ورغم أن ثلث سكانها فقط لا يعيشون في فقر، فإنه من غير المستبعد أن تنفذ الحكومة المصرية جميع مطالب صندوق النقد الدولي، ما يعني خفضا كبيرا آخر في دعم السلع الاستهلاكية الأساسية وزيادة الفقر، على أمل أن تسفر الإصلاحات الاقتصادية عن نتائج إيجابية في غضون أربع أو خمس سنوات، بحسب تحليل لصحيفة
هآرتس الإسرائيلية.
ويتحدث التحليل الذي نشر، الخميس، عن إهدار الرئيس المصري أموالا طائلا على مشاريع ضخمة في وقت يتضور المصريون جوعا.
ويذكر التحليل أن مصر بحاجة إلى تدفق سريع وكبير من الدولارات، وتحاول جذب المستثمرين، لشراء شركات حكومية.
لكنه يشير إلى أن المستثمرين، ليسوا في عجلة من أمرهم للمجيء، ليس فقط بسبب عدم اليقين النقدي، وإنما بسبب البيروقراطية والمنافسة مع شركات يمتلكها الجيش، معتبرة أن هذا هو السبب في أن مصر لم تنجح حتى الآن في خصخصة معظم الشركات التي أرادت طرحها في السوق الحرة.
في المقابل، يرى الشافعي أن الأحداث العالمية هي التي تسببت في أزمة داخل مصر وفي كل العالم، "وإلا لماذا الفيدرالي الأميركي يرفع الفائدة كل اجتماع إلى أن وصلت إلى مستويات قياسية لم تكن موجودة منذ عام 2006 وهو أقوى اقتصاد على مستوى العالم".
وقال إن "العالم كله يعاني من الأزمة الاقتصادية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي أحدثت فجوة عميقة، ولم يجد لها حلولا بدليل أن كل المؤسسات المالية تحدثت في نهاية العام الماضي عن أن العالم يقبل على موجة ركود، وهذا ما نراه بدليل تخبطات في بنوك عالمية مثل "سيليكون فالي، واستحواذ يو بي أس السويسري على سويس بنك".
وأضاف: "نعم القاهرة تحتاج لمزيد من الاستثمارات، لكن الدولة المصرية استطاعت أن تحدث الفارق من خلال إنشاء بنية تحتية جيدة على مدار السنوات الماضية، ما يجعل البيئة ممتلئة بفرص استثمارية واعدة، لكن عندما يرفع الفيدرالي الأميركي للفائدة، فهذا يمنع المستثمرين من القدوم ويجعله متحفظ لأنه ينظر على الفائدة قبل أن يجازف بالاستثمار.
لا يُعفِي الشافعي في نفس الوقت، الحكومة المصرية "من بعض البيروقراطية الموجودة في بعض الأجهزة الإدارية، ويجب عليها أن تعمل على تلافي هذه المشاكل"، لكنه يعتقد أن "الدولة في سبيلها للتخلص منها، رأينا على سبيل المثال الرخصة الذهبية التي أعتقد أنها تحد كثيرا من البيروقراطية المزعومة وتحدث نقلة وتعمل على إنهاء كل الإجراءات بسرعة".
وأعلنت مصر، للمرة التاسعة، أنها تخطط لخصخصة 32 شركة حكومية، بما في ذلك شركات يملكها الجيش، بحلول عام 2024. لكن في الوقت نفسه، تمنح الحكومة الجيش مزايا وإعفاءات من رسوم الاستيراد تلغي أي أساس للمنافسة.
ويقول تحليل هاآرتس: "يمكن للسيسي أن يدعي أنه وحكومته لا يتحملان المسؤولية عن الأزمة العالمية التي هزت الاقتصاد المصري، ولكن عندما يوجه مبالغ ضخمة لمشاريع باهظة مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تقدر تكلفتها بـ 85 مليار دولار، أو مشاريع الكهرباء والقطارات وتوسيع مترو الأنفاق بتكلفة مليارات الدولارات، فلا عجب أن المستثمرين والمؤسسات المالية متشككون وقلقون من أن مصر لن تكون قادرة على سداد مدفوعات ديونها، والتي توشك على الوصول إلى 95 في المئة من إجمالي الناتج المحلي".
لكن الشافعي يقول إن "المشروعات الخدمية، مثل الطرق والجسور التي تم إنجازها، وكذلك توسعة مترو الأنفاق وإنشاء بدائل أخرى، كان يجب على الدولة العمل عليها حتى يستطيع المواطن أن يشعر بجودة حياة أفضل، ويشعر معها المستثمر بسهولة التنقل، داخل الجمهورية في ظل وسائل آمنة وميسرة بين جوانب الدولة، وأعتقد أن هذه من ضمن الأشياء التي تحفز المستثمرين لأن التكدس على الطرق يزيد من التكلفة الفعلية لما يتم إنتاجه".
أما عن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة فيرى أن "التوقيت ربما لم يكن في صالح الحكومة، كما أن الأحداث العالمية سارت في عكس الاتجاه".
وقال: "القيادة السياسية أرادت أن تحدث نقلة بناءا على ما تم إحداثه من بنية تحتية، وتقول إنها قادرة على تغيير مصر، وأنشأت بالفعل أكثر من 16 مدينة جديدة في محافظات مختلفة لجذب مجتمع الأعمال، وهذا في حد ذاته تطور طبيعي مع مع حجم المشروعات والإنجازات والتحول الرقمي وعدد من الإجراءات، وحتى يكون هناك متنفس جديد بعيدا عن القاهرة التي اكتظت وامتلأت بالسكان".
وأضاف: "ننشئ عاصمة إدارية جديدة لأن القاهرة غير قادرة في المستقبل على استيعاب عدد سكاني أكبر، ولولا فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا كنا سنقول إنه ليس هناك أفضل من هذا القرار الذي تم اتخاذه بإنشاء هذا المشروع، ولكن بسبب الرياح المعاكسة والظروف غير المواتية نقول إن هذا القرار كان خاطئا".
لكن أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، عالية المهدي، في حديثها مع موقع "الحرة" لا تريد أن تعزو الأزمة الاقتصادية في مصر إلى وباء كورونا والحرب في أوكرانيا.
وقالت: "المشكلة التي حدثت هو أن مصر بدأت في الكثير من المشاريع الاستثمارية الضخمة كلها مرة واحدة، مثل العاصمة الإدارية ومدينة العلمين والطرق والكباري وكثير من هذه المشاريع لم تستكمل بعد، وبالتالي أنفقنا عليها الكثير من الأموال ولم نجن أرباحا منها ولم يشعر المواطن بجدواها".
وأضافت: "لو كل مشروع من هذه المشاريع تم إنشاؤه وحده، كنا سنستطيع أن نتحمل عبء الإنفاق عليه، وتوفير العملة الصعبة".