- محاربة قوى الاستعلاء المشوبة بالكبر والأنانية الموجودة في نفوسنا، والتي تؤدي إلى التمييز بين الناس، من خلال التسلح بالقيم الإسلامية.

- التفكر في المعاني العظيمة الموجودة في كتاب الله تعالى، والتي تحثنا على محبة الغير واللافق بهم والتواضع أمام عظمة الخالق.

- على المعلمين والمعلماتفي المدارس والمعاهد والجامعات أن يرسخوا قواعد العدل والمساواة بين جميع الطلبة، وأن لا يميزوا بينهم على أسس واعتبارات عنصرية واهية.

- إجراء دراسات تتناول أثر العنصرية في العلاقات الاجتماعية بين أبناء الأمة الواحدة.

 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

السلم والسلام في العلاقات الإنسانية والروحية (السلام الاجتماعي)

البعد الإنساني لمفهوم المساواة في السلام

۞ المساواة بين الجنس البشري

۞ المساواة بين الرجل والمرأة في الشرع الإسلامي

۞ نماذج من قانون المساواة في المجتمع الإسلامي

۞ موارد الاستثناء في قانون المساواة

۞ شبهات وردود

جملة من مصاديق السلام الاجتماعي

۞ التحية في الإسلام

۞ الأخوة الإسلامية

۞ صلة الأرحام

۞ حسن الصحبة والمعاشرة

خصائص العلاقات الإنسانية في المجتمع الإسلامي

۞ صفات العلاقات الإنسانية في الإسلام

۞ أثر الأخلاق الإسلامية في دعم الروابط الاجتماعية

۞ مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام

السلام والعلاقات الروحية

۞ علاقة الإنسان مع الله تعالى

۞ الإيمان بالله والفطرة التي فطر الناس عليها

۞ الإيمان بالآخرة وأثره في إيجاد السلم والسلام

۞ الأنبياء(عليهم السلام) والعلاقات الروحية بين الإنسان وخالقه

۞ الأمن والسلام في الآخرة

البعد الإنساني لمفهوم المساواة في السلام

مسألة: من أهم مقومات السلم والسلام في المجتمع هو قانون المساواة.

وقد مرت الإشارة إلى بعض جوانب مفهوم المساواة كما في العطاء وغيره، وأما الجانب الآخر لهذا المفهوم فالمراد منه ما يتعلق بالمجتمع من الجانب الإنساني، وسيتم بحثه في هذا الفصل ضمن أربعة مواضيع تتضمن نقاطاً فرعية.

والمواضيع الأربعة هي:

1: المساواة بين الجنس البشري

2: المساواة بين الرجل والمرأة في نظر الشارع الإسلامي

3: نماذج من قانون المساواة في المجتمع الإسلامي

4: موارد الاستثناء في قانون المساواة

الأول: المساواة بين الجنس البشري

حقيقة التفضيل بين الناس

من المعلوم أن مفهوم التمايز والتفاضل لم ينطلق من عصر معين، وإنما ابتدأ المفهوم الخاطئ منه منذ أن أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام) فخالف إبليس، فالإنسان كان هو الموجود المفضل والمكرم، ولكن إبليس رأى نفسه أفضل من الإنسان فلم يسجد له.

قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمّ صَوّرْنَاكُمْ ثُمّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مّنَ السّاجِدِينَ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ((1).

وفي الآية إشارة إلى مفهوم التفاضل والخيرية وإن كان جنسهما يختلف، فإبليس من الجن وآدم من الجنس البشري، وكان الفضل لآدم، ولكن إبليس رآه لنفسه، وقد ذكر هذا المعنى في العديد من الروايات التي وردت عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، ومنها:

عن ابن أبي ليلى قال: دخلت أنا والنعمان على جعفر بن محمد (عليه السلام) ـ إلى أن قال: ـ ثم قال (عليه السلام): «يا نعمان! إياك والقياس فإن أبي حدثني عن آبائه (عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من قاس شيئاً من الدين برأيه قرنه الله مع إبليس في النار، فإن أول من قاس إبليس حين قال: (خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ( فدع الرأي والقياس، وما قال قوم ليس لـه في دين الله برهان فإن دين الله لم يوضع بالآراء والمقاييس«(2).

التميز العنصري للأمم المتمدنة

الإسلام ميز الإنسان على سائر الخلق، ولكن بالنسبة إلى بني آدم فقد جعلهم سواسية وأنه لا تمييز عند الله إلا بالتقوى، أما التمييز العنصري فهو مرفوض في الإسلام على عكس ما نراه اليوم وما كان في الجاهلية الأولى.

فقد كان الرومان واليونان والفرس والصين وعرب الجاهلية يعتقدون بأفضلية الإنسان الأبيض على الإنسان الأسود، ويستدلون على ذلك بأمور منها: أن أصلهما مختلف، فهما من أصلين متباينين وأن أصل الإنسان الأبيض أفضل من أصل الأسود، ولذا فهم يعتبرون الأسود كسائر الحيوانات والنباتات وأنه ما خلق إلا لأجل أن يكون خادماً وعبداً للإنسان الأبيض، ومن هنا صدرت عدة تشريعات وقوانين لصالح الإنسان الأبيض ومنها: يحق للإنسان الأبيض أن يتملك الإنسان الأسود ويستعبده ويستغله أينما وجده ويحق لـه بيعه وشراؤه. ومنها: إباحة قتل العبيد السود وتعذيبهم لزعمهم أنهم من الحيوانات أو لأنهم مصدر للشر.

وكان إرث هذه النظرة السيئة للإنسان الأسود باقياً إلى القرن الماضي على الرغم من محاربة الإسلام لهذه النظرية الخاطئة واللا إنسانية.

وبسبب هذه النظرة الظالمة بدأ تجار العبيد يغزون البلدان التي يعيش فيها السود كبلاد الهند والقارة السوداء (إفريقيا) فيسرقون الشباب وكل من وجدت فيه الصفات المطلوبة، ومن كان لديه القدرة على القيام بالعمل، ثم يأتون بهم عبر البحار والمحيطات إلى أوروبا وإفريقيا لاستعبادهم وبيعهم إلى الإنسان الأبيض.

ولم تقتصر هذه النظرة التاريخية السيئة على الإنسان الأبيض العادي تجاه الإنسان الأسود، بل كان الفلاسفة أيضا يبحثون حول المرأة هل لها روح إنسانية أم لا؟ وكان الغالبية منهم يقولون بأنه لا روح إنسانية للمرأة!.

فكما أن القوانين الوضعية الحالية تفرّق بين الإيراني والعراقي والمصري والسوري والإندونيسي والباكستاني وما أشبه، رغم أنهم جميعا مسلمون، فمثلا في بعض البلاد المعاصرة التي تدعي الإسلام لا يجوز دخول المدارس لغير المتجنّسين بجنسية ذلك البلد أو المولودين فيها، وهكذا بالنسبة إلى العمل، فترى أنه يمنع عمل المسلم الذي من بلد آخر في هذا البلد لأنهم يعتبرونه أجنبياً!.

وهكذا كانت الأمم الجاهلية حيث كانت تحكمهم العنصرية والطبقية والطائفية والعرقية واللونية وما أشبه.

أسباب التمايز العنصري بين الأمم والشعوب

لقد كانت هناك جملة من الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه النظرة العنصرية ومنها:

1: إدعاء أفضلية العنصر والأصل

وهذا الرأي تابع لما يزعمه البعض من الاختلاف في عنصر الخلق، كما تقدم من مفهوم الآية التي ادعى فيها إبليس تفضيل عنصر النار على العنصر الطيني، ولازال بعض الناس يعتقدون أنهم من نسل الآلهة أو أن بعضهم خلقوا من رأس الإله، والبعض الآخر خلقوا من صدر الإله، والبعض من يده والبعض من رجله وهكذا اختلف الناس فحصلت العنصرية على ما هو المشاهد عند بعض الأقوام والملل، ومنهم اليهود والنصارى، كما تحدث الله سبحانه وتعالى عنهم في محكم كتابه المجيد فقالت الآية: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ((3).

أما الإسلام فيرى كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله أذهب نخوة العرب وتكبرها بآبائها، وكلكم من آدم، وآدم من تراب (إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ((4)»(5).

2: الحقد والكره والبغض

وهو الذي يحدث بين الشعوب أحيانا فيؤدي إلى احتقار الآخرين وتصغير شانهم كما ادعى هتلر(6) تفوّق الشعب الألماني على سائر الشعوب لأنه من (العنصر الآري) مما سبّب حربا عالمية يعاني الناس من ويلاتها إلى هذا اليوم.

روى الشيخ المفيد (رحمه الله) قال: بلغني أن سلمان الفارسي دخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم، فعظموه وقدموه وصدّروه إجلالا لحقه وإعظاما لشيبته واختصاصه بالمصطفى وآله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فدخل عمر فنظر إليه فقال: من هذا العجمي المتصدر فيما بين العرب، فصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنبر فخطب فقال: إن الناس من عهد آدم (عليه السلام) إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط لا فضل للعربي على العجمي، ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى»(7).

ومن هنا ورد في الروايات الشريفة النهي عن الحقد والكره والبغض للناس.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):«إياكم ومشاجرة الناس، فإنها تظهر الغرة وتدفن العزة»(8).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا أنبؤكم بشر الناس، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من أبغض الناس وأبغضه الناس»(9).

وفي مواعظ الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «ولا تحقد عليه وإن أساء»(10).

3: حالة الفقر والغنى

ومن أسباب التفضيل بين الأمم والشعوب الفقر والغنى، حيث يرى البعض أن الغني أفضل من الفقير، ومن هنا يصبح الفقراء مظلومين مقهورين، ففي الهند أكثر من ثلاثمائة مليون إنسان منبوذون ويعدّون من طبقة الأنجاس، وذلك لأنهم من الطبقة الفقيرة المسحوقة.

ولكن الإسلام نفى هذه العنصرية بين الفقير والغني، قال (عليه السلام): «من أكرم فقيرا مسلما لقي الله عزوجل يوم القيامة وهو عنه راض، ألا ومن أكرم أخاه المسلم فإنما يكرم الله عزوجل»(11).

وقال: «من أكرم مؤمنا فبكرامة الله بدأ، ومن استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه من يستخف به قبل موته»(12).

وقد نزلت الآية في ذم عثمان: (عَبَسَ وَتَوَلّىَ ( أَن جَآءَهُ الأعْمَىَ((13).

وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من حقر مؤمنا لقلة ماله حقره الله، فلم يزل عند الله محقورا حتى يتوب مما صنع»(14).

وقال (عليه السلام): «لا فخر في المال إلا مع الجود»(15). وهذا يدل على أن المال لا يكون معياراً للفخر بل الجود وهو صفة إنسانية يكرم الآخرين كما هو واضح.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «قال الله تعالى: ليأذن بحرب مني من آذاني في عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن»(16).

وفي الكافي الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جاء رجل موسر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نقي الثوب فجلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء رجل معسر درن الثوب فجلس إلى جنب الموسر، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أخفت أن يمسك من فقره شيء؟

قال: لا.

قال: فخفت أن يصيبه من غناك شيء؟

قال: لا.

قال: فخفت أن يوسخ ثيابك؟

قال: لا.

قال: فما حملك على ما صنعت؟

فقال: يا رسول الله إن لي قرينا يزين لي كل قبيح، ويقبح لي كل حسن وقد جعلت له نصف مالي.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للمعسر: أتقبل؟

قال: لا.

فقال له الرجل: ولم؟

قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك»(17).

4: المرأة والرجل

وهذا أحد الأسباب التي أدت إلى تفضيل الإنسان الجاهلي والنظرة العنصرية تجاه المرأة، فادعى جهلا أنها مصدر الشر وهي التي كانت سببا في عدم رزقه فاشتهر في مجتمعاتهم وأد البنات لذلك ولغيره من الأسباب. والإسلام يرفض كل ذلك:

قال تعالى: (وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ( (18).

وقال سبحانه: (إِنّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصّادِقِينَ وَالصّادِقَاتِ وَالصّابِرِينَ وَالصّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدّقِينَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ والصّائِمِينَ والصّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِـظَاتِ وَالذّاكِـرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً((19).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من اتخذ زوجة فليكرمها» (20).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «فأي رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عزوجل مالكاً خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم» (21).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما زال جبرئيل يوصيني في أمر النساء حتى ظننت أنه سيحرم طلاقهن»(22).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أخبرني أخي جبرئيل ولم يزل يوصيني بالنساء حتى ظننت أن لا يحل لزوجها أن يقول لها أف، يا محمد اتقوا الله عزوجل في النساء فإنهن عوان بين أيديكم»(23).

5: الغلو في الإنسان الآخر

وهذا ينظر للآخرين بأنهم الأفضل لمعايير غير شرعية، فيرى الأغنياء أو الأقوياء أو الملوك أو من أشبه أفضل من الناس العاديين، وهذا خلاف ما بينه الشرع المبين، وربما رأى نفسه حقيراً أمام هؤلاء، ولكنه ورد النهي عن الغلو، فعلى الإنسان أن لايفضل بني نوعه على الآخرين إلا بالتقوى.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): »لا تتجاوزوا بنا العبودية، ثم قولوا ما شئتم ولن تبلغوا، وإياكم والغلو كغلو النصارى، فإني بريء من الغالين«(24).

المساواة في الفكر الإسلامي

وفي ذلك الجوّ الموبوء الممزّق الممتدّ إلى هذا اليوم نزلت الآية الكريمة: (يَـا أيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً((25)، فالأب واحد، والأم واحدة، قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مّن طِينٍ ( ثُمّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مّكِينٍ( ثُمّ خَلَقْنَا النّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ((26). والمراد بالخلق الآخر كما يقول المفسرون أنه: نفخ الروح فيه(27).

واستطرادا نقول: هذه الآيات الكريمة تشير إلى إبطال وتفنيد نظرية دارون اليهودية التي يزعم فيها إن أصل الإنسان قرد، هذه النظرية تنافي نظرية أصل الإنسان في القرآن الكريم، وهناك أدلة شرعية تثبت العكس، هو أن أصل القرد إنسان بعد ما مسخهم الله تعالى بذنوبهم كما قال اللّه عزوجل في كتابه الكريم: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الّذِينَ اعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي السّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ((28).

وكما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جدّه (عليه السلام) قال: »المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفاً منهم: القردة والخنازير والخفّاش والضّبّ والفيل والدّبّ والدّعموص والجرّيث والعقرب وسهيل والقنفذ والزّهرة والعنكبوت«(29).

وفي آية أخرى: (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ( خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ( يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ( إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ((30).

وقال سبحانه: (يَـا أيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ((31).

وقال عزوجل: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ((32).

ومن خلال هذه الآيات الكريمة يتضح أن الأصل في الإسلام هو المساواة بين أفراد البشر في الإنسانية والبشرية، والإسلام يرى أن الناس جميعا خلقوا من نفس واحدة وهو آدم (عليه السلام)، وزوجته وهي حواء (، ويرى عدم التفاضل في الفطرة وإنما الكل على الفطرة، كما قال سبحانه: (فِطْرَتَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا((33)، ويرى أن الناس متساوون في الواجبات والحقوق في غير ما استثني لحكمة عقلية، ومقتضى كلّ ذلك هو السلم والسلام العام، فالجميع أمام شريعة الله تعالى سواء، فشريعته سبحانه تسري على الغني والفقير، والكبير والصغير، والحاكم والمحكوم، والفاضل والمفضول.

أما المفاضلة الطبقية وما أشبه فهي توجب النزاعات والحروب وتكون سبباً لكثير من مصاديق العنف، كما في الحروب النازية والصليبية وغيرها.

وقد ذكر القرآن الحكيم والأحاديث الشريفة طبيعة الإسلام التي تنظر بالتساوي للإنسان حيث قال سبحانه: (هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا((34)، فالجميع من رب واحد ومن أب واحد وأم واحدة وكلهم إلى معاد واحد ولهم نبي واحد في آخر الزمان، كما أن هناك مصلحاً لجميعهم يأتي ليصلح البشرية جمعاء(35). ولاشك أن إشادة الإسلام بهذا المبدأ وترسيخه في أذهان الأمم والشعوب فيه دلالة على تكريم الإسلام للإنسانية، يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَىَ كَثِيرٍ مّمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً((36).

ثم إن الله سبحانه وتعالى كرم هذا الإنسان الذي ينتمي إلى هذه الأسرة البشرية التي تعيش على الأرض بغضّ النظر عن جنسه، ولونه، ودينه، ولغته، ووطنه، وقوميته، ومركزه الاجتماعي، ومن مظاهر هذا التكريم أيضا خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان بقدرته، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود لـه، وسخر لـه ما في السماوات وما في الأرض جميعاً، وجعله سيداً على هذا الكوكب الأرضي واستخلفه فيه ليقوم بعمارته وإصلاحه، ومن أجل أن يكون هذا التكريم حقيقة واقعة، وأسلوبا في الحياة، كفل الإسلام جميع حقوق الإنسان، وأوجب حمايتها وصيانتها، سواء أكانت حقوقا دينية، أو مدنية، أو سياسية، وسيأتي ذكر بعضها في موضوع الحقوق.

ومن الأدلة على تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان قولـه سبحانه: (وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ((37).

ومن مظاهر تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان ما ذكره عزوجل بقوله: (الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّكُمْ((38).

وفي آية أخرى: (وَهُوَ الّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنّ رَبّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنّهُ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ((39).

وقال سبحانه: (يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزّرْعَ وَالزّيْتُونَ وَالنّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ( وَسَخّرَ لَكُمُ اللّيْلَ وَالْنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَذّكّرُونَ( وَهُوَ الّذِي سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ( وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ((40).

إلى غيرها من الآيات التي هي مظهر تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان.

وكما أن الله تعالى كرّم الإنسان فقد أراد من عبيده أن يكرم بعضهم بعضا، بل ويكرموا أنفسهم كما في الحديث: »إن لبدنك عليك حقا«(41).

وفي حديث آخر عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: »إن الله تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن كل شيء إلاّ إذلال نفسه«(42).

فالله كرم الإنسان على كثير من خلقه، وهنا يرد سؤال بأن التكريم إذا كان على كثير، فهل هنالك غير هذا الكثير بحيث يتساوى مع بني آدم في الفضل أو أنَّهُ أفضل من بني آدم؟.

والجواب: لا، وإنما الأكرم هو الإنسان فقط، وهذا تعبير قرآنيّ بليغ حيث تقضي البلاغة في بعض الأحيان عدم ذكر الكلية وعدم الجزم بالأمر، ولذا نشاهد كثيراً ما استعملت كلمة (لعل) في القرآن الحكيم مع أنه سبحانه وتعالى يعلم الواقع، قال سبحانه: (وَإِنّآ أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلَىَ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ((43)، إن عقلاء العالم وبلغاءهم كثيرا ما يستخدمون (ليت) و(لعل) في محاوراتهم، لا بالقطع واليقين وإن كانوا قاطعين متيقنين.

فالنتيجة أن الله عزوجل جعل الإنسان مكرماً وأراد منه أن يكرم نفسه ويكرم بني نوعه، وهذا من أسس السلم والسلام الاجتماعي، فإن العنف مذلة للإنسان ولبني نوعه كما لا يخفى.

سيرة الأنبياء(عليهم السلام) في تعاملهم الإنساني

وقد قامت سيرة الأنبياء (عليهم السلام)على ترسيخ هذا المبدأ السماوي الذي يدعو للمساواة بين الإنسانية، فهم كغيرهم من بني البشر عبيد لله سبحانه، ونجد هذا المعنى واضحا في سيرة النبي عيسى بن مريم (عليه السلام) وقد أعلن الله سبحانه وتعالى ذلك في القرآن الحكيم ردا على قول النصارى الذين كانوا يقولون إنه إله أو ابن إله، فقال سبحانه: (لّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرّبُونَ((44).

وقد ترجم هذه السيرة خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في أقواله وسيرته وتصرفاته فمن أقواله (صلى الله عليه وآله وسلم): »أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود فضل إلا بالتقوى«(45).

وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) على عظمته كان يقول: (أنا بشر)، حيث قال سبحانه: (قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ((46)، ولكن الفارق الوحيد هو أنه (يوحى إليه) دون غيره، وذلك مثل ما يقال: أن الشخص الذي في القرية الفلانية مثل سائر أفرادها إلاّ أنه تعلّم العلم فصار عالما.

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «الناس من آدم وآدم من تراب» الخبر(47).

وفي الشعر المنسوب إلى علي أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المعنى:

أبوهم آدم والأم حواء(48)

الناس من جهة التمثال أكفاء

وأما في سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد ورد في رواية أن بعض الصحابة كانوا يميلون إلى ترفيع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كترفيع النصارى لعيسى (عليه السلام)، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله«(49)، وربما من هنا صار التأكيد في كل صلاة على عبوديته حيث في التشهّد نقول: »أشهد أن محمداً عبده ورسوله«(50).

وهذه جملة من الشواهد على سيرته العطرية التي دلل فيها على إنسانيته ومساواته مع بني البشر في هذا الجانب:

عن ابن مسعود قال: أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل يكلمه فأرعد، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »هون عليك فلست بملك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد«(51).

وعن الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال علي (عليه السلام): »أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها بعدي إلا كذاب«(52).

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: »إنما أنا عبد آكل أكل العبيد وأجلس جلسة العبيد«(53).

وعمن سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: »أنا عبد الله اسمي أحمد«(54).

وعن أبي عبد الله وأبي جعفر :) »إن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما فرغ من أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزط فسلموا عليه وكلّموهُ بلسانهم، فرد عليهم بلسانهم ثم قال (عليه السلام) لهم: إني لست كما قلتم! أنا عبد الله مخلوق، فأبوا عليه وقالوا:

أنت هو.

فقال (عليه السلام) لهم: لئن لم تنتهوا وترجعوا عما قلتم فيّ وتتوبوا إلى الله عزوجل لأقتلنّكم.

فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا، فأمر أن تحفر لهم آبار فحفرت ثم خرق بعضها إلى بعض ثم قذفهم فيها ثم خمّر رؤوسها ثم ألهبت النار في بئر منها ليس فيها أحد منهم فدخل الدخان عليهم فيها فماتوا«(55).

وعن أبي ذر (رحمه الله) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعل مجلساً يعرفه الغريب إذا أتاه فبنينا له دكانا من طين فكان يجلس عليها ونجلس بجانبيه«(56).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: »مرت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأة بذيئة وهو جالس على الحضيض يأكل، فقالت: يا محمد إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه؟

فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ويحك وأي عبد أعبد مني؟

قالت: فناولني لقمة من طعامك، فناولها.

فقالت: لا والله إلا التي في فيك.

قال (عليه السلام): فأخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقمة من فيه فناولها.

قال (عليه السلام): فأكلتها.

قال أبو عبد الله (عليه السلام): فما أصيبت بداء حتى فارقت الدنيا«(57).

وعن أنس بن مالك قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال له: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضحك وأمر له بعطاء(58).

وهذه تدل على نظرة الإسلام في المساواة بين الناس وهي من أسس السلم والسلام في المجتمع.

الثاني: المساواة بين الرجل والمرأة في الشرع الإسلامي

تشريعات الإسلام وفق العدالة الواقعية

سنّ الإسلام بالنسبة إلى المرأة ما سنه للرجل والأصل بالنسبة إليهما المساواة، نعم قد تقتضي العدالة بعض الفروق فعندئذ شرع بعض القوانين الخاصة وهي في مصلحة المرأة نفسها.

فإن الإسلام في كل تشريعاته يلاحظ العدالة الواقعية، والله سبحانه هو العالم بالمصالح والمفاسد الواقعية حتى قال سبحانه في القرآن الحكيم:(يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَىَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَىَ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً((59).

وقد أشار الإسلام بكل وضوح عبر الآيات الكريمة والأحاديث النبوية إلى التساوي بين الرجل والمرأة كأصل أساسي إلا فيما خرج بالدليل مما لا يكون من قاعدة التساوي بل العدالة وقد سبق أن دليل العدالة حاكم على دليل التساوي.

فالتساوي حاكم كأصل أولي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات ومختلف مصاديق الإنسانية، عبادة ومعاملة وقضاء وغيرها، قال تعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ((60). وقال سبحانه: (وَالّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً((61).

وقال أيضا: (لّيُعَذّبَ اللّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً((62).

وقال عزوجل: (لّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللّهِ فَوْزاً عَظِيماً((63).

وقال أيضا: (رّبّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَبَاراً((64).

وقال جل وعلا: (إِنّ الّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ((65).

وهناك بعض التفاوت النادر بينهما بحسب الاستعدادات المختلفة والقابليات المتفاوتة، حيث إن المرأة في خلقها تميل إلى العاطفة أكثر، والرجل في خلقه يميل إلى العقل أكثر، وذلك حسب الحكمة في خلقه تعالى والمذكورة في محلّها، بلا صلة في ذلك بالوضع الإنساني بين الجنسين فلا ميزة لأحدهما على الآخر حسب الخلق، قال سبحانه: (يَـا أيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً((66).

وقال تعالى في آية أخرى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ((67).

وفي التفاسير: أن أمّ سلمة سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن وجه عدم تعرّض بعض الآيات للمرأة في مختلف مراحلها العبادية والمعاملية، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية المباركة نفيا لما توهّمته أم سلمة: (إِنّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصّادِقِينَ وَالصّادِقَاتِ وَالصّابِرِينَ وَالصّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدّقِينَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ والصّائِمِينَ والصّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِـظَاتِ وَالذّاكِـرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً((68)، وفي هذه الآية الكريمة التساوي الكامل بينهما.

وفي بعض الآيات التساوي إلا بدرجة، كما قال سبحانه: (وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةٌ((69)..

ومعنى الدرجة مذكورة في التفاسير(70) وهو لا يرتبط بالإنسانية وعدم التمييز فيها، حيث إن المرأة تغلب عليها العاطفة لمحلها التكويني في إدارة الأسرة وتربية الأجيال القادمة، والرجل يغلب عليه الجانب العقلي بالنسبة، على الجانب العاطفي، وهذه الخلقة المتفاوتة التي جعلت لحكمة رفيعة هي التي سببت أن يكون للرجال عليهن درجة.

وقال سبحانه: (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَىَ لَهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ( وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا((71).

وفي آية أخرى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ((72).

وقد ذكرنا في بعض الكتب المعنية بهذه الشؤون أن المرأة كانت تستشار حتى من شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد ورد في القرآن الحكيم سورة حول قصة خولة التي كانت تحاور الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في زوجها فتشتكي إلى الله، حيث قال سبحانه: (قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيَ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ((73).

ولم يسبق الإسلام قانون من قوانين البشر ولم يأت بعده ولن يأتي دستور من دساتيرهم يساويه أو يفوقه في إكرام المرأة وإعطائها حقوقها الإنسانية والإسلامية بشكل يحافظ على مكانتها وشرفها، لوضوح كون الحق الإسلامي هو من خالق الإنسان العالم بجميع خصوصياته، فقد نادى القرآن الكريم بحقوقها كاملة وطبّقه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرون (عليهم السلام) تطبيقا كاملا.

المرأة في الغرب

أما ما نراه اليوم في الغرب مما يزعمون أنهم أعطوا للمرأة حقها وكرامتها فأغلبه لايكون إلا إهانة للمرأة وسحقا لكرامتها، كما تشهد بذلك لغة الأرقام والإحصاءات المنشورة و الحقائق المشهودة.

وإن فرضنا أنهم أعطوها بعض حقوقها ـ ظاهرا لا واقعا ـ ولكن ظلموها وأهانوها وأباحوا عرضها وجعلوها سلعة معروضة في الأسواق، يأخذ منها التاجر حصّته ويقضي منها المستهتر نهمه، ثم يتركونها بلا عائل ولا عاطف.

إن الغرب أعطى للمرأة بعض الحرية وفي المقابل أخذ منها الشيء الكثير.

بينما الإسلام أعطى المرأة الحرية والكرامة ولم يأخذ منها شيئا.

دية المرأة

قد يقال: إن هناك عدم تساو في باب الدية بين الرجل والمرأة!.

والجواب: إن ما ورد من الاختلاف في الدية فهو من القيم الاقتصادية لا القيم الإنسانية فإن الديّات قيمة اقتصادية لا قيمة بشرية، كاختلاف أجرة عامل عن عامل مع أنهما متساويان في الإنسانية. وقد ذكرنا تفصيلها في كتاب الديات.

حصص الإرث

وأما ما أعطي للرجل من ضعف نصيب الأنثى في بعض موارد الإرث فهو نصيب للرجل المكبّل بالتكاليف والأعباء الواجبة من لزوم النفقة على الأهل والعيال، بينما المرأة لا تحمل مثل ذلك التكليف والعبء.

وقد ذكرنا في بعض كتبنا أن النصف الذي تأخذه المرأة ميراثا ربما يكون أكثر بالنسبة إلى الواحد الصحيح الذي يأخذه الرجل.

لا يقال: إنّ ذلك يوجب الإجحاف بحق الرجل.

لأنه يقال: إن الرجل بسبب إمكانيّاته الجسمية وأعماله الخارجية يتمكن من القيام بهذا النقص.

شهادة المرأة

وكون شهادة المرأة نصف شهادة الرجل في بعض الموارد فليس ذلك مسّا بحقها وخدشا لكرامتها، فإن المرأة بطبيعتها العاطفية ووظائفها الأمومية والعملية ينمو فيها جانب العطف والانفعال ـ وهو كمال لها ـ بقدر ما ينمو في الرجل جانب التأمل والتفكير، فإن العمل ينمي في الشخص موازين الأعمال التي يمارسها، فإذا نسيت المرأة أو وقعت تحت تأثير الانفعال كانت الثانية مذكرة لها.

فالمسألة هنا مسألة ملابسة عملية في الحياة ودقة في باب القضاء، لا مسألة تمييز جنس بذاته على جنس آخر وعدم المساواة بينهما.

ولهذا يقول الله سبحانه في هذا الصدد:

(فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الاُخْرَىَ((74).

ظلم الغرب للمرأة

وقد ذكر أحد الكتاب بأنه يحسن أن لا ننسى التاريخ، وأن لا نميل إلى القشور الخادعة التي تكتنفنا اليوم، فإن المرأة أخرجها الغرب من البيت وأخذت تعمل في أشياء ليس من شأنها العمل فيها، حتى فقدت جزء من صفاتها وأنوثتها(75)، لأن الرجل هناك تخلّى عن كفالتها وإعالتها إلا أن يقتطع الثمن من معيشتها وكرامتها وراحتها ورفاهها، ولذا فقد اضطرت المرأة أن تعمل.

ويحسن أن نذكر أنها حين خرجت للعمل انتهز الغرب الماديّ حاجتها، واستغل فرصة زيادة العرض ليرخص من أجرها واستغنى أصحاب الأعمال بالمرأة الرخيصة الأجر عن العامل الذي بدأ يرفع رأسه ويطالب بأجر كريم، وحين طالبت المرأة هناك بالمساواة كانت تعني أولاً وبالذات المساواة في الأجور لتأكل وتعيش، فلمّا لم تنلها طالبت بحق الانتخاب ليكون لها صوت يحسب حسابه، ثم طالبت دخول البرلمانات ليكون لها صوت إيجابي في تعزيز المساواة، لأن القوانين التي تحكم المجتمع يسنّها الرجل وحده.

علماً بأن حق الانتخاب حق مشروع للمرأة ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، بل ذكرنا في بعض الكتب بأنه حق مشروع حتى للأطفال، فلهم حق الانتخاب عبر أوليائهم.

وبما أن هذه الأمور التي سحقت كرامة المرأة ليست من شرع الله سبحانه وتعالى الذي يعدل بين عباده رجالا ونساء فقد جاء الإسلام بأعدل القوانين للرجل والمرأة، وساوى بينهما في الأمور كلها إلا ما خرج بالدليل، ومن هنا ذكرنا في بعض الكتب أن مقتضى القاعدة أن يكون لها حق أن تنتخب وتنتخب ـ في الإطار الإسلامي ـ إذ ليس في الإسلام شيء يمنع من أمثال هذه الأمور.

والحاصل أن المرأة وقعت بين الإفراط والتفريط قديما وحديثا، ولم تنل حقها من شرع الله سبحانه وتعالى حسب ما جاء به الإسلام وما أقرّه علماء المسلمين، مثلما فعل جملة من الحكام المنحرفين الذين سموا أنفسهم بالخلفاء كبني أمية وبني العباس وبني عثمان، فقد أهانوا المرأة بملء بيوتهم بالراقصات والغانيات، ومئات الإماء وربما آلافها من دون رعايتهن، وذلك لمجرّد البذخ والترف والمفاخرة وقضاء الأمور الجنسية، لهم ولخدمهم وعبيدهم حتى يطيعوهم أكثر، ويمتثلوا لما يريدون من إظهار الأبهة والشخصية والقساوة والدكتاتورية.

الثالث: نماذج من قانون المساواة في المجتمع الإسلامي

الفرق بين نظرة الإسلام والغرب لمفهوم المساواة

وعندما يتأمل الإنسان طغيان الطبقات بعضها على بعض، أو طغيان الحاكمين على المحكومين، وعندما يولّي وجهه شطر الأمم التي تجعل لنفسها أجناسا في المرتبة الأولى وسائر الناس في المراتب المتأخرة، يعرف فضل الإسلام الذي يدعو للسلام كي تسود العدالة والمساواة والأخوة في الأرض، حتى أن القرآن الحكيم جعل الأخوة بين أشد الكفار عتوا وأفضل الأنبياء (عليهم السلام) في أزمنتهم سمواً ورقياً، حيث قال سبحانه: (وَإِلَىَ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً((76).

وقال تعالى: (وَإِخْوَانُ لُوطٍ((77).

وقال عزوجل: (وَإِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً((78).

فالإسلام يدعو إلى السلم والسلام حتى يكون هناك إخاء حقيقي بين الأبيض والأسود، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والشريف والوضيع، وحتى لا يكون هناك عدوان على الأرض، سواء من طائفة على طائفة، أو جنس على جنس، أو قطر على قطر، أو لون على لون، أو لغة على لغة، أو منطقة على منطقة.

فلا تفرقة بين الناس والقبائل والأمم سواء تغايرت بالأوصاف العرقية كالأبيض والأسود، أو بالأوصاف العرضية كالغنى والفقر، والقوة والضعف، واللغة وغيرها.

المسلمون بمنزلة الجسد الواحد

كان الكلام المتقدم في النظرة الشمولية بين الإنسان وبني نوعه بصورة عامة وأما ما يتعلق بأسس السلام بين المسلمين أنفسهم في الإسلام، فقد جعلهم بمنزلة الجسد الواحد يحس بإحساس واحد، فإن الجسم الواحد إذا أصيب في يده أو رجله أو عينه أو قلبه أو أي مكان آخر منه، أو مرض أو تعب أو ما أشبه ذلك.. كان كل الجسد يتعاطف معه ويتحنن إليه، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): »المؤمنون في تبارهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى تداعى له سائره بالسهر والحمّى«(79).

فإذا أصيبت اليد بالألم لا ينام الإنسان وتأخذه الحمى، ولو كانت العين أو الأذن أو سائر الأعضاء سالمة، وهكذا المسلمون إذا أصاب أحدهم شيء مكروه كأنه أصاب كل الجسد، فالكل يجتمعون حتى يدفعوا ذلك الشيء.

وقد مدح القرآن الحكيم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) خصوصاً وعموماً من هذه الجهة، أما مدحه الخاص، فقد قال سبحانه: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ((80).

وأما مدحه العام فقوله سبحانه: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ ((81).

وكلمة: (لهم( تشمل المسلمين وغير المسلمين، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ليّنا حتى مع الكفار كما كان ليّنا مع المسلمين.

وأما قوله تعالى: (أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ( فإنه استثناء، وفي موارد تقتضي الشدة كميدان الحرب ـ مضافا إلى ما ورد في تفسير الآية من المقصود بالشدة ـ

فإنّ الشدة في الحرب تكون كالعملية الجراحية وفي حالات الضرورة القصوى وبقدر خاص لا يتجاوز عنه حتى بقدر شعرة، تقول الآية الكريمة: (مّحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً((82) وسيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) العطرة خير دليل على ذلك، فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى الماء لأهل بدر(83)، وأرسل بالذهب إلى أهل مكة بعد حرب خيبر، وأطلق كثيرا من أسرى الكفار مباشرة أو تسبيباً، وعفا عن أهل مكة(84) إلى غيرها من القصص الكثيرة التي تدل على عدم معاملة الكفار معاملة عنيفة.

كما أنه يدل على ذلك عموماً قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):«إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»(85)، ولم يخصص ذلك بالمسلمين فحسب بل سيرته الطاهرة وفي قصص كثيرة تدل على الشمولية وعدم الاختصاص.

المساواة في القضاء

يهدف الدين الإسلامي الحنيف إلى إقامة مجتمع العدل والمساواة، كما دلت على ذلك الآيات الكريمة والروايات الشريفة وهي كثيرة في هذا الباب:

قال تعالى: (إِنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدّواْ الأمَانَاتِ إِلَىَ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنّ اللّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً((86).

وقال سبحانه: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَىَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَىَ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً((87).

وقال تعالى: (يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ((88).

وقال سبحانه: (وَتَمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاّ مُبَدّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ((89).

وقال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّىَ يَبْلُغَ أَشُدّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىَ وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ((90).

وقال سبحانه: (إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ((91).

وقال تعالى: (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لأَِعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ((92).

وقال سبحانه: (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الأُْخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّه يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ((93).

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »أنه نهى أن يحابي القاضي أحد الخصمين بكثرة النظر وحضور الذهن ونهى عن تلقين الشهود«(94).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: »العدل ميزان الله في الأرض فمن أخذه قاده إلى الجنة ومن تركه ساقه إلى النار«(95).

وقال علي (عليه السلام): »العدل حياة«(96).

وقال (عليه السلام) أيضاً: »إن العدل ميزان الله سبحانه الذي وضعه في الخلق ونصبه لإقامة الحق، فلا تخالفه في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه«(97).

وعنه (عليه السلام) أنه قال: »في العدل إصلاح البرية، في العدل الاقتداء بسنة الله، في العدل الإحسان«(98). وعنه (عليه السلام) أنه قال: »غاية العدل أن يعدل المرء في نفسه«(99).

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: »اعلم أنه يجب عليك أن تساوي بين الخصمين حتى النظر إليهما حتى لا يكون نظرك إلى أحدهم أكثر من نظرك إلى الثاني«(100).

وكذلك لكل إنسان الحق في القضاء المتساوي مع الآخرين، فلا حق للقاضي أن يقول إن هذا عالم فهو مقدّم على الجاهل في القضاء، فيعطي للعالم الحق دون الجاهل، أو يقول: هذا شريف، أو ثري، أو سلطان، أو ذو عشيرة، وذاك غيره، أو هذا من وطني وذاك أجنبي، إلى غير ذلك، وقد حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أعرابي عند قاض في قصة الناقة المشهورة، كما عن ابن عباس قال:

خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من منـزل عائشة فاستقبله أعرابي ومعه ناقة فقال: يا محمد تشتري هذه الناقة؟

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): »نعم بكم تبيعها يا أعرابي«؟

فقال: بمائتي درهم.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): »بل ناقتك خير من هذا«.

قال: فما زال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يزيد حتى اشترى الناقة بأربعمائة درهم.

قال: فلما دفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الأعرابي الدراهم ضرب الأعرابي يده إلى زمام الناقة فقال: الناقة ناقتي والدراهم دراهمي فإن كان لمحمد شيء فليقم البينة؟

قال: فأقبل رجل فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): »أترضى بالشيخ المقبل«؟

قال: نعم يا محمد.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): »تقضي فيما بيني وبين هذا الأعرابي«؟

فقال: تكلم يا رسول الله.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »الناقة ناقتي والدراهم دراهم الأعرابي«.

فقال الأعرابي: بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي، إن كان لمحمد شيء فليقم البينة؟ فحكم الرجل للأعرابي، الحديث(101).

وحضر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ـ وكان خليفة المسلمين ويحكم على خمسين دولة في خريطة اليوم ـ مع ذلك اليهودي عند شريح القاضي في قصة الدرع.

ففي الحديث أنه (عليه السلام) مضى في حكومة إلى شريح مع يهودي فقال: «يا يهودي الدرع درعي ولم أبع ولم أهب».

فقال اليهودي: الدرع لي وفي يدي.

فسأله شريح البينة، فقال (عليه السلام): »هذا قنبر والحسين يشهدان لي بذلك«.

فقال شريح: شهادة الابن لا تجوز لأبيه، وشهادة العبد لا تجوز لسيده وإنهما يجران إليك.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): »ويلك يا شريح أخطأت من وجوه» ثم ذكره له وجوه خطئه...

فلما سمع اليهودي ذلك قال: هذا أمير المؤمنين جاء إلى الحاكم والحاكم حكم عليه! فأسلم، ثم قال: الدرع درعك سقطت يوم صفين من جمل أورق فأخذتها(102).

هذا في باب القضاء حيث لا فرق بين إنسان وإنسان أمام القاضي.

وهكذا بالنسبة إلى الطب حيث لا يحق للطبيب أن يترك مريضا لأنه دون المرضى الآخرين مالا أو جاها وما أشبه ذلك، إذا كان المريض بحاجة إلى العلاج، نعم للطبيب أن يأخذ مالا في إزاء طبابته، وإذا كان المريض فقيرا لا يمكنه دفع المال فعلى الطبيب أن يسعفه ويعالجه إذا كان المرض من الأمراض الواجب إزالتها عينا أو كفاية، على الموازين المذكورة في الفقه في العينية والكفائية.

وهكذا بالنسبة إلى خيرات الأرض حيث جعلها الله سبحانه وتعالى للبشر على حد التساوي كما قال سبحانه وتعالى: (وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ((103).

وقال: ( هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُمْ مّا فِي الأرْضِ جَمِيعاً ثُمّ اسْتَوَىَ إِلَى السّمَآءِ فَسَوّاهُنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ((104).

وقال: ( أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُم مّا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِيمٌ((105).

وقال: (أَلَمْ تَرَوْاْ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مّنِيرٍ((106).

وقال: (وَسَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ((107).

إلى غيرها من الآيات والروايات.

حيث إن خيرات الأرض لم تخصص لشعب دون آخر بل هي لعموم البشر، ولكن الإنسان هو الذي وضع الحدود المصطنعة، بحيث أصبح الشعب الذي يمتلك الثروات الطبيعية (التي منحها الله لعموم البشر) شعباً غنياً مترفاً، ونرى شعباً مجاوراً لـه يئن من ألم الجوع، وهذا ناتج من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

ويكون هذا الأمر وهو اشتراك الجميع في الأمور التي ذكرناها، من أسس السلم والسلام، وأما لو رأى الناس التفاوت من غير مبرّر، قوضوا معالم السلام، وينتهي الأمر أحيانا إلى الثورات والاضطرابات والمظاهرات وإفساد النظام والفوضى.

أمثلة رائعة من قانون المساواة الإسلامي

ومن أمثلة قانون المساواة الإسلامي قصة الغساني جبلة بن الأيهم، فقد كانت الدولة الرومانية الشرقية تحرّض من كان تحت سيطرتها من أمراء الغساسنة العرب على غزو الجزيرة العربية بغية القضاء على الدولة الإسلامية الفتية، وكان ينتاب الجزيرة ارتباك وقلق مستمر لتوقع هذه الغزوة، فقد كان يزعم بعض النصارى أن رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) ملك لا أكثر، ولم يعرفوا أن الإسلام قوة معنوية في نفوس المسلمين لاتماثلها قوة.

وقد بدا للأمير الغساني جبلة بن الأيهم أن يدخل في صفوف أبناء قومه العرب ويترك التبعية للدولة الرومانية جانبا بسبب الضغوط التي كان الرومان يمارسونها على أتباعهم مما أتاح للإسلام الفرصة للنفوذ فيهم بسرعة، وكان ذلك ببركة قانون المساواة العادلة في الإسلام..

وهكذا كان حال الدولة الفارسية في قصص مشهورة.

فالأمم أخذت تدخل في الإسلام لما رأت من المساواة والعدالة في ظله.

نعم دخل جبلة بن الأيهم إلى الإسلام، وقد كتب الخليفة إلى جبلة أن أقدم ولك ما لنا وعليك ما علينا، فقدم جبلة إلى الحجاز في خمسمائة فارس عليهم ثياب الوشج المنسوج بالذهب والفضة، وكان هو لابساً تاجه الذي كان يلمع من بعيد، فلم يبق في المدينة رجل ولا امرأة ولا صبي إلا خرج ينظر إلى هذا الموكب الفخم الذي لا عهد لهم بنظيره، وحضر جبلة بجماعته موسم الحج، وخرج جبلة يطوف بالكعبة فوطأ على طرف إزاره رجل مسلم من بني فزارة فحلّه، فعظم الأمر على الأمير الغساني جبلة بن الأيهم فما كان منه إلا أن لطم الفزاري لطمة شديدة هشمت بعض أنفه.

فأسرع الفزاري إلى الخليفة يشكو جبلة حيث كان الخليفة أيضا من ضمن الحجاج في ذلك العام، فبعث الخليفة إلى جبلة فقال لـه: ما دعاك يا جبلة أن لطمت أخاك هذا فصنعت به ما ترى وأرى؟

فتعجب الأمير من السؤال ودهش وقال: إنه قد وطأ إزاري أثناء طوافي فحلّه، وإنني قد ترفّقت به ولولا حرمة هذا البيت لأخذت الذي فيه عيناه (أي قتلته).

لكن الخليفة لم يقبل منه ذلك حيث إن الإسلام لم يعترف إلا بقانون العدالة ولا يعترف بمكانة جبلة ولا لغضبه ولا لما يستفيده الإسلام من انخراطه وقومه تحت لوائه، فقال له الخليفة: إنك قد اعتديت عليه فإما أن ترضيه وإلا أقتدته منك.

فقال جبلة مندهشا: تقيده مني وأنا ملك وهو سوقة.

فقال الخليفة: إن الإسلام قد سوّى بينكما.

فقال جبلة: إنني رجوت أن أكون في الإسلام أعزّ مني في الجاهلية، لكن إصرار الخليفة أوجب قيادة الرجل الفزاري من جبلة(108)، وبذلك أفاد أن الإسلام يساوي بين الكبير والصغير ولا يعتني بالمكانة الاجتماعية ولا بالمال ولا بالجيش ولا شبه ذلك أمام القانون.

فإن جبلة وإن ارتدّ بعد ذلك لكن الملايين من الناس دخلوا الإسلام لأنهم رأوه دين الحقيقة والمساواة.

الرابع: موارد الاستثناء في المساواة

مسألة: الأصل في الإسلام هو المساواة بين الجميع، إلا في ما اقتضت العدالة عدم المساواة فيه، وهذا يعني أن هناك عدالة ومساواة وليس معنى ذلك إن أحدهما يخالف الآخر، بل بينهما عموم وخصوص من وجه، فقد يجتمعان وقد يفترقان.

قال سبحانه: (يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ((109).

ومن أمثلة موارد العدالة في عدم المساواة، التفضيل في باب الكفاءات، فهناك تفضيل بين الأنبياء بعضهم البعض (عليهم السلام) كما قال سبحانه وتعالى: (تِلْكَ الرّسُلُ فَضّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ مّنْهُمْ مّن كَلّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الّذِينَ مِن بَعْدِهِم مّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيّنَاتُ وَلَـَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ((110).

وقال: (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاّ فَضّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ((111).

وقال: (وَرَبّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضّلْنَا بَعْضَ النّبِيّينَ عَلَىَ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً((112).

وقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي فَضّلَنَا عَلَىَ كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَـا أيّهَا النّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ الطّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَيْءٍ إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ((113).

وقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنّا فَضْلاً يَجِبَالُ أَوّبِي مَعَهُ وَالطّيْرَ وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ((114).

إن الله سبحانه وتعالى فضل بعضهم على بعض درجات للكفاءات المختلفة عندهم، وهذا عين العدالة كما هو واضح، وربما كان بعض التفضيل امتحاناً واختباراً أو من جوانب أخرى.

ومن هنا يعرف بعض السر في خلق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من طينة أفضل(115) وذلك مقتضى العدالة أيضاً، كالذهب المخلوق من جنس أعلى من التراب، كما ذكرنا تفصيل ذلك في كتاب العقائد(116) وأشرنا إليه في كتاب البيع مبحث الولاية(117).

وهناك موارد أخرى للعدالة تقتضي عدم المساواة كتفضيل من لـه السابقة في الإسلام على غيره عند الله عزوجل، وكذلك التفضيل في الجانب الفكري والعلمي كالعالم والجاهل ولا شك أن العالم أفضل من الجاهل، ولكن مع ذلك تبقى مساواة الإنسانية بين بني آدم من غير فرق بين الفاضل وغيره وللكل حقوقهم الكاملة.

وكذلك في القضايا الاجتماعية كالزواج وهو شأن حساس ومهم، لكن الإسلام جعل الكفو هو الإيمان، لا الثروة والجاه وما أشبه، فكان الرفيع لا يرغب في مصاهرة الوضيع وهو كذلك حتى وقتنا هذا، ومع ذلك فالإسلام وضّع المناكح حتى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوّج ابنة عمّته زينب بنت جحش القرشية الهاشمية الرفيعة الشأن جدّا قبل الإسلام وبعده من مولاه زيد بن حارثة وهو عبد فقير(118).

وهكذا تزوّج بلال بن رباح مؤذن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي كان مملوكا فقيرا أسود لايحسن العربية بشكل جيد، بأخت عبد الرحمان بن عوف بعد عتقه(119).

وكذلك تزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض النساء اللّواتي لم يمتلكن منزلة اجتماعية ولم تكن في درجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اجتماعيا.

وهكذا تزوج الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) بمولاة حتى عوتب في ذلك(120).

فالمسلم كفؤ المسلمة مهما كان أحدهما أكثر مالا أو جاها أو أعزّ سلطانا أو ما أشبه ذلك.

وقد جاءت امرأة عربية وامرأة أعجمية إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في الكوفة وطلبتا منه مالا، فأعطاهما عطاء متساويا، فقالت العربية: كيف تعطي الأعجمية مثل نصيبي؟!، فقال علي (عليه السلام): »والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق«(121)، من المعروف أن العرب من بني إسماعيل وإن بعض غير العرب من بني إسحاق كناية عن التساوي.

كما أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بتزويج جويبر في قصة مفصلة، حيث ورد عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت عند أبي جعفر الباقر (عليه السلام) إذ استأذن عليه رجل فأذن لـه فدخل عليه فسلّم، فرحب به أبو جعفر (عليه السلام) وأدناه وساءله.

فقال الرجل: جعلت فداك إني خطبت إلى مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة فردني ورغب عني وازدرأني لدمامتي وحاجتي وغربتي، وقد دخلني من ذلك غضاضة هجمة عض لها قلبي تمنيت عندها الموت.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): اذهب فأنت رسولي إليه، وقل لـه: يقول لك محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): زوّج منحج ابن رياح مولاي ابنتك فلانة ولا ترده.

قال أبو حمزة: فوثب الرجل فرحاً مسرعاً برسالة أبي جعفر (عليه السلام)، فلما أن توارى الرجل قال أبو جعفر (عليه السلام): ‎إن رجلا كان من أهل اليمامة يقال له: جويبر أتى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) منتجعا للإسلام فأسلم وحسن إسلامه، وكان رجلا قصيراً دميماً محتاجاً عارياً، وكان من قباح السودان، فضمه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لحال غربته وعراه، وكان يجري عليه طعامه صاعا من تمر بالصاع الأول، وكساه شملتين، وأمره أن يلزم المسجد ويرقد فيه بالليل، فمكث بذلك ما شاء الله حتى كثر الغرباء ممن يدخل في الإسلام من أهل الحاجة بالمدينة وضاق بهم المسجد، فأوحى الله عزوجل إلى نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم): أن طهر مسجدك، وأخرج من المسجد من يرقد فيه بالليل، ومر بسد أبواب كل من كان لـه في مسجدك باب إلا باب علي (عليه السلام) ومسكن فاطمة (، ولايمرن فيه جنب، ولا يرقد فيه غريب.

قال: فأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بسد أبوابهم إلا باب علي (عليه السلام) وأقر مسكن فاطمة (صلى الله عليها) على حاله. قال: ثم إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أمر أن يتخذ للمسلمين سقيفة، فعملت لهم وهي الصُفة، ثم أمر الغرباء والمساكين أن يظلوا فيها نهارهم وليلهم، فنـزلوها واجتمعوا فيها، فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يتعاهدهم بالبر والتمر والشعير والزبيب إذا كان عنده، وكان المسلمون يتعاهدونهم ويرقونهم لرقة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ويصرفون صدقاتهم إليهم.

فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة منه له و رقّة عليه، فقال: يا جويبر لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك.

فقال له جويبر: يا رسول الله بأبي أنت وأمي من يرغب في؟ فو الله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأية امرأة ترغب في؟

فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يا جويبر إن الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعا، وأعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلا، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم، وإن آدم (عليه السلام) خلقه الله من طين، وإن أحب الناس إلى الله عزوجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلا إلا لمن كان أتقى لله منك وأطوع، ثم قال لـه: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فإنه من أشرف بني بياضة حسباً فيهم، فقل لـه: إني رسولُ رسولِ الله إليك وهو يقول لك: زوّج جويبر ابنتك الدلفاء.

قال: فانطلق جويبر برسالة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى زياد بن لبيد وهو في منـزلـه وجماعة من قومه عنده، فاستأذن، فأعلم، فأذن له وسلّم عليه، ثم قال: يا زياد بن لبيد: إني رسولُ رسولِ الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إليك في حاجة فأبوح بها أم أسرها إليك؟

فقال له زياد: بل بح بها فإن ذلك شرف لي وفخر.

فقال له جويبر: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لك: زوج جويبرا ابنتك الدلفاء.

فقال له زياد: أرسول الله أرسلك إليّ بهذا يا جويبر؟

فقال له: نعم ما كنت لأكذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟

فقال له زياد: إنا لا نزوج فتياتنا إلا أكفاءنا من الأنصار،فانصرف يا جويبر حتى ألقى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فاخبره بعذري.

فانصرف جويبر وهو يقول: والله ما بهذا أنزل القرآن ولا بهذا ظهرت نبوة محمد‎(صلى الله عليه وآله وسلم). فسمعت مقالته الدلفاء بنت زياد وهي في خدرها، فأرسلت إلى أبيها: أدخل إلي، فدخل إليها، فقالت له: ما هذا الكلام الذي سمعته منك تحاور به جويبراً؟

فقال لها: ذكر لي أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أرسله، وقال: يقول لك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): زوج جويبراً ابنتك الدلفاء.

فقالت لـه: والله ما كان جويبر ليكذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بحضرته فابعث الآن رسولا يرد عليك جويبراً.

فبعث زياد رسولا فلحق جويبراً، فقال لـه زياد: يا جويبر مرحبا بك، اطمئن حتى أعود إليك، ثم انطلق زياد إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لـه: بأبي أنت وأمي إن جويبراً أتاني برسالتك وقال: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: زوج جويبراً ابنتك الدلفاء، فلم ألن له في القول، ورأيت لقاءك، ونحن لا نزوج إلا أكفاءنا من الأنصار.

فقال لـه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يا زياد جويبر مؤمن، والمؤمن كفو للمؤمنة، والمسلم كفو للمسلمة، فزوجه يا زياد ولا ترغب عنه. قال: فرجع زياد إلى منـزله ودخل على ابنته، فقال لها ما سمعه من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

فقالت له: إنك إن عصيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كفرت، فزوج جويبرا.

فخرج زياد فأخذ بيد جويبر، ثم أخرجه إلى قومه، فزوجه على سنة الله وسنة رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) وضمن صداقها. قال: فجهزها زياد وهيأها ثم أرسلوا إلى جويبر فقالوا له: ألك منـزل فنسوقها إليك؟

فقال: والله مالي من منـزل. قال: فهيؤوها وهيؤوا لها منـزلاً وهيؤوا فيه فراشاً ومتاعاً وكسوا جويبراً ثوبين، وأدخلت الدلفاء في بيتها وأدخل جويبر عليها معتماً، فلما رآها نظر إلى بيت ومتاع وريح طيبة قام إلى زاوية البيت فلم يزل تاليا للقرآن راكعاً وساجداً حتى طلع الفجر، فلما سمع النداء خرج وخرجت زوجته إلى الصلاة فتوضأت وصلت الصبح، فسُئلت: هل مسّكِ؟

فقالت: مازال تالياً للقرآن وراكعاً وساجداً حتى سمع النداء فخرج.

فلما كانت الليلة الثانية فعل مثل ذلك، وأخفوا ذلك من زياد، فلما كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك، فاُخبر بذلك أبوها، فانطلق إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أمرتني بتزويج جويبر، ولا والله ما كان من مناكحنا، ولكن طاعتك أوجبت عليّ تزويجه.

فقال له النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): فما الذي أنكرتم منه؟

قال: إنا هيأنا لـه بيتا ومتاعا، وأدخلت ابنتي البيت وأدخل معها معتماً، فما كلمها ولا نظر إليها ولا دنا منها، بل قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتى سمع النداء فخرج، ثم فعل مثل ذلك في الليلة الثانية ومثل ذلك في الليلة الثالثة ولم يدن منها ولم يكلمها إلى أن جئتك، وما نراه يريد النساء، فانظر في أمرنا؟ فانصرف زياد وبعث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جويبر فقال له: أما تقرب النساء؟

فقال له جويبر: أو ما أنا بفحل؟ بلى يا رسول الله إني لشبق نهم إلى النساء.

فقال لـه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): قد خُبرت بخلاف ما وصفت به نفسك، قد ذكروا لي أنهم هيؤوا لك بيتا وفراشا ومتاعا وأدخلت عليك فتاة حسناء عطرة، وأتيت معتما فلم تنظر إليها ولم تكلمها ولم تدن منها، فما دهاك إذن؟

فقال لـه جويبر: يا رسول الله دخلت بيتا واسعا، ورأيت فراشا ومتاعا وفتاة حسناء عطرة، وذكرت حالي التي كنت عليها، وغربتي وحاجتي وضيعتي وكينونتي مع الغرباء والمساكين، فأحببت إذ أولاني الله ذلك أن أشكره على ما أعطاني، وأتقرب إليه بحقيقة الشكر، فنهضت إلى جانب البيت فلم أزل في صلاتي تالياً للقرآن راكعاً وساجداً أشكر الله حتى سمعت النداء فخرجت، فلما أصبحت رأيت أن أصوم ذلك اليوم، ففعلت ذلك ثلاثة أيام وليالها، ورأيت ذلك في جنب ما أعطاني الله يسيراً، ولكني سأرضيها وأرضيهم الليلة إن شاء الله.

فأرسل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى زياد فأتاه وأعلمه ما قال جويبر فطابت أنفسهم. قال: وفى لهم جويبر بما قال، ثم إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خرج في غزوة له ومعه جويبر فاستشهد رحمه الله، فما كان في الأنصار أيم أنفق منها بعد جويبر(122).

شبهات وردود

وقد ترد بعض الشبهات في بعض الموارد ويظن خطأ أنها تمييز وعدم مساواة بين الناس وهي:

1: في الجانب المالي، حيث اختصت فئة من الناس بجانب من الحقوق المالية وهو الخمس.

2: في الجانب العقائدي، حيث امتاز بعض الناس بالشفاعة فاعلاً وقابلا. ثم ما هو وجه الجمع بين أدلة الشفاعة الصريحة والمتواترة وبين قولـه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما روي عنه:

«يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس ابن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفيّة عمّة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا»(123).

3: في مسألة الرقية، فكيف تنسجم مع عدالة الدين الإسلامي، فإن العبودية استعباد للإنسان الآخر، وهذا ينافي المساواة.

4: في الجانب الاجتماعي حيث اتصاف البعض بالشعوبية.

والجواب على هذه الشبهات هو كما يلي:

الخمس

أما الجواب على الأمر الأول: فالخمس في قبال الزكاة فالاثنان من الحقوق المالية التي شرعتها الشريعة الإسلامية، فالزكاة تعطى لغير بني هاشم والخمس لذوي القربى، وهذا نوع احترام لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) فإنهم عدل القرآن بنص حديث الثقلين: »إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض«(124).

وهذا لا يعني عدم المساواة في الإنسانية، بل هو من باب وضع كل شيء في محله.

الشفاعة

وأما الجواب عن الشبهة الثانية:

إن حق الشفاعة لم يختص بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) في يوم القيامة، بل كما يمنح الله سبحانه وتعالى هذا الحق للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وللأئمة (عليهم السلام) كذلك يمنح الله تعالى لسائر الأنبياء وللصالحين والشهداء والمؤمنين لكن كل حسب مقامه وتقواه، فالشفاعة لكل مؤمن لكن مع مراعاة قانون العدالة التي يراها الله عزوجل.

وهنا لابد من ذكر عدة أمور تتعلق بالشافع والمشفع وهي تدخل في ضمن الأجوبة على الشبهات التي وردت في السؤال:

أولا: لا شك أن لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولسائر الأنبياء (عليهم السلام) والأئمة المعصومين(عليهم السلام) وللصديقة فاطمة الزهراء ( والشهداء والصالحين والمؤمنين والمؤمنات حق الشفاعة في الآخرة، وهي بإرادة الله سبحانه وتعالى، كما قال عزوجل: (وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَىَ((125).

عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في جانب أرض بمكة هي اليوم مقبرة ولم تكن يومئذ مقبرة فقال يبعث من هذه البقعة ومن هذا الحرم يوم القيامة سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر»(126).

وقال الإمام الرضا (عليه السلام): »من حج أربعين حجة قيل لـه اشفع فيمن أحببت، ويفتح له باب من أبواب الجنة يدخل منه هو ومن يشفع له«(127).

بل ولم يقتصر أمر الشفاعة على الإنسان، بل كذلك أعطي هذا الحق لغيره وعلى سبيل المثال الحجر الأسود في الكعبة المشرفة فهو شافع في يوم القيامة، وكذلك المسجد فهو يشفع للمصلين فيه، وهكذا المصحف الشريف فإنه شافع مشفع.

عن الأصبغ بن نباتة أنه قال: بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد الكوفة إذ قال: »يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عزوجل بما لم يحب به أحداً من فضل، مصلاكم بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلى إبراهيم الخليل ومصلى أخي الخضر (عليه السلام) ومصلاي، وإن مسجدكم هذا لأحد الأربعة المساجد التي اختارها الله عزوجل لأهلها، وكأني به قد أتي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين يتشبه بالمحرم ويشفع لأهله ولمن يصلي فيه فلا ترد شفاعته، ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه وليأتينّ عليه زمان يكون مصلى المهدي (عليه السلام) من ولدي، ومصلى كل مؤمن، ولا يبقى على الأرض مؤمن إلا كان به أو حن قلبه إليه فلا تهجروه وتقربوا إلى الله عزوجل بالصلاة فيه وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم، فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً على الثلج»(128).

فإذنً الشفاعة لم تقتصر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) وإنما الصالحون الآخرون يحق لهم أن يشفعوا ولكن بالشروط التي يلزم أن يتصفوا بها(129).

وهذا لا يعني أن شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) كشفاعة الآخرين في الدرجة، بل لهم ميزات وخصائص تختلف عمن سواهم كاختلافهم عن البشر في هذه الدنيا من ناحية عصمتهم وكمالهم وعلمهم وورعهم.

الثاني: إن الذين يشفعون متساوون مع غيرهم أمام القانون الإسلامي من العبادات والمعاملات والقضاء والمواريث وما أشبه ذلك من مختلف مسائل الفقه غير اختصاصاته (صلى الله عليه وآله وسلم) القلائل جدّاً كما قال سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ((130).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة ( فإن تزويجها نزل من السماء»(131).

والتي ذكر الفقهاء هذه الاختصاصات في كتاب النكاح وغيره فإنها خارجة بالدليل القطعي، وإلا فالأصل الاشتراك والناس كلهم متساوون أمام القانون. ولكن التمييز في الآخرة بهذا الوسام العظيم ـ الشفاعة ـ لأنهم عباد مكرمون وقد قال تعالى: (إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ((132).

الثالث: إن الذي يشفع لـه يجب أن يكون قابلا للشفاعة، فلو كان عليه حقوق للآخرين يجب أن تسلم إلى أصحابها وإلا فليس له شفاعة.

الرابع: الشفاعة في الآخرة لا تكون إلا بإذن الله سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: (وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَىَ((133)، فإن الأنبياء والصالحين والأئمة وفاطمة الزهراء ( ومن أشبههم لهم الشفاعة، لكنها تكون بإذن الله سبحانه وتعالى والأمر إليه قال عزوجل: (مَن ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ((134)، كما أن بدأها منه على تفصيل مذكور في علم الكلام.

الرقية

وأما الجواب عن الشبهة الثالثة: حيث استشكل بأن الرقية ظاهرة تتنافى مع التشريع الإسلامي في عدالته ومساواته، فاستعباد الإنسان الأسود من شأنه أن ينفي المساواة التي تدّعى في التشريع الإسلامي.

والجواب عن هذه الشبهة يكون في أمور:

أولا: لا فرق في الإسلام ـ كما سبق ـ بين اللون الأسود والأبيض، وهذا واضح لكل من له بعض المعرفة بمبادئ الإسلام وقوانينه وأحكامه وتاريخه.

ثانيا: إن الرقية التي كانت في الجاهلية الأولى قبل الإسلام، وفي الغرب قبل إلغائه حيث كان يستعبدون السود وبتلك الطريقة اللا إنسانية، مرفوضة في الإسلام. والرق في الإسلام يختلف تماماً عما كان في الغرب على تفصيل ذكرناه في كتاب (العتق).

إن (قانون الرقية) الذي كان يعترف به العالم سابقا بل وإلى الآن ولكن يتخذ إشكالا وصورا غير ما كانت عليه من استعباد علني، قد خالفه الإسلام، فلما جاء الإسلام بشريعته السمحاء وقواعده الملائمة للفطرة الإنسانية ألغى تلك العبودية الظالمة. قال تعالى: ( يَـا أيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ((135).

وقال عزوجل: (وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ((136).

ولقد جسد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا المفهوم الإنساني فهناك العشرات من الأحاديث التي تؤيد هذا المفهوم القرآني وتدعو إلى الالتزام به وتطبيقه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد،كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود فضل إلا بالتقوى«(137).

عبر هذه الآيات الكريمة وتلك الأحاديث الشريفة ومن خلال سيرة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) حارب الإسلام الظلم الذي كان يمارس ضد العبيد، حيث أعلن بصراحة أن «الناس كلهم من ولد آدم أخوة سواء»(138)، و«البشر كلهم سواسية»(139).

كما أن هناك روايات كثيرة تحث على عتق العبيد وفضله، كما قرر العتق كفارة لبعض الذنوب على تفصيل مذكور في الفقه.

ومن الناحية العملية والتطبيقية فالفتوحات الإسلامية لم تكن تسترق الناس، بل كان الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أفواجا من غير إكراه، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَيّ((140). وذلك بسبب إخلاص المسلمين ونظرتهم العادلة والرحيمة للشعوب الأخرى فكان هم المسلمين نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والدعوة إلى الحرية والعدالة والعلم والسلام والمحبة فكانت الأمم والشعوب ترحب بالمسلمين، وتقبل على اعتناق الإسلام عن طواعية لأنه ينبذ العنصرية ويحاربها، والكثير منهم كان يبقى على دينه ضمن معاهدة عادلة مع المسلمين لحفظ حقوقهم.

لقد ذكرنا في فصل السلام في القتال والجهاد وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) الأخلاقية للجيش قبل بدء المعركة، ومنها قول علي (عليه السلام) في وصية له لعسكره، قبل لقاء العدو بصفين: »فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً ولاتصيبوا معوراً ولا تجهزوا على جريح...«(141).

وفي هذه الوصية يصدر الإمام (عليه السلام) تعليماته الجهادية الأخلاقية لعسكره وجيشه بأن لا يجهزوا على الجريح، أي منعهم من قتل الجريح الذي يقع أسيرا بيدهم.

وهذه وصية عامة تنطبق على كل جريح يقع أسيرا، سواء كان من المسلمين الخارجين الباغين أو من جيوش الكفار، كما لابد من علاج الجريح حتى يبرأ من الجراحات التي أصابته أثناء المعركة.

ثم إن التعامل مع الأسير الكافر يمكن أن يكون بعدة وجوه.

منها: القتل، وهذا ما يمنع الإسلام منه، لأن القتل لا يكون في الإسلام إلا في أقصى حالات الضرورة.

ومنها: العمل حسب الاتفاقيات والمعاهدات التي تعقد أو عقدت من قبل بين الدولة الإسلامية والكافرة، كاتفاقية تبادله مع أحد أسرى المسلمين.

ومنها: أن يطلق سراحه ويرجع لبلاده آمنا. وفي هذه الحالة ـ فيما لم تكن هناك مصلحة في إطلاق سراحه ـ لا يأمن من عودته لمحاربة الإسلام من جديد.

فتأتي هنا حالة أخرى وهو أن يبقى أسيراً عند المسلمين. فإما أن يبقى سجيناً لايعاشر المجتمع ويُحرم الكثير من الحريات، وهذا خلاف القانون الإسلامي الذي يضمن حرية الإنسان وحقوقه ولا يجيز السجن إلا في الموارد الضرورية، وما نحن فيه ليس منها.

فيبقى الحل الأفضل حفاظاً على أمن البلاد ورعاية لحقوق الأسير، أن يعطى لأحد المسلمين ويعيش بكامل حقوقه تحت رعايته، فليس هو مسجوناً بين جدران أربعة، ولا مطلق العنان يعيث في المجتمع الفساد، بل يرعاه أحد المؤمنين ويتكفل جميع حقوقه من الأكل والشرب والزواج وسائر احتياجاته المادية والمعنوية، ضمن ضوابط وآداب معينة أكد عليها الإسلام، بحيث لا يشعر العبد بكونه عبداً بل يرى نفسه جزء من العائلة.

وهذا المورد هو الذي استثناه الإسلام في موارد الاستعباد التي كانت سائدة آنذاك وهذا الأمر هو من مصلحة الأسير بلا شك، فإنه حينما رأى الاهتمام به وهو في حالة الأسر فلا شك أنه يعامل معاملة عادلة يحددها الإسلام وفق مبادئه السامية وقيمه العليا لعله يهتدي إلى معالم الإنسانية وينقلب فرداً صالحاً بعد ما كان محارباً للإسلام. ولا شك أنه حينما يرى حقيقة الإسلام وعدالته وإنسانيته فكثيراً ما يعتنق الإسلام طوع رغبته.

وهكذا كان يعامل الإسلام الأسرى، بخلاف ما كانت تفعله الأمم مع أسراها بالإبادة الجماعية كما حصل ذلك في الحرب العالمية الثانية، وكما كان متعارفاً عند الجاهليين.

مساحة العتق والحرية في الشرع الإسلامي

ثم هؤلاء الأسرى لا يكونون طوال حياتهم على ما هم عليه من العبودية، بل شرع الإسلام طرقا كثيرة لتحريرهم ومنها: قانون (عتق الصدقة) و(عتق الكفارة) بمختلف أنواعها و(عتق الخدمة) فإذا خدم العبد المؤمن مولاه سبع سنين ينبغي عتقه(142). وقد ذكرنا ذلك مفصلاً في موسوعة الفقه.

الشعوبية

وأما جواب الشبهة الرابعة وهو اتصاف البعض بالشعوبية وهو مصطلح سياسي يظهر كلما دعت الحاجة إليه، قال في (كتاب العين) عن الشعوبي: هو الذي يصغر شأن العرب، ولا يرى لهم فضلا(143).

وفي مجمع البحرين: الشعوبية: فرقة لا تفضل العرب على العجم(144).

ومن المصاديق التي اصطلح عليها بالشعوبية:

1ـ كل من وقف إلى جانب المعارضة للحكومات التي سيطرت على البلاد الإسلامية منذ الصدر الأول. ومن ذلك ما ذكره المستشرق بروكلمان في كتابه(145) فقال: والحق أن ميتة الشهداء التي ماتها الحسين (عليه السلام)... قد عجلت للتطور الديني الشيعي حزب علي (عليه السلام)، الذي أصبح في ما بعد ملتقى جميع النزعات المناوئه للعرب (الشعوبية).

2ـ الموالي والعبيد لأنهم رأوا المفاهيم القرآنية لا سيما الآية: (يَـا أيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ((146)، وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنها: »كلكم لآدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى«(147)، لا يعمل بها حكام البلاد الإسلامية وكثير من المسلمين.

والحقيقة أن مظاهر الشعوبية وهي التفرقة ابتدأت منذ الصدر الأول وذلك حينما فرق عمر في العطاء ولم يساو في نظرته بين العرب والعجم خصوصاً.

وكذلك توسعت الشعوبية وانتشرت في العهد الأموي فقال أبو الفرج الأصفهاني: أصل المثالب (مثالب العرب) زياد بن أبيه فإنه لما ادعى انتسابه إلى أبي سفيان وعلم أن العرب لا تقر له بذلك مع علمها بنسبه، ومع سوء آثاره فيهم، عمل كتاب المثالب، ألصق فيه بالعرب كلها كل عيب وعار وحق وباطل.

وقال ابن قتيبة الدينوري: كان زياد حين كثر طعن الناس عليه في استلحاق معاوية له بأبي سفيان عمل كتابا في المثالب لولده، وقال: من عيركم فاقرعوه بمنقصته ومن ندد عليكم بادهوه بمثلبته، فإن الشر بالشر ينفي والحديد بالحديد يفلج.

ويقول أبو عبيد البكري أيضا: وأما كتاب المثالب والمناقب الذي بأيدي الناس اليوم فإنما هو للنضر بن شميل الحميري وخالد بن سلمة المخزومي، أمرهما هشام بن عبد الملك أن يبينا مثالب العرب ومناقبها وقال لهما ولمن ضم إليهما: دعوا قريشا بما لها وما عليها، فليس لقريش ذكر في ذلك الكتاب.

والخلاصة إن الشعوبية تتناقض مع روح الإسلام وعدالته وأحكامه. وهي كما ذكرنا مصطلح سياسي ألصق بكل من عارض سياسية الأمويين وغيرهم بعد أن صرف من معناه الأصلي ولما وضع له.

الأصل التساوي

وهكذا يكون التساوي بين المسلمين في الحدود والديات والقصاص والقضاء والمواريث والمعاملات بأنواعها الكثيرة من بيع وشراء ورهن وإجارة وشركة ومضاربة وهبة وغير ذلك.

وأما التساوي بين الرجل والمرأة، فالإسلام يعلنها كأصل أولي بالصراحة ويقول بالتساوي بينهما إلا فيما خرج بالدليل، قال الله عزوجل: (وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ((148).

وقال: (يَـا أيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً((149).

وبصورة عامة يكون تطبيق قانون التساوي مع مراعاة قانون العدالة هو من أسس السلم والسلام في المجتمع.

جملة من مصاديق السلم والسلام الاجتماعيين

1: التحية في الإسـلام

2: الأخوة الإسلامية

3: صلة الأرحام

4: حسن الصحبة والمعاشرة

1 التحية في الإسـلام

معنى التحية

التحية في الإسلام هي (السلام)، يقال: حيا يحيي تحية إذا سلم، وهي كل قول يسرّ به الإنسان، ومن التحية يقال: حياك الله، أي جعل لك حياة، وذلك إخبار بقصد الإنشاء أي الدعاء. ويقال: حيا فلان فلاناً تحية إذا قال له ذلك، وأصل التحية من الحياة ثم جعل ذلك دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة، أو سبب حياة إما في الدنيا وإما في الآخرة (150).

وفي (لسان العرب): التحية في كلام العرب ما يحيي بعضهم بعضاً إذا تلاقوا، وتحية الله التي جعلها في الدنيا والآخرة لمؤمني عباده إذا تلاقوا ودعا بعضهم لبعض بأجمع الدعاء أن يقولوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(151).

ويقابل التحية التسليم، والأولى عادة تتعلق بالقادم ومستقبله، والثانية تتعلق بالمسافر ومودعه، فلكل منهما مصداق، فالمار حينما يسلّم على المقيم في بلده يصطلح على هذا السلام بالتحية وهي تتم عادة بالمصافحة، وأما السلام على الذي يريد سفرا يصطلح عليه بالتسليم ويتم عادة بالمعانقة والتوديع.

مفهوم التحية ودلالاتها في الإسلام

لما خلق الله سبحانه وتعالى الخلق جعلهم أمما وشعوبا وقبائل، فقال تعالى: (يَـا أيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ((152).

فالخلق مأمورون بالتعارف فيما بينهم، ومن حكمة تصنيف البشرية إلى هذا التقسيم هو حصول التعارف فيما بينهم وهو أمر غير عسير، فيبتدأ من الخلية الصغيرة وهي الأسرة، ثم ينتقل إلى دائرة أوسع وهي القبيلة، ثم إلى محيط جامع وهو المجتمع وهكذا، وبهذا تسهل عملية التعارف فيما بين الأسر والقبائل والشعوب فيما بينها، ويستدل بالآية على لزوم تعارف الأمم والشعوب والقبائل كي يحصل التعاون والتواصل فيما بينها.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن من فائدة التعارف سيادة السلم والأمان بعد اختفاء مظاهر العدوان والاعتداء. وقد ابتدأت عملية التعارف بين الإنسان وأخيه الإنسان بالتحية وهي أول كلام يحصل في اللقاء وقد أراد الإسلام أن تكون نقطة الابتداء عنواناً للسلم والسلام، فكانت التحية: (السلام عليكم).

فتحية السلام تعتبر أحد الدلائل الظاهرية والواقعية على السلم والسلام الاجتماعي الذي يدعو إليه الإسلام، وقد ورد الحث عليها في أحاديث كثيرة وقد ذكرنا تفصيل الموضوع في (الفقه: أحكام السلام)، وسنشير إلى بعضها لاقتضاء المقام.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في دلالة التحية على السلام: »السلام تحية لملتنا وأمان لذمتنا«(153). وهذا يعني أن الإنسان المسلم حينما يحي الذميين كأنه يقول: أنتم في أمان وسلام على حياتكم.

التحية في الديانات السابقة

عن وهب اليماني قال: لما أسجد الله عزوجل الملائكة لآدم (عليه السلام) وأبى إبليس أن يسجد قال لـه ربه عزوجل: ( فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ ( وَإِنّ عَلَيْكَ اللّعْنَةَ إِلَىَ يَوْمِ الدّينِ((154)، ثم قال عزوجل لآدم (عليه السلام): يا آدم انطلق إلى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فلما رجع إلى ربه عزوجل قال له ربه تبارك وتعالى: هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة(155).

ومما يؤكد قدم هذه التحية الواردة اتخاذها من قبل الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) تحية لهم، ففي القرآن الحكيم تحية بعض الأنبياء السابقين هي السلام، مثل:

قوله سبحانه: (قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ((156).

وقوله تعالى: (سَلاَمٌ عَلَىَ إِلْ يَاسِينَ((157).

ومنها قول عيسى (عليه السلام) في الآية المباركة: (وَالسّلاَمُ عَلَيّ يَوْمَ وُلِدْتّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً((158).

التحية في القرآن

ورد لفظ التحية والتي يراد منه معنى السلام في بعض الآيات القرآنية، ومنها الآية المباركة: (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ((159).

والآية: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلّمُواْ عَلَىَ أَنفُسِكُمْ تَحِيّةً مّنْ عِندِ اللّهِ مُبَارَكَةً طَيّبَةً((160).

وقال سبحانه في قضية مشهورة: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىَ إِلَيْكُمُ السّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً((161)، أي حياكم بتحية السلام.

ومن أدل هذه الآيات المتقدمة على التحية: (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ((162)، ومعناها أن الله تعالى أمر المسلمين برد التحية ـ والتي هي السلام ـ بمثلها أو أحسن منها.

ذكر علي بن إبراهيم (رحمه الله) في تفسيره عن الصادقين ( أن المراد بالتحية في الآية السلام وغيره من البر.

روي أن رجلاً دخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: السلام عليك!

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): »وعليك السلام ورحمة الله«.

فجاءه آخر وسلم عليه فقال: السلام عليك ورحمة الله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«وعليك السلام ورحمة الله وبركاته».

فجاءه آخر فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته».

فقيل: يا رسول الله زدت للأول والثاني في التحية ولم تزد للثالث؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »إنه لم يبق لي من التحية شيئاً فرددت عليه مثله«(163).

ومن الآيات القرآنية التي تحدثت عن موضوع التحية والسلام قوله تعالى: (يَـا أيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّىَ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَىَ

أَهْلِهَا((164)، فالدخول في بيوت الناس بلا استئذان غير جائز وهذا تكريم كبير للإنسان واحترام لحقوقه الفردية.

وقال سبحانه: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ( إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ((165).

آداب التحية

ذكرت الآية المباركة: (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ((166) صورتين للرد:

الأولى: هي الرد بأحسن منها وذلك إن كان المحيي مسلماً، سواء كان مؤمناً أو غيره. ومثالها ما ورد عن ابن عباس قال: إذا قال المسلم: (السلام عليكم)، فقلت: (وعليكم السلام ورحمة الله)، وإذا قال: (السلام عليكم ورحمة الله)، فقلت: (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) فقد حييته بأحسن منها وهذا منتهى السلام.

وفي هذه الحالة يعرف أن الإنسان المسلم يمكن أن يعبر عما في مشاعره وأحاسيسه بمختلف كلمات التحية (السلام) وألفاظها كي يسرّ به الإنسان فهي قابلة لزيادة الإنشاء في كلماتها.

والصورة الثانية: (أَوْ رُدّوهَآ( وهي التحية التي يحي بها المسلم أو غيره بمثل ما حياه به. وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم»(167).

وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «دخل يهودي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعائشة عنده فقال: السام عليكم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عليك، ثم دخل آخر فقال مثل ذلك، فرد عليه كما رد على صاحبه، ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما رد على صاحبه، فغضبت عائشة فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود، يا إخوة القردة والخنازير!

فقال لها رسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء، إن الرفق لم يوضع على شيء قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه».

قال: قالت: يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم السام عليكم؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): بلى أما سمعت ما رددت عليهم، قلت: عليكم، فإذا سلم عليكم مسلم فقولوا السلام عليكم وإذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك»(168).

دلالات التحية وغاياتها

كان العرب في الجاهلية إذا أقبلوا سلموا، فإذا لم يسلم الوارد كان معناه أنه يريد بالحاضرين سوء، وكذلك إذا سلّم ولم يجب كان معنى ذلك إنهم يريدون غدرا بالآتي.

والتحية في الإسلام تعني السلم والسلام، وهي عنوان الأمان وهي التي تؤمن الإنسان من روعته في مواطن الخوف، وهناك مواطن ثلاثة شديدة يمر بها الإنسان في حياته يطلب السلام والأمان كي يتجاوزها بسلم وسلام.

الأول: عند مجيئه إلى عالم الدنيا ومفارقة ذلك العالم الصغير، فعندها يكون بكاؤه لمفارقة ذلك المكان ولدخوله في هذا العالم الغريب.

والثاني: عند الممات وما يجده من سكرات الموت، وفراقه المسكن والوطن، والأهل والأحبة، ومجاورة الأموات.

والثالث: عند الحشر وما يكون من أهوال يوم القيامة.

فيطلب السلام الذي هو عنوان الأمان من الآلام والأهوال في هذه الأحوال الثلاثة. وقد سلم الله تعالى على النبي يحيى (عليه السلام) في هذه المواطن الثلاثة وكذلك أخبر النبي عيسى (عليه السلام) أن الله تعالى قد سلمه وآمنه فيها، فعن ياسر الخادم قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: «إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيخرج من بطن أمه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا، وقد سلم الله على يحيى في هذه المواطن الثلاثة وآمن روعته فقال: (وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً((169) وقد سلم عيسى بن مريم (عليه السلام) على نفسه في هذه المواطن الثلاثة فقال: ( وَالسّلاَمُ عَلَيّ يَوْمَ وُلِدْتّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً((170)»(171).

ولما في التحية من الدلالات العظيمة على الأمن والسلام جاء التأكيد عليها في القرآن والسنة النبوية وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام)، فبها يؤمّن الداخل في سلامه الحاضرين عندما يقبل عليهم، وهي من علامة الأخيار ومن محاسن الأبرار ودالة على الخلق الكريم والصفات الحميدة، وهذه هي جملة من عناوين لأحاديث وردت في التحية والسلام:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »إن أبخل الناس من بخل بالسلام«(172).

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): »لكل داخل دهشة فابدءوا بالسلام«(173).

وقال (عليه السلام): »سنة الأخيار لين الكلام وإفشاء السلام«(174).

وقال (عليه السلام): »أفشوا السلام في العالم وردوا التحية على أهلها بأحسن منها«(175).

وقال (عليه السلام): «عود لسانك لين الكلام وبذل السلام يكثر محبوك ويقل مبغضوك»(176).

وقال (عليه السلام): »إن بذل التحية من محاسن الأخلاق، التحية من حسن الأخلاق والسجية«(177).

وقال (عليه السلام): »طلاقة الوجه بالبشر والعطية وفعل البر وبذل التحية داع إلى محبة البرية«(178).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال:»إن الله يحب إطعام الطعام وإفشاء السلام«(179).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): »من التواضع أن تسلم على من لقيت«(180).

أصول التحية وآدابها وقواعدها

وهناك أصول وقواعد وآداب للتحية والسلام ينبغي مراعاتها، ومنها:

1: البدء بالسلام

ينبغي للإنسان حينما يلتقي بأحد ـ وقبل أن يكلّم ـ أن يبدأه بتحية السلام، فعن الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) أنّه قال له رجل ابتداء: كيف أنت عافاك الله؟

فقال (عليه السلام) له: »السلام قبل الكلام عافاك الله«.

ثم قال (عليه السلام): »لا تأذنوا لأحد حتى يسلم«(181).

وسبب ذلك: أن السلام أمـان، ولا كلام إلا بعد الأمان، وقد ورد في الأحاديث الحث على لزوم السلام قبل الكلام بل وقبل الطعام أيضاً، فقال (عليه السلام): «لا تدع إلى طعامك أحداً حتى يسلّم»(182).

2: المصافحة

ومن تمام التحية في آدابها أن يتبع السلام بالمصافحة، فإن المصافحة من السنة وفيها ثواب كثير وتوجب غفران الذنوب، فعن أبي عمامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«تحياتكم بينكم بالمصافحة»(183).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »إذا تلاقى الرجلان فتصافحا تحاتت ذنوبهما وكان أقربهما إلى الله سبحانه أكثرهما بشرا لصاحبه«(184).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »إن المؤمنين إذا التقيا وتصافحا أدخل الله يده بين أيديهما فصافح أشدهما حباً لصاحبه«(185).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: »إن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فيقبل الله عليهما بوجهه ويتحات الذنوب عنهما حتى يفترقا«(186).

3: المعانقة والتقبيل

ثم تأتي بعد المصافحة المعانقة والتقبيل وهما من موجبات المحبة ومصاديقها، فعن عبد الله بن محمد الجعفي عن أبي جعفر وأبي عبد الله :) »أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حسنة، ومحيت عنه سيئة، ورفعت له درجة، فإذا طرق الباب فتحت له أبواب السماء، فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه ثم باهى بهما الملائكة..«(187).

وقد ذكرنا فيما تقدم أن الذي يريد سفرا لم يتم التسليم عليه عادة إلا بالمعانقة والتوديع.

وقد عاب بعض هذه المعانقة باعتبارها من فعل الأعاجم فرد ذلك الأئمة (عليهم السلام) بما صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) لما قدم من الحبشة، فعن ابن بسطام قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتى رجل فقال: جعلت فداك إني رجل من أهل الجبل وربما لقيت رجلاً من إخواني فالتزمته فيعيب علي بعض الناس ويقولون هذه من فعل الأعاجم وأهل الشرك، فقال (عليه السلام): »ولم ذاك فقد التزم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعفراً وقبل بين عينيه«(188).

وأما التقبيل فموضعه نور الجبهة أي في أثر السجود على الجبهة، فعن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: »إن لكم لنورا تعرفون به في الدنيا حتى أن أحدكم إذا لقي أخاه قبله في موضع النور من جبهته«(189).

وأما مواضع تقبيل ذات المحرم فورد عن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »إذا قبل أحدكم ذات محرم قد حاضت، أخته أو عمته أو خالته فليقبل بين عينيها ورأسها وليكف عن خدها وعن فيها«(190).

4: تقبيل اليد والقيام للقادم

من الأمور المتعلقة بالتحية تقبيل اليد والقيام للقادم، وقد اختلف في تفسير الروايات الواردة فيها، فأما عن تقبيل اليد فقد ورد عن رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا يقبل رأس أحد ولا يده إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من أريد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) »(191).

ولا شك أن قولـه (عليه السلام): «أو من أريد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) »: يشمل الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) إذ لا فرق بين الإمام علي (عليه السلام) ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا من جهة الوحي قال تعالى في آية المباهلة: (فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ((192)، وقال عزوجل في آية التطهير: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــراً((193).

وكذلك يشمل ذريتهم، وقد نقل العلامة المجلسي (رحمه الله) عن بعض المحققين قوله: (لعل المراد بمن أريد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأئمة المعصومون (عليهم السلام) كما يستفاد من الحديث الآتي ويحتمل شمول الحكم العلماء بالله وبأمر الله مع العاملين بعلمهم والهادين للناس ممن وافق قولـه فعله لأن العلماء الحق ورثة الأنبياء (عليهم السلام) فلا يبعد دخولهم فيمن يراد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)).

وهذا الرأي هو الصحيح وينطبق في عصرنا الحاضر على الفقهاء ومراجع التقليد لأنهم نواب الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ولا شك أنهم العلماء بالله وبأمر الله والهادين للناس. فإذا جرت العادة في زمان معين على هذا الأمر وهو تقبيل يد العالم وأريد به احترامه وتقديره وتعظيمه فهي جائزة بل مستحبة وذلك لشمولها بعموم الآية (ذَلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ((194)، و( ذَلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَاتِ اللّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ عِندَ رَبّهِ ((195).

وأما عن القيام فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من أحب أن يتمثل له الناس أو الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار»(196)، وهذا الحديث ليس فيه شاهد لما نحن فيه وذلك لأمور:

1: المقصود من هذا الحديث هو ما تصنعه الجبابرة من إلزامهم الناس بالقيام في حال قعودهم إلى أن ينقضي مجلسهم، ولا ينطبق على هذا القيام المتعلق بالتحية المخصوص والقصير زمانه.

وإن قيل: إن الحديث يشمل هؤلاء الذين اضطروا للوقوف من قبل الجبابرة وهو نهي لهم عن هذا العمل.

قلنا: إن دفع الضرر عن النفس واجب، فالمتجبر الذي يؤاخذ من لا يقوم لـه بالعقوبة يمكن للشخص القيام ولا حرج عليه في ذلك لأجل دفع الإهانة والأذى عنه.

2: لقد صح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقوم إجلالاً لفاطمة (، وقام أيضاً إلى جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) لما قدم من الحبشة وقال للأنصار: قوموا إلى سيدكم، ونقل أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قام لعكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحاً بقدومه(197).

فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بانحناء قليل وشبهه، وربما لزم ذلك إذا أدى تركه إلى التباغض والتقاطع أو إهانة المؤمن.

وقد نقل أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يكره أن يقام لـه.

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج ذات يوم من بعض حجراته إذا قوم من أصحابه مجتمعون فلما بصروا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قاموا، قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اقعدوا ولا تفعلوا كما يفعل الأعاجم تعظيما ولكن اجلسوا وتفسحوا في مجلسكم وتوقروا أجلس إليكم إن شاء الله»(198).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تقوموا كما يقوم الأعاجم بعضهم لبعض ولا بأس أن يتحلحلَ عن مكانه»(199). وهذا محمول على تواضعه (صلى الله عليه وآله وسلم) لله وتخفيفه على أصحابه.

5: المساواة في التحية

ومن آداب التحية، عدم التمييز في التحية في بعض الموارد كباب القضاء، قال علي (عليه السلام) في كتابه لمالك الأشتر: «ألن لهم جانبك وآس بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية حتى لايطمع العظماء من حيفك ولا ييأس الضعفاء من عدلك»(200).

وهذا لا يعني أن تكون المساواة في التحية مطلقا هي الأصل، بل هناك موارد ربما يحبذ أن يميز بها لمقام أو لمناسبة أو غيرها من هذه الأمور.

6: عدم خص الظالمين بالتحية

ومن آداب التحية وقواعدها، أن لا يحيي بها الظالمين، لأن التحية دالة على الأمان والسلام، والظالم يلزم أن لا يؤمن، ولذا حينما أدخل مسلم بن عقيل (عليه السلام) وهو أسير على عبيد الله لم يسلّم عليه، فقال لـه الحرسي: سلم على الأمير، فقال لـه: اسكت، ويحك والله ما هو لي بأمير(201).

أنواع التحية واختلاف صيغها

تختلف التحية من مورد لآخر حسب المحيا بها، وعلى سبيل المثال تحية الصحابة للإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لم تقتصر على السلام وإنما كانت تلحق بإمرة المؤمنين، فعن عمران بن حصين الخزاعي:

إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر فلاناً وفلاناً أن يسلما على علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين، فقالا: من الله ومن رسوله؟ فقال: من الله ومن رسوله، ثم أمر حذيفة وسلمان فسلما ثم أمر المقداد فسلم، وأمر بريدة أخي ـ وكان أخاه لأمه ـ فقال: إنكم سألتموني من وليكم بعدي وقد أخبرتكم به وأخذت عليكم الميثاق، كما أخذ الله تعالى على بني آدم (أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ((202) وأيم الله لئن نقضتموها لتكفرون»(203).

ومن ذلك ما ورد في قصة يهودي أتى أبا بكر ثم عمر وسألهما عن أموال أبيه وقد مات ولم يعلمه بها، فأوجع ضرباً، فأتى علياً (عليه السلام) فسلم عليه بإمرة المؤمنين، فقيل لِمَ لم تسلم عليهما مثله؟ فقال: والله ما سميته حتى وجدته في كتب آبائي في التوراة، ثم سأله عن كنوز أبيه فقال: خذ ألواحاً وصر بها إلى وادي برهوت بحضرموت فإذا وصلت وكان عند الغروب وجدت عند القبور غرابين فاهتف باسم أبيك وقل أنا رسول وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فاسأله واكتب ما يخبرك، ففعل فوجد كما قال فأخبره بموضع المال فرجع فنبشه وأوقر منه عيراً وأتى به علياً (عليه السلام) وأسلم وأقر لـه بالوصية والإمرة والأخوة(204).

وهناك آداب وسنن لتحية المعصومين (عليهم السلام) والمساجد وهي مذكورة في كتب الأدعية والزيارات ومنها: ما ورد عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف التسليم على أهل القبور؟ فقال (عليه السلام): نعم تقول: «السلام على أهل الديار من المسلمين والمؤمنين أنتم لنا فرط ونحن إن شاء الله بكم لاحقون»(205).

ومنها: استحباب صلاة التحية وهي ركعتان عند الضرائح المقدسة والمساجد قبل الجلوس. والمسلم مكلف ـ وهو يناجي ربه في صلاته ـ أن لا ينسى التسليم على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى نفسه وعلى عباد الله الصـالحين.

أحكام التحية

وهناك بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالتحية، يستدل عليها بهذه الآية: (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ حَسِيباً((206) كوجوب رد المصلي عليها. وهناك تفصيل مذكور في الفقه.

ويكره أيضا استخدام المصطلحات المتعارفة في اللقاء إن لم تتضمن تحية السلام، فقد ورد عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جده علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام): «أنه كان يكره أن يقول الرجل للرجل حياك الله ثم يسكت حتى يتبعها بالسلام»(207).

التحية في واقعنا المعاصر

كلما تقدم الزمان يزداد تعلق الإنسان بحياته المادية بسبب هذا التطور الهائل الإيجابي والسلبي في آن واحد، ولاشك أن استخدام المسلمين لكل ما أنتجته الدول الغربية من هذه التكنولوجيا والصناعات المتطورة يجعل حياتهم مادية في بعض الجوانب، بحيث لا تختلف عن مجتمعات الدول الغربية، ومن هنا يتطلب من الإنسان المسلم التفكير في سلبيات ما يستخدمه في حياته كي لا تطغى المادية على الجانب الروحي والمعنوي، ومن أمثلة ذلك ما يسمى بـ (الأنترفون) وهو الجهاز الحاكي الذي يوضع على الباب، ولا شك أن لـه محسنات وإيجابيات ولكن إلى جانب هذا فيه مساوئ على المعنويات، فكان في السابق حينما يأتي الضيف ويطرق الباب يخرج إليه صاحب المنزل فيراه ويحيه ويرحب به ويحدثه مشافهة، أما اليوم فتتم محادثته عبر الجهاز الحاكي فيخسر فيها اللقاء. وإذا لم يحصل بينهما لقاء فلم ينظر الأول في وجه صاحبه ثم لم تحصل بينهما مصافحة، وبهذا قد حرما الأجر والثواب المترتب على اللقاء والنظر والمصافحة والتقبيل والمعانقة، فقد جاء في الرواية عن عبد الله بن محمد الجعفي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( قالا: «أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقه كتب الله لـه بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت لـه درجة فإذا طرق الباب فتحت لـه أبواب السماء فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه ثم باهى بهما الملائكة فيقول: انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا فيّ، حق عليّ ألا أعذبهما بالنار بعد هذا الموقف فإذا انصرف شيعه ملائكة عدد نفسه وخطاه كلامه يحفظونه عن بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل فإن مات فيما بينهما أعفي من الحساب، وإن كان المزور يعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق المزور كان لـه مثل أجره»(208).

والمقصود من (عارفاً بحقه) هو أن يعلم فضله ولزوم إعطاء حقه في الزيارة والرعاية والاحترام والإكرام، ومعنى (فتح أبواب السماء) إما كناية عن نزول الرحمة عليه أو استجابة دعائه، والمقصود من (إقباله تعالى عليهما بوجهه) كناية عن غاية رضاه عنهما أو توجيه رحمته البالغة إليهما.

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن المؤمن إذا لقي أخاه وتصافحا لم تزل الذنوب تتحات عنهما ما داما متصافحين كتحات الورق عن الشجر، فإذا افترقا، قال ملكاهما: جزاكما الله خيرا عن أنفسكما، فإن التزم كل واحد منهما صاحبه ناداهما مناد: طوبى لكما وحسن مآب، وطوبى شجرة في الجنة أصلها في دار أمير المؤمنين (عليه السلام) وفرعها في منازل أهل الجنة، فإذا افترقا ناداهما ملكان كريمان: أبشراً يا ولي الله بكرامة الله والجنة من ورائكما»(209).

وعن رفاعة قال: سمعته (عليه السلام) يقول: «مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة»(210).

ومعنى ذلك أن مصافحة المؤمنين أفضل من مصافحة الملكين، أو مصافحة المؤمن مع المؤمن أفضل من مصافحته مع الملائكة لو تيسرت لـه، وفي الحديث دلالة على أن المؤمن الكامل أفضل من الملك.

ولهذا تجد الظواهر المادية التي يمر بها الإنسان المسلم في حياته قد طغت على سلوكه وتفكيره ومن هنا أصبحت أغلب مجتمعاتنا الإسلامية في سلوكها بهذا المجال لا تختلف عن المجتمعات الغربية، إذ لا ترى للتحية أثرا في أوساطهم إلا للذي يعرفه، بل أصبح في بعض الدول الإسلامية أن الذي يسلّم ينظر لـه نظرة سيئة فيعتبر من الذين يطلبون العطاء والصدقة. والحال أنها تعتبر من أهم الروابط الاجتماعية والإيمانية.

بل كثيراً ما تسمع الكلام فقط فلا يسبق السلام ولا تتبعه تحية، والحق أن الذي يبدأ بالكلام ينبغي أن لا يجاب وهذا ما نصت عليه أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) فعن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه»(211).

وكانت هذه سيرة الأوائل فلا إجابة لمن يبتدأ بالكلام ولم يسلم، وهذا ما نراه في رواية جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه) حيث قال: كنت أنا ومعاوية بن أبي سفيان بالشام، فبينا نحن ذات يوم إذ نظرنا إلى شيخ وهو مقبل من صدر البرية من ناحية العراق، فقال معاوية: عرجوا بنا إلى هذا الشيخ لنسأله من أين أقبل وإلى أين يريد؟ وكان مع معاوية أبو الأعور السلمي وولدا معاوية خالد ويزيد، وعمرو بن العاص. قال: فعرجنا إليه فقال له معاوية: من أين أقبلت يا شيخ وإلى أين تريد؟ فلم يجبه الشيخ، فقال له عمرو بن العاص: لما لا تجيب أمير المؤمنين؟ فقال الشيخ: إن الله جعل التحية غير هذه، فقال معاوية: صدقت يا شيخ أصبت وأخطأنا وأحسنت وأسأنا، السلام عليك يا شيخ، فقال الشيخ: وعليك السلام...(212).

دعوة الإسلام إلى الالتزام بتحية السلام

والخلاصة يلزم على المسلمين الالتزام بتحية الإسلام (السلام عليكم) فإنه يشتمل على السلم والسلام، أما ما تعارف عليه بعض الناس من التحيات التي لا تتضمن السلام فينبغي تركه.

كما ينبغي أن يتبع السلام بالمصافحة.

ويلزم على المسلمين إفشاء السلام وجعله حالة طبيعة أينما وجدوا، سواء كانوا في الشارع أو المسجد أو السوق، ويلزم أن لا يقتصر على الكبار، بل لابد من تعليم الصغار عليها كي ينشئوا على هذه الحسنة الطيبة، وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: »أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»(213).

(1) سورة الأعراف: 11 و12.

(2) وسائل الشيعة: ج27 ص47 ح33176.

(3) سورة المائدة: 18.

(4) سورة الحجرات: 13.

(5) بحار الأنوار: ج67 ص287 ب56 ح10.

(6) هو أدولف هتلر (1889 – 1945م) سياسي ألماني، ولد في النمسا، دخل الحزب العمالي الألماني في عام (1919م)، وأصبح زعيمه وسماه: (الحزب الوطني الاشتراكي) أي النازي عام (1921م)، حاول القيام بعصيان مسلّح في ميونخ في سنة (1923م) ففشل وسجن، وفي السجن وضع كتابه (كفاحي) عرض فيه مذهبه العرقي العنصري الذي أصبح شعار النازية، كثر مؤيدوه وقوي حزبه بفضل دعاية غوغائية مبنيّة على التعصب القومي، عين مستشارا في عام (1933م) ثم رئيس الدولة المطلق في عام (1934م) بعد وفاة هندبرغ، أقام نظاما دكتاتوريا بوليسيا، أدت به سياسته التوسّعية إلى احتلال رينانيا عام (1936م)، والنمسا وتشيكوسلوفاكيا عام (1938م)، وبولونيا عام (1939م)، هزم وانتحر في برلين 30 نيسان عام (1945م).

(7) مستدرك الوسائل: ج12 ص89 ب75 ح13598.

(8) بحار الأنوار: ج72 ص210 ب14 ح3.

(9) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص400 ومن ألفاظ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الموجزة ح5858.

(10) الكافي: ج8 ص126 حديث أبي الحسن موسى (عليه السلام) ح95.

(11) وسائل الشيعة: ج12 ص266 ب146 ح16270.

(12) الكافي: ج2 ص658 باب وجوب إجلال ذي الشيب المسلم ح5.

(13) سورة عبس: 1-2.

(14) مشكاة الأنوار: ص59.

(15) مستدرك الوسائل: ج15 ص261 ب16 ضمن ح18183.

(16) غوالي اللآلي: ج1 ص361 ح43.

(17) الكافي: ج2 ص262-263 باب فضل فقراء المسلمين ح11.

(18) سورة البقرة: 228.

(19) سورة الأحزاب: 35.

(20) دعائم الإسلام: ج2 ص158 ف1 ح560.

(21) مستدرك الوسائل: ج14 ص250 ب66 ح16619.

(22) غوالي اللآلي: ج1 ص254 ف10 ح12.

(23) مستدرك الوسائل: ج14 ص252 ب68 ح16627.

(24) تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص50 ح24.

(25) سورة النساء: 1.

(26) سورة المؤمنون: 12 - 14.

(27) راجع موسوعة الفقه: كتاب العقائد ص 58، للإمام المؤلف (.

(28) سورة البقرة: 65.

(29) وسائل‏ الشيعة: ج24 ص109 ح30100.

(30) سورة الطارق: 5 - 8.

(31) سورة الحجرات: 13.

(32) سورة آل عمران: 195.

(33) سورة الروم: 30.

(34) سورة الأعراف: 189.

(35) عن العباس بن عبد المطلب قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (يا عم يملك من ولدي إثنا عشر خليفة ثم تكون أمور كريهة وشدائد عظيمة ثم يخرج المهدي (عليه السلام) من ولدي يصلح الله أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ويمكث في الأرض ما شاء الله ثم يخرج الدجال(. كشف الغمة: ج2 ص505.

(36) سورة الإسراء: 70.

(37) سورة البقرة: 34.

(38) سورة البقرة: 22.

(39) سورة الأنعام: 165.

(40) سورة النحل: 11 - 15.

(41) راجع شرح رسالة الحقوق: ص94، وفيه: (إن لنفسك عليك حقاً).

(42) الكافي: ج5 ص63 ح3.

(43) سورة سبأ: 24.

(44) سورة النساء: 172.

(45) راجع جامع الأخبار: ص183، ومعدن الجواهر : ص21.

(46) سورة الكهف: 110.

(47) مكارم الأخلاق: ص438.

(48) ديوان الإمام علي (عليه السلام): ص24.

(49) خلاصة عبقات الأنوار: ج3 ص311.

(50) راجع مستدرك الوسائل: ج5 ص10 ح5245.

(51) مكارم الأخلاق: ص16، وبحار الأنوار: ج16 ص229.

(52) بحار الأنوار: ج38 ص334 ح8.

(53) مستدرك الوسائل: ج16 ص228 ح19674.

(54) بحار الأنوار: ج24 ص397 ح119.

(55) الكافي: ج7 ص259 ح23.

(56) مكارم الأخلاق: 16.

(57) مستدرك الوسائل: ج16 ص227 ح19670.

(58) مكارم الأخلاق: ص17.

(59) سورة النساء: 135.

(60) سورة التوبة: 71.

(61) سورة الأحزاب: 58.

(62) سورة الأحزاب: 73.

(63) سورة الفتح: 5.

(64) سورة نوح: 28.

(65) سورة البروج: 10.

(66) سورة النساء: 1.

(67) سورة آل عمران: 195.

(68) سورة الأحزاب: 35-36.

(69) سورة البقرة: 228.

(70) راجع تفسير تقريب القرآن للمؤلف :) ج2 ص80، وفيه: (فإن بيده الطلاق وله عليها الطلاق).

(71) سورة النور: 30-31.

(72) سورة التوبة: 71.

(73) سورة المجادلة: 1، وراجع تفسير تقريب القرآن: ج28 ص14 وفيه: (قد سمع الله قول المرأة التي? ? تجادلك( أي تراجعك وتتكلم معك يا رسول الله (في( أمر (زوجها( واسم المرأة خولة واسم زوجها أوس (وتشتكي إلى الله( حالها وما نزل بها من المكروه (والله يسمع تحاوركما( أي تخاطبكما أنتما يا رسول الله ويا أيتها المرأة (إن الله سميع( يسمع الكلام (بصير( يبصر الأحوال، فأنتما باطلاعه سبحانه استماعا وإبصارا.

(74) سورة البقرة: 282.

(75) راجع مجلة (المجلة): العدد 1002 ص5، وفيها: إن خروج المرأة للعمل قد أضر بأفراد أسرتها، وبالاقتصاد، وقبل كل شيء أضرّ بنفسيّتها. ولهذا نحث على تعليم المرأة، وبقائها

في البيت لتربية أولادها... ولايخفى على أحد النتائج السلبية لوجود الخادمــــات على تربيــــة? ?الأولاد، ومدى الهدر الحاصل في المياه والكهرباء وحتى المواد الغذائية الذي يتم على أيدي الخادمات عن جهل وإهمال. هذا عدا الاعتماد الشديد على الخادمة من قبل الأولاد والزوج لدرجة التعلق بها، وقصص هذا التعلق موجودة حولنا ونراها في تصرفات الأبناء الذين يصابون بالاكتئاب لغياب الخادمة ولا يؤثر فيهم غياب أو سفر الأم، وبتصرفات قلة من الأزواج الذين تزوجوا بخادماتهم. أما على صعيد المرأة ذاتها التي خرجت للعمل فإن سلبيات خروجها تتمثل بتحملها لضغوط نفسية في العمل وفي البيت مما يجعلها عصبية المزاج ومقصرة في المكانين (عملها والمنـزل). وحتى حصولها على راتب يرفع من مستوى الأسرة اقتصاديا فإنه يؤدي إلى هدره أو هدر جزء كبير منه في رواتب وتذاكر سفر للخدم ومتطلبات العمل من سيّارة وملابس واضطرار الأسرة إلى الاستعانة بالمطاعم. وبسبب حالة المرأة العصبية في كثير من الأحيان ارتفعت نسبة الطلاق في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مخيف، وعلى صعيد المرأة العاملة غير المتزوجة ارتفعت نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج لدى المرأة. وبسبب اعتماد الأم العاملة على الخدم أصبحت الأم العصرية لا تحسن أداء أهم أعمال المرأة الضرورية كالطبخ والكي وبعض أعمال الخياطة البسيطة التي تتقنها أمهاتنا. أما على الصعيد الاقتصادي المتعلق بالدولة فإن خروج المرأة للعمل حرم الشباب من الحصول على وظيفة، وانتشرت البطالة في العديد من الدول الإسلامية والأجنبية على حد سواء. ففي الكويت فقط وصل عدد العاملات من الإناث الكويتيات في القطاع الحكومي فقط إلى أكثر من (52) ألف موظفة مقابل(58) ألف موظف من الذكور. ومئات العاطلين عن العمل من الرجال، تبعا لإحصائية عام (1998م). ولا ننسى أن خروج المرأة للعمل واضطرارها إلى الاستعانة بالخدم أربك الدولة في جهودها لتعديل التركيبة السكانية، فحجم الخدم يكاد يصل إلى نصف حجم العمالة غير الكويتية في الكويت. وهذه العمالة تتطلب توسيع الخدمات التي تقدمها الدولة من مرافق صحية وغيرها لتتناسب مع زيادة تلك العمالة الهامشية..

(76) سورة الأعراف: 65، وسورة هود: 50.

(77) سورة ق: 13.

(78) سورة الأعراف: 73، وسورة هود: 61.

(79) مستدرك الوسائل: ج12 ص424 ح14506.

(80) سورة التوبة: 128.

(81) سورة آل عمران: 159.

(82) سورة الفتح: 29.

(83) شرح نهج البلاغة: ج14 ص122 ف3 قصة غزوة بدر.

(84) راجع قرب الإسناد: ص170، وفيه: وأهل مكة كانوا أسرى فأعتقهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (أنتم الطلقاء(، للتفصيل راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) للإمام المؤلف (أعلى الله مقامه).

(85) بحار الأنوار: ج68 ص382 ح17.

(86) سورة النساء: 58.

(87) سورة النساء: 135.

(88) سورة المائدة: 8.

(89) سورة الأنعام: 115.

(90) سورة الأنعام: 152.

(91) سورة النحل: 90.

(92) سورة الشورى: 15.

(93) سورة الحجرات: 9.

(94) مستدرك الوسائل: ج17 ص350 ح21549.

(95) مستدرك‏ الوسائل: ج11 ص317 ح13145.

(96) غرر الحكم ودرر الكلم: ص99 ح1699.

(97) غرر الحكم ودرر الكلم: ص99 ح1696.

(98) مستدرك‏ الوسائل: ج11 ص318 ح13146.

(99) غرر الحكم ودرر الكلم: ص236 ح4757.

(100) بحار الأنوار: ج101 ص276.

(101) من لا يحضره الفقيه: ج3 ص106 ح3426.

(102) بحار الأنوار: ج41 ص56 ح6.

(103) سورة الرحمن: 10.

(104) سورة البقرة: 29.

(105) سورة الحج: 65.

(106) سورة لقمان: 20.

(107) سورة الجاثية: 13.

(108) النص والاجتهاد: ص359.

(109) سورة المائدة: 8.

(110) سورة البقرة: 253.

(111) سورة الأنعام: 86.

(112) سورة الإسراء: 55.

(113) سورة النمل: 15-16.

(114) سورة سبأ: 10.

(115) راجع نهج البلاغة: الخطب 94. وراجع أيضا بحار الأنوار: ج46 ص206 ح83.

(116) انظر كتاب (الفقه: المقدمة / كتاب العقائد) للإمام المؤلف (.

(117) انظر كتاب (الفقه: البيع) المجلد الرابع والخامس.

(118) راجع تفسير القمي: ج2 ص194، وفيه: عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال في قوله: (وما كان لمؤمن? ? ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم( (وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب على زيد بن حارثة زينب بنت جحش الأسدية من بني أسد بن خزيمة وهي بنت عمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يا رسول الله حتى أؤامر نفسي فأنظر، فأنزل الله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة( سورة الأحزاب: 36. فقالت: يا رسول الله أمري بيدك فزوجها إياه فمكثت عند زيد ما شاء الله(.

(119) راجع بحار الأنوار: ج42 ص160ح31.

(120) راجع كتاب الزهد: ص60، وفيه: عن زرارة عن أحدهما (الإمام الباقر أو الإمام الصادق () قال: إن علي بن الحسين (عليه السلام) تزوج أم ولد عمه الحسن وزوج أمّه مولاه فلما بلغ ذلك عبد الملك بن مروان كتب إليه يا علي بن الحسين كأنك لا تعرف موضعك من قومك وقدرك عند الناس تزوجت مولاة وزوجت مولاك بأمك فكتب إليه علي بن الحسين (عليه السلام): (فهمت كتابك ولنا أسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد زوج زينب بنت عمه زيدا مولاه وتزوج مولاته صفية بنت حي بن أخطب(.

(121) وسائل الشيعة: ج15 ص107 ح20079.

(122) راجع بحار الأنوار: ج22 ص117 ب37 ح89 وفيه: عن محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية.

(123) راجع إرشاد القلوب: ج1 ص32.

(124) وسائل الشيعة: ج27 ص33 ح33144.

(125) سورة الأنبياء: 28.

(126) مستدرك الوسائل: ج2 ص309 ح2052.

(127) من لا يحضره الفقيه: ج2 ص217 ح2211.

(128) من لا يحضره الفقيه: ج1 ص231 ح696.

(129) راجع الكافي: ج8 ص101 ح72.

(130) سورة الكهف: 110، وسورة فصلت: 6.

(131) الكافي: ج5 ص568 ح54.

(132) سورة الحجرات: 13.

(133) سورة الأنبياء: 28.

(134) سورة البقرة: 255.

(135) سورة الحجرات: 13.

(136) سورة الإسراء: 70.

(137) راجع جامع الأخبار: ص183، ومعدن الجواهر: ص21.

(138) شرح اللمعة: ج64 ص221.

(139) شرح اللمعة: ج64 ص221.

(140) سورة البقرة: 256.

(141) نهج البلاغة: الرسائل 14.

(142) راجع وسائل الشيعة: ج23 ص59 ب33 باب تأكد استحباب عتق المملوك المؤمن بعد سبع سنين وكراهة استخدامه بعدها، وبعد العشرين آكد وأن من ضرب مملوكه استحب له عتقه.

(143) كتاب العين: ج1 ص262 مادة (شعب).

(144) مجمع البحرين: ج2 ص91 مادة (شعب).

(145) تاريخ الشعوب الإسلامية: ص138.

(146) سورة الحجرات: 13.

(147) جامع الأخبار: ص183.

(148) سورة البقرة: 228.

(149) سورة النساء: 1.

(150) راجع مفردات غريب القرآن، للراغب الأصفهاني: 140.

(151) لسان العرب: ج14 ص216 مادة (حيا).

(152) سورة الحجرات : 13.

(153) مستدرك الوسائل: ج8 ص60 ح9670.

(154) سورة الحجر: 34-35.

(155) علل الشرائع: ج1 ص102 ح1.

(156) سورة هود: 69.

(157) سورة الصافات: 130.

(158) سورة مريم: 33.

(159) سورة النساء: 86.

(160) سورة النور: 61.

(161) سورة النساء: 94، وراجع في سبب نزول الآية مستدرك الوسائل: ج16ص79 ح19207،وفيه:? ? عن علي بن إبراهيم في تفسيره، في قوله تعالى: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا( الآية، إنها نزلت لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من غزاة خيبر وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام، كان رجل من اليهود يقال لـه مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى، فلما أحس بخيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع أهله وماله في ناحية الجبل فأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمر به أسامة بن زيد فطعنه فقتله، فلما رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبره بذلك، فقال لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (قتلت رجلاً شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله(، فقال: يا رسول الله إنما قالها تعوذاً من القتل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (فلا كشفت الغطاء عن قلبه، ولا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما كان في نفسه علمت(، فحلف أسامة بعد ذلك أن لا يقتل أحداً شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأنزل في ذلك: (ولا تقولوا..( الآية، وكان ذلك سبب تخلفه عن حروب أمير المؤمنين (عليه السلام).

(162) سورة النساء: 86.

(163) بحار الأنوار: ج81 ص274.

(164) سورة النور: 27.

(165) سورة الذاريات: 24-25.

(166) سورة النساء: 86.

(167) بحار الأنوار: ج81 ص274.

(168) بحار الأنوار: ج16 ص258.

(169) سورة مريم: 15.

(170) سورة مريم: 33.

(171) بحار الأنوار: 6 ص158 ح18.

(172) مستدرك الوسائل: ج8 ص358 ح9661.

(173) غرر الحكم ودرر الكلم: ص435 ح9947.

(174) غرر الحكم ودرر الكلم: ص435 ح9945.

(175) مستدرك الوسائل: ج8 ص371 ح9703.

(176) غرر الحكم ودرر الكلم: ص435 ح9946.

(177) غرر الحكم ودرر الكلم: ص435 ح9943.

(178) مستدرك الوسائل: ج8 ص454.

(179) وسائل الشيعة: ج24 ص287 ح30564.

(180) الكافي: ج2 ص646 ح12.

(181) مستدرك الوسائل: ج8 ص358 ح9659.

(182) وسائل الشيعة: ج12 ص57 ح15636.

(183) بحار الأنوار: ج3 ص42 ح44.

(184) مستدرك الوسائل: ج9 ص63 ح10210.

(185) الكافي: ج2 ص179.

(186) كشف الغمة: ج2 ص198.

(187) الكافي: ج2 ص183 باب المعانقة ح1.

(188) بحار الانوار: ج73 ص42.

(189) الكافي: ج2 ص185.

(190) بحار الأنوار: ج73 ص42 ح43.

(191) الكافي:ج2 ص185.

(192) سورة آل عمران: 61.

(193) سورة الأحزاب: 33.

(194) سورة الحج: 32.

(195) سورة الحج: 30.

(196) مستدرك الوسائل: ج9 ص65.

(197) راجع مستدرك الوسائل: ج9 ص159 ح10551.

(198) مستدرك الوسائل: ج9 ص65 ح10216.

(199) وسائل الشيعة: ج12 ص227 ح16158.

(200) تحف العقول: ص176.

(201) بحار الأنوار: ج44 ص357.

(202) سورة الأعراف: 172.

(203) اليقين، السيد ابن طاووس الحسني: ص388.

(204) الصراط المستقيم: ج1 ص106.

(205) الكافي: ج3 ص229.

(206) سورة النساء: 86.

(207) الجعفريات: ص174.

(208) الكافي: ج2 ص183 ح1.

(209) بحار الأنوار: ج73 ص41 ح41.

(210) الكافي: ج2 ص183 ح21.

(211) وسائل الشيعة: ج12 ص56 ح15636.

(212) بحار الأنوار: ج33 ص247 ح523.

(213) مستدرك الوسائل: ج6 ص328 ح6923.
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

الأخوة الإسلامية

إن الإسلام يستهدف إقامة كيان موحد بين المسلمين، ويؤكد على العلاقة الأخوية بينهم، وقد أمر بالإخاء بين الناس عموما وبين المؤمنين خصوصا، وأن لا يقتصر الإنسان على الاهتمام بنفسه بل عليه رعاية الاهتمام بأفراد مجتمعه وباقي شعوب المجتمعات الأخرى. والأخوة بمعناها الصحيح تعتبر من أبرز مصاديق السلم والسلام في المجتمع الإسلامي.

مفهوم الأخوة الإسلامية ودلالاتها

كان العرب في المجتمع الجاهلي وقبل بزوغ فجر الإسلام يقطعون الأرحام ويسفكون الدماء، وقد ورد وصف عقائدهم وحياتهم الاجتماعية في خطبة للإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة فقال: «إن الله سبحانه بعث محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) نذيراً للعالمين وأمينا على التنزيل، وأنتم معشر العرب على شر دين وفي شر دار منيخون بين حجارة خشن وحيات صم، تشربون الكدر وتأكلون الجشب وتسفكون دماءكم وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة»(1).

ولما أنزل الله الشريعة الإسلامية ألفت بين القلوب وأصلحتها ووحدت ما كان متفرقا وواصلت بين الأرحام فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً((2).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) واصفاً عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته بتبليغ الرسالة وتأليفه بين ذوي الأرحام وإزالة الضغائن والأحقاد من القلوب: «فصدع بما أمر به، وبلغ رسالة ربه، فلمّ الله به الصدع ورتق به الفتق وألف به بين ذوي الأرحام بعد العداوة الواغرة في الصدور والضغائن القادحة في القلوب»(3).

وحينما هاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون إلى المدينة سعى الإسلام لترسيخ هذا المبدأ الإسلامي وهذا المفهوم القرآني وهو الأخوة الإسلامية في أذهان المسلمين، فكانت المؤاخاة حيث آخى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المهاجرين والأنصار، ومن أحداثها المشهورة أنه ترك علياً (عليه السلام) فقال لـه: إنما تركتك لنفسي أنت أخي في الدنيا والآخرة، وتعتبر المؤاخاة أول حدث من الأحداث الإسلامية الخالدة التي رسخت هذا المبدأ في أوساط المسلمين.

ثم أخذت الآيات الكريمة تتنزل على المسلمين التي تؤكّد أشدّ التأكيد على الأخوّة الإسلامية، حيث قال سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ((4). وقال تعالى في الإخاء الخاص:(فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً((5).

ومن أدل هذه الآيات الكريمة قوله تعالى: (إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ((6).

ومفهوم الأخوة في القرآن يمكن أن يشمل ثلاثة أصناف:

الأول: الأخوة في العقيدة.

الثاني: الأخوة في النسب.

الثالث: الأخوة في الإنسانية.

فأما الأول: وهو مفهوم الأخوة في العقيدة

فلا شك أنه يشمل المؤمنين بمختلف أقسامهم وألوانهم ولغاتهم، فالمؤمن أخو المؤمن في العقيدة والدين وهذا المعنى هو الذي أراده الإمام علي (عليه السلام) في قوله لمالك الأشتر: «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»(7). ومن هذا يعرف أن أهمية رباط العقيدة والإيمان لا تختلف عن أهمية رابطة الأخوة النسبية بل تفوقها خاصة إذا ما أضيف لها أبوة النبوة والإمامة فقد ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «أنا وعلي أبوا هذه الأمة»(8).

وفي محاورة بين الإمام الرضا (عليه السلام) وأحد أصحابه تفسير لذلك، جاء عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه قال: سألت الرضا (عليه السلام) فقلت له: لم كني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأبي القاسم؟ فقال (عليه السلام): »لأنه كان له ابن يقال له قاسم فكني به« قال: فقلت: يا بن رسول الله فهل تراني أهلاً للزيادة؟ فقال (عليه السلام): »نعم أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أنا وعلي أبوا هذه الأمة«(9) قلت: بلى، قال (عليه السلام): »أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أب لجميع أمته وعلي (عليه السلام) بمنزلته فيهم« قلت: بلى، قال (عليه السلام): »أما علمت أن علياً قاسم الجنة والنار؟ قلت: بلى، قال (عليه السلام): »فقيل لـه أبو القاسم لأنه أبو قاسم الجنة والنار« فقلت له: وما معنى ذلك؟ فقال (عليه السلام): »إن شفقة الرسول على أمته شفقة الآباء على أولاد وأفضل أمته علي (عليه السلام) ومن بعده شفقة علي (عليه السلام) عليهم كشفقته لأنه وصيه وخليفته والإمام بعده فلذلك قال (عليه السلام): أنا وعلي أبوا هذه الأمة وصعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المنبر فقال: من ترك ديناً أو ضياعاً فعلي وإلي، ومن ترك مالاً فلورثته، فصار بذلك أولى بهم من آبائهم وأمهاتهم، وصار أولى بهم منهم بأنفسهم وكذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) بعده جرى لـه مثل ما جرى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(10)، وكذلك من الجانب الثاني وهو من ناحية الأم فنساء النبي أمهات المؤمنين كما نصت الآية:

(النّبِيّ أَوْلَىَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىَ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ ((11).

ولا شك أن المؤمنين هم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له الأعضاء بالسهر والحمى، وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) تحث على توثيق الأخوة في العقيدة والنصح والإخلاص لها، ومنها ما جاء عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»(12). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «تمنعه من الظلم فذلك نصره»(13).

وأما الثاني: الأخوة في النسب

فيعني أن المؤمنين إخوة كالأخوة الحقيقية، أي أن أخوتهم متأصلة بمنزلة الحقيقة، وذلك لأحاديث كثيرة أكدت أن المؤمنين من طينة واحدة فعن جابر الجعفي قال: تنفست بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) ثم قلت: يا بن رسول الله أهتم من غير مصيبة تصيبني أو أمر نزل بي حتى تعرف ذلك أهلي في وجهي ويعرفه صديقي؟ قال (عليه السلام): »نعم يا جابر« قلت: ومم ذاك يا بن رسول الله؟ قال (عليه السلام): »وما تصنع بذلك؟« قلت: أحب أن أعلمه، فقال (عليه السلام): »يا جابر إن الله خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى فيهم من ريح روحه، فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه، فإذا أصاب تلك الأرواح في بلد من البلدان شيء حزنت عليه أرواح لأنها منه»(14).

وعن الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه لأن الله خلق طينتهما من سبع سماوات وهي طينة الجنان ثم تلا: (رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ((15) فهل يكون الرحيم إلا براً وصولاً» (16). وعن الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه وذلك أن الله تبارك وتعالى خلق المؤمن من طينة جنان السماوات وأجرى فيه من روح رحمته فلذلك هو أخوه لأبيه وأمه»(17).

وعن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنّما المؤمنون إخوة بنو أب وأم وإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون»(18).

وأما الثالث: الأخوة الإنسانية

أي الأخوّة العامة، وهذا يسمى بالأخوة الإنسانية، وهو الذي عبر عنه الإمام علي (عليه السلام) في قولـه لمالك الأشتر: »أو نظير لك في الخلق«(19)، أي أن الذي تجتمع معه في الإنسانية والخلق يعتبر أخا لك، وربما يكون من هذا أيضا ما جاء في بعض الآيات القرآنية التي سمت الكفار إخوة الأنبياء (عليهم السلام) والأنبياء إخوة الكفار كما سمى الله سبحانه النبي هوداً (عليه السلام) أخا قومه عاد: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ((20)، و(وَإِلَىَ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً((21).

وهكذا سمى الله تعالى النبي صالحاً (عليه السلام) أخا قومه ثمود: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً((22)، و( إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتّقُونَ((23).

كما وسمى سبحانه النبي شعيباً (عليه السلام) أخا قومه: (وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً((24). وسمى الله عزوجل النبي نوحاً (عليه السلام) أخا قومه: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتّقُونَ((25). وسمى سبحانه وتعالى النبي لوطاً (عليه السلام) أخا قومه: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتّقُونَ((26).

وهذا الإخاء الوارد في هذا الصنف الثالث (الأخوة الإنسانية) معناه لزوم العمل بمصاديق الأخوة العامة، فالإنسان أخ لبني نوعه مهما كان الفرق بينهما في الدين واللغة والعرق واللون والوطن، وقد يكون من مصاديقه لزوم إلغاء الحدود المصطنعة بين جميع بلاد العالم، الإسلامية منها وغير الإسلامية، فليس معناها إلغاء الحدود الجغرافية بين المسلمين فقط الذي هو واجب قطعي، وقد رأيناه سابقا في العراق قبل نصف قرن بين مختلف الجنسيات واللغات والأقطار وقد حصل التعايش بينهم، وإنما بالإضافة إلى ذلك فإن معنى الإخاء هو بذل المحبة القلبية والتواصي بالحق والمشاركة في الآلام والآمال والتعاون على الخير والتكافل على أحداث الحياة، فيشد هذا من أزر ذاك وذاك من أزر هذا، ولذا قال (عليه السلام): »لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه«(27)، وابتدأ بالحب لأن مركز انطلاق التعاون والصلاح هو القلب فإذا صلح القلب صلحت الأعمال وإذا لم يصلح القلب لم تصلح الأعمال.

روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ستة من المروة ثلاثة منها في الحضر وثلاثة منها في السفر، فأما التي في الحضر فتلاوة كتاب الله تعالى وعمارة مساجد الله واتخاذ الإخوان في الله عزوجل، وأما التي في السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح في غير المعاصي»(28).

وفيما أوصى به أمير المؤمنين (عليه السلام) عند وفاته: «وآخ الإخوان في الله وأحب الصالح لصلاحه»(29).

وعن داود بن سليمان عن الرضا (عليه السلام) قال: «من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة»(30). وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ما أحدث الله إخاء بين مؤمنين إلا أحدث لكل منهما درجة» (31).

وعن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: »إن المؤمنين المتواخيين في الله ليكون أحدهما في الجنة فوق الآخر بدرجة فيقول: يا رب إن صاحبي قد كان يأمرني بطاعتك ويثبطني عن معصيتك ويرغبني فيما عندك فاجمع بيني وبينه في هذه الدرجة فيجمع الله بينهما، وإن المنافقين ليكون أحدهما أسفل من صاحبه بدرك في النار فيقول: يا رب إن فلاناً كان يأمرني بمعصيتك ويثبطني عن طاعتك ويزهدني فيما عندك ولايحذرني لقاءك فاجمع بيني وبينه في هذا الدرك، فيجمع الله بينهما وتلا هذه الآية:

(الأخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلاّ الْمُتّقِينَ((32)»(33).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث، إما دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة، وإما دعاء يدعو به فيصرف الله عنه بلاء، وإما أخ يستفيده في الله عزوجل»(34)، ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد فائدة الإسلام مثل أخ يستفيده في الله»(35).

وقال علي (عليه السلام): «أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم»(36). وقال (عليه السلام):

عليك بإخوان الصفاء فإنهم عماد إذا استنجدتهم وظهور

وليس كثيراً ألف خل وصاحب وإن عدواً واحــــــــداً لكثيــــــــر(37)

وقال الصادق (عليه السلام): «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكى شيئا وجد ألم ذلك في سائر جسده، وإن روحهما من روح الله وإن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها»(38).

ومن كتاب قضاء حقوق المؤمنين للصوري، بإسناده عن جعفر بن محمد بن أبي فاطمة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): »يا ابن أبي فاطمة إن العبد يكون بارا بقرابته ولم يبق من أجله إلا ثلاث سنين فيصيره الله ثلاثاً وثلاثين سنة، وإن العبد ليكون عاقاً بقرابته وقد بقي من أجله ثلاث وثلاثون سنة فيصيره الله ثلاث سنين ثم تلا هذه الآية: (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ الْكِتَابِ((39) قال: قلت: جعلت فداك فإن لم يكن لـه قرابة، قال: فنظر إلي مغضباً ورد علي شبيها بالزبر «يا ابن أبي فاطمة لاتكون القرابة إلا في رحم ماسة، المؤمنون بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، فللمؤمن على المؤمن أن يبره فريضة من الله، يا ابن أبي فاطمة تباروا وتواصلوا فينسئ الله في آجالكم ويزيد في أموالكم وتعطون العافية في جميع أموركم، وإن صلاتكم وصومكم وتقربكم إلى الله أفضل من صلاة غيركم ثم تلا هذه الآية: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاّ وَهُمْ مّشْرِكُونَ( ( 40)»(41).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «إن للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق، فأوجبها أن يقول الرجل حقاً وإن كان على نفسه أو على والديه فلا يميل لهم عن الحق»(42).

حقوق الأخوة

وقد عدّد في حديث حق المسلم على المسلم إلى ثلاثين حقا(43) بينما ليس ذلك كل الحق، فهناك حقوق أخرى مذكورة في مختلف الروايات، وربما كان السبب في عد الثلاثين في هذا الحديث لأنها كانت محل الابتلاء غالبا أو ما شاكل ذلك، هذا بالإضافة إلى أن العدد لا مفهوم لـه على ما ذكروه في علم الأصول، كما أن هناك آيات عديدة تدل على بعض هذه الحقوق، كقولـه سبحانه وتعالى: (وَالّذِينَ فِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ مّعْلُومٌ ( لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ((44).

وكما قال النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): »إن للمسلم على أخيه من المعروف ستاً: يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، ويسمته إذا عطس، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه«(45).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): »يا كميل المؤمن مرآة المؤمن، لأنه يتأمله ويسد فاقته ويجمّل حالته، يا كميل المؤمنون أخوة، ولا شيء آثر عند كل أخ من أخيه، يا كميل إن لم تحب أخاك فلست أخاه«(46).

وقال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم):«إذا آخى أحدكم أخا في الله فلا يحاده ولا يداره ولايماره»(47).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »المؤمن مرآة لأخيه المؤمن، ينصحه إذا غاب عنه، ويميط عنه ما يكره إذا شهد، ويوسع له في المجلس«(48).

وقال الإمام الرضا (عليه السلام): «اعلم يرحمك الله إن حق الإخوان واجب فرض لازم، أن تفدوهم بأنفسكم وأسماعكم وأبصاركم وأيديكم وأرجلكم وجميع جوارحكم، وهم حصونكم التي تلجؤون إليها في الشدائد في الدنيا والآخرة، لاتماظوهم، ولا تخالفوهم، ولا تغتابوهم، ولا تدعوا نصرتهم ولا معاونتهم، وابذلوا النفوس والأموال دونهم، والإقبال على الله عزوجل بالدعاء لهم، ومواساتهم في كل ما يجوز فيه المساواة والمواساة، ونصرتهم ظالمين ومظلومين بالدفع عنهم» ـ إلى أن قال ـ «فبالله نستعين على حقوق الإخوان، والأخ الذي تجب لـه هذه الحقوق الذي لا فرق بينك وبينه في جملة الدين وتفصيله، ثم ما تجب لـه من الحقوق على حسب قرب ما بين الإخوان وبعده بحسب ذلك»(49).

3

صلة الأرحام

السلام في محيط الأسرة

تبدأ صلة الرحم من الدائرة الصغرى وهي الأسرة، اللبنة الأولى في محيط الأرحام وتعتبر أول وحدة اجتماعية يتدرّب فيها الإنسان على ممارسة علاقاته مع المجتمع، وهي المجال الحيوي الأول الذي تمر فيه الشخصية وتترعرع فيه فضائلها، وتكون أساسا للمجتمع كله، لأنه يتكون منها.

والسلام في الأسرة يبدأ بعد أن يحصل السلام بين الإنسان ونفسه وقد أوجب الإسلام هذه المصاحبة وذلك لأن بدن الإنسان وروحه ونفسه وعقله وسائر حواسه وجوارحه كلها أمانة بيده، فاللازم مداراتها جميعا حسب الموازين الصحيحة الواردة شرعا وعقلا، حتى يعيش الإنسان بسلم وسلام في الدنيا والآخرة، وإلا خسر ذاته وكلّ الخير في الدارين، كما نشاهده في بعض المحكومين بالإعدام أو بالسجن أو ما أشبه فهم يخسرون دنياهم كلها أو بعضها، وفي القرآن الحكيم: (قُلْ إِنّ الْخَاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ((50).

فإن الإنسان يكون لـه اعتباران، اعتبار فاعلي وقابلي، فربما يخسر الإنسان غيره وربما يخسر نفسه، فالنتيجة هي خسارة ذلك الشخص لنفسه فهو الذي خسّر وهو الذي خسر، لكن باعتبارين كمن يضرب نفسه أو يقتلها حيث يكون ضاربا ومضروبا في حال واحد، وقاتلا ومقتولا كذلك. وإذا أراد الإنسان أن لا يخسر نفسه فعليه أن يلتزم بحقوق نفسه عليه، وقد قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة الحقوق:

«اعلم رحمك الله إن لله عليك حقوقا محيطة بك، فبكل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها أو آلة تصرفت بها، بعضها أكبر من بعض، وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق ومنه تفرّع، ثم أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك، فجعل لبصرك عليك حقا، ولسمعك عليك حقا، وللسانك عليك حقا، وليدك عليك حقا، ولرجلك عليك حقا، ولبطنك عليك حقا، ولفرجك عليك حقا، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال، ثم جعل عزوجل عليك حقوقا، فجعل لصلاتك عليك حقا، ولصومك عليك حقا، ولصدقتك عليك حقا، ولهديك عليك حقا، ولأفعالك عليك حقا، ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك» الخبر(51).

ويشترط في هذه المصاحبة أن يكون للإنسان واعظ من نفسه، قال (عليه السلام): «المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال، توفيق من الله عزوجل وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه»(52)، فإذا صدق الإنسان مع نفسه وأصلح ما بين ذاته ونفسه فيمكنه أن يكون مصلحا للآخرين أيضا، وإلاّ فكيف يكون مصلحاً للآخرين كما قالوا: «طبيب يداوي الناس وهو عليل»(53)، وقد قال الشاعر:

ألاّ لنفسك كان ذا التـعليم

يا أيّها الرّجل المعلّم غيره

كيما يصح به وأنت سقيم

تصف الدواء لذي السقام وذي الطنى

وصفاً وأنت من الرشاد عديم

وأراك تلقح بالرشاد قلوبنا

فإن انتهت عنه فأنت حكيم

فابدأ بنفسك فانهها عن غيها

بالقول منك وينفع التعليم

فهناك ينفع ما تقول وتهتدي

عار عليك إذا فعلت عظيم(54)

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

فإذا كان الإنسان مصاحبا لنفسه صحبة حسنة حسب ما أمر الله تعالى، يكون سالكا بنفسه صراطا مستقيما وطريقا سوّيا سليما إلى الهدف الذي يريده.ومن شأن هذه النتيجة أن تنعكس بالإيجاب على النواة الأولى في المجتمع ألا وهي الأسرة (الزوجان والوالدان والأولاد).

فالمرحلة الثانية التي تأتي بعد ما أوجبه الإسلام على مصاحبة الإنسان نفسه بطريقة سليمة وواقعية يأتي دور الأمن والسلام داخل الأسرة من أجل حفظ السلم والسلام الفردي والاجتماعي.

وقد ذكر الإسلام جملة من التوصيات التي من شأنها أن تبسط السلم والسلام داخل الأسرة، ومنها بر الوالدين:

أثر بر الوالدين في بسط السلام داخل الأسرة

بر الوالدين واحترامهما والعطف على الأولاد فريضة واجبة في الإسلام، وقد نصت النصوص عليها، ففي القرآن الحكيم:

قال سبحانه وتعالى: (يَـا أيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ((55).

وقال تعالى في آية أخرى: (وَقَضَىَ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمّا يَبْلُغَنّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ وَقُل رّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبّيَانِي صَغِيراً((56).

وهذا البر وذلك العطف مضافان إلى موضوعيتهما يكونان منهاجا أيضا، فهما بمثابة تدريب للإنسان على كيفية اكتساب فضيلة التعايش في أمن وسلام مع الناس جميعا، لأنه لا يمكن ـ عادة ـ أن تكون للإنسان حالتان حقيقيتان مختلفتان، حالة مع المجتمع الصغير (الأسرة) وحالة مع المجتمع الكبير، بأن يكون في سلام مع العائلة، وفي غيره مع المجتمع، أو بالعكس، وهكذا بالنسبة إلى الأمن.

ومن الآيات التي حثت على بر الوالدين قوله تعالى: (وَوَصّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْناً عَلَىَ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيّ الْمَصِيرُ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىَ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدّنْيَا مَعْرُوفاً((57). فإذا خرج الأبوان عن مقتضى الصلاح والاعتدال، فليس على الولد إطاعتهما، إذ لا طاعة مع الانحراف.

وبرّ الوالدين واجب عيني، بينما الجهاد واجب كفائي ولأهميته قدّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجهاد حيث ورد في حديث عن جابر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: »أتى رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله إني راغب في الجهاد نشيط، قال (عليه السلام): فقال لـه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فجاهد في سبيل الله فإنك إن تقتل تكن حيا عند الله ترزق، وإن تمت فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت رجعت من الذنوب كما ولدت، قال: يا رسول الله إن لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فقرّ مع والديك فو الذي نفسي بيده لأنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة«(58).

وفي حديث آخر أن رجلاً أقبل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):«هل من والديك أحد؟»، قال:نعم كلاهما،قال (صلى الله عليه وآله وسلم): فتبتغي الأجر من الله، قال: نعم، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما»(59).

وعن جابر قال: أتى رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إني رجل شاب نشيط وأحب الجهاد ولي والدة تكره ذلك، فقال لـه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ارجع فكن مع والدتك، فو الذي بعثني بالحق نبياً لأنسها بك ليلة خير من جهادك في سبيل الله سنة»(60).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «رقودك على السرير إلى جنب والديك في برهما أفضل من جهادك بالسيف في سبيل الله»(61).

وقال رجل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله هل بقي من البرّ بعد موت الأبوين شيء؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما والوفاء بعهدهما وإكرام صديقهما وصلة رحمهما»(62).

أقول: المراد بالصلاة الدعاء ويفهم ذلك من لفظ (عليهما) في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وجاءت امرأة طاعنة في السن إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجد بالمدينة فاحترمها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) احتراما متزايدا وفرش لها رداءه وأقبل يضحك إليها، ولمّا ذهبت قال الأصحاب: من كانت هذه يا رسول الله؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنها كانت صديقة خديجة ( في مكة»، وقد راعاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى في صديقتها وكان ذلك من الوفاء لها.

وروي أنه: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أتي بشيء يقول: «إذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة خديجة(، إذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت تحب خديجة»(63).

وفي حديث مشهور ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوضح عظمة بر الوالدين، حيث قال: «بينما ثلاثة رهط يتماشون أخذهم المطر فآووا إلى غار في جبل فبينما هم فيه انحطت صخرة فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أفضل أعمال عملتموها فسلوه بها لعلّه يفرج عنكم.

قال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان كبيران وكانت لي إمرأة وأولاد صغار فكنت أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم غنمي، بدأت بوالديّ فسقيتهما، فلم آت حتى نام أبواي، فطيبت الإناء ثم حلبت ثم قمت بحلابي عند رأس أبويّ، والصبية يتضاغون عند رجلي(64) أكره أن أبدأ بهم قبل أبويّ، وأكره أن أوقظهما من نومهما، فلم أزل كذلك حتى أضاء الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا فرجة نرى منها السماء، فأفرج لهم فرجة فرأوا منها السماء.

وقال الآخر: اللهم إنه كان لي بنت عم فأحببتها حبا، كانت أعز الناس إليّ فسألتها نفسها، فقالت: لا، حتى تأتيني بمائة دينار، فسعيت حتى جمعت مائة دينار فأتيتها بها فلما كنت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفتح الخاتم إلاّ بحقه فقمت عنها، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا فيها فرجة، فأفرج الله لهم فيها فرجة.

وقال الثالث: اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق ذرّة، فلما قضى عمله عرضت عليه فأبى أن يأخذها، ورغب عنه، فلم أزل أعتمل به حتى جمعت منه بقرا ورعاتها فجاءني وقال: اتق الله وأعطني حقّي ولا تظلمني فقلت لـه: اذهب إلى تلك البقر ورعاتها فخذها فذهب واستاقها، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما بقي منها، فأفرج الله عنهم فخرجوا يتماشون(65).

أقول: لا يستبعد ذلك، فإنه من الواضح أن الدعاء يسبب حل المشاكل بأسباب طبيعية أحيانا، وغير طبيعية أحيانا، فربما صار الدعاء سببا لتهيئة الأسباب الطبيعية كشدة المطر الموجبة لتحرك الصخرة، أو لإمكان الانفراج بسبب غيبي من دون الأسباب الظاهرية، كما إن الإنسان إذا برّ بوالديه واتخذ معهم أسلوب السلام برّه أولاده وعاملوه بسلام كما في الأحاديث(66)، بالإضافة إلى أن الأعمال الدنيوية كالنويات، ما زرعت حصدت، ولا يجني الجاني من الشوك العنب ولا من الحنظل يجنى الرطب، كما قال الشاعر:

إذا وضع الحساب ثمار غرسك ***ستحصد ما زرعت غداً وتجني

السلام مع الأولاد

السلم والسلام في الأسرة قد يكون مع الوالدين وقد أشرنا إلى ذلك، وإن كان البحث فيه طويلا وتفصيله في علم الأخلاق، وقد يكون السلام بين الزوجين، وهناك روايات كثيرة في هذا المجال ذكرنا بعضها في كتاب النكاح والآداب والسنن(67) ، وقد يكون السلام للأولاد، وقد أكد الإسلام على حفظ السلام مع الأولاد في روايات كثيرة مذكورة في مظانها نقتصر على بعضها رعاية للاختصار.

فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رحم الله والدين أعانا ولدهما على برهما»(68).

وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من قبّل ولده كتب الله عزوجل لـه حسنة، ومن فرحه فرحه الله يوم القيامة، ومن علمه القرآن دعي بالأبوين فيكسيان حلتين يضيء من نورهما وجوه أهل الجنة»(69).

وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أحبوا الصبيان، وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئا ففوا لهم، فإنهم لا يدرون إلا أنكم ترزقونهم»(70).

السلام في محيط الأرحام

بعد ضرورة اتخاذ السلم والسلام في العلاقات الإنسانية الأسرية القريبة يأتي دور سائر الأرحام، وكل ذي قرب للإنسان، ويؤكد الإسلام على الصلة ويحرم القطع، حتى ورد أن من قطع رحمه لا يكون عادلا، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يصلى خلفه، ولا يصح أن يكون قاضيا، أو مرجع تقليد، أو شاهدا، أو ما أشبه ذلك.

قال الله سبحانه وتعالى: (وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً((71) أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها، من غير فرق في كل ذلك بين الأرحام القريبين والبعيدين، وفي هذا الباب روايات متعددة.

قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن صلة الأرحام لمن موجبات الإسلام، وإن الله سبحانه أمر بإكرامها، وأنه تعالى يصل من وصلها، ويقطع من قطعها، ويكرم من أكرمها»(72).

وقال (عليه السلام): «لا يكونن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته» (73).

وعنه (عليه السلام): «من ذا الذي يرجو فضلك إذا قطعت رحمك»(74).

وعنه (عليه السلام) قال: «إن من الذنوب التي تعجل الفناء قطيعة الرحم»(75).

وعنه (عليه السلام): «ما آمن بالله من قطع رحمه»(76).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: «إن في كتاب علي (عليه السلام): أن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من أهلها، وتنغل الرحم، يعنى انقطاع النسل»(77).

وعنه (عليه السلام): «صلة الأرحام تزكي الأعمال وتنمي الأموال وتدفع البلوى وتيسر الحساب وتنسئ في الأجل»(78).

وعن حذيفة بن منصور قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «اتقوا الحالقة فإنها تميت الرجال» قلت: وما الحالقة؟ قال: «قطيعة الرحم»(79).

وصلة الرحم في غير الوالدين والأولاد في مرتبة الوجوب أيضا كوجوبها مع الوالدين والأولاد وإن كان بالنسبة إلى الوالدين أشد، كما أن الأرحام قريبهم أقرب إلى الوجوب من بعيدهم، فإن مراتب الواجب كمراتب الحرام مختلفة، مثلا النظر إلى الأجنبية محرم ولمسها وتقبيلها أشد حرمة، والزنا أشد من اللمس والقبلة وهكذا.

4

حسن الصحبة والمعاشرة

الشروط الواجب توفرها لدوام الصحبة

للصحبة والمعاشرة الحسنة أثر كبير في بسط السلام والأمن في المجتمع، وكما لزم على الإنسان أن يصاحب نفسه خيرا ـ كما تقدم ـ كذلك يجب عليه أن يحسن صحبة الآخرين. وقد ذكرت في الروايات شروط وواجبات وحقوق كثيرة تتعلق بالصحبة نذكر منها:

1: اختيار الصاحب

فيلزم على الإنسان أن يختار من يصادقه أو يصاحبه، سواء كان في سفر أو حضر، فإن ذلك مما يؤثر كثيرا في السلوك السلمي، وقد ورد عنهم (عليهم السلام): «الرفيق ثم الطريق»(80). وورد عن لقمان الحكيم: «الجار ثم الدار»(81).

وورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»(82).

وفي حديث مروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «كن خير ابني آدم»(83)، يعني إذا تصادق اثنان من بني آدم، فاللازم أن يسعى كل واحد منهما لأن يكون خيرا بالنسبة إلى الآخر، ومن الواضح أن (ابني آدم) الوارد في الحديث السابق أعم من المسلم، فإذا كان التأكيد بالنسبة للأعم فكيف بالأخصّ: أي المسلم مع المسلم، والمؤمن مع المؤمن.

وقال لقمان لابنه: «يا بني اتخذ ألف صاحب، وألف قليل، ولا تتخذ عدوا واحدا، والواحد كثير»(84).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

وإنّ عــــدوّاً واحــــداً لكثيـــر(85)

وليس كثيرا ألف خلّ وصاحب

وقد ذكرت بعض الروايات النهي عن صحبة غير المؤمنين لآثارها السلبية على السلم والأمان، ومنها ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد قال لأبي ذر: «يا أبا ذر لا تصاحب إلا مؤمنا»(86).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد: «يا كميل جانب المنافقين ولا تصاحب الخائنين»(87).

2: حسن الصحبة

ومن الشروط التي يجب توفرها في الصحبة كي تدوم وتستمر: حسنها، ومواردها عديدة، ومنها على سبيل المثال عدم الإصغاء لما يثار حول الصحبة الصادقة، فقد تكون منطلقة من نيات مغرضة تريد أن تعكر صفو هذه الصحبة الصادقة، وقد كان بعض الصحابة يأتون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويبلّغونه عن بعض أصحابه شيئاً حسداً أو بغضاً أو ما أشبه، فينهاهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك.

عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) إلى اليمن فانفلت فرس لرجل من أهل اليمن فنفح رجلا برجله فقتله فأخذه أولياؤه ليقتلوه فرفعوه إلى علي (عليه السلام) فأقام صاحب الفرس البينة إن الفرس انفلت من داره فنفح الرجل برجله فأبطل علي (عليه السلام) دم الرجل، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشكون عليا فيما حكم عليهم، فقالوا: إن علياً ظلمنا وأبطل دم صاحبنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن علياً ليس بظلام ولم يخلق علي للظلم وإن الولاية من بعدي لعلي والحكم حكمه والقول قولـه لا يرد حكمه وقوله وولايته إلاّ كافر، ولا يرضى بحكمه وقوله وولايته إلاّ مؤمن، فلما سمع اليمانيون قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام) قالوا: يا رسول الله رضينا بقول علي وحكمه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هو توبتكم مما قلتم»(88).

وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر»(89).

و(إليكم) في الحديث يعني أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحب أن يواجه أصحابه جميعا منشرح الصدر. وفي نسخة (عنكم) مكان (إليكم) والمراد حينئذ: إنه كان يحب أن يموت حين موته وليس في قلبه على أحدهم غضاضة (90).

وقد ذكرت الروايات بعض نتائج الصحبة الطيبة نتيجة لحسنها، ومنها: «بحسن الرفقة تدوم الصحبة»(91).

و: »بحسن الصحبة تكثر الرفاق«(92).

و: »حسن الصحبة يزيد في المحبة«(93).

و: »حسن الصحبة من أفضل الإيمان«.

وقد صنفت في كتب الأحاديث والروايات أبواب مخصصة تحدثت عن هذا الموضوع ومنها: »باب حسن الصحابة وحق الصاحب في السفر«(94).

وذكرت فيه جملة من الروايات نذكر منها:

1: الوصية بحسن الصحبة

عن عمار بن مروان الكلبي قال: أوصاني أبو عبد الله (عليه السلام) فقال: »أوصيك بتقوى الله وأداء الأمانة وصدق الحديث وحسن الصحبة لمن صحبك ولا قوة إلا

بالله«(95).

2: البذل والإنفاق في الصحبة

عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): »من خالطت فإن استطعت أن تكون يدك العليا عليهم فافعل«(96).

3: الرفق في الصحبة

عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجراً وأحبهما إلى الله عزوجل أرفقهما بصاحبه«(97).

4: صحبة المسافر

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »حق المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض ثلاثا«(98).

5: تشييع المصاحب في وداعه

عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): »أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحب رجلاً ذمياً فقال لـه الذمي: أين تريد يا عبد الله؟ فقال (عليه السلام): أريد الكوفة، فلما عدل الطريق بالذمي عدل معه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لـه الذمي: ألست زعمت أنك تريد الكوفة؟ فقال (عليه السلام) له: بلى، فقال له الذمي: فقد تركت الطريق، فقال (عليه السلام) لـه: قد علمت، قال: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟ فقال لـه أمير المؤمنين (عليه السلام): هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه وكذلك أمرنا نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له الذمي: هكذا قال! قال (عليه السلام): نعم، قال الذمي: لا جرم إنما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة فأنا أشهدك أني على دينك ورجع الذمي مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما عرفه أسلم«(99).

وهذه مصاديق السلم والسلام ومن موجباته في المجتمع كما هو واضح.

خصائص العلاقات الإنسانية في المجتمع الإسلامي

مسألة: من مظاهر الأمن والأمان في الإسلام حرصه على أهمية سلامة العلاقات الإنسانية بين الإنسان ونفسه وبين الإنسان وغيره، فإن الإنسان إذا كان حسناً في تعامله مع نفسه، مادياً ومعنوياً، روحياً وجسدياً، فإنه يكون كذلك مع الآخرين، إذ كيف يمكن أن يكون الإنسان مسيئاً لنفسه ويكون محسناً إلى غيره؟.

فيلزم على الإنسان أن يحاسب نفسه بالنسبة إلى سائر الناس، فإن الإنسان مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى وأمام التاريخ عن غيره أيضاً، هل أحسن أو أساء إليهم؟ أو لم يكن محسناً ولا مسيئاً، فالذي لا يكون محسناً ولا مسيئاً يعد في عداد المسيء لأنه يكون مضيعاً للحقوق.

نعم قد لا يكون من قسم المضيع فيما إذا كان من باب السالبة بانتفاء الموضوع، بأن لم يكن هنالك إنسان آخر كالمنقطع في سطح جبل أو جزيرة أو ما أشبه، ذلك حيث لا يوجد إنسان يحسن إليه أو يسيء التصرف معه.

ومن هنا تميزت العلاقات الإنسانية في المجتمع الإسلامي عن غيرها من المجتمعات والشعوب بمجموعة من الروابط الدينية الحسنة والعلاقات المتينة المسالمة التي تهدف إلى وصول الإنسان إلى السلم والسلام والهداية والتوفيق والسكينة والرفاهية، فيتقدم إلى كماله الميسور وارتفاعه حسب المقدور.

صفات العلاقات الإنسانية في الإسلام

وقد اتصفت هذه الروابط والعلاقات بمجموعة من الخصائص منها:

1: إن الأساس الذي تنطلق منه هو الإيمان، وهو أول الروابط الأدبية والمحور الذي تلتقي عنده الجماعة المؤمنة، ومن طبيعته أنه يَجمعُ ولا يُفرِّق، ويُوحِّد ولايُشتِّت، كما في الحديث عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): »المؤمن مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف«(100).

والمؤمن قوة لأخيه، كما في حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): »المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً«(101)، وهو يحس بإحساسه، ويشعر بشعوره، فيفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، »المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى تداعى لـه سائره بالسهر والحمى«(102).

ومن شأن هذه الروابط التي تنطلق من أساس الإيمان أنها تجعل بين المسلمين تماسكاً قوياً، وتقيم منهم كياناً يستعصي على الفرقة وينأى عن الحل، فالإيمان يضفي على المؤمنين إخاءً أقوى من إخاء النسب، كما قال الله سبحانه: (إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ((103)، وقال أيضاً: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ((104).

وكما قال الإمام أبو عبد الله (عليه السلام): »المسلم أخو المسلم«(105).

2: ومن خصائصها أنها قابلة للنماء والبقاء، فهي ليست كغيرها من الروابط المادية التي تنتهي بانتهاء دواعيها وأسبابها، وتنقضي بانقضاء الحاجة إليها.

3: إنها تنطلق من دوافع ذاتية لا مصلحية، فكل فرد يبذل من أجل تقوية الجماعة المؤمنة وتماسكها من ذات نفسه وذات يده، ويكون عوناً لها في كل أمر من الأمور التي تهمها، سواء كانت هذه المعاونة معاونة مادية أم أدبية، وسواء كانت معاونة بالمال، أم العلم، أم الرأي، أم المشورة.

وقد سئل الإمام الرضا (عليه السلام): ما حق المؤمن على المؤمن؟

فقال: »إن من حق المؤمن على المؤمن المودة لـه في صدره، والمواساة لـه في ماله، والنصرة لـه على من ظلمه، وإن كان فيء للمسلمين وكان غائباً أخذ لـه بنصيبه، وإذا مات فالزيارة إلى قبره، ولا يظلمه ولا يغشه، ولا يخونه ولا يخذلـه، ولا يغتابه ولايكذبه، ولا يقول لـه أف، فإذا قال لـه أف فليس بينهما ولاية، وإذا قال لـه أنت عدوي فقد كفَّر أحدهما صاحبه، وإذا اتهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء«(106).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: »خير الناس أنفعهم للناس«(107).

وعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »إن الله يحب إغاثة اللهفان«(108).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: »كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال اشفقوا تؤجروا«(109).

4: ومنها أنها أقوى من روابط الدم، واللون، واللغة، والوطن، والمصالح المادية، وغير ذلك مما يربط بين الناس، جاء عن إبراهيم بن محمد الهمداني أنه قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: »من أحب عاصياً فهو عاص، ومن أحب مطيعاً فهو مطيع، ومن أعان ظالماً فهو ظالم، ومن خذل عادلاً فهو ظالم، إنه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ولا ينال أحد ولاية الله إلا بالطاعة، ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني عبد المطلب: ائتوني بأعمالكم لا بأحسابكم وأنسابكم، قال الله تعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ( فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنّمَ خَالِدُونَ((110)»(111).

وقد حث الإسلام على تمتين روابط المجتمع وأواصر الجماعة على أسس السلم والسلام، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُواْ((112).

وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): »يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذ من الغنم للذئب«(113).

وقال أبو عبد الله (عليه السلام): »ما من رهط أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا الله عزوجل في أمر إلا استجاب الله لهم«(114).

ومن ثم كانت الجماعة رحمة كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »الاجتماع لأمتي رحمة، والفرقة عذاب«(115).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: »المؤمنون يد واحدة على من سواهم«(116).

والجماعة مهما صغرت فهي على أي حال خير من التفرقة، وكلما كثر عددها، كانت أفضل وأبر.

إن أفضل عبادات الإسلام تلك التي تؤدى جماعة، فصلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد بخمس وعشرين درجة، كما في بعض الروايات، فعن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: »إن فضل صلاة الجماعة على صلاة الرجل فرداً خمس وعشرون درجة في الجنة«(117).

والزكاة معاملة بين مجتمع الأغنياء والفقراء وأداء لحقوقهم(118).

والصيام مشاركة جماعية ومساواة في الجوع في فترة معينة من الوقت(119).

والحج ملتقى عام للمسلمين جميعاً في كل عام، يجتمعون من أطراف الأرض

(لّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ فِيَ أَيّامٍ مّعْلُومَاتٍ((120).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: »ما جلس قوم في مجلس من مساجد الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه«(121).

ولقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يحرص على أن يجتمع المسلمون حتى في المظهر الشكلي قال (صلى الله عليه وآله وسلم): »إذا جلستم إلى المعلم أو جلستم في مجالس العلم فادنوا وليجلس بعضكم خلف بعض ولا تجلسوا متفرقين كما يجلس أهل الجاهلية«(122).

وإذا كانت الجماعة هي القوة التي تحمي دين الله، وتحرس دنيا المسلمين، فإن التفرقة هي التي تقضي على الدين والدنيا معاً، ولذلك فقد نهى عنها الإسلام أشد النهي إذ أنها تؤدي للهزيمة وهي من موجبات العنف، وكثيراً ما كان الإمام علي (عليه السلام) يوصي الناس بقوله: »ألزموا الجماعة واجتنبوا الفرقة«(123)، ولم يهدد الإسلام شيء كما فعلت التفرقة التي ذهبت بقوة المسلمين، والتي نتج عنها: الضرر والفشل والذل، وسائر ما يعاني منه المتفرقون، قال الله عزوجل: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالّذِينَ تَفَرّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيّنَاتُ وَأُوْلَـَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ((124)، وقال الله تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ((125) يعني ذلك أن النزاع والخصام يضعف الجماعة. وقال سبحانه: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُواْ((126) فيعني أن الالتزام بدين الله يوحد الجماعة.

وإنما عبّر سبحانه وتعالى: (بحبل الله( لا بغيره وإن كان من الممكن غير ذلك مثل (دين الله) و(شريعة الله) وما إلى ذلك لنكتة دقيقة هي أن المتفرّقين كالساقطين في غيابة الجب، فإذا أُدلي إليهم بحبل فأمسكوا به جميعاً انتشلهم إلى حيث سَعَةُ الأرض، أما إذا بقوا مختلفين فإنهم يكونون في غيابة الجب متنازعين متخاصمين فلا يشمون هواءً طلقاً ولا يرون نوراً ساطعاً من الشمس والقمر ولا يتمكنون من عمل أيّ شيء.

وقال عزوجل: (وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( مِنَ الّذِينَ فَرّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً((127). وقال الله تعالى: (إِنّ الّذِينَ فَرّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ((128).

فيعني ذلك أن الخصام والمنازعات بين المسلمين إذا استمرت قد تؤدي إلى الشرك ولذلك ينهى الإسلام عن كل ما من شأنه أن يوهن من قوته أو يضعف من شدته، فالجماعة المؤمنة دائماً في رعاية الله وفي سلطانه، ومن هنا نجد دعوة القرآن الكريم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتبرأ من الذين كانوا سبباً في تفرقة المسلمين، وأن لا يقيم معهم حتى في مسجدهم الذي اتخذوه ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين، يقول جل وعلا: (وَالّذِينَ اتّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاّ الْحُسْنَىَ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التّقْوَىَ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ أَحَقّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهّرُواْ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُطّهّرِينَ((129).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: »أقيموا صفوفكم فإني أراكم من خلفي كما أراكم من بين يديَّ، ولا تختلفوا فيخالف الله بين قلوبكم«(130).

أثر الأخلاق الإسلامية في دعم الروابط الاجتماعية

مسألة: أكد الإسلام على الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع المسلم، وحرض على احترام الناس حتى نهى عن أن يعبس مسلم في وجه مسلم مهما، كان فقيراً أو ضعيفاً أو عاجزا(131)، وقد نزلت آية في ذلك تذم أحد بني أمية(132)، حيث عبس بوجه شخص من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أعمى يسمى ابن أم مكتوم، فقال سبحانه:

(عَبَسَ وَتَوَلّىَ( أَن جَآءَهُ الأعْمَىَ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّىَ( أَوْ يَذّكّرُ فَتَنفَعَهُ الذّكْرَىَ( أَمّا مَنِ اسْتَغْنَىَ( فَأَنتَ لَهُ تَصَدّىَ( وَمَا عَلَيْكَ أَلاّ يَزّكّىَ( وَأَمّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىَ( وَهُوَ يَخْشَىَ( فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهّىَ( كَلاّ إِنّهَا تَذْكِرَةٌ( فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ( فَي صُحُفٍ مّكَرّمَةٍ( مّرْفُوعَةٍ مّطَهّرَةٍ( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ( كِرَامٍ بَرَرَةٍ( قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ((133).

ومن زعم أن هذه الآيات نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أخطأ، مضافا إلى أن سياق الآيات تدل على غيره (صلى الله عليه وآله وسلم) ولذا قال تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلّىَ( بصيغة الماضي الغائب ولم يقل عبستَ وتوليتَ، ثم هل يُعقلُ أنّ يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا المستوى بحيث يخاطبه المولى جلّ جلاله بقوله: ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّىَ( أَوْ يَذّكّرُ فَتَنفَعَهُ الذّكْرَىَ(، أو أنه بهذه الأخلاق: (أَمّا مَنِ اسْتَغْنَىَ( فَأَنتَ لَهُ تَصَدّىَ( وَمَا عَلَيْكَ أَلاّ يَزّكّىَ( وَأَمّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىَ( وَهُوَ يَخْشَىَ( فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهّىَ( كلا قطعاً.

فإن نزول هذه الآيات في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يدعيه البعض مخالف لقولـه:

(وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ((134)، فكيف لإنسان يملك هذا الخلق العظيم أن يفعل هذا الشيء بأعمى من أصحابه.

وعلى أي حال فالإسلام يضع كل ما يوجب الفرقة والعداء إلى جانب، ويأمر بالمحبة والقيم السماوية، كما في كثير من الآيات والروايات.

الأخلاق الإسلامية والسلم في الروابط الاجتماعية

ومن أجل إصلاح هذه العلاقات ورعاية للسلام فيها، أمر الإسلام بحسن الخلق والتعامل الحسن في كل مجالاتها الإنسانية حتى يستقيم أمر الحياة وحتى تكون أبواب العمل بالحق والخير مفتحة أمام كل إنسان، فقد ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): »إن أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقاً، الموطّئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون«(135).

وقال سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ((136).

وفي كثير من روايات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الأطهار (عليهم السلام) الأمر بأن يصل الإنسان من قطعه ويعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف المتقين: » … يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه«(137).

ومن وصية الإمام الصادق (عليه السلام) لعبد الله بن جندب، قال: »يا بن جندب صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأحسن إلى من أساء إليك، وسلّم على من سبّك، وأنصف من خاصمك، واعف عمن ظلمك كما أنك تحب أن يعفى عنك، فاعتبر يعفو الله عنك...« الخبر(138).

وقال (عليه السلام): »يسّروا ولا تعسّروا، وبشروا ولا تنفروا«(139)

وهنا ملاحظة حول هذا الحديث من الجانب البلاغي فقد يرد سؤال عن قوله (عليه السلام): »يسروا ولا تعسروا«، فهل هذا تكرار لشيء واحد أو هناك أمران: تيسير وعدم تعسير؟ فإذا كان هناك أمران ـ وهو الأصل لأن الأصل التأسيس لا التأكيد ـ فلماذا قدّم «يسّروا» على «تعسّروا» بينما كان اللازم أن يقول (لا تعسّروا ويسّروا) ومثل هذا السؤال يجري في قولـه تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ((140)؟.

والجواب: إنما قدّم اليسر لأن المجال مجال اليسر، وقد ذكروا في علم البلاغة أنه يقدّم ما كان المجال لـه،وإلا كان مقتضى القاعدة: (لا يريد بكم العسر ويريد بكم اليسر) هذا بالنسبة إلى التقديم والتأخير، وأما التكرار فعلى الأصل المذكور أي التأسيس، لورود شق ثالث بين العسر واليسر كما هو واضح.

وفي الحديث الشريف: إن حَسَن الخلق ينال خير الدنيا والآخرة(141) وللأثر الكبير الذي يتركه حسن الخلق في المجتمع سواء الصغير منه أو الكبير نذكر هنا جملة من الروايات في حسن الخلق وأثره على السلام أو الدالة عليه.

جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بين يديه فقال: يا رسول الله ما الدين؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »حسن الخلق«.

ثم أتاه عن يمينه، فقال: يا رسول الله ما الدين؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): »حسن الخلق«.

ثم آتاه من قبل شماله فقال: ما الدين؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »حسن الخلق«.

ثم أتاه من ورائه فقال: يا رسول الله ما الدين؟

فالتفت (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه وقال: »أما تفقه هو أن لا تغضب«(142).

وربما يسأل البعض أنه لماذا أكد السؤال عن الدين من الأطراف الأربعة حوالي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.

والجواب: ربما كان الرجل في حالة من الحدة والغضب الذي اعتاد عليها، فإن الإنسان الحاد عادةً يكرّر الأشياء كثيراً لكي يستوعبها، بينما الإنسان الهادئ يتفهم من أول الأمر، ولذلك قال له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في المرة الرابعة أما تفقه؟

وربما أراد أن يتأكد، وربما أراد أن يعرف الأولى فالأولى أو ما أشبه ذلك.

وعن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال رجل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله علمني، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): »اذهب ولا تغضب«، فقال الرجل: قد اكتفيت بذاك، فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح فلما رأى ذلك لبس سلاحه ثم قام معهم ثم ذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »لا تغضب« فرمى السلاح ثم جاء يمشي إلى القوم الذين هم عدوّ قومه فقال: يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعليَّ في مالي أنا أوفيكموه، فقال القوم: فما كان فهو لكم نحن أولى بذلك منكم، قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب(143).

وفي حديث آخر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: »ألا أخبركم بشراركم؟« قالوا: بلى يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): »الذي يمنع رفده ويضرب عبده ويتزود وحده«، فظنوا أن الله لم يخلق خلقاً هو شر من هذا، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم):«ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): »الذي لا يرجى خيره ولا يؤمن شره«، فظنوا أن الله لم يخلق خلقاً هو شر من هذا، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): »ألا أخبركم بمن هو شرّ من ذلك؟« قالوا: بلى يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): »المتفحش اللعان الذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم وإذا ذكروه لعنوه«(144).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث آخر: »ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الذين لا يقيلون العثرة ولا يقبلون المعذرة ولا يغفرون الزلّة«(145).

ومن الواضح أن (حسن الأخلاق) يشيع في المجتمع الأمن والسلام لأن سوء الخلق يوجب عدم الأمن عند الناس ويثير الخوف لديهم، كما قال علي (عليه السلام): »سوء الخلق يوحش القريب وينفر البعيد«(146).

وهكذا بالنسبة إلى نفس الإنسان السيئ الخلق فإنه لا يعيش في أمن وسلام، وفي الأحاديث أنه إذا ألمَّ بالإنسان موجة من الغضب وانفلت من يده الزمام فعليه أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويتخلص مما ألمَّ به وبذلك يظل في دائرة السلامة والأمن بالنسبة إلى نفسه وبالنسبة إلى غيره، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) في الغضب:«تصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول: يذهب غيظ قلوبهم اللّهم اغفر ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من الشيطان الرجيم ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم»(147).

والأحاديث في ذم الغضب كثيرة لوضوح سوء عواقب الغضب وتأثيره السلبي على السلم والسلام، قال الإمام الصادق (عليه السلام): »الغضب مفتاح كل شر«(148)، فإن الغلظة تقطع أواصر الود والإخاء والمحبة والألفة بين الناس، فينقطع بذلك بينهم التعاون والتشاور وما أشبه ذلك مما هو مبعث الخيرات وهو هدف الدين لإشاعة الوئام والتفاهم بين الناس وإصلاح ذات البين كما يوصينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »صلاح ذات البين أفضل من عامة الصوم والصلاة«(149)، فإن هذا هو الأصل في العلاقات والروابط التي تربط بين المسلمين وغيرهم، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: »صدقة يحبها الله: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا«(150)، ومن الملاحظ قوله (عليه السلام) (إصلاح بين الناس) فهو أعم من المسلمين والمؤمنين كما لايخفى.

ومن هذا المنطلق أيضاً: يؤكد الإسلام على الصلح بين المتنازعين مطلقا، وفي القرآن الحكيم: (وَالصّلْحُ خَيْرٌ((151)، وفي رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: »ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة؟« قالوا: بلى يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): »صلاح ذات البين، وفساد ذات البين وهي الحالقة«(152)، تشبيهاً بحلق الشعر.

وفي رواية الإمام علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »إصلاح ذات البين خير من عامّة الصلاة والصيام«(153) وقبل ذلك قال القرآن الحكيم: (إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ((154) أي أنّ رحمة الله مرتبطة بالإصلاح والتقوى.

ومن الواضح أن السلم والسلام لا يتحقق إلا برعاية هذه الموازين المذكورة في الروايات، فإن السلام ليس شيئاً معلّقاً في الفراغ وإنما لـه مختلف الأسس والشرائط والمقومات والموجبات والموانع وما أشبه، قال الله تعالى: (وَلاَ يَغْتَب بّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ((155).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا يغتب بعضكم بعضاً وكونوا عباد الله إخواناً«(156).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: »لا تناجشوا ولا تدابروا« (157).

ولذا حرّم الإسلام الغيبة أشدّ التحريم، لأنها من أشدّ الأمور في تفكيك سلم المجتمع وإيجاد العنف والتفرقة بين الناس وتلويث القلوب بعضها مع بعض، وفي حديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): »مررت ليلة أسري بي على أقوام يخمشون وجوههم بأظافيرهم، فقلت: يا جبرائيل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم«(158)، ولعل وجه خمش الوجه أن الإنسان إذا أصيب بمصيبة لطم وجهه أو خمشه، حاله حال الإنسان إذا أراد إعلام الآخرين بالسكوت، وضع يده على فمه أو ما أشبه ذلك من الإشارات المتعارفة عند الأقوام والملل وان كانت الإشارات أيضاً تختلف بعضها عن بعض حتى في مقصود واحد، مثل رفع اليد للتحية أو وضع اليد على الصدر والانحناء قليلاً وهكذا.

وفي حديث عن البرّاء قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أسمع العواتق في بيوتها، فقال: »يا معشر من آمن بالله بلسانه ولم يؤمن بقلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورات أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته«(159) ومن المعلوم أن تتبّع العورات غير الاغتياب وإن كانا يتصادقان أحياناً، فبينهما ـ على الاصطلاح المنطقي ـ عموم من وجه.

الصفح عند الخطأ وقبول العذر

ويرى الإسلام لتطبيق أساس السلم والسلام في المجتمع، ضرورة قبول المعذرة من المعتذر، ففي دعاء الإمام السجاد (عليه السلام): »اللهم صل على محمد وآله، وسدّدني لأن أعارض من غشّني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبرّ، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافي من قطعني بالصلة، وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر، وأن أشكر الحسنة، وأغضي عن السيئة«(160).

وفي رواية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »ألا أنبئكم بشرّ الناس؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): من أبغض الناس وأبغضه الناس، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا أنبئكم بشرّ من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الذي لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يغفر ذنباً«(161).

وفي حديث آخر عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: »اقبلوا العذر من كل متنصل ـ أي معتذر ـ محقاً كان أو مبطلا، ومن لم يقبل العذر منه فلا نالته شفاعتي«(162).

وهذه الروايات تنص على ضرورة قبول عذر المعتذر سواء كان عذره عن حق أو عن باطل، فإذا لم يحضر لزيارة صديقه مثلاً واعتذر بشغل، فاعتذاره قد يكون حقاً وقد لا يكون، ولكنه يلزم أن يقبله منه، وهكذا إذا أخطأ وارتكب أمراً كان المفروض أن يتركه.ومن هذا المنطلق أيضاً يرى الإسلام لزوم التخلّق بمكارم الأخلاق والاجتناب عن مساوئها، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث نظمه الشاعر بقوله:

مَكَارِمُ الأخلاقِ في ثَلاثَــةٍ مُنْحَصِــرَةْ لِينُ الكَلامِ وَالسَّخَا وَالعَفوُ عِندَ المقدِرَةْ

فإن العفو عند المقدرة من موجبات السلم والسلام في المجتمع، وهو يوجب للإنسان عزّاً كما في متعدّد من الأحاديث، فعنهم (عليهم السلام) قالوا: »تسع خصال من الفضل والكمال وهن داعيه إلى المحبة مع ما فيها من القربة والمثوبة: الجود على المحتاج، والمعونة للمستعين، وحسن التفقد للجيران، وطلاقة الوجه للإخوان، ورعاية الغائب فيمن يخلف، وأداء الأمانة إلى المؤتمن، وإعطاء الحق في المعاملة، وحسن الخلق عند المعاشرة، والعفو عند المقدرة«(163).

فكلّ هذه الأمور التي ذكرناها تعتبر من المقوّمات أو الملازمات لمعنى السلم والسلام، لأن السلام ـ كما سبق ـ قد يكون مع النفس وقد يكون مع الغير، كما أنه قد يكون مع الله سبحانه وتعالى، بأن يكون الإنسان ممن (يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ((164) فحينئذٍ يكون كما قال سبحانه: (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ((165).

وعن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: »كان الحسن بن علي (عليه السلام) عند معاوية فقال لـه: أخبرني عن المروءة، فقال (عليه السلام): حفظ الرجل دينه، وقيامه في إصلاح ضيعته، وحسن منازعته، وإفشاء السلام، ولين الكلام، والكف، والتحبّب إلى الناس«(166).

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في خطبة لـه: »إن من الكرم لين الكلام، ومن العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام«(167).

ثم إن عبادة الشيطان واتباع الشهوات من موجبات العنف، وقد كلّف الإنسان بالابتعاد عن شهوات نفسه واتخاذ الشيطان عدوّاً، كما قال سبحانه: (إِنّ الشّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتّخِذُوهُ عَدُوّاً((168)، وقال تعالى في آية أخرى: (فَأَمّا مَن طَغَىَ ( وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا( فَإِنّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىَ( وَأَمّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النّفْسَ عَنِ الْهَوَىَ( فَإِنّ الْجَنّةَ هِيَ الْمَأْوَىَ((169). وفي آية أخرى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا ( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكّاهَا ( وَقَدْ خَابَ مَن دَسّاهَا((170).

وفي حديث عن الصادق (عليه السلام) قال: »إن الله تعالى ركّب العقل في الملائكة بدون الشهوة، وركب الشهوة في البهائم بدون العقل، وركبهما جميعاً في بني آدم، فمن غلب عقله على شهوته كان خيراً من الملائكة، ومن غلبت شهوته على عقله كان شراً من البهائم«(171).

وقال علي (عليه السلام): »إن أفضل الناس عند الله من أحيا عقله وأمات شهوته«(172).

وقال (عليه السلام): »ذهاب العقل بين الهوى والشهوة«(173).

وقال (عليه السلام): »من كمل عقله استهان بالشهوات«(174).

وقال (عليه السلام): »من غلب عقله هواه أفلح، ومن غلب هواه عقله افتضح«(175).

والمراد بالشهوات المنحرفة عن طريق الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه عزَّوجلَّ خلق الشهوة في الإنسان وكلّفه بالاعتدال فيها وبممارستها على حدّ معقول شرعاً من الأكل والشرب والنكاح وغير ذلك..

ولكن هل بإمكان الإنسان الاستقامة أمام شهواته وهواه؟!.

الجواب: نعم لكنه مع جهد كبير وعزم راسخ وتوفيق من الله سبحانه، قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث سرية فلما رجعوا قال: »مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل يا رسول الله ما الجهاد الأكبر؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): جهاد النفس«(176).

فإن الجهاد بالسيف ضد العدو على مشاكله وفضائله كافّة، أصغر بالنسبة إلى جهاد الإنسان مع نفسه(177)، إذ الجهاد بالسيف مؤقّت خلاف الجهاد بالنفس حيث يجب أن يستمرّ فيه من يوم بلوغه إلى يوم مماته، بالإضافة إلى رؤية العدو ـ عادة ـ عند المجاهدة في ميدان الحرب، بينما لا يرى الشيطان، كما قال سبحانه: (إِنّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ((178)، ومن الواضح أن الجهاد ضد من تراه أسهل من جهادك ضد من لا تراه.

من أسس السلام الدعوة إلى التسامح

ومن أسس السلام في الإسلام الدعوة إلى التسامح بمختلف صوره، وفي القرآن الحكيم آيات متعددة حول هذا الأمر، مثل قوله سبحانه وتعالى: (لاّ يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوَاْ إِلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ ( إِنّمَا يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدّينِ وَأَخْرَجُوكُم مّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىَ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلّهُمْ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ((179)، ومن الواضح أن الآية لا تخص أهل الكتاب بل تشمل كل من لم يكن مسلماً.

وقال سبحانه: (ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ((180).

وقال تعالى: (وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوَاْ آمَنّا بِالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـَهُنَا وَإِلَـَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ((181).

وقال سبحانه: ( فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَكّرٌ ( لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ((182).

وقال تعالى: (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّىَ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ((183).

وقال سبحانه: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَيّ((184).

وقال تعالى: (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً((185).

وقال سبحانه: (قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ((186).

وقد أمر الله سبحانه بحسن المعاملة وبالوفاء بالعهد مع الجميع حيث قال سبحانه: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ((187).

وقال تعالى: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً((188).

وقال سبحانه: (إِلاّ الّذِينَ عَاهَدتّم مّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمّوَاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىَ مُدّتِهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتّقِينَ((189).

إلى غيرها من الآيات وهي تدل على بعض مصاديق السلم والسلام في المجتمع، أو بعض مقوماته أو موجباته، كما لا يخفى.

مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام

مسألة: لقد أشاد الإسلام بمبدأ السلم والسلام وجعل العلاقة بين الناس جميعا علاقة أمن وسلام، وأكد على احترام الإنسان وتكرّيمه من حيث هو إنسان بغضّ النظر عن جنسه ولونه، ودينه ولغته، ووطنه وقوميته، ومركزه الاجتماعي وغيرها، يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَىَ كَثِيرٍ مّمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً((190).

ومن مظاهر هذا التكريم أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بقدرته ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة بالسجود لـه، وسخر لـه ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، وجعله سيداً على هذا الكوكب الأرضي، واستخلفه فيه ليقوم بعمارته وإصلاحه، والاستفادة ممّا وهبَ الله سبحانه وتعالى للحياة من الخيرات، ومن أجل أن يكون هذا التكريم حقيقية وواقعية، وأسلوباً في الحياة، كفل الإسلام جميع حقوق الإنسان، وأوجب حمايتها وصيانتها، فإنها من أسباب السلم والسلام، سواء أكانت حقوقاً دينية، أو مدنية، أو سياسية، كحق العلم والصحة والقضاء.

فمن أسباب السلام هو مراعاة حقوق الإنسان كما هو مقرر في الشرع، كحق العلم والصحة والقضاء وسائر حقوقه المذكورة في محلها، وهذا يدل على أن الإسلام لا يقتصر على إحياء السلام في العلاقات الإنسانية في محيط الأسرة أو الأرحام فقط، بل ينظم علاقات الإنسان حتى مع المجتمع الكبير لكي تعيش وتحيا وتنمو باستمرار وتترعرع في ظلال الأمن والأمان والسلم والسلام، وحتى يجد المجتمع فيها أوثق دواعي تواصله وتكامله.

وقد شرع الإسلام جملة من الأحكام الشرعية للعلاقات الإنسانية، لأن الإنسان اجتماعي بفطرته لا يمكنه الحياة بدون علاقة مع بني نوعه. وتعد هذه الأحكام بالعشرات فمنها الواجبة والمستحبة، وعكسها المحرمة والمكروهة، ويمكن جمعها في الأبواب الخمسة التي سبقت الإشارة إلى بعضها:

1: علاقة الإنسان مع نفسه.

2: علاقته مع أسرته.

3: علاقته مع أرحامه.

4: علاقته مع مجتمعه.

5: علاقته مع ربه.

ورعاية لحفظ السلام جعل الإسلام بعض الحقوق والواجبات في هذه العلاقات، فكما أن للإنسان حقوقاً على المجتمع، فإنّ عليه واجبات له، والعكس صحيح أيضاً، ومن تلك الحقوق:

1ـ حق العلم:

الإسلام يريد العلم للكل، ويحث على سبيل العلم حتى آخر المطاف، وما أعظم هذه الكلمة التي قالها القرآن الحكيم: (هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَيَعْلَمُونَ((191).

وقال: (يَرْفَعِ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ((192).

وقال: (إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ((193).

وقال: (شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ((194).

وقال في ذم الجهل واتباع الظن: (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنّ الظّنّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقّ شَيْئاً((195).

وقال: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّ السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلّ أُولـَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً((196).

وقال: (إِنّ الّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيَ آيَاتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ مّـا هُم بِبَالِغِيهِ((197).

وأول ما نزل على الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم): (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ( خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ( اقْرَأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ( الّذِي عَلّمَ بِالْقَلَمِ( عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ((198).

وقال تعالى: (يُؤّتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذّكّرُ إِلاّ أُوْلُواْ الألْبَابِ((199).

والظاهر أن الحكمة تشمل الموضوعات والأحكام، فالحكمة في الموضوعات وضع الأشياء مواضعها، والحكمة في الأحكام وضع أحكام كل موضوع حسب المقرر في متن الواقع مما للإنسان طريق إليه.

فالعلم يحتل في نظر الإسلام مكانة رفيعة ومنزلة كبيرة جداً، أما الأحاديث فكثيرة حول هذا الموضوع، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة«(200).

وفي حديث آخر: »طلب العلم فريضة على كل مسلم«(201) بدون ذكر المسلمة، ومن الواضح أن إطلاق لفظ المسلم يراد به الذكور والإناث إلا إذا كانت هناك قرينة.

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): »من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع«(202).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا جاء الموت طالب العلم وهو على هذه الحال مات شهيداً»(203).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): »إنّ العلماء ورثة الأنبياء«(204).

والروايات مطلقة تشمل كل علم، نعم بعض العلوم فرض عيني، وبعضها فرض كفائي، كما ذكر ذلك الفقهاء في كتبهم المفصلة، وبالنسبة إلى الحرف والصناعات، قال الإمام الصادق (عليه السلام): »فكل ما يتعلم العباد أو يعلمون غيرهم من أصناف الصناعات مثل الكتابة والحساب والتجارة والصياغة والسراجة والبناء والحياكة والقصارة والخياطة وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني وأنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد منها منافعهم وبها قوامهم وفيها بُلغة جميع حوائجهم فحلال فعله وتعليمه والعمل به...، و‏إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها التي يجيء منها الفساد محضاً نظير البرابط والمزامير والشطرنج وكل ملهو به والصلبان والأصنام وما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الأجر عليه وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات كلها إلا أن تكون صناعةً قد تتصرف إلى جهات الصنائع وإن كان قد يتصرف بها ويتناول بها وجه من وجوه المعاصي فلعلة ما فيه من‏ الصلاح حل تعلمه وتعليمه والعمل به ويحرم على من صرفه إلى غير وجه الحق والصلاح«(205).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): »إن الله عزَّوجلَّ يحب المحترف الأمين«(206).

وفي رواية أخرى قال (عليه السلام): »إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف«(207).

وفي رواية ثالثة: »أحل ما أكل العبد كسب يد الصانع إذا نصح«.

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): »كل ذي صناعة مضطر إلى ثلاث خصال يجتلب بها المكسب وهو أن يكون حاذقاً بعمله مؤدّياً للأمانة فيه مستميلاً لمن استعمله«(208).

2ـ حق التعليم:

ومن الحقوق أيضاً، حق التعليم: فمن حق كل فرد أن ينشر ما علمه، فإن زكاة العلم نشره.

قال أبو جعفر (عليه السلام): «زكاة العلم أن تعلمه عباد الله»(209).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قرأت في كتاب علي (عليه السلام): إن الله لم يأخذ على الجهال عهداً بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال، لأن العلم كان قبل الجهل»(210).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من الصدقة أن يتعلم الرجل العلم ويعلمه الناس»(211).

فحق التعليم حق لكل عالم، ليأخذ الناس من علمه ما ينير عقولهم، ويرقي وجودهم، ويرفع من مستواهم كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): »ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتى يتعلم القرآن أو يكون في تعليمه«(212).

وقال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): »نصْبُ الحق لطاعة الله، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد، ولا علم إلا من عالم رباني«(213).

أما ما نراه اليوم من الضغط على العلماء والحوزات العلمية فهو خلاف الإسلام.

3ـ حق حرية التعبير:

ومن حق الإنسان كذلك أن يعبر عن رأيه ويدلي بحجته ويجهر بالحق ويصدع به، والإسلام يمنع من مصادرة الرأي ومحاربة الفكر الحر، إلا إذا كان ذلك ضاراً بالمجتمع، ولقد بايع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه فأخذ عليهم العهد والميثاق بالسمع لله تعالى والطاعة له في العسر واليسر وعلى أن يقولوا الحق أينما كانوا وأن لا يأخذهم في الله لومة لائم(214). وقال الإمام علي (عليه السلام): »لا خير في السكوت عن الحق كما أنه لا خير في القول بالجهل«(215). وفي ذلك يقول القرآن الكريم: (إِنّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالْهُدَىَ مِن بَعْدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ ( إِلاّ الّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التّوّابُ الرّحِيمُ((216).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: »أتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه«(217).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أخسر الناس من قدر على أن يقول الحق ولم يقل»(218).

4ـ حق التحرر:

ومن حقوق الإنسان التحرر من الجهل والتقاليد البالية والاستبداد والعادات المستحكمة التي أشاعت الظلم والفوضى والتنازع على الملذات الدنيوية الفانية بدون التفكر بحسن العاقبة في الآخرة، فقد جعل الإسلام مبدأ الإيمان بالله واليوم الآخر على رأس العقيدة وأساس الهداية للبشرية نحو الغايات الأسمى، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):»خصلتان ليس فوقهما خير منهما: الإيمان بالله والنفع لعباد الله، وخصلتان ليس فوقهما شر: الشرك بالله والإضرار لعباد الله«(219)، باعتبار الإنسان خليفة الله في أرضه كما قال رسول الإنسانية (صلى الله عليه وآله وسلم): »من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في الأرض وخليفة رسوله«(220)، وباعتباره المسؤول عن كل ما في الكون، وكما قال النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): »كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو المسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي المسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في مال أبيه راع وهو مسؤول عن رعيته«(221).

5ـ حق الدفاع عن النفس وحفظها:

لكل امرئ حق صيانة نفسه، وحماية ذاته، كما قال الله سبحانه وتعالى: (فَمَنِ اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ((222)، فلا يحل الاعتداء على الإنسان إلا إذا أفسد في الأرض فساداً يستوجب القتل يقول الله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً((223).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): »أوحى الله إلى موسى بن عمران (عليه السلام) قل للملأ من بني إسرائيل إياكم وقتل النفس الحرام بغير حق فإن من قتل نفساً في الدنيا قتلته في النار مائة ألف قتلة مثل قتلة صاحبه«(224).

وعنه (عليه السلام) أيضاً أنه سئل عمن قتل نفساً متعمداً؟ قال (عليه السلام): «جزاؤه جهنم»(225).

6ـ حق حفظ المال:

فكما أن النفس مصونة معصومة فكذلك المال، فلا يحل أخذ مال أحد إلا برضاه، يقول الله تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوَاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ((226).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »ما من رجل أقطع مال امرئٍ مسلم بيمينه إلاّ حرّم الله عليه الجنة وأوجب لـه النار، فقيل: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً، قال: وإن كان سواكاً من أراك«(227). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «الناس مسلطون على أموالهم»(228).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «المسلم أخو المسلم لا يحل ماله إلا عن طيب نفس منه»(229).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «من قتل دون ماله فهو شهيد»(230).

وقال علي بن الحسين (عليه السلام): »من اعتدي عليه في صدقة ماله فقاتل فقتل فهو شهيد«(231).

7ـ حق صيانة العرض:

ولا يحل انتهاك العرض حتى بكلمة نابية، يقول الله تعالى: (وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لّمَزَةٍ((232)، ويوصينا الإمام علي (عليه السلام) بقولـه: »إياك وانتهاك المحارم فإنها شيمة الفساق وأولي الفجور والغواية«(233).

8ـ حق الحرية:

ولم يكتف الإسلام بتقرير صيانة الأنفس، وحماية الأعراض والأموال، بل أقر حرية العبادة، وحرية الفكر، وحرية اختيار المهنة التي يمارسها الإنسان لكسب عيشه، وحرية الاستفادة من جميع ما خلقه الله عزوجل.

9ـ حقوق أخرى:

إن حقوق الإنسان لا تنتهي بهذا، بل هناك حقوق أخرى، منها: حق السكن والمأوى وحق الحياة، فالإنسان لـه الحق في أن يأوي إلى أي مكان، وأن يسكن في أي جهة، ولا يجوز نفي أي فرد أو إبعاده أو سجنه إلا في حالة ما إذا اعتدى على حق غيره، ويكون ذلك في حالة الاعتداء والإخلال بالأمن، وإرهاب الأبرياء وفي ذلك يقول الله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ((234).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله عزوجل يوم لا ظل إلا ظله«(235).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً قال: »من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة وهو آيس من رحمة الله«(236).

وعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: »من روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار، ومن روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النار«(237).

ومن الحقوق أيضا:

وأخيراً: يقرر الإسلام أن من حق الجائع أن يطعم، ومن حق العطشان أن يروى، ومن حق العاري أن يكسى، ومن حق المريض أن يداوى، دون تفرقة بين لون ولون، أو دين ودين، فالكل في هذه الحقوق سواء، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): »من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن كساه ثوباً لم يزل في ضمان الله عزوجل ما دام على ذلك المؤمن من ذلك الثوب سلك، والله لقضاء حاجة المؤمن خير من صيام شهر واعتكافه«(238).

هذه هي تعاليم الإسلام في تقرير بعض حقوق الإنسان، وفيها الصلاح والخير لهذه الدنيا، وأعظم ما فيها أنها سبقت جميع المذاهب التي تحدثت عن حقوق الإنسان، وأن الإسلام جعل هذه التعاليم ديناً يتقرب به إلى الله، كما يتقرّب بالصلاة وغيرها من العبادات، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): »أشرف الأعمال التقرب بعبادة الله عزَّوجلَّ«(239).

حقوق الحيوان في الإسلام

ولم تقتصر تشريعات الإسلام في هذه الحقوق على الإنسان فحسب بل أمر بالرحم والعطف على الحيوانات أيضا، كما في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض»(240).

وفي حديث آخر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: »دخلت الجنة فرأيت فيها صاحب الكلب الذي أرواه من الماء«(241).

السلام والعلاقات الروحية

إن من مقومات السلم والسلام العلاقات الروحية في الإنسان.

علاقة الإنسان مع الله تعالى

علاقة الإنسان مع الله عزَّوجلَّ تكون بالتسليم لـه وبالإيمان به سبحانه وتعالى الذي خلقه، وقد قال: (بَلَىَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ((242) والمراد عدم الخوف وعدم الحزن في الدنيا وفي الآخرة، أما في الآخرة فواضح، وأما في الدنيا فالخوف والحزن قد يكون عميقاً وقد يكون سطحياً، ولذا نشاهد المؤمنين لا يخافون خوف غير المؤمنين، كما إن المؤمنين لايحزنون حزن غير المؤمنين، قال تعالى: (الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ((243)، وهذا لا ينافي الخوف من الله عزوجل كما هو واضح، ففي الحديث الشريف: »من خاف الله لم يخف من كل شيء«(244).

فإسلام الوجه(245) إلى الله تعالى عبارة عن: التوجه إليه والاعتقاد به وبطاعته وعبادته، وذلك هو جوهر العلاقة الروحية التي تقرب الإنسان إلى الله سبحانه، وحينئذ تشمله الرحمة الخاصة، قال تعالى: (فَاذْكُرُونِيَ أَذْكُرْكُمْ((246).

ومن الواضح أن الإنسان لا يتمكن أن يسلم وجهه لله قلباً ويسعى إليه بالعمل الصالح جوارحً، إلا إذا عرف ربه وآمن به إيماناً حقيقياً، أما إذا لم يعرفه أو عرفه لكن آمن به إيماناً سطحياً أو أنكره ظاهراً كما قال سبحانه: (وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً((247) فإن ذلك لا ينفع في السلام لا في الدنيا ولا في الآخرة.

الإيمان بالله والفطرة التي فطر الناس عليها

ومن موجبات السلم والسلام الإيمان بالله، كما أن السلام من مقتضيات الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

قال سبحانه: (فِطْرَتَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا( (248).

وفي الحديث: »كل مولود يولد على الفطرة«(249) وإلى هذا أشار تعالى في جملة من الآيات القرآنية مثل قولـه سبحانه: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّن نّزّلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنّ اللّهُ((250) وفي آية أخرى قال: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّهُ((251) فإن الإنسان في فطرته يعرف أنه لا يمكنه أن يتحرك بدون محرك.

فإذا آمن الإنسان بالله عزوجل يكون سعيداً ويكون في سلام مع نفسه بل ومع غيره، ولذا قال سبحانه: (إِنّ الّذِينَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ

يَعْمَلُونَ((252) ولم يذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة موضوع الدنيا السعيدة لأنه ذكرها في غيرها، حيث قال سبحانه: (يَـا أيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ((253).

هذا ويحتمل أن يكون المراد من: (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون( الأعم من الدنيا والآخرة كما أشرنا إليه سابقاً. والمراد بالقول في قولـه تعالى: (إن الذين قالوا( هو: العمل، قلباً ولفظاً وجوارحً، فإن القول في اللغة العربية قد يطلق على كل ذلك.

وفي آية أخرى قال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَآ إِلَى اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ((254).

ومن هذا البيان البسيط الذي ذكرناه ـ وقد ذكره الحكماء والفلاسفة والمتكلمون والمحدثون مفصلاً في كثير من كتبهم ـ تبيّن أن الإيمان بالله المتفضل على الإنسان بالوجود، والنعم الظاهرة والباطنة، والعقل والروح والنفس وغير ذلك، فطري تلقائي مرتبط بالإنسان بما هو هو، متى سلم من الانحراف والتقاليد والعصبية وما أشبه، لوضوح أن الكون كله محتاج إلى هذا الخالق في تكوينه ودقة صنعه وتنظيمه والهيمنة عليه وتصييره إلى حيث المصلحة التي تدركها في الجملة العقول، والناس جميعاً منقادون لهذه الفطرة، سواء كانوا مؤمنين أم غير مؤمنين، والمؤمن سواء كان بإيمان صحيح كإيمان المسلمين، أم إيمانً غير صحيح كإيمان البوذيين والكنفوشيوسيين ومن أشبه، فإذا تأمل الإنسان هذا التأمل يصبح الإيمان بالله ملء نفسه، ولذا قال الإمام علي (عليه السلام): »ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه أو قبله أو معه«(255).

وعندما يؤمن الإنسان بالله عزَّوجلَّ إيماناً صادقاً فإن ذلك الإيمان سوف يقتضي أن يعبد الله سبحانه وتعالى ويطيعه، وحيث لا يجد من يدله على كيفية الإطاعة والعبادة اللائقة بالله سبحانه لابد وأن ينتهي الأمر به إلى الاعتقاد بالأنبياء (عليهم السلام)، فإنه من غير المعقول أن يكون مثل هذا الخالق العظيم غير حكيم، وإذا كان حكيماً فلابد أن يكون خلق الإنسان لحكمة وغاية، وتلك الحكمة والغاية حيث لا يصل الإنسان إليها مباشرة، تقضي بأن يكون لهذا الإله العظيم العالم الحكيم القادر رسول وسفير يبيّن للإنسان مقصود هذا الإله الحكيم. وإذا تم ذلك للإنسان يكون بفطرته مؤمناً برسل الله وكتبه، وبما قالته الرسل وجاءت به: من وجود الملائكة والمعاد وغير ذلك.

الإيمان بالآخرة وأثره في أيجاد السلم والسلام

ثم إن الإيمان بالآخرة يؤثر تأثيراً واضحا على توجيه الإنسان إلى السلم والسلام والأمن والأمان.

والمعاد أمر فطري إذ لا يعقل أن يترك الله الحكيم الإنسان يفعل ما يشاء، يظلم ويخون ويؤذي ويهتك الأعراض ويسلب الأموال ويفشي الرعب والخوف بين الناس ولا يؤاخذ من قبله سبحانه، فالعقل يحكم والفطرة تعرف أن الله سبحانه يحاسب الإنسان يوم المعاد على سيئاته، كما يثيبه على حسناته، فإن الناس يُجزَوْن بأعمالهم، قال الإمام الرضا (عليه السلام) قال: »ما عمل أحد عملاً إلاّ ردّاه الله به إن خيراً فخير وإن شراً فشر«(256).

ومن الواضح أن مثل هذا الإيمان إذا ملأ قلب الإنسان ابتعد الشخص عن الغرور والجهل والانحراف والعنف وما أشبه، ويتوجه إلى السلم والسلام، والأمن والأمان، قال سبحانه: (لّيْسَ الْبِرّ أَن تُوَلّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـَكِنّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنّبِيّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىَ حُبّهِ ذَوِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ وَالسّآئِلِينَ وَفِي الرّقَابِ وَأَقَامَ الصّلاةَ وَآتَى الزّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْسَآءِ والضّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـَئِكَ الّذِينَ صَدَقُوآ وَأُولَـَئِكَ هُمُ الْمُتّقُونَ((257)، ومعنى (ليس البر أن تولّوا:) التعريض ببعض الناس القشريين الذين يتصورون أن بعض لوازم الإيمان هو كل شيء، بينما الإيمان الحقيقي هو الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وإعطاء المال وإقامة الصلاة والصبر والجهاد وما أشبه ذلك فالإيمان مجموعة متكاملة.

ثم إن الإيمان بالله واليوم الآخر يعتبر أهم قاعدة لبناء المجتمع الإسلامي، وأهم مقوّم لهذا المجتمع، ولذا حتم الله سبحانه وتعالى الإيمان على كل إنسان وجعله في فطرته، وجعل ذلك الإيمان أساس البناء الذي لا يقوم البناء بدونه، والبناء هو المنهج الإسلامي الصحيح والسلامة الفردية والاجتماعية والحياة السعيدة والعيش الرغيد في الدنيا والآخرة، ولا يكون ذلك إلا بربط القلب واللسان والعمل والفكر والضمير وما إلى ذلك بالله سبحانه، حتى لا ينحرف عقيدةً أو قولاً أو عملاً، ولا يضلّ عن الطريق فينحرف عن الجادة ويتنكب السبيل فيكون فيه هلاكه أولاً، وإهلاكه للآخرين إذا كان الآخرون مرتبطين به ثانياً، وهذا الأمر الفطري هو مدلول عليه أيضاً بشواهد لا تحصى من الكون، قال الشاعر:

تدل على أنه واحد ***وفي كل شيء لـه آية

ومن الواضح أن الله سبحانه وتعالى غني مطلق عن الإنسان، وعن إيمانه وأعماله، وإنما الإنسان هو الفقير إليه تعالى، كما قال سبحانه: (إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيّهَا النّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَىَ ذَلِكَ قَدِيراً((258) وفي آية أخرى: (أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللّهِ((259) أما وجه فقر الإنسان فمن أوضح الواضحات، وأما وجه غنى الله سبحانه وتعالى فإنه يكمن في إيجاد أمثال هذه الأمور من دون حاجة إليها، لأن العلم والقدرة والتجرد يوجب كل ذلك كما استدلوا على ذلك في علم الكلام والفلسفة.

وفي حديث قدسي عن أبي ذر جندب بن جنادة (رحمه الله) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يروي عن الله تعالى أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من أهديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»(260). ولا يخفى أن قوله سبحانه: «كما ينقص المخيط إذا دخل البحر» من باب المثال وإلاّ فالنقص لا يدخل على الله تعالى حتى بمقدار جزء من مليارات أجزاء من الذرة.

أما وجه «فليحمد الله» فواضح، فإن الهداية من الله سبحانه وتعالى سواء كانت هداية فطرية من الداخل أم هداية خارجية بسبب الأنبياء (عليهم السلام)، كما ورد في الحديث: »إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وأما الباطنة فالعقول«(261).

وأما «فلا يلومن إلا نفسه» فلأنه هو الذي حرّف الفكر والقول والعمل عمداً مع كونه مهدياً من قبله سبحانه وتعالى ولو بالفطرة، كما قال سبحانه: (وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبّواْ الْعَمَىَ عَلَى الْهُدَىَ((262).

ثم إن الإيمان بالله سبحانه وتعالى والرسل واليوم الآخر الذي هو أساس السلام في الفرد والمجتمع يعتمد على العقل والمنطق والإقناع والفكر، وقد أشار القرآن الحكيم إلى كل ذلك في آيات مفصلات، كما قال سبحانه: (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ( أَفَرَأَيْتُمْ مّا تُمْنُونَ( أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ( نَحْنُ قَدّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ( عَلَىَ أَن نّبَدّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشْأَةَ الاُولَىَ فَلَوْلاَ تَذَكّرُونَ( أَفَرَأَيْتُم مّا تَحْرُثُونَ( أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ( لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ( إِنّا لَمُغْرَمُونَ( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَآءَ الّذِي تَشْرَبُونَ( أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ( لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ( أَفَرَأَيْتُمُ النّارَ الّتِي تُورُونَ( أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ( نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لّلْمُقْوِينَ( فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ((263).

إن الله هو الخالق دون غيره، ومن يقول بخلاف ذلك، فيدعي أن غير الله خالق، لا يتمكن من أن يأتي حتى بدليل واحد، لأن الجاهل العاجز لا يتمكّن من خلق العالم القادر بضرورة العقول.

كما أن تذكر الموت والآخرة يوجب قوة الإيمان وابتعاده عن العنف والتزامه بالسلم والسلام، فهل الإنسان قادر على أن يحمي نفسه عن الموت؟ كلاّ بالطبع.

ينقل أنّ هارون العباسي أحضر في مرضه الأخير ألف طبيب من كل العالم فلم يتمكّنوا من دفع الموت عنه. وكذلك ستالين أحضر له ألف طبيب من الغرب والشرق لكنهم لم يتمكّنوا من إبعاد شبح الموت عنه. وقد قال سبحانه: (فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ((264).

ثم إن الإنسان رأى النشأة الأولى بنفسه، فلماذا لا يصدّق بالنشأة الثانية التي هي الحياة بعد الموت للحساب.

وكذلك الحرث إنما يكون بسبب الله سبحانه وتعالى، وإلا فمن ينبت الحبّ؟ ولو شاء الله سبحانه وتعالى جعله حطاماً، لأن الريح والماء والشمس كل ذلك بيده سبحانه وتعالى. وهكذا بالنسبة إلى الماء الذي يشربه الإنسان، هل الإنسان هو الذي ينزله من السحاب أم الله سبحانه وتعالى؟ فلو شاء الله لجعل ماء السحاب أجاجاً، كما جعل كثيراً من المياه أجاجاً(265).

وهكذا بالنسبة إلى النار التي يوريها الإنسان، هل الشجرة التي تشتعل ناراً من صنع الله أو من صنع غير الله سبحانه وتعالى…؟

وفي الآيات المباركات الآنفة الذكر أشار سبحانه وتعالى إلى تلك الأشياء ففي المثال الأخير: إن الله عزوجل هو الذي جعل النار بالإضافة إلى خلق الشجرة وأشياء أُخرى.

وأحياناً يجد الإنسان في شيء واحد وظاهرة واحدة ألوف العوامل، بينما لا يملك الإنسان حتى عاملاً واحداً من تلك العوامل ملكاً حقيقيا.

وبعد هذا المنطق الواضح بالنسبة إلى الإيمان وإلى العمل الصالح وإلى المعاد وإلى الرسالة ـ ومن الواضح أن الإمامة تنبع من الرسالة لأنها امتداد لها ـ لامجال للإنكار أو الشك؟.

هذا بالإضافة إلى دلالة العقل حسب قانون (كلّ ما حكم به الشرع حكم به العقل)(266) فاللازم أن يحفظ الإنسان عقيدته من الشك والشبهة وأن يدعو الآخرين إلى هذه العقيدة الصحيحة فإنها من مقومات السلم والسلام.

الأنبياء (عليهم السلام) والعلاقات الروحية بين الإنسان وخالقه

لقد اهتم الأنبياء (عليهم السلام) اهتماماً راسخاً وعميقاً في التأكيد على تلك العلاقة الروحية بين الإنسان وبين خالقه تعالى.

ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مبلغا عن الله وداعية إليه في تلك العلاقة الروحية، يقول الله تعالى: (يَـا أيّهَا النّبِيّ إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً ( وَدَاعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مّنِيراً((267).

وقال أبو جعفر (عليه السلام) في خطبة يوم الجمعة: »وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وجعله رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى«(268).

ثم إن هذا الاهتمام من الأنبياء (عليهم السلام) بتبليغ تلك العلاقة، ترفع مستوى الحياة الإنسانية إلى أعلى درجات الكمال الميسور لبني البشر، وما قول الأنبياء هذا وتذكيرهم إلا تأكيد لفطرة الإنسان، فإنه يتمكن من الإيمان بالله سبحانه وتعالى حتى بدون أي دليل خارجي من الأدلة العقلية والبراهين الفلسفية والصغريات والكبريات المنطقية، لأن الإنسان إذا نظر إلى وجوده، علم أنه لم يخلق نفسه ولا خلقه أبواه،ولا أي شيء آخر، كالشمس والقمر والماء والحجر ـ مما يسمى بالطبيعة ـ وعرف أن له خالقاً عالماً قديراً.

تزكية نفس الإنسان والدعوة للخير والأمر بالمعروف

الإنسان مأمور شرعاً وعقلاً بتزكية نفسه وأنفس الآخرين حسب قدرته، فعليه بتزكيتها من الشهوات والأهواء والانحرافات وأن يبذل الجهود الصادقة في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى كل فرد، وهذا كله من مصاديق وموجبات السلم والسلام بالمعنى الأعم، أو من مقوماته أو لوازمه أو ما أشبه ذلك، قال سبحانه: (وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ((269).

وقد ذكرنا في بعض تفاسيرنا: إن (من( ليست تبعيضية وإنما نشوية، لأن الله حصر الفلاح في آخر الآية في (أولئك(، ولا يعقل أن يريد الله الفلاح بالنسبة إلى جماعة دون جماعة أخرى من المؤمنين.

كما أن الإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر مطالب بالمحافظة على حدود الله في نفسه وفي غيره بشكل عام حتى بالنسبة إلى الكفار، فإنّ للكفّار أيضاً حقاً على المسلمين كحق القرابة وحق الجوار وحق الإنسانية وحق الهداية وحق الإحسان وما أشبه ذلك، ولا تنافي بين ما ذكر وبين قولـه تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً((270) كما هو واضح.

كما أن المسلمين مطالبون بالعمل لإسعاد الأمة وخيرها ومطالبون بالجود بالغالي والنفيس في سبيل أمن الجماعة واستقرارها وسلمها وسلامها، ولأجل رفع المظالم والقضاء على الجور، وفي سبيل إعلاء كلمة الله وحرية الناس، ولأجل جمع الناس على كلمة التقوى حسب الممكن، ولذا قال سبحانه وتعالى: (إِنّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرّواْ سُجّداً وَسَبّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ( تَتَجَافَىَ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ((271).

وقال تعالى: (وَسَارِعُوَاْ إِلَىَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدّتْ لِلْمُتّقِينَ ( الّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السّرّآءِ وَالضّرّآءِ((272).

وقال سبحانه: (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً((273).

محاسبة الإنسان لنفسه

وقد جعل الإسلام الإنسان على نفسه رقيباً، قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):

»حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا«(274) وحيث حذف المتعلق فإنه يفيد العموم في وزن النفس بالنسبة إلى نفسها ووزن النفس بالنسبة إلى غيرها.

وقد ورد في حديث آخر: »وحق لبدنك الراحة والكرامة«(275) والبدن من باب المثال، وإلا فالروح والعقل والنفس كلها لها حقوق، أو أن البدن أطلق على مجموع هذه الأربعة، لأنه يحويها جميعاً.

ومن نتائج هذه العلاقة هداية الإنسان إلى طريق الحق، وقد مثل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الهداية بالغيث الذي ينزل من السماء، فان الغيث عام النفع، لكن الإنسان يمكن أن ينتفع به ويمكن أن لا ينتفع به، كما يمكن أن يجعله باقياً في مكان يسبب العفونة والأمراض والأوبئة، فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): »إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً وكان منها طائفة طيبة فقبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله تعالى بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ«(276).

أقول: حيث إن المقام كان مقام الانتفاع وعدمه لا مقام الحصر،لم يذكر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) القسم الرابع الذي يجمع الماء بدون فائدة حتى يكون الماء فيها آسناً موجباً للأوبئة والأمراض، ولذا قال سبحانه: (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى((277).

وعلى أي حال فالإسلام دين الأمن والسلام، والفرق بينهما أن الأمن بمقابل الخوف وهو أمر قلبي، والسلام مطلق في القلب وفي غير القلب، يقال: فلان سليم القلب، ويقال: فلان سالم بدنه وعقله وروحه ونفسه.

جزاء الأعمال

ثم إن الإنسان إذا عمل في خير أو شر، مستقيماً أو منحرفاً، فإنه يرى جزاء ذلك في الدنيا وفي القبر وفي المحشر وأخيراً في النار أو في الجنة كما قال سبحانه: (وَأَن لّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىَ ( وَأَنّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىَ ( ثُمّ يُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأوْفَىَ ( وَأَنّ إِلَىَ رَبّكَ الْمُنتَهَىَ ((278)، ومعنى (إلى ربك:) إلى ثوابه أو عقابه.

ثم إن الإنسان إذا عمل خيراً أو شراً وصار عمله سنة من بعده، فإنه يرى جزاء تلك السنة، فإنه وإن لم يكن هو عاملاً بتلك السنة بعد موته، إلا أنه حيث سنّ الطريق يأتيه الأجر أو الوزر، كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: »من استن بسنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن استن بسنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء«(279).

ولذا فاللازم على الإنسان الذي يريد المسالمة والسلام مع نفسه وغيره، أن يكون موقفه من نفسه موقف الرقيب الشديد المحاسبة، فيهديها سواء السبيل إن ضلّت، ويحاسبها إن أخطأت، ويمنحها حقوقها المشروعة لها، ويجنّبها الحقوق غير المشروعة التي هي لسائر الناس، فلا يمدّ يد الخيانة إلى أعراض الناس وأموالهم ودمائهم وما أشبه ذلك، علماً بأن الإنسان معرّض للانحراف أشدّ أنواع التعرّض لأن الدنيا دار امتحان، والامتحان كلّما كان شديداً كانت النتيجة كبيرة، يقول الشاعر:

كيف الخلاص وكلهم أعدائي نفسي وشيطانـي ودنيا والهوى

والحل في الآية الكريمة: ( إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ((280)، حيث التقوى، فإن من الملائكة والشياطين من يطوف هنا وهناك، مثلهما مثل النحلة والذباب، فالنحلة تحطّ على الأوراد والأزهار بينما الذباب يحطّ على مواضع الوسخ، فإذا قدم الشيطان على إنسان فاللازم أن يتذكّر فوراً ويطرده، ولا يكون ذلك إلا إذا كان مبصراً يرى موضع الخطأ ليطرد الشيطان، بينما إذا لم يكن الإنسان مبصرا متّقياً فإن الشيطان سيوقعه ويسيره في طريقه طريق الانحراف والابتعاد عن الله عزوجل.

ولا يخفى أنه ليس الإنسان المتقي هو الذي يدّعي التقوى، بل من أكثر الناس إجراماً من يتظاهر بالتقوى وقلبه فاسق، إذ يعتبرها وسيلة ارتزاق وبسببها يخدع الناس، وقد ورد في التاريخ أن الحجاج بن يوسف الثقفي كان يصعد المنبر ويعظ الناس بالتقوى حتى قال الحسن البصري: أحياناً كنت أُخدع فأتصور أنه يصدق فإنه كان في أثناء خطاباته يتظاهر بالتقوى ويبكي بكاءً مُراً حتى تجري الدمعة على لحيته، كما عن مالك بن دينار قال: والله ما رأيت الحجاج يتكلم على المنبر ويذكر حسن صنيعه إلى أهل العراق وسوء صنيعهم إليه حتى ليخيل إليّ وإلى السامع أنه صادق(281).

وكان هارون العباسي السفاك المشهور إذا نصحه ابن سماك أو غيره يبكي وتجري دموعه على لحيته.

يقول مالك بن دينار: سمعت الحجاج يخطب وهو يقول: رحم الله امرئ حاسب نفسه قبل أن يصير الحساب إلى غيره، رحم الله امرئ أخذ بعنان عمله فنظر ماذا يراد به، ورحم الله امرئً نظر في مكياله، رحم الله امرئ نظر في ميزانه.. فما زال يقول أمثال هذه الكلمات حتى أبكاهم.

الأمن والسلام في الآخرة

ولم يقتصر السلم والسلام على الدنيا بل يستمر إلى الآخرة، وفي جملة من الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الطاهرين (عليهم السلام) أنهم قالوا: »أفشوا السلام وصلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام«(282).

فإن دخول الجنة أيضاً قد يكون بسلام وقد يكون بغير سلام بأن يطول موقف الإنسان في المحشر ويحاسب حساباً عسيراً.

وقد تحصل مما سبق دور الإيمان بالله وباليوم الآخر في نشر السلم والسلام في المجتمع.

عودة
(1) نهج البلاغة: الخطب 26.

(2) سورة آل عمران: 103.

(3) بحار الأنوار: ج18 ص225.

(4) سورة التوبة: 71.

(5) سورة آل عمران: 103.

(6) سورة الحجرات: 10.

(7) نهج البلاغة: الرسائل 53.

(8) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ص330.

(9) بحار الأنوار: ج36 ص11.

(10) بحار الأنوار: ج16 ص95 ب6 ح29.

(11) سورة الأحزاب: 6.

(12) منية المريد: ص190.

(13) راجع وسائل الشيعة: ج12 ص213 ح16114.

(14) بحار الأنوار: ج58 ص147 ح23.

(15) سورة الفتح: 29.

(16) بحار الأنوار:ج71 ص276.

(17) لمزيد من الاطلاع راجع الكافي: ج2 ص166.

(18) الكافي: ج2 ص165.

(19) نهج البلاغة: الرسائل 53.

(20) سورة الأحقاف: 21.

(21) سورة الأعراف: 65.

(22) سورة النمل: 45.

(23) سورة الشعراء: 142.

(24) سورة الأعراف: 85.

(25) سورة الشعراء: 106.

(26) سورة الشعراء: 161.

(27) منية المريد: ص190، القسم الثاني.

(28) مستدرك الوسائل: ج8 ص224.

(29) مستدرك الوسائل: ج12 ص237.

(30) وسائل الشيعة: ج12 ص16.

(31) عدة الداعي: ص189.

(32) سورة الزخرف:67.

(33) عدة الداعي: ص190.

(34) وسائل الشيعة: ج5 ص193.

(35) بحار الأنوار: ج71 ص275.

(36) وسائل الشيعة: ج12 ص18 ح15527.

(37) وسائل الشيعة: ج12 ص16 ح15523.

(38) بحار الأنوار: ج71 ص277، والكافي: ج2 ص166.

(39) سورة الرعد: 39.

(40) سورة يوسف: 106.

(41) بحار الأنوار: ج71 ص277.

(42) مستدرك الوسائل: ج9 ص45 ح10157.

(43) لمزيد من الاطلاع راجع الكافي: ج2 ص16، ووسائل الشيعة: ج12 ص87، ومستدرك الوسائل:

ج9 ص40.

(44) سورة المعارج: 24-25.

(45) وسائل الشيعة: ج12 ص211 ح16111.

(46) مستدرك الوسائل: ج 9 ص 49 ح 10165.

(47) مستدرك الوسائل: ج9 ص45 ح10159.

(48) مستدرك الوسائل: ج9 ص45 ح10158.

(49) مستدرك الوسائل: ج9 ص46 ح10161.

(50) سورة الزمر: 15.

(51) مستدرك الوسائل: ج11 ص154 ح12664.

(52) مستدرك الوسائل: ج8 ص329 ح9576.

(53) تفسير القمي: ج1 ص46.

(54) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص301.

(55) سورة التحريم: 6.

(56) سورة الإسراء: 23-24.

(57) سورة لقمان: 14-15.

(58) الكافي: ج2 ص160 ج10.

(59) مستدرك الوسائل: ج15ص177ح17923.

(60) الكافي: ج2 ص163 ح20.

(61) جامع الأخبار: ص 83.

(62) مستدرك الوسائل: ج15 ص201 ح18006.

(63) راجع المستدرك للحاكم النيسابوري: ج4 ص175.

(64) أي يصيحون من الجوع.

(65) بحار الأنوار: ج14 ص421 ح3.

(66) راجع غرر الحكم ودرر الكلم: ص407 ح9341، وفيه: عنه (عليه السلام) قال: (من برّ والديه بره ولده(.

(67) موسوعة الفقه للإمام المؤلف :) ج97، كتاب الآداب والسنن: ص255.

(68) الكافي: ج6 ص48 ح3.

(69) الكافي: ج6 ص49.

(70) الكافي: ج6 ص49 ح3.

(71) سورة النساء: 1.

(72) غرر الحكم ودرر الكلم: ص405 ح9290.

(73) غرر الحكم ودرر الكلم: ص406 ح9300.

(74) غرر الحكم ودرر الكلم: ص406 ح9326.

(75) وسائل الشيعة: ج12 ص273 ح16288.

(76) غرر الحكم ودرر الكلم: ص407 ح9327.

(77) الكافي: ج7 ص436 ح9.

(78) وسائل الشيعة: ج21 ص534 ح27787.

(79) الكافي: ج2 ص346 ح2.

(80) مستدرك الوسائل:ج8 ص209

(81) بحار الأنوار: ج 13 ص 428 ح 23.

(82) مستدرك الوسائل: ج 8 ص 327 ح 9578.

(83) وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ج2 ص315.

(84) وسائل الشيعة: ج12 ص16 ح15522.

(85) وسائل الشيعة: ج12 ص16 ح15523.

(86) وسائل الشيعة: ج24 ص274 ح30531.

(87) مستدرك الوسائل: ج8 ص352 ح9639.

(88) الأمالي للشيخ الصدوق: ص348 المجلس55 ح7.

(89) مكارم الأخلاق: ص17.

(90) غض من قدره: احتقره وقلل من شأنه.

(91) راجع غرر الحكم: ص422 ح9673 وفيه: (بحسن الموافقة تدوم الصحبة(.

(92) غرر الحكم: ص430 ح9797.

(93) راجع غرر الحكم: ص435 ح9951 وفيه: (حسن الصحبة يزيد في محبة القلوب(

(94) الكافي: ج2 ص669.

(95) من لا يحضره الفقيه: ج2 ص274 ح2426.

(96) الكافي: ج2 ص637 ح1.

(97) الكافي: ج2 ص120 ح15.

(98) الكافي: ج2 ص670.

(99) قرب الإسناد: ج1 ص7.

(100) الكافي: ج2 ص102 ح17.

(101) جامع الأخبار: ص85.

(102) مستدرك الوسائل: ج12 ص424 ح16506.

(103) سورة الحجرات: 10.

(104) سورة التوبة: 71.

(105) تهذيب الأحكام: ج6 ص159.

(106) مستدرك الوسائل: ج9 ص45 ح10160.

(107) مستدرك الوسائل: ج12 ص391 ح14382.

(108) وسائل الشيعة: ج16 ص286 ح21561.

(109) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص16.

(110) سورة (المؤمنون): 101-103.

(111) عيون ‏أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص23 ح7.

(112) سورة آل عمران: 103.

(113) نهج البلاغة: خطبة 127 من كلام له (عليه السلام) وفيه يبين بعض أحكام الدين.

(114) الكافي: ج2 ص487 ح1.

(115) بحار الأنوار: ج28 ص104.

(116) بحار الأنوار: ج58 ص150.

(117) تهذيب الأحكام: ج3 ص365 ح71.

(118) راجع وسائل الشيعة: ج9 ص146 ح11712، وفيه: عن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: (قيل لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): لأي شيء جعل الله الزكاة خمسة وعشرين في كل ألف ولم يجعلها ثلاثين؟ فقال (عليه السلام): إن الله عزَّوجلَّ جعلها خمسة وعشرين، أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء ولو أخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد(.

(119) راجع من لا يحضره الفقيه: ج2ص72 ح1766، وفيه: سأل هشام بن الحكم أبا عبد الله (عليه السلام) عن علة الصيام فقال (عليه السلام): (إنما فرض الله عزَّوجلَّ الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله عزَّوجلَّ أن يسوّي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والألم ليرقّ على الضعيف فيرحم الجائع(.

(120) سورة الحج: 28.

(121) مستدرك الوسائل: ج3 ص363 ح3788.

(122) مستدرك الوسائل: ج8 ص404 ح9805.

(123) غرر الحكم ودرر الكلم: ص466 ح10715.

(124) سورة آل عمران: 105.

(125) سورة الأنفال: 46.

(126) سورة آل عمران: 103.

(127) سورة الروم: 31-32.

(128) سورة الأنعام: 159.

(129) سورة التوبة: 107 و108.

(130) بحار الأنوار: ج85 ص100 ج72.

(131) لمزيد من الاطلاع راجع بحار الأنوار: ج73 ص20، وتحف العقول: ص218

(132) وهو عثمان بن عفان.

(133) سورة عبس: 1 - 17.

(134) سورة القلم: 4.

(135) مستدرك الوسائل: ج9 ص150 ح10521.

(136) سورة الأعراف: 199.

(137) نهج البلاغة: الخطب 193.

(138) تحف العقول: ص103.

(139) غوالي اللآلي: ج1 ص381 ح5.

(140) سورة البقرة: 185.

(141) راجع بحار الأنوار: ج8 ص119ح7 وفيه: (إن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة(.

(142) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص89.

(143) الكافي: ج2 ص304 ح11.

(144) الكافي: ج2 ص290 ح7.

(145) مستدرك الوسائل: ج9 ص57 ح10195.

(146) غرر الحكم ودرر الكلم: ص264 ح5709.

(147) مستدرك الوسائل: ج12 ص15 ح13382.

(148) الكافي: ج2 ص303 ح3.

(149) تهذيب الأحكام: ج9 ص176 ح14.

(150) الكافي: ج6 ص209 ح1.

(151) سورة النساء: 128.

(152) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص39.

(153) بحار الأنوار: ج73 ص43 ح2.

(154) سورة الحجرات: 10.

(155) سورة الحجرات: 12.

(156) مستدرك الوسائل: ج 9 ص 118 ح 10408.

(157) وسائل الشيعة: ج 17 ص 459 ح 22993.

(158) كشف الريبة: ص6-7.

(159) منية المريد: ص327.

(160) الصحيفة السجادية: الدعاء رقم 20 في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال.

(161) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص400 ح5858.

(162) مشكاة الأنوار: ص 229.

(163) كنـز الفوائد: ج2 ص164.

(164) سورة لقمان: 22.

(165) سورة لقمان: 22.

(166) وسائل الشيعة: ج11 ص435 ح15190.

(167) مستدرك الوسائل: ج8 ص363 ح9679.

(168) سورة فاطر: 6.

(169) سورة النازعات: 37-41.

(170) سورة الشمس: 7-10.

(171) مشكاة الأنوار: ص251.

(172) غرر الحكم ودرر الكلم: ص50 ق1 ب1 ف4 أهمية العقل ح308.

(173) مستدرك الوسائل: ج11 ص211 ب9 ضمن ح12769.

(174) غرر الحكم ودرر الكلم: ص52 ق1 ب1 ف4 أفضل العقل وكماله ح380.

(175) مستدرك الوسائل: ج11 ص211 ح12769.

(176) وسائل الشيعة: ج15 ص161 ح20208.

(177) راجع مستدرك الوسائل: ج11 ص140 ح12651 وفيه: عن الرضا (عليه السلام) قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى بعض أصحابه منصرفاً من بعثٍ كان بعثه وقد انصرف بشعثه وغبار سفره وسلاحه عليه يريد منـزله فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): انصرفت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فقال له: أو جهاد فوق الجهاد بالسيف؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم جهاد المرء نفسه(.

(178) سورة الأعراف: 27.

(179) سورة الممتحنة: 8-9.

(180) سورة النحل: 125.

(181) سورة العنكبوت: 46.

(182) سورة الغاشية: 21-22.

(183) سورة يونس: 99.

(184) سورة البقرة: 256.

(185) سورة الإسراء: 54.

(186) سورة آل عمران: 64.

(187) سورة النحل:91.

(188) سورة الإسراء: 34.

(189) سورة التوبة: 4.

(190) سورة الإسراء: 70.

(191) سورة الزمر: 9.

(192) سورة المجادلة: 11.

(193) سورة فاطر: 28.

(194) سورة آل عمران: 18.

(195) سورة النجم: 28.

(196) سورة الإسراء: 36.

(197) سورة غافر: 56.

(198) سورة العلق: 1 - 5.

(199) سورة البقرة: 269.

(200) مستدرك الوسائل: ج17 ص249 ح21250.

(201) وسائل الشيعة: ج27 ص27 ح33119.

(202) منية المريد: ص101.

(203) بحار الأنوار: ج1 ص186 ح111.

(204) الكافي: ج1 ص32 ح2.

(205) وسائل الشيعة: ج17 ص85 ح22047.

(206) من لا يحضره الفقيه: ج3 ص158ح3580.

(207) الكافي: ج5 ص113 ح1.

(208) بحار الأنوار: ج75 ص235.

(209) الكافي: ج1 ص41 باب بذل العلم ح3.

(210) منية المريد: ص185 ب1 النوع الثاني ق1 بذل العلم.

(211) بحار الأنوار: ج2 ص24 ب8 ح79.

(212) الكافي: ج2 ص607 ح3.

(213) الكافي: ج1 ص17 ح12.

(214) إرشاد القلوب ص70.

(215) غرر الحكم ودرر الكلم: ص70 ح991.

(216) سورة البقرة: 159-160.

(217) صحيفة الرضا (عليه السلام): ص91 ح24.

(218) وسائل الشيعة: ج20 ص311 ح25699.

(219) مستدرك الوسائل: ج12 ص390 ح14378.

(220) مستدرك الوسائل: ج12 ص179 ح13817.

(221) غوالي اللآلي: ج1 ص139 ح3.

(222) سورة البقرة: 194.

(223) سوره المائدة: 32.

(224) الإختصاص: ص235.

(225) ثواب الأعمال: ص 278.

(226) سورة النساء: 29.

(227) مستدرك الوسائل: ج16 ص38 ح19052؛ الأراك: هو الشجر الذي يؤخذ منه السواك.

(228) غوالي اللآلي: ج1 ص457 ح198.

(229) مستدرك الوسائل: ج17 ص88 ح20820.

(230) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص380 ح5807.

(231) الكافي: ج5 ص52 ح4.

(232) سورة الهمزة: 1.

(233) غرر الحكم ودرر الكلم: ص185 ح3522.

(234) سورة البقرة: 194.

(235) الكافي: ج2 ص368 ح1.

(236) مستدرك الوسائل: ج18 ص211 ح22528.

(237) الكافي: ج1 ص368 ح2.

(238) وسائل الشيعة: ج16 ص345 ح21721.

(239) مستدرك الوسائل: ج1 ص101 ح91.

(240) غوالي اللآلي: ج1ص154 ح121.

(241) مستدرك الوسائل: ج7 ص191 ح8002.

(242) سورة البقرة: 112.

(243) سورة الرعد: 28.

(244) الأمالي للشيخ الطوسي: ص721 ح1521.

(245) كما قال سبحانه وتعالى: (بلى من اسلم وجهه لله( سورة البقرة: 112.

(246) سورة البقرة: 152.

(247) سورة النمل: 14.

(248) سورة الروم: 30.

(249) التوحيد: ص331 ح9.

(250) سورة العنكبوت: 63.

(251) سورة العنكبوت: 61.

(252) سورة الأحقاف: 13-14.

(253) سورة الأنفال: 24.

(254) سورة فصلت: 33.

(255) شرح الأسماء الحسنى: ج1 ص189.

(256) الكافي: ج2 ص294 ح5.

(257) سورة البقرة: 177.

(258) سورة النساء: 133.

(259) سورة فاطر: 15.

(260) رياض الصالحين: ص114-115 ب11 ح111.

(261) الكافي: ج1 ص16 ح12.

(262) سورة فصلت: 17.

(263) سورة الواقعة: 57 - 74.

(264) سورة الأعراف: 34.

(265) أجاجاً: ملحاً مُرَّا.

(266) قاعدة أصولية.

(267) سورة الأحزاب: 45-46.

(268) الكافي: ج3 ص422 ح6.

(269) سورة آل عمران: 104.

(270) سورة النساء: 141.

(271) سورة السجدة: 15-16.

(272) سورة آل عمران: 133-134.

(273) سورة البقرة: 148.

(274) وسائل الشيعة: ج11 ص380 ح9.

(275) بحار الأنوار: ج49 ص161ح1.

(276) منية المريد: ص102.

(277) سورة فصلت: 44.

(278) سورة النجم: 39-42.

(279) مستدرك الوسائل: ج12ص229ح13956.

(280) سورة الأعراف: 201.

(281) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص301.

(282) مستدرك الوسائل: ج16 ص246 ح19751.
 
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

<B>تأملات قرآنية د. يوسف القرضاوي وقصة آدم عليه السلام

top4top_b38fb21e2f1.gif
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرًا طيبا مباركًا فيه ملئ السموات، وملئ الأرض كما يحب مولانا ويرضى.
يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك،
عدد كلماتك، وزنة عرشك، وما شئت من شيء بعد،
وصلِّ ربنا وبارك على صفوة الخلق، وخيرة الرسل.. سيدنا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
إخواننا المشاهدين، أخواتي المشاهدات، حياكم الله جميعا ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد...

فمع أحسن القصص والتأملات في أحسن القصص نواصل المسير نسأل الله لنا ولكم حسن المسير وحسن المصير اللهم أمين.

مع قصة آدم في فاتحة سورة الأعراف كان التوقف، ورأينا مشهد إكرام آدم عليه السلام بإسجاد الملائكة له، وأبى الخاسر إبليس أن ينصاع لأمر الإله العظيم سبحانه، بدعوى العنصرية، عنصري خير من عنصره، مادتي خير من مادته، خامتي خير من خامته .. فالعنصرية حكاية ينبغي أن تقتلع من أذهان الناس، وكم قتلت هذه العنصرية من أناس، الحرب العالمية الثانية دعوى عنصرية بدأت، ألمانيا فوق الجميع، الفاشية في إيطاليا، إيطاليا فوق الجميع، والرد عليهم لا ..
إحنا اللي فوق الجميع، الآن الدعوى هي هي ..

الرجل الأبيض يتيه على الناس.. وحتى في أمريكا نفسها هناك عناصر لها امتياز خاص، وأحيانا يرجعوك إلى الأورجن .. إلى أصلك من أجل أن يميزوا عليك.

إذن لماذا أُبيد ملايين من الهنود الحمر؟
لأنه تنظر إليهم الحضارة الأوروبية على أنهم جنس منحط، ولما طلع دارون بنظرية البقاء للأصلح والبقاء للأقوى، فهذه للحقيقة تنظير وتقعيد على أساس علمي زعمه للعنصريات، وأن البقاء لهذه الحضارة الغربية؛ لأنه الأقوى، هو يملك السلاح، وبينما من جاوره من كندا، وأمريكا الجنوبية لا يملكون السلاح؛ لأنهم الأضعف، فهم معرضون للإبادة وقد كان أبادوهم؛ لأنهم في نظرهم الأضعف، وهذه حضارة قانونها البقاء للأقوى.

إذن إخوانا العنصرية لا تظنوا أنها كلمة قالها إبليس، وذهبت مع الرياح.. لا، ولكنها اليوم سياسات، وبرامج، وثقافة، ونظم، وسلوك يومي.. كلكم يذكر مارتن لوثر كنج، هذا الداعية الأسود إلى المساواة في أمريكا، وآخر خطاب له في أمريكا خطاب شهير جدًا ..

أنا أتكلم استطرادًا عشان نفهم القيم المتضمنة في القصص، القصص بيمر عنها وعليها مرًا يسيبك أنت تتأمل، وتستكنه المعنى، وتستخرج الدرر، والكنوز الموجودة فيه مما يلزمك في واقعك، وعالمك، وعصرك، وحضارتك، وثقافتك.. موضوع العنصرية موضوع خطير جدًا.. ولذلك بدنا نقف معه شوية .. أقول هذا الداعية الشهير، والخطير، والخطيب الكبير، والمفوه المصقع كما يقولون، آخر خطاب له يقول:

" أحلم بيوم ابني الأسود يطلع مع الأبيض في باص واحد، أحلم أن تضمهم في مدرسة واحدة، أحلم أن نصلي في كنيسة واحدة" ، فكانت هناك كنيسة للبيض وكنيسة للسود، وكم حرق البيض كنائس للسود، العنصرية .

إبليس رمى البذرة، وطلعت النبتة الشيطانية الخبيثة الإبليسية بدعوى تفوق النوع الأبيض على باقي الأقوام، والأمم والشعوب، تفوق لون، تفوق عرق، العرق الآري، وحكايات، وطالعين بنظرية السامية وأعداء السامية ..

والآن قانون اللاعنصرية هو يحمل عنصرية، يعني من احتقر كل شعوب العالم لا يؤاخذ قانونًا، ولكن من تكلم عن هؤلاء الذين يسموا الساميين وللأسف في كتبنا سام، وحام، وكنعان بنعيد نفس الأسماء.. يعني كأننا نعطي مصداقية على أنهم أولاد سام، يا عم لا أولاد سام، ولا العم سام، كلها كلام سام جدا، لا فيه سام ولا أولاد سام، كلها دعاوى .. من هو عنده بطاقة شخصية أنه أولاد نوح اسمه سام وأنه هو اللي خلف بس بني إسرائيل .

إذن قانون محاربة العنصرية عمليًا هو الأشد عنصرية في العالم؛ لأنه يحمي عنصر واحد فقط، يعني أنا لو قلت العربي حقير في أمريكا، وعملت فيلم العرب تحت الحصار، ووصفتهم بالإرهاب والتطرف والقذارة والعفن، أتحاسب وتؤاخذ قانونا على هذا الكلام؟
قال: لا؛ لأنه ما فيش قانون يحمي الأعراب، ولكن فيه قانون بيحمي الساميين، من عداهم الويل له، ولكن من عادى باقي الشعوب؟!!!
فهذه العنصرية بعينها.
إذن قانون مكافحة العنصرية أزعم أنه القانون الأشد عنصرية في الوجود
طولت في النقطة سامحوني، الوقت ثمين عندي وعندكم، ولكن أعتقد أن هذا المعنى مهم جدًا، ومفصلي جدًا .

يا أخي ويا أختي الكرام لما أقولك في الحرب العالمية الثانية قرابة 40 مليون ضحايا، وخراب، مدن مسحت بكاملها، يعني برلين، لندن تقريبا 90% دمار شامل، عشان إيه؟

لأنه "هتلر" أفندي معتقد عقيدة أنه ألمانيا فوق الجميع، مثل ما قلت، وهذا جزء من منظومة فاسدة، منظومة فكرية وقيمية وحضارية، كله فاسد، والآن اليهود فوق الجميع، من يستطيع أن ينتقد فيهم؟

لا أحد.. العنصرية أصبحت قانون الحضارات، أصبحت ثقافة العصر، للأسف كلمة رماها إبليس أصبحت مذهبًا ينتظم جل البشرية {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} مبررًا دعوى عدم السجود .. غير آبه بمن أمر، ملتفت إلى من أُمر بالسجود له .
على كل حال، {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ}.
إذن ليه ما سجدتش؟
لأنه أنا خير منه..
طيب ليه خير منه؟
لأني أنا خلقتني من نار وهو خلقته من طين، جواب الله -عز وجل- على هذا التحدي، قال: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا} فاهبط منها، الضمير عائد إلى إيش؟
إحنا في الدول العربية بنستعمل الضمير لما بيكون فيه عائد بيعود عليه الضمير، فلو قلنا الجنة لم يرد لها ذكر، لو قلنا مقام العبودية لم يرد له نص ذكر.
أنا أعتقد أنه منها الضمير عائد إلى الجنة.. طيب أين ذكر الجنة؟
صحيح أنه ما فيش.. لكن العقل يستطيع أن يستنبطه، ويستشفه بمنتهى البساطة، تماما كقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}،أين ذكر القرآن الذي يعود إليه الضمير؟
ما فيش .. لكن قال لشدة انفهامه، وعدم الغموض، ووقوع الإبهام في تصوره على طول عبر عنه بالضمير، مثل قوله تعالى: {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} لم يرد لها ذكر في الأرض.

إذن "اهبط منها" المقصود بالهاء اللي هي الضمير الجنة، وإن لم يرد لها ذكر يعود عليه الضمير .. أصل اللغة العربية هكذا..

{فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} الجنة ما فيها تكبر، والجنة لا يدخلها المتكبر، ما فيها تكبر، وما يدخلها المتكبر، {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}
ولكن كلكم يذكر الحديث القدسي "الكبرياء ردائي، والعظمية إزاري، من نازعني أحدهما قصمته ولا أبالي" .
الكبرياء، ما ينازع الله تعالى الكبرياء إلا قصمه، وجعله عبرة لمن اعتبر، التكبر جريمة كبيرة جدًا، "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" والله ما أستكبر إلا الفارغ الأجوف، التافه الذي لا يفقه، لا والله، ليه لأنه من أنت؟

طين .. لو جاء على ثيابك تتنكد يومك كله؛ لأنه خلاص منظرك صعب!! ما أصلك؟
من ماء مهين، دي بداياتك، نهايتك جثة متحللة.

إذن بدايتك أشد من متواضعة، نهايتك أشد تواضعًا، إذا ما دامت هذه بدايتك، وهذه نهايتك ما بين بدايتك، ونهايتك يعني لو عشرة ساعات ولا اتناشر ما نمتش تلاقيك انحطت قواك، ما أكلتش تنحط قواك.
إذن الفرعنة ليه؟ والتكبر ليه؟
يا إنسان وأنت ضعيف وفقير محتاج إليه، تتكبر ليه؟
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ} .

ولو استحضرت في عقلك أن إبليس إمام المتكبرين، وأنت متكبر ها تحشر وراء إبليس، ربما صحيت، وارتدعت، وانزجرت ولما وصلت؛ لأنه مسير ينتهي ببئس المصير، وإياك إلا التكبر مثل ما قالوا ما تراها متفرعنه إلا السنبلة الفارغة.
أما السنبلة الملأى فمنحنية؛ لأنها ملآنة حب، سبحان الله .

العلامة الشيخ "الشعراوي" (رحمه الله) في التواضع كان من أشد الناس تواضعا، يعني أصدقاؤنا الذين هم أصدقاؤه يرون لنا أنه يأبى إلا أن يكرمهم بيده، رحمة الله عليه، يحضر لهم الشاي والفول بيده، طيب يا مولانا الشغالة، لا .. ضيوفي أنا أخدمهم بيدي، التواضع، والله ما يزيد عبدًا التواضع إلا رفعة، ومثل ما قالوا:" إن لله عبادًا يأبون إلا أن يتواضعوا، ويأبى الله إلا أن يرفعهم، وإن لله عبادًا يأبوا إلا أن يستكبروا، ويأبى الله إلا أن يضعهم".

فإياك هذا المعنى أيضًا فيما أرى مهم جدًا فانتبه.
أخي الكريم أختي الكريم انتبهوا جميعا، أسأل الله وإياكم أن نرزق جميعا التواضع لذي الجلال -سبحانه- ثم التواضع على عباد ذي الجلال؛ لأنه المستكبر على العباد مستكبر على الله عز وجل.

{قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} اهبط .. اخرج يعني إشارة إلى أنه أنت انحطيت عن رتبة الصلاحية، ولا ينبغي أن تكون في الجنة، والأمر بالخروج تاليا للأمور بالهبوط، التنفيذ ربما تأخر شوية إلى أن تتم الوسوسة لآدم، انتبه بعضهم يقول كيف طلع من الجنة ورد راجع إلى الجنة .. (التوراة حلتها، أنها تخبى جوه حية والحية قد الحصان، وفي نقاط تفتيش الملائكة عدى إبليس جوه الحية لم يكتشفوه) فهذا كلام لا يقبله إلا عقل مخرف، عقل منهار بالكامل، إنما الذي أعتقده أنه صدر الأمر، إذا حكم على واحد بالإعدام، فبين صدور الأمر وتنفيذه أحيانًا بيأخذ وقت .

في فرنسا 45 يوم، في غيرها من البلاد فيه استئناف ومش استئناف شهرين وثلاثة وغيره.
إذن صدر الحكم المنطقي أن ينفذ، فرب العالمين ربما ترك تنفيذه حتى يتم أمر قدره هو موضوع الوسوسة والله تعالى أعلم .. (وهذا مجرد فهم لي، واللي عنده فهم أحسن مستعدون أن نأخذ به وما عندناش أي ضرر بالعكس، رحم الله امرءًا أهدى إلينا فهما أحسن مما لدينا)

{فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}
الصغار نقيض الاستكبار، طلبت الشيء فخذ نقيضه، أنت عايز الكبر خذ نقيضه؛ ولذلك المتكبرون يدوسهم الناس يوم القيامة، ليه؟ نقيض ما أرادوا، حصلوا عكس الذي أملوا .

</B>
 
التعديل الأخير:
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي


خير علاج للعنصرية والتكبرهو التواضع
وخلق التواضع عرفه الانبياءوالصالحين من قبل
فهم لم يحتاجو لكي يذهبوا الى عيادة ارمراض نفسية لكي يعالجو انفسهم
وانما كانت عندهم وقاية خلق التواضع
ونشوف صورمنها

 
التعديل الأخير:
رد: العنصرية مرض شيطاني يهودي

التواضع في الاسلام

التواضع خلق الأنبياء ومفخرتهم، وأصل ترشحهم للنبوة وهداية البشر، وهو خُلُقٍ كريم وخلّة جذابة، تستهوي القلوب وتستثير الإعجاب والتقدير، ولهذا نرى أن الله تعالى أمر نبيه المختار (ص) بالتواضع فقال تعالى: "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين"(1).
وقد أشاد أهل البيت (ع) بشرف هذا الخُلُق وشوَّقوا إليه، واعتبروه من كمال المؤمن وزينة خصاله وسبب رفعة الإنسان كما جاء عن الإمام الصادق ?: "إن في السماء ملكين موكَّلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه".
والمؤمن كما عبّر عنه أمير المؤمنين (ع): "نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد".

أول معصية:
وكفى بهذه الفضيلة شرفاً أن أول معصية عصي بها المولى تعالى هي ما يقابلها من الرذيلة وهو "التكبر"، عندما أطل إبليس رافضاً السجود لادم تكبراً واستعلاءً فكانت النتيجة أن حل عليه الغضب الإلهي: "قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها"(2).
وجزاء التكبر عند الله هو عذاب النار، "أليس في جهنم مثوى للمتكبرين"(1).
وفي هذا رادعٌ للإنسان عن الافتخار والتكبر الذي يقود إلى الهلاك.
وفي خطبة لأمير المؤمنين ? يقول: "فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، واستعيذوا الله من لواقح الكِبْر كما تستعيذون من طوارق الدهر، فلو رخَّص الله في الكِبْر لأحد من عباده لرخَّص فيه لخاصة أنبيائه ورسله، ولكنه سبحانه كرَّه إليهم التكابر ورضي لهم التواضع".

التواضع:
لو نظرنا إلى أبليس الذي سقط في الامتحان الإلهي وخرج من رحمة الله ليس لأنَّه رفض السجود لله بل لأنَّه استكبر ولم يقبل طاعة الله في ادم، يتضح أن باب الدخول إلى طاعة الله تعالى هو التواضع.
إن الإنسحاق الإنساني أمام عظمة الحق تعالى يجعل الإنسان في مورد الطاعة الدائمة كالملائكة: "ولا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون"(2).
وبذلك تتحقق العبادة التي هي غاية التذلل والخضوع، وإذا أغفل المؤمن عبادة ربه تلاشت في نفسه شِيَم الإيمان فينظر حينها إلى نفسه فيتكبر ويستعلي كما فعل فرعون الذي قال: "أنا ربكم الأعلى".
وكما فعل النمرود الذي تجبر وتمرد حين قال: "أنا أحي وأميت".
ومن هنا نفهم أن التواضع لله والإلتزام بعبادته تحفظ الإنسان ضمن هدف وجوده وتحدد له حجمه ودوره.
وقد جاء في نهج البلاغة على لسان الأمير (ع): "حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات: تسكيناً لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم، وإذهاباً للخيلاء عنهم، ولما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً".
فالصلاة والعبادة لهما دور تربوي لتبقي الإنسان في مورد العبودية لله، وهذا الأمر إنَّما يخلق له عزاً بين الناس ويرفع منشأنه كما في الحديث: "من تواضع لله رفعه".
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى