هكذا فشلت الفصائل الثورية والحركات الجهادية في سوريا
بقلم: سهيل مصطفى / ناشط ثوري وإعلامي من دير الزور
حتى نستخلص الدروس والعبر من لحظة الإخفاق التي نعيشها في ثورة الشام، علينا محاكمة كل ما حدث بعيداً عن العواطف والميول والانتماءات.
بداية، لابدّ من أن تعترف كل الأطراف بانحرافها عن المشاريع والأهداف التي جاهرت بها في الثورة، ابتداء من الفصائل الثورية وانتهاء بالحركات الجهادية.
فشلت الفصائل الثورية في قيادة الثورة، وأصبحت عصابات مسلحة همها السلب والنهب وارتهنت لأجندات الداعم الإقليمي وفرطت في تضحيات الثوار الأوائل. كما فشلت في التوحد وتنظيم نفسها وصناعة مؤسسات تدير المناطق المحررة، مما أشاع الفوضى وساهم بخلق الخلافات والضغائن في المناطق المحررة.
في ظل هذا الفشل الذريع للفصائل الثورية، سطع نجم الحركات الجهادية التي (كانت) تتمتع بالنزاهة في بدء ظهورها فمال بعض الناس لها. وعلى مبدأ "إن هبت رياحك فاغتنمها"، ولم تفوت الحركات الجهادية فرصة فشل الفصائل الثورية وبدأت في التوسع والتمدد وكسب قاعدة شعبية كبيرة .
وحرصت الحركات الجهادية في بداية بروزها وتمددها على الظهور بوجه أخلاقي كانت تتوق له المناطق المحررة، وكانت تنتقي أفرادها بعناية وضمن شروط محددة
ولكثرة ما عانى الناس من فقدان القيم الإخلاقية من قبل الفصائل الثورية، فقد أقبلوا بنهم وشغف على الحركات الجهادية بغض النظر عن مشاريعها وخلفياتها. وحسبما لمست بنفسي، فقد رأيتهم ينضمون للحركات الجهاديةلنزاهتها وشراستهاوإصرارها على قتال النظام، ولم يكن هؤلاءالشباب يهتمون بخلفيات تلك الحركات. ولم يكن يهتم الشباب المنضمون بالبغدادي أو الجولاني أو خلافة أو إمارة، بل كان جُلّ اهتمامهم أن هذه الحركات لاترتبط بدول داعمة وأنها تقاتل النظام.
وبعد انهيار معظم الفصائل الثورية سعت الحركات الجهادية لإكثار سوادها، فتخلت عن القواعد الصارمة في انتقاء عناصرها وبدأت تقبل بكل من هب ودب! ولم تهمل الحركات الجهادية نشاطها الدعوي في المساجد سعياً لإنشاء جيل عقدي، ولكن تخليها عن القواعد الصارمة بقبول الجميع بصفوفها كان هدّاماً!!
كنت من أشد المعجبين بالحركات الجهادية وشراستها في قتال النظام وقواعدها الصارمة في اختيار عناصرها في البدء، ولكني شعرت بالإحباط عند تخليها تلك القواعد. فقد أصبحت أرى لصوص الفصائل ومجرميها والانتهازيين وأتباع النظام النصيري في صفوف الحركات الجهادية، وكانت هذه بداية النهاية لإنجازاتها الرائعة.
وكنت كغيري من الشباب لايهمني البغدادي ولا الجولاني، وأعلم علم اليقين أن تحقيق خلافة أو إمارة ضرب من ضروب الخيال لعدم تحقق الظروف والشروط. وجُلّ ما كان يهمني كباقي الشباب هو نشر الأخلاقيات الإسلامية التي ترتقي بالمجتمع وقتال النظام النصيري، وكانت هذه هي الأمنيات نفسها مع الثورة والفصائل.
ما وقعت فيه الفصائل من أخطاء ابتداء وقعت فيه الحركات الجهادية لاحقا، وزادت عليه بظهور أفراد أو أطراف تكفر المجتمع على جهله وتتسرع في إطلاق الأحكام القضائية.
ظهور تلك الأخطاء في الفصائل الثورية والحركات الجهادية لاينفي وجود حالات نزيهة ومحبوبة وعلى خلق، ولكنهم أصبحوا قلة مقارنة بالغالب. ولا يعني هذا أن العدو النصيري كان أفضل أخلاقياً، ولكنَ حلفاءه أقوياء وصادقون في دعمه، كما كان النصيري واحداً موحداً مُنظماً وهذه قوة.
كما إنه لايخفى على المطلع أن الدنيا كلها تكالبت على الشعب السوري، ومعه الفصائل والحركات الجهادية، بطرق وأساليب شتى، مما أضعفها وأنهكها.
وفي خضم كل تلك الظروف بدأ الناس يغادرون مناطق الفصائل والحركات الجهادية، فلا شيء يشجع على البقاء مع انحرافها الكبير وشدة القصف ووحشيته. ولو بقيت تلك الفصائل والحركات الجهادية على استقامتها وأخلاقياتها التي بدأت بها، لما غادرها الناس ولفضلوا الموت معها تحت القصف والفقر والجوع.
وكل من سخر ممن كان يدعو للحفاظ على القاعدة الشعبية كان مخطئاً والدليل أن الفصائل والحركات الجهادية لم تعد تجد من ينظم للقتال معها ويساندها. فقد يصمد مئات المقاتلين وثلة قليلة أمام جيوش جرارة، ولكن صمودها لن يطول، وخاصة بعد انحرافات خلقية وشرعية كبيرة نخرت ودمرت كل ماهو جميل.
ربما كانت هذه الأخطاء هي ذاتها التي وقع فيها أجدادنا الأوائل، والتي تسببت في انهيار امبراطورية إسلامية ودول قوية ذات شأن، ولكننا لم نتعلم مما سبق.
والطامة الكبرى أننا نعرف الداء والدواء، ولكننا عاجزون عن الفعل والتغيير،ولانعرف كيف نترجم تلك الرغبة الجامحة بالتغيير، ربما لأننا فوضويون!!
وفي ظل فساد الفصائل واستحالة إصلاحها كان أمام الناس خيارين لا غير:
1- العودة إلى حضن النظام.
2- ظهور فصيل قوي موحد يعيد ترتيب الأمور، وهذا ما كان، ولكن الفصيل الذي ظهر وسيطر وقع في أخطاء أعادت الأمور إلى لمربع الأول، وهكذا خُذلت ثورة المسلمين من الجميع دون استثناء.