التليجراف: انقسام في النظام المصري حول صفقة الطائرات الروسية الجديدة يسرا زهران
لعبة الطاقة النووية في الشرق الأوسط ليست لعبة سهلة.. ليست مجرد عود ثقاب يشعله طفل في لحظة حماس ثم ينطفئ وحده قبل أن يحرق أصابعه.. إن الطاقة النووية في الشرق الأوسط لعب رهيب بالنار.. جحيم جديد يضاف إلي جحيم المخاوف الذي يشعل أعصاب منطقة لا تعرف الراحة.. ولا الرحمة.. لا مع غيرها.. ولا حتي مع نفسها.
تقرير صدر من المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، وهو أحد المعاهد العسكرية الشديدة الأهمية في العالم، أقام الدنيا ولم يقعدها وجعل الغرب كله يعيد حساباته مع دول المنطقة العربية، التي صارت تنقسم، في ظل حرب الطاقة العالمية الجديدة إلي معسكرين.. الأول يضم الدول النفطية التي تصر علي أن تستفيد حالياً من الزيادة المرعبة في أسعار براميل البترول، لتبني لنفسها نهضة حضارية حقيقية تختلف عن ثقافة الاستهلاك التي تسودها، والمعسكر الثاني يضم تلك الدول التي لا تسبح فوق بحيرات من الطاقة، فتسعي لصناعتها من الهواء، أو من عقولها.
في المعسكر الثاني تقف مصر جنباً إلي جنب مع دول مثل الجزائر وتونس وإيران وسوريا.. وهي دول ركز عليها تقرير المركز الدولي الذي حمل عنوان «البرامج النووية في الشرق الأوسط في ظل إيران»، قال هذا التقرير إنه في الفترة ما بين فبراير 2006 ويناير 2007، أعلنت 13 دولة في الشرق الأوسط عن مخططات جديدة، أو عن إعادة احياء لمشروعات قديمة لتطوير الطاقة النووية، بهدف سد الاحتياجات المستقبلية المتزايدة للطاقة لدي شعوبها.
وبالمصادفة.. تزامنت هذه الحمي لإنتاج وتطوير الطاقة النووية «السلمية»، مع إعلان إيران عن تطوير قدراتها النووية «غير السلمية» في نظر الغرب.
صحيفة «الديلي تليجراف» البريطانية نشرت تحليلاً سياسياً بالغ الأهمية حول ذلك التقرير قالت فيه إنه إذا كان الغرب «يشعر بقلق» من قيام الملالي في إيران بتسليح أنفسهم نووياً، فإن العرب هم أول من يقفون علي خط النار.. إن السعودية مثلاً هي ألد أعداء إيران العرب، وعلي الرغم من أنها تمتلك قدراً كبيراً من احتياطي البترول إلا أنها لم تتردد في الإعلان عن إحياء برنامجها النووي، الذي سيسمح لها يوماً ما بامتلاك ترسانتها النووية الخاصة، أما باقي دول الخليج، فلم يتردد بعضها في الإعلان عن استعدادها لشراء برامج نووية جاهزة من باكستان التي تتمتع بعلاقات جيدة معها خاصة مع السعودية، وحتي الجزائر التي لا تعد علي خط المواجهة المباشر مع إيران قررت بدء المفاوضات مع الصين لشراء برامج نووية.
إلا أن مصر تظل، كما تقول التليجراف، هي الدولة التي أثار إعلانها عن اعادة اطلاق برنامجها النووي، أكبر قدر من الجدل في الغرب.. جدل أدي حتي إلي توتر عنيف بالنسبة لبعض الأطراف نظراً لأن دخول مصر إلي النادي النووي يمكن أن يسبب انقلاباً جوهرياً في المنطقة.
رئيس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية د. جون شيبمان، اهتم بموقف مصر تحديداً في مسألة إعادة إحياء برنامجها النووي، وأرجع سبب ذلك الاهتمام إلي «مخاوف» مصر من اختلال توازن القوي في المنطقة وقلقها من أن تفقد مكانتها، وتأثيرها ونفوذها في الشرق الأوسط إذا سبقتها إيران لامتلاك أسلحة نووية.
إن مصر تقف في وضع فريد، فهي دولة عربية تملك المكانة لكنها لا تمتلك البترول مثل السعودية.. في الوقت نفسه، فهي حليف أساسي للغرب ولأمريكا تحديداً، منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل عام 1979.
هذا الوضع الفريد لمصر.. كحليف لأمريكا وعدو لإيران وجار بارد لإسرائيل، هو ما جعل واشنطن تتعامل بدرجة كبيرة من الحساسية والحذر مع الملف النووي المصري، فبدأت تلعب مع الرئيس مبارك، كما تقول التليجراف، لعبة محاولة التقليل من حماسه لتحويل مصر إلي قوة نووية قادرة علي تهديد أمن إسرائيل، التي تمتلك ترسانة نووية رهيبة بدورها.
لكن.. فشلت أمريكا في وضع حد للطموح النووي الإيراني، فصارت إيران علي وشك التحول إلي قوة نووية ضاربة في الشرق الأوسط، وهي علي مرمي حجر من المنطقة العربية، بينما أمريكا تضع إسرائيل فوق كل حلفائها، مما دفع مصر بدورها إلي أن تضع روسيا فوق أمريكا.
هي خطوة محورية، وصفتها التليجراف بأنها «خطوة خطرة»، اتخذها الرئيس مبارك عندما بدأ يتفاوض مع روسيا لبناء عدد من محطات الطاقة النووية، بينما روسيا تمثل خطراً لا يمكن لأمريكا تجاهله، فهي الدولة التي لعبت دوراً محورياً في دعم وتطوير البرنامج النووي الإيراني الذي عجزت أمريكا عن وقفه، مما يعني أن دخول روسيا إلي اللعبة النووية المصرية أمر لا يحتمل المزاح بالنسبة لأمريكا التي لن تقبل خسارة حليف قوي مثل مصر، ولا تهديد طفل مدلل مثل إسرائيل.
مصر من جهتها لم توقف مفاوضاتها المثيرة مع روسيا، فاتفق الرئيس مبارك مع الجانب الروسي علي صفقة طائرات وأسلحة روسية تضم أنظمة دفاع جوي وطائرات حربية وطائرات تدريب، الأمر الذي أثار شكوك ومخاوف واشنطن من أن الصفقات المصرية - الروسية صارت تتجاوز مسألة تطوير الطاقة النووية السلمية بكثير.
ربما كانت كل هذه العوامل هي التي أدت إلي انفلات أعصاب أمريكا في تعاملها مع مصر، فنجاح إيران في تحدي النفوذ الأمريكي، علي الرغم من وجود الجيش الأمريكي نفسه علي حدود إيران مع العراق، وقدرة روسيا علي دعم التمرد الإيراني، علي الرغم من أنف أمريكا، إضافة إلي ميل مصر الأخير نحو روسيا، بكل ثقلها الإقليمي في المنطقة، كلها كانت أموراً تشير بوضوح إلي أن أمريكا لن تكون بعد اليوم هي صاحبة الكلمة العليا في الشرق الأوسط.
لذلك، أعرب عدد من كبار المسئولين الأمريكان سراً ثم علناً، عن قلقهم من ميل مبارك «غير المتوقع» نحو موسكو.. فهو ميل لم تكن أمريكا تنتظره من أقدم حلفائها في المنطقة، لكن الأهم كما تقول التليجراف، هو أن عدداً من أفراد الدائرة الداخلية المحيطة بالرئيس مبارك، وجهوا انتقادات عميقة لقراره بالميل نحو الجانب الروسي، مؤكدين للرئيس أن ذلك الميل يهدد ثلاثة عقود من الاستقرار الذي تمتعت به مصر ودعمه الغرب بقيادة أمريكا منذ معاهدة كامب ديفيد.
وأضافت التليجراف أن المعارضة الداخلية لقرار الرئيس معارضة قوية، إلي حد أن مسئولين كباراً طلبوا من جمال مبارك نجل الرئيس، أن يتدخل لاقناع والده بإعادة النظر في مسألة الصفقة الروسية كلها.. كلام الصحيفة لو صح فهو يعني وجود انقسام داخل النظام المصري، بشأن التوجه الخارجي للسياسة، ومسألة تطوير القدرات النووية المصرية، لكنه يعني أيضاً، أن امتلاك إيران لأسلحة نووية سيجعل الشرق الأوسط كله يتبع
طبق الأصل
نقلا عن جريدة الفجر
العدد رقم 155 بتاريخ يوم الاثنين الموافق 2/6/2008
http://www.elfagr.org/TestAjaxNews.aspx?nwsId=9566&secid=2578