أولاً – عن الوجود العربي في شمال أفريقيا
دخول العرب إلى شمال أفريقيا بدأ زمن الفتح الإسلامي في منتصف القرن السابع، في عهد الخلفاء الراشدين ثم الأمويين، وكان هدفه إدخال المنطقة في إطار الدولة الإسلامية، وهو ما جرى بالفعل بعد معارك طويلة مع البيزنطيين ومع قوى محلية.
صحيح أن الحكم الأموي المباشر في أقصى الغرب (المغرب الأقصى) كان محدود المدة، لكن هذا لا يعني نهاية الوجود العربي، لأن الإسلام واللغة العربية استمرا كعنصرين أساسيين في الحياة السياسية والدينية والثقافية، سواء بوجود سلطة مباشرة من دمشق أو بغداد، أو عبر كيانات مستقلة ذات انتماء إسلامي-عربي.
ثانياً – عن حكم الأمازيغ والدول المحلية
معظم الدول التي حكمت شمال أفريقيا بعد الأمويين، مثل الأدارسة، والمرابطين، والموحدين، وحتى السعديين والعلويين، حكمت في إطار الحضارة الإسلامية العربية، متبنّية العربية كلغة إدارة وعلم وقضاء، مع الاحتفاظ بالهوية الأمازيغية في البنية الاجتماعية والقبلية.
حتى إذا كان المؤسسون أمازيغاً، فهم لم يعملوا على “إلغاء” العربية بل عززوا مكانتها، لأنهم اعتبروها لغة القرآن والوحدة الدينية. وهذا ما يفسر ظهور فقهاء ومؤرخين أمازيغ كتبوا بالعربية وأسهموا في النهضة العلمية الإسلامية.
ثالثاً – عن موجات الهجرة العربية
الهجرات الهلالية (القرن 11) وغيرها كانت ذات أثر ديمغرافي في السهول، لكنها لم تكن المشروع الوحيد للتعريب، بل جاء التعريب أساساً من التحول الطوعي للنخب الحاكمة والعلمية إلى العربية، ومن ارتباطها بالإسلام والفقه.
أحداث الصدام بين بعض القبائل العربية والسلطات، سواء موحدية أو مرينية أو سعدية، كانت صراعات سياسية/اقتصادية أكثر من كونها “حرباً ضد العرب كقوم”، وكان من المعتاد في القرون الوسطى أن يُعاقب المتمرّدون أيّاً كانت أصولهم.
رابعاً – عن التعريب واللغة
التعريب في شمال أفريقيا كان تدريجياً ومتعدد المراحل:
تعريب ديني وإداري بدأ منذ الفتح.
تعريب مديني وثقافي برعاية الدول الإسلامية المحلية التي جعلت العربية لغة القضاء والتعليم.
تعريب جماهيري موسّع في القرون المتأخرة مع توسع التعليم والطرق الصوفية، وتوحّد الهوية الإسلامية ضد الاستعمار الأوروبي.
القول بأن العربية ارتبطت في أذهان الناس بالإسلام فقط صحيح جزئياً، لكنه أحد الأسباب وليس السبب الوحيد.
خامساً – المسألة الهوياتية
الهوية في شمال أفريقيا تاريخياً كانت إسلامية أولاً، ثم محلية (أمازيغية أو عربية)، وكان الانتماء “عربياً” يُفهم أحياناً بمعناه الديني–الحضاري لا العرقي.
حتى اليوم، هذا المزج بين العروبة والإسلام هو نتيجة قرون من التداخل الثقافي واللغوي، وليس مجرد حادث سياسي أو قسري.