بدأت هذه المجازر في سهل أورميا بإيران عندما قامت عشائر كردية بتحريض من العثمانيين بالهجوم على قرى آشورية فيه، كما اشتدت وطأة المجازر بسيطرة العثمانيين عليه في كانون الثاني 1915. غير أن عمليات الإبادة لم تبدأ حتى صيف 1915 عندما دفعت جميع آشوريي جبال
هكاري ( تركيا حاليا) إلى النزوح إلى أورميا كما تمت إبادة وطرد جميع الآشوريين/السريان/الكلدان من ولايات
وان وديار بكر ومعمورة العزيز.
أدت سلسة المجازر هذه بالإضافة إلى المجازر الأرمنية وعمليات التبادل السكاني مع اليونان إلى تقلص نسبة المسيحيين في تركيا من حوالي 33% قبيل الحرب إلى 0.1 حاليا ونزوح مئات الآلاف من الآشوريين/السريان إلى دول الجوار
يعتقد المؤرخون أن السبب الرئيسي وراء التورط الكردي في المجازر
هو الانسياق وراء حزب تركيا الفتاة الذين حاولوا إقناع الأكراد أن المسيحيين الموجودين في تلك المناطق قد يهددون وجودهم.
سياسة الترحيب والترغيب دعت معظم العشائر الكردية إلى التحالف مع الأتراك.كما استغلت ميليشيات كردية شبه نظامية فرصة الفوضى في المنطقة لفرض هيمنتها وهاجمت قرى آشورية وسريانية من أجل الحصول على غنائم.
================
الأكراد والجرح الآشوري
سليمان يوسف يوسف --- ايلاف
الكثير من الأخوة الكورد يتساءل، ممتعضاً: لماذا السريان الآشوريين، بخلاف الارمن، يُدرجون الأكراد كشركاء في جريمة الهولوكوست "الأرمني - الآشوري لعام 1915"؟.
جوابنا: أن "اللجنة المركزية لجمعية الاتحاد والترقي" - الحاكم الفعلي في السنوات الأخيرة من عمر الامبراطورية العثمانية- في 24 نيسان من عام 1915، اتخذت قرار "إبادة الارمن بهدف إنهاء وتصفية القضية الارمنية". لم يرد في قرار الابادة، ذكر باقي الشعوب والأقوام المسيحية الخاضعة للسيطرة العثمانية.
لكن آغاوات وملالي الأكراد في ولايتي (ديار بكر- آمد و ماردين) ومناطق أخرى، بالتعاون والتنسيق مع الولاة والسلطات العسكرية العثمانية المحلية، اعلنوها (حرباً اسلامية مقدسة – جهاداً) على جميع مسيحيي السلطنة.
هكذا الاسلاميون الأكراد، وسعوا عمليات (التطهير العرقي والديني)، لتشمل، الآشوريين المسيحيين(سريان- كلدان)، طمعاً بممتلكاتهم ونسائهم وبناتهم ولمحو وجودهم والسيطرة على مناطقهم، وهذا ما حصل بالفعل في معظم التجمعات والمناطق التاريخية للآشوريين.
فلولا مشاركة الكورد في المذابح ما كان سيُقتل ويُذبح أكثر من نصف مليون آشوري(سرياني-كلداني) ويُهجر مثلهم، ولكان تعداد الآشوريين اليوم بالملايين في الجزء الخاضع لسيطرة الأتراك العثمانيين من بلاد ما بين النهرين، موطن الآشوريين. بسبب المذابح باتت معظم مناطق الآشوريين ذات غالبية كردية. هذه حقيقة يؤكدها ناجون من المذابح، كذلك تؤكدها العديد من المصادر والوثائق التاريخية، منها كتاب(ماردين – دراسة تحليلية للإبادة 1915) للمؤرخ والباحث الفرنسي (إف ترنون). يقول ترنون في كتابه ص19" لا يمكننا اتهام هيئة الاتحاد والترقي بوضع منهاج إزالة المسيحيين من الامبراطورية. فالأتراك ارادوا تصفية المسالة الأرمنية نهائياً، والأكراد دُعوا للاشتراك بالغنيمة، فانتهزوا العرض(الفرصة) ووسعوه الى مسيحيين آخرين،كما فعل إسلاميو بعض المذاهب الأخرى من اتراك وعرب مثلاً.."....
حتى العديد من الكتاب والباحثين الأكراد يقرون بهذه الحقيقية وبالمسؤولية الكردية عن الابادة (الآشورية- الأرمنية)، منهم الكاتب( نزار آغري) وقد كتب بتاريخ ١٦ نيسان الجاري مقالاً بعنوان(الجانب غير اللائق من التاريخ الكردي) نشر في جريدة (الحياة) الدولية، جاء فيه" لو تصفح واحدنا كراسات التاريخ الكردي التي دونها القوميون الكرد سيجد أسماء كبدرخان ومير محمد كور ويزدان شير وسواهم، وصولاً إلى سمكو، تحتل مكانة بارزة منقوشة بآيات التبجيل والتقدير، بوصفهم أبطالاً قوميين، فيما هم كانوا قتلة سفاحين أهلكوا عشائر وقبائل معادية وجماعات مغايرة. إقليم كردستان ليس ملكية الكرد وحدهم. كان، في الأصل، موطن السريان والآشوريين الذين لم يتقلص حجم حضورهم ومدى وجودهم إلا لأنهم تعرضوا للمهالك والمجازر، في أورمية وسلماس ونوهدرا وأربيل وزاخو، هذا من دون أن نعرج على الدور المرعب للعشائر الكردية في الفتك بالأرمن في حملات الإبادة التي شنتها عليهم الدولة التركية في كل الولايات التي يشكل الكرد الآن غالبيتها. كانت قارص وموش وديار بكر وألازغ وأورفة نصيبين وطور عابدين ومناطق هكاري، وسواها، موطن الأرمن والسريان."... طبعاً، مستحيل إعادة عقارب ساعة التاريخ الى الوراء، لكن ما هو غير مستحيل، لا بل ما يجب أن يفعله أكراد اليوم، تفهم الجرح الآشوري الكبير الذي تسبب به أجدادهم.
عشية كل ذكرى سنوية للإبادة الأرمنية- الآشورية، يثار سجال وجدال في مختلف الأوساط الآشورية (سريانية/كلدانية) حول دور ومسؤولية الأكراد عن الإبادة. البعض يساوي بين المسؤولية الكردية عن الابادة الآشورية و المسؤولية الالمانية عن "الهولوكوست اليهودي" زمن النازية إبان الحرب العالمية الثانية 1945.
ما يجب أن يعرفه أصحاب هذه النظرة التبسيطية للمسؤولية الكردية عن الجرح الآشوري : أن توصيف " الابادة" لا يخضع للعواطف والأمزجة الشخصية والأهواء السياسية لهذه الجماعة البشرية أو تلك. تناول الابادة ومقاربتها يجب أن يتم من خلال القوانين والمواثيق الدولية والأممية المتعلقة بقضايا الابادة وجرائم الحرب ضد الانسانية. المانيا كانت دولة يراسها (أدولف هتلر)،الذي أمر شخصياً بقتل وتصفية جميع يهود المانيا. لهذا تحملت الدولة الالمانية الحالية، الوريث الشرعي لألمانيا النازية، كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الابادة اليهودية. وقد اعترفت الدولة الالمانية بـ"الهولوكوست اليهودي" وبكامل مسؤوليتها عنه، وتحملت ما ترتب على هذا الاعتراف من التزامات مادية ( تعويضات) لدولة اسرائيل اليهودية. اما بالنسبة للإبادة "الآشورية – الأرمنية" لعام 1915، صحيح أن الأكراد اشتركوا في جميع فصولها ومارسوا افظع الجرائم والوحشية بحق الضحايا، وهم من المدنيين العزل، لكن قرار الابادة لم يكن كردياً. فالأكراد لم يكونوا أصحاب القرار في السلطنة العثمانية، بل كانوا، كما الآشوريين والأرمن، خاضعين لسلطة "دولة الخلافة الاسلامية العثمانية" التي اصدرت واتخذت قرار الابادة. فالأكراد غير مسؤولين قانونياً أمام المجتمع الدولي عن (الابادة الاشورية- الارمنية).
الأكراد مطالبون بالتصالح مع تاريخهم والاعتراف بمسؤوليتهم الاخلاقية عن الابادة الآشورية والاعتذار للشعب الآشوري (سرياناً وكلداناً)، إذا ما ارادوا تنقية العلاقة (الكردية – الآشورية) من رواسب الماضي وتطويرها لما فيه خير ومصلحة الشعبين. فيما يخص حقوق الآشوريين(أحفاد الضحايا والناجون من الابادة ) بممتلكاتهم التي استولى عليها الأكراد والاتراك. هذه القضية مكانها " محاكم الدولة التركية". يمكن للآشوريين رفع الدعاوى للمحاكم والمنظمات الأوربية والدولية المعنية، إذا ما بقي بحوزتهم وثائق ومستندات تثبت ملكيتهم للعقارات والاراضي المستولى عليها. لأن معظم المستندات تم حرقها وتلفها من قبل الجناة، إلا ما لم يقع تحت أيدهم.
باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات