الإيجار القديم في مصر
مقدمة
يُعد قانون الإيجار القديم من أكثر القوانين إثارة للجدل في مصر، إذ أثّر لعقود طويلة على العلاقة بين المالك والمستأجر، وترك بصمة واضحة على سوق العقارات والسكن في البلاد. شهد هذا القانون تطورات تشريعية عديدة، وصولاً إلى تعديلات جوهرية أُقرت مؤخراً في البرلمان المصري.
أولاً: تاريخ الإيجار القديم في مصر
- البدايات: ظهر نظام الإيجار القديم في بدايات القرن العشرين، وتطوّر لاحقاً مع الأزمات الاقتصادية والحروب، ليحمي المستأجرين من الطرد التعسفي وارتفاع الأسعار المفاجئ.
- التشريعات الأساسية: صدرت قوانين رئيسية مثل القانون رقم 49 لسنة 1977 والقانون رقم 136 لسنة 1981، اللذان رسّخا تثبيت القيمة الإيجارية ومنحا المستأجرين حق الإقامة الدائمة وامتداد العقد للورثة في بعض الحالات.
- توقف العمل به: في عام 1996، صدر قانون الإيجار الجديد الذي أوقف العمل بنظام الإيجار القديم للعقود الجديدة، لكنه أبقى العقود القديمة سارية بشروطها.
ثانياً: مميزات الإيجار القديم
- حماية المستأجر: منح المستأجرين استقراراً اجتماعياً واقتصادياً، ومنع الطرد التعسفي.
- قيمة إيجارية منخفضة: الإيجار غالباً أقل بكثير من القيمة السوقية، ما ساعد الأسر محدودة الدخل على السكن في المدن الكبرى.
- امتداد العقد: امتداد العقد للورثة في بعض الحالات، ما وفّر أماناً للأسر عبر الأجيال.
ثالثاً: مضار الإيجار القديم
- ظلم المالك: تثبيت الإيجار لعقود طويلة أضر بمصالح الملاك، إذ أصبحت العوائد الإيجارية لا تتناسب مع التضخم وارتفاع الأسعار.
- تجميد السوق العقاري: أدى إلى عزوف المستثمرين عن بناء وحدات جديدة للإيجار، وظهور وحدات مغلقة أو مهجورة.
- تشوه العلاقة القانونية: نشأت نزاعات متكررة بين الملاك والمستأجرين، وظهرت حالات استغلال من الطرفين.
رابعاً: الوضع الراهن والقرارات الحديثة
- تعديلات 2025: أقر البرلمان المصري تعديلات جذرية على قانون الإيجار القديم، تضمنت:
- فترة انتقالية 7 سنوات للوحدات السكنية و5 سنوات لغير السكنية.
- بعد انتهاء الفترة، يُلزم المستأجر بإخلاء الوحدة أو تحرير عقد جديد وفق السوق.
- زيادة القيمة الإيجارية تدريجياً: حتى 20 ضعفاً في المناطق المتميزة، و10 أضعاف في المناطق المتوسطة والاقتصادية، مع حد أدنى محدد.
- زيادة سنوية دورية بنسبة 15% خلال الفترة الانتقالية.
- إلغاء جميع القوانين السابقة المنظمة للإيجار القديم بعد انتهاء الفترة الانتقالية، ليخضع أي عقد جديد للقانون المدني وحرية التعاقد.
خامساً: علاقة الإيجار القديم بالدستور المصري
- الملكية الخاصة: الدستور المصري يكفل حماية الملكية الخاصة، ويشترط عدم المساس بها إلا للمنفعة العامة وبمقابل عادل.
- حكم المحكمة الدستورية: في نوفمبر 2024، قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية تثبيت الأجرة السنوية للأماكن السكنية، واعتبرت أن استمرار تثبيت القيمة الإيجارية لعقود طويلة يُعد اعتداءً على العدالة وحق الملكية، وألزمت البرلمان بتعديل التشريع لتحقيق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر.
سادساً: حلول مقترحة لعلاج مشكلة الإيجار القديم
- التحرير التدريجي: منح فترة انتقالية كافية للمستأجرين لتوفيق أوضاعهم، مع زيادات تدريجية في الإيجار.
- توفير بدائل سكنية: التزام الدولة بتوفير وحدات بديلة للفئات غير القادرة، خاصة كبار السن وذوي الدخل المحدود.
- حوار مجتمعي: إشراك جميع الأطراف (ملاك، مستأجرين، خبراء) في صياغة الحلول لضمان العدالة الاجتماعية.
- تشجيع الاستثمار العقاري: تحرير السوق تدريجياً سيحفز المستثمرين على بناء وحدات جديدة للإيجار، ما ينعكس إيجاباً على سوق العقارات.
خاتمة
قضية الإيجار القديم في مصر مثال حي على تعقيدات التشريع الاجتماعي والاقتصادي، حيث تتداخل فيها حقوق الملكية مع متطلبات العدالة الاجتماعية. التعديلات الأخيرة تمثل خطوة نحو تحقيق التوازن، لكنها تتطلب متابعة دقيقة لضمان عدم الإضرار بأي طرف، مع استمرار الحوار المجتمعي وتوفير حلول واقعية للفئات الأكثر تضرراً.
https://www.mc-doualiya.com/الشرق-الأوسط/20250703-المصر