بعض من سيرة يوسف كنج باشا والي دمشق 1807-1810 م
هو كردي الأصل وكان فقيراً بالبداية وتدرج بالعسكرية حتى علا اعلى المناصب لهمته العالية وشجاعته وقوته وذكائه
عندما وصلهم خبر موت أحمد باشاالجزار والي دمشق وعكا فرجع يوسف الكنج الى الشام واستولى اسمعيل باشا على عكا وتوجه منصب ولاية الشام الى ابراهيم باشا المعروف بقطر اغاسي اي اغات البغال وفي فرمان ولايته الامر بقطع رأس اسمعيل باشا وضبط مال احمد باشا الجزار فذهب يوسف كنج بخيله واتباعه الى ابراهيم باشا وخدم عنده وركب الى عكا وحاصروها وحطوا في ارض الكرداني مسيرة ساعة من عكا وكانت الحرب بينهم سجالا وعساكر اسمعيل باشا نحو العشرة الاف ويوسف كنج يباشر الوقائع وكل وقعة يظهر فيها على الخصم ففي يوم من الايام لم يشعروا الا وعسكر اسمعيل باشا نافذ اليهم من طريق اخرى فركب يوسف كنج واخذ صحبته ثلاثة مدافع وتلاقى معهم وقاتلهم وهزمهم الى ان حصرهم بقرية تسمى دعوق ثم اخرجهم بالامان الى وطاقه واكرمهم وعمل لهم ضيافة ثلاثة ايام ثم ارسلهم الى عكا بغير امر الوزير ثم توجه ابراهيم باشا قطر اغاسي الى الدورة وصحبته يوسف كنج وتركوا سليمان باشا مكانهم وخرج اسمعيل باشا من عكا واغلقت ابوابها فاتفقت عساكره وقبضوا عليه وسلموه الى ابراهيم باشا فعند ذلك برز امر ابراهيم باشا بتسليم عكا الى سليمان باشا وذهب بالمرسوم يوسف كنج فأدخله اليها ورجع الى مخدومه وذهب معه الى الدورة ثم عاد معه الى الشام وورد الامر بعزل ابراهيم باشا عن الشام وولاية عبد الله باشا المعروف بالعظم على يد باشت بغداد فخرج يوسف كنج لملاقاته من على حلب فقلده دالي باشا على جميع العسكر فلما وصل الى الشام ولاه على حوران واربد والقنيطرة والجولان ليقبض اموالها فأقام نحو السنة ثم توجه صحبه الباشا مع الحج وتلاقوا مع الوهابية في الجديدة فحاربهم يوسف كنج وهزمهم وحجوا واعتمروا ورجعوا ومكثوا الى السنة الثانية فخرج عبد الله باشا بالحج وابقى يوسف كنج نائبا عنه بالشام فلما وصل الى المدينة المنورة منعه الوهابيون ورجع من غير حج ووصل خبر ذلك الى الدولة العثمانية فورد الامر بعزل عبد الله باشا عن ولاية الشام وولاية يوسف كنج على الشام وضواحيها
فارتاعت النواحي و العربان لتولية يوسف كنج و اقام السنة و لم يخرج بنفسه الى الحج بل ارسل ملا حسن عوضا عنه فمنع أيضا عن الحج فلما كانت القابلة انفتح عليه أمر الدورة و عصى عليه بعض البلاد فخرج اليها و حاصر بلدة تسمى كردانية ووقع له فيها مشقة كبيرة الى ان ملكها بالسيف و قتل اهلها ثم توجه الى جبل نابلس وقهرهم وجبى منهم اموالا عظيمة
ثم رجع الى الشام واستقام أمره وحسنت سيرته وسلك طريق العدل في الاحكام واقام الشريعة والسنة وابطل البدع والمنكرات واستتاب الخواطئ وزوجهن وطفق يفرق الصدقات على الفقراء واهل العلم والغرباء وابن السبيل وامر بترك الاسراف في المأكل والملابس وشاع خبر عدله في النواحي ولكن نقل ذلك على اهل البلاد بترك مألوفهم
ثم انه ركب الى بلاد النصيرية وقاتلهم وانتصر عليهم وسبى نساءهم واولادهم وكان خيرهم بين الدخول في الاسلام أو الخروج من بلادهم فامتنعوا وحاربوا واتخذلوا وبيعت نساؤهم واولادهم فلما شاهدوا ذلك اظهروا الاسلام تقيه فعفا عنهم وعمل بظاهر الحديث وتركهم ورحل عنهم الى طرابلس وحصارها بسبب عصيان اميرها بربر باشا على الوزير واقام محاصرا لها عشرة اشهر حتى ملكها واستولى على قلعتها ونهبت منها اموال للتجار وغيرهم ثم ارتحل الى دمشق واقام بها مدة فطرقه خبر الوهابية انهم حضروا الى المزيريب فبادر مسرعا وخرج الى لقائهم فلما وصل إلى المزيرب وجدهم قد ارتحلوا من غير قتال فأقام هناك اياما فوصل اليه الخبر بأن سليمان باشا والي عكا وصل الى الشام وملكها فعاد مسرعا الى الشام وتلاقى مع عسكر سليمان باشا وتحارب العسكران الى المساء وبات كل منهم في محله ففي نصف الليل في غفلتهم والمترجم نائم وعساكره ايضا هامدة فلم يشعروا الا وعساكر سليمان باشا كبستهم فحضر اليه كتخداه وايقظه من منامه وقال له ان لم تسرع والا قبضوا عليك فقام في الحين وخرج هاربا وصحبته ثلاثة اشخاص من مماليكه فقط ونهبت امواله وارزاقه وزالت عنه سيادته في ساعة واحدة
ثم وصل الى حماة فلم يتمكن من الدخول اليها ومنعه اهلها عنها وطردوه فذهب الى قلعة سيجر وارتحل منها الى بلدة يعمل بها البارود ومنها الى بلدة تسمى ريمة ونزل عند سعيد اغا فاقام عنده ثلاثة ايام ثم توجه الى نواحي انطاكية بصحبته جماعة من عند سعيد اغا المذكور ثم الى السويدية قرب الاسكندرونة ولم يبق معه سوى فرس واحد ثم انه ارسل الى محمد علي باشا صاحب مصر واستأذنه في حضوره الى مصر فكاتبه بالحضور اليه والترحيب به فوصل الى مصر في التاريخ المذكور فلاقاه صاحب مصر واكرمه وقدم اليه خيولا وقماشا ومالا وانزله بدار واسعة بالازبكية ورتب له خروجا زائدة من لحم وخبز وسمن وارز وحطب وجميع اللوازم المحتاج اليها وانعم عليه بجوار وغير ذلك واقام بمصر هذه المدة وارسل في شانه الدولة وقبلت شفاعة محمد علي باشا فيه ووصله العفو والرضا ما عدا ولاية الشام وحصلت فيه علة ذات الصدر فكان يظهر به شبه السلعة مع الفواق بصوت يسمعه من يكون بعيداغ عنه ويذهب اليه جماعة الحكماء من الافرنج وغيرهم ويطالع في كتب الطب مع بعض الطلبة من المجاورين فلم ينجع فيه علاج وانتقل الى قصر الاثار بقصد تبديل الهواء ولم يزل مقيما هناك حتى اشتد به المرض ومات في ليلة السبت العشرين من شهر ذي القعدة وحملت جنازته من الاثار الى القرافة من ناحية الخلاء ودفن بالحوش الذي انشأه الباشا واعده لموتاه وكان مدة اقامته بمصر نحو ستة سنوات فسبحان الحي الذي لايموت الدائم الملك السلطان
صدر الأمر السلطاني في سنة 1225 إلى سليمان باشا والي صيدا أن يقتل والي دمشق كنج يوسف باشا ويصادر أمواله. لأن يوسف باشا عجز عن سوق قوة لقتال ابن سعودومما قاله السلطان لوالي صيدا في أمره الصادر بهذا الشأن: إني آمل منك صداقة وحسن خدمة لأنك تربية الغازي الجزار أحمد باشا حتى لا يقال إن هذا راح ولم يخلف إنساناً!. ومعنى ذلك أن الدولة كانت راضية عن الجزار إذا ذكرته تذكره بأنه مثال رجالها الأمناء، وما ذلك إلا لأنه كان يؤدي لها الخراج في الجملة ويقاتل أعداءها ويرشي جماعة الأستانة بالمال على الدوام. أما سوء سيرته في الرعية وظلمهم وتقتيلهم فهذا لا ينقص بزعمها قدر الرجال، بل يجب على العمال أن يتقيلوا مثاله.
ولما جاء سليمان باشا في جند من الدروز وغيرهم لأخذ دمشق من كنج يوسف باشا تعصب الدمشقيون لواليهم القديم، ووقع القتال في أرض الجديدة وداريا، فانهزم الدمشقيون وظفر العسكر اللبناني والعكاوي وقتل كثير من الدمشقيين. وفي هذه الوقعة يقول المعلم نقولا الترك في مدح الأمير بشير:
وخاض غمار الحرب تحمل خلفه ... ثلاثة آلاف تصول وتخطر
فلاقته فرسان المنايا مغيرة ... تنادي على الباغين: الله أكبر
وثار الوغى والسيف قد قارع القنا ... وغطى الفريقين الغبار المكدر
فولى على أعقابه كل ظالم ... وفي سهل داريا الأعادي تقهقروا
وكم من سراياهم ترامت جماجم ... كأوراق أشجار على الأرض تنثر
http://shamela.ws/browse.php/book-37063/page-609#page-611
من تاريخ الجبرتي
http://islamport.com/d/3/tkh/1/114/2348.html