تصعيدٌ يسبق العاصفة
وسبق الغزو العراقي للكويت تصعيدٌ لافتٌ في القمة العربيَّة الاستثنائيَّة التي عُقِدت في بغداد 28 مايو (أيار) 1990، ورأس القمة حينها صدام حسين، وتجاوزاً لموضوع انعقاد القمة، الذي كان يتناول الأمن القومي العربي بناءً على دعوة من رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، اتهم صدام "الكويت بسرقة النفط العراقي".
نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية العراقي طارق عزيز برر موقف بلاده أثناء زيارته مصر في يوليو 1990 قائلاً هم من يهددونا نحن لا نهدد أحداً (أ.ب)
وبدأت تتصاعد الأحداث السياسيَّة بين البلدين. عملياً في 16 يوليو (تموز) 1990، إذ سلَّم العراق جامعة الدول العربية مذكرة احتجاج، شكا فيها الكويت والإمارات على خلفية ما وصفه زيادة ضخ النفط، ما أدى إلى هبوط أسعار النفط، والتأثير في الاقتصاد العراقي.
وفي 17 يوليو (تموز) 1990، ألقى صدام حسين خطاباً في ذكرى ثورة يوليو (تموز) 1968، "اتهم فيه دولاً خليجية، وتحديداً الكويت، بالضلوع في مؤامرة نفطية ضد العراق"، مهدداً باستخدام "رد مناسب" ضدها.
حجج الغزو
المستشار ناصر المصري اعتبر هذا الاتهام "واهياً وغير واقعي"، يقول إن "الحقل الذي ادَّعى صدام بسرقته كان مغلقاً، كما أن إنتاج الكويت حينها من النفط لم يكن يتجاوز مليون برميل".
وأضاف، "لا يوجد أي دور كويتي لإضعاف العراق، لقد كانت الكويت داعمة بغداد في حربها ضد طهران"، مشدداً على أنه "لا مصلحة لنا في النيل من العراق".
أمَّا اللواء متقاعد سويدان فقال، "نعم، في هذا الخطاب قالها صدام علانية قطع الأعناق، ولا قطع الأرزاق، وعلى أساس ذلك الخطاب ساق وزير خارجيته حينها طارق عزيز الاتهامات للكويت، لقد كان إعلان حرب".
وعودة إلى المستشار المصري فإنه يرى أنه في ذلك الخطاب "تشكَّلت الملامح الأولى للتهديدات العراقية، التي أعلنها صدام صراحة، لا سيما أنه تزامن مع ذلك اليوم كثيرٌ من التحذيرات، وأن الغزو العراقي مقبلٌ لا محالة. فالحشود العسكريَّة تملأ قاعدة الشعيبة الجوية العراقية المتخمة الحدود الكويتية، كما أن تحذيرات بالفعل وصلت من الملحق العسكري الكويتي في البصرة" وفقاً للمصري.
التصعيد العراقي مستمر
التصعيد استمر في اليوم التالي 18 يوليو (تموز) 1990، ليرسل صدام وزير خارجيته طارق عزيز إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية حاملاً رسالة "يتهم فيها الكويت بانتهاج سياسة عدوانية ضد بلاده تتعمد إضعافه"، ومتهماً الكويت أيضاً بالزحف المبرمج التدريجي والممنهج تجاه الأراضي العراقية، زاعماً أن الحكومة الكويتية "تقيم منشآت عسكرية وأمنيَّة ونفطيَّة، فضلاً عن المزارع على الأراضي العراقية". وزادت الرسالة بالقول إن "الكويت والإمارات تقومان بما وصفته بعملية تآمرية لإغراق سوق النفط بمزيد من الإنتاج، الهدف منه انهيار النفط العراقي".
وفي ضوء الاتهامات العراقيَّة الخطيرة دخلت المرحلة مزيداً من التصعيد، الأمر الذي دفع نحو اتصالات عربيَّة دبلوماسيَّة واسعة لاحتواء الأزمة بين البلدين.
ارتفاع مؤشر الحرب
وتتواصل الاتصالات، ومع تزايد المخاوف من خطوة عراقيَّة خطيرة اتهم اتحاد نقابات العمال في الكويت العراق بإعلان الحرب، وذلك رداً فيما يبدو على ما ألمحت إليه صحيفة "القادسية" بلسان الجيش العراقي إلى "احتمال القيام بعمل عسكري ضد الكويت"، وذلك في 21 يوليو (تموز) 1990، وقالت الصحيفة "إن العراق سيتخذ إجراءً يحمي ما وصفته حقوقه ومصالحه".
تداعيات الأحداث والتصعيد تستمر، ففي 22 يوليو (تموز) 1990 استقبل الرئيس المصري حسني مبارك نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية العراقي طارق عزيز، الذي أبلغه رسالة شفهيَّة من صدام حسين. ووقتها ردَّ عزيز على سؤال للصحافيين بشأن التهديد العراقي للكويت، قائلاً "هم الذين يهددوننا، ونحن لا نهدد أحداً".
ومع كل يوم جديد يرتفع إيقاع الأزمة. الكويت في 23 يوليو (تموز) بدأت تستشعر الخطر تجاه نيات العراق، ورغم ذلك حافظت على الإطار العربي للأزمة، مؤكدة أنها لم تطلب تدخلاً من الأمم المتحدة في محاولة منها للتهدئة.
المساعي العربية استمرت لوقف العدوان وتخفيف التوتر بين البلدين لكنها فشلت في النهاية (أ.ب)
وفي اليوم ذاته دخلت دمشق على خط الأزمة، مطالبة بالتهدئة بالتزامن مع مقترح مصري لخطة من أربع نقاط للتسوية، وهي: استبعاد أي تهديد باللجوء إلى القوة، والبدء في مهمة التقريب بين وجهتي نظر البلدين، وعقد اجتماع مصالحة في القاهرة، ووقف الحملات الإعلامية بين البلدين.
وعلى خطى الدعوة للمصالحة، قرر زعماء المغرب العربي في الجزائر خلال ختام قمتهم التي عُقِدت بالعاصمة الجزائر إرسال مبعوث خاص إلى منطقة الخليج للتوسّط في مهمة نزع فتيل الأزمة بين الكويت والعراق.
وبدأت الأجواء تتجه إلى لملمة القضية، ليعلن الرئيس المصري حسني مبارك في 24 يوليو (تموز) 1990، قيامه بجولة تشمل كلاً من العراق والكويت والسعودية في محاولة لاحتواء الأزمة.
تلا ذلك بيوم، أي 29 يوليو (تموز) 1990، إعلان الرئيس المصري أن اجتماعاً ثنائياً سيُعقد في جدة يجمع مسؤولين من الكويت والعراق لتسوية الخلاف بين البلدين، مؤكداً التوصّل إلى اتفاق لإيقاف الحملات الإعلامية بين البلدين.
وبالفعل توقفت في 26 يونيو (حزيران) 1990 الحملات الإعلامية بين البلدين، وفي واشنطن أعلنت تأكيدات عراقية للولايات المتحدة بعدم القيام بأي عمل عسكري.
أجواء من التهدئة
الأجواء تتجه إلى التهدئة هذا ما بدا حتى 29 يونيو (حزيران)، إذ أقر وزراء منظمة الدول المصدرة النفط أوبك رفع سعر النفط من 18 دولاراً للبرميل إلى 21، كما أكدت الكويت والإمارات أنهما ستخفضان إنتاجهما من النفط ليصل إلى أقل من مليون ونصف المليون برميل يومياً.
اجتماع جدة
وفي 30 يونيو (حزيران) أعلنت السعودية أن الاجتماع الثنائي بين وفدي الكويت والعراق سيُعقد في مدينة جدة، وذلك على خلفية موافقة كل من الكويت والعراق.
ويوضح اللواء متقاعد سويدان "أن عقد هذا اللقاء كان بناءً على طلب من العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز".
وبالفعل بدأت في 31 يوليو (تموز) المفاوضات بين البلدين، ورأس الجانب الكويتي حينها ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله، ومن الجانب العراقي رأس الوفد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي عزة إبراهيم.
قام الرئيس المصري حسني مبارك في 24 يوليو 1990 بجولة شملت العراق والكويت والسعودية في محاولة لاحتواء الأزمة (أ.ف.ب)
وقبيل الاجتماع قال الشيخ سعد "إنه يتطلع بقلب مفتوح للقاء إبراهيم"، متمنياً أن "يكون اللقاء خطوة إيجابية وأساسية نحو التوصل إلى حل نهائي وعادل لكل المشكلات والقضايا العالقة بين البلدين".
وبعد الاجتماع ذهب عزة إبراهيم إلى أداء العمرة في خطوة فُهِمت بأنها تركت أبواب كل الاحتمالات مفتوحة.
ويتذكَّر السويدان، "كان الجميع يتوقع أن هذا الاجتماع سيأتي بحلول دبلوماسية، لكن مع الأسف وجد الوفد الكويتي الرفض العراقي"، موضحاً، "لقد تبين أن الوفد العراقي جاء لإفشال الاجتماع".
وأضاف، "
اكتشفت الكويت أنها رغم تقديمها كثيراً من التنازلات، ومنها التنازل عن الديون، فإن الوفد العراقي كان يحاول إفشال هذه القمة، ليغادر في نهاية المطاف لأداء العمرة، وليجد الوفد الكويتي نفسه أمام خيار العودة إلى الكويت في مساء الأول من أغسطس (آب).
وأردف، "رغم ذلك كانت الكويت تعتقد أن لقاءً آخر سيعقد في بغداد بعد أسبوع، لكنه لم يتم".
أمَّا المستشار ناصر المصري فانتقد إدارة الأزمة من الجانب الكويتي، مؤكداً أن "المعلومات عن نية العراق الغزو كانت واضحة، وكان حرياً بها الاستعداد للمواجهة".
وأضاف "القوات الكويتية وحدها لا يمكن لها أن تصد الهجوم العراقي، لكن التشكيلات العسكريّة الكويتية المختلفة بالتنسيق مع درع الجزيرة وتفعيل اتفاقاتنا الأمنية المعقودة مع بريطانيا وطلب دعم القوات الأميركية كان يمكن لها أن تمنع حدوث تلك الفتنة الكبيرة".
تمرُّ اليوم الذكرى التاسعة والعشرون على الخميس الأسود أو الغزو العراقي للكويت، ذكرى الثاني من أغسطس (آب) 1990، ذكرى لحدثٍ جلل هزَّ أركان الخليج، وبعثر أوراقه السياسية والاقتصادية، ليبقى جزءٌ من تداعياته حاضراً حتى يومنا هذا. الغزو الصدَّامي، كما تحاول الحكومة الكويتية الترويج له حالياً، رغم أن...
www.independentarabia.com
===
للاسف كان الامر عبث وسوء تقدير من العراق بحجم قوته وتاثيره وضاعت منه كثير من الفرص قبل الغزو من ماقدم له من تنازلات وبعد الغزو لم ينسحب ويكتفي بما فعل
ومن الكويت بعد تقديم التنازلات ورفضها لم يكن من بدء من اخضار قوات اجنبيه