كتب السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد، الزميل في معهد الشرق الأوسط، مقالا في مجلة "فورين أفيرز" عن خيارات الولايات المتحدة في سوريا. ورأى أن الحرب السورية دخلت مرحلة جديدة، إذ عزز نظام الأسد سلطته على غربي وشرق البلاد بينما تتقدم القوات الموالية لأمريكا فيما تبقى من مناطق تنظيم الدولة.
ورغم أن العمليتين العسكريتين ظلتا منفصلتين، إلا أن الوضع يتغير، حيث ظهر يعزز قوته في شرق سوريا بدعم إيراني روسي. وفي الصراع على ما تبقى من مناطق "تنظيم الدولة" تتقدم الفصائل المدعومة من أمريكا، وأصبحت تقترب من قوات الأسد، وهو ما يستدعي أمريكا اتخاذ قرار حول ما يجب فعله في المرحلة المقبلة.
ويعتقد "السفير فورد" أن واشنطن لا تملك خيارات جيدة في سوريا، ولكن بعض هذه الخيارات أسوأ من غيره. فالأمل في تنحية الأسد وتحقيق نقل سلمي للسلطة يتلاشى إن لم يصبح خيالا، ولا يستبعد الكاتب هنا بسط سيطرته على كامل سوريا، وهذا يعني تخلي الولايات المتحدة عن دعم منطقة كردية مستقرة أو تأمين احترام حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية.
ولأن نظام الأسد فاسد جدا، فيجب على الولايات المتحدة استبعاد مساعدته في عمليات إعادة إعمار البلاد، ولكن هناك طريقة واحدة يمكن للولايات المتحدة المساعدة فيها وهي تخفيف معاناة ملايين السوريين، وهم اللاجئون في خارج بلادهم. ويمكن لواشنطن أن تساعد أكثر السوريين عرضة للخطر والاستغلال وتخفف بالتالي العبء الذي تتحمله الدول المستضيفة لهم وتمنع الجهاديين من استغلالهم.
ويشير "فورد" إلى سلسلة الانتصارات التي حققتها قوات النظام في غرب سوريا من حلب إلى حمص ومناطق دمشق مثل البرزة وداريا ومناطق القلمون. وأسهمت أخطاء فادحة عدة للمعارضة بتقوية موقف النظام، فالخلافات الداخلية واغتيال القيادات وعدم حصولها على دعم الأقليات التي تشكل قاعدة دعم الأسد وكذا رجال الأعمال المتعاطفين مع قضيتهم.
ووفقا لتقديراته، فإن المعارضة كانت بطيئة في رفض الجماعات "المتشددة"، خاصة جبهة النصرة، ومنحت هذه الأخطاء الأسد الفرصة كي يعزز موقفه بين السوريين، خاصة الحرفيين وأبناء الأقليات الذين خافوا من العيش في ظل حكم مشابه لحكم تنظيم الدولة. وحظي الأسد بمساعدة إيرانية التي أرسلت لدعمه عشرات الألوف من أفراد المليشيات، وبدعم جوي من الروس.
وقد مكَن هذا وذاك النظام من استعادة مناطق من المعارضة. كما انتفع الأسد من تغيير مواقف الدول الداعمة للمعارضة مثل تركيا التي اختلفت مع واشنطن حول دعم الأخيرة للأكراد السوريين. ثم جاء قرار الرئيس دونالد ترامب في يوليو بوقف برامج الدعم للمعارضة السورية.
وفي الوقت نفسه، حاولت روسيا استثمار الانتصارات العسكرية وتحقيق استقرار لتأمين انجازات محبذة للنظام. وقامت بعد سقوط حلب بجمع أطراف من الحكومة والمعارضة في الأستانة، عاصمة قازخستان، مع تركيا وإيران أملا في أن يقوم كل طرف بإجبار الأطراف الموالية له وقف الأعمال العدوانية وتم الاتفاق على مناطق خفض التوتر كانت آخرها في إدلب.
ولم تحقق هذه الاتفاقيات النجاح المطلوب لعدم التزام الحكومة وإيران بها، إلا أن منطقة إدلب شهدت تراجعاً في القتال، على الأقل في هذه المرحلة. واتفقت روسيا مع الأردن وأمريكا على إنشاء منطقة خفض التوتر في جنوب – غرب البلاد. ومنحت اتفاقيات كهذه حكومة الاسد فرصة لتحويل قواته من الغرب والجنوب إلى الشرق حيث بدأت تقدماً بطيئاً.
صحيح أن النظام لن يقبل بوجود اتفاقيات كهذه وللأبد، ففي المناطق الخارجة عن سيطرته شُكلت حكومات حكم محلي ونظمت انتخابات في إدلب، وهو لا تعترف بهذا كله وقامت في مناطق دمشق بإغلاق إدارات مستقلة. وأدى رفض الحكومة السورية شرعية الجماعات السياسية داخل البلاد إلى وقف العملية السياسية في جنيف ورفض مبعوثو الأسد الحديث عن الإصلاح ولا حتى عملية نقل السلطة.
ويرى "فورد" أن ما هو واضح أن نظام الأسد سيواصل التقدم ميلاً بعد ميل متلاعباً أحياناً وملتزماً أحيانا أخرى باتفاقيات إطلاق النار حسب الضرورة. وربما قبل الأسد بتغيير سياسي بناء على ضغوط من إيران وروسيا، وتغيير رئيس الوزراء مثلاً، ولكنه لن يسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
ويعتقد فورد أن جبهة الشرق وسقوط تنظيم الدولة الذي جاء بثمن باهظ على المدنيين وتوتر في العلاقات الأمريكية – التركية ستكون حاسمة. فلأول مرة منذ بداية الحملة يدخل فيها الطيران الروسي والأمريكي المواجهة ضد تنظيم الدولة. وتقدم النظام نحو مناطق التنظيم وفي حال سيطرته على البوكمال، فسيحاول استعادة حقول النفط في دير الزور المهمة له. وسيتخذ موقفاً معارضاً من الإدارات المحلية التي تقوم قوات سوريا الديمقراطية ببنائها في المناطق التي خرج منها التنظيم. كما سيستفيد من الخلافات القبلية داخل هذه القوات بعد نهاية سيطرة الجهاديين. ولم يقبل النظام بخطوات الأكراد فيما يعرف بمنطقة روجوفا مؤكداً وحدة سوريا.
ومع نهاية الحملة ضد الجهاديين، فستواجه واشنطن معضلة تتعلق بوضع قواتها في سوريا، من 1.000 إلى 2.000 مستشار وجندي. ويجب أن تكون أولوية الإدارة منع تورط طويل في سوريا، خاصة وأن المهمة بدأت أولاً بدعم الأكراد وتطورت بعد ذلك لعملية التوسط بين الأطراف المتنازعة.
ورأى أن هناك أسباباً عدة قد تدفع أمريكا للتدخل نيابة عن حلفائها الأكراد، خصوصا إذا ما حاول النظام استعادة مناطقهم أو السيطرة على دير الزور. وأي تحرك عسكري سيكون خطأ فادحاً. ولن يقوم أي طرف، الأردن أو الحكومة العراقية ولا أكراد العراق، بدعم أكراد سوريا في دير الزور.
ويشير إلى أن روسيا أيضاً حساسة للتدخل الخارجي ضد الحكومات الديكتاتورية. ولا توجد شهوة في واشنطن للدفاع عن أكراد سوريا. ومع أن هناك مخاوف من التوسع الإيراني إلا أن الغارات الجوية لا تكفي للحد من نفوذ طهران في سوريا. ولهذا تأمل واشنطن في أن تقوم روسيا بالحد من نشاطات إيران هناك. ومن هنا يعتقد أن أمريكا لا تملك الكثير من الأوراق سوى ورقة الدعم الإنساني للاجئين.
** رابط المقال الأصلي:
https://www.foreignaffairs.com/articles/syria/2017-10-16/keeping-out-syria?cid=int-lea&pgtype=hpg