كيف خدمت "مناطق خفض التصعيد" نظام الأسد وجنبته نزيفا وتشتيتا عسكريا؟
=================
2017-8-12 |
وائل عصام
كل ما فعلته تفاهمات وقف إطلاق النار في مناطق "خفض التصعيد" في أستانة، ليس سوى مساهمة سياسية من حلفاء النظام "رعاة أستانة"، لتخفيف الضغط العسكري على قواته من مناطق أقل أولوية في أهميتها الجغرافية السياسية حتى الانتهاء من المناطق الأكثر أهمية، أي أنه جهد سياسي من حلفاء النظام يكمل الجهد العسكري للحلفاء أنفسهم في سوريا باستمالة وترويض المعارضين الأقل خطورة حتى الانتهاء من مواجهة المعارضين الأكثر خطورة كالجهاديين، بل حتى بين الجهاديين أنفسهم.
أدار النظام وحلفاؤه خطة العمل العسكري بطريقة، الأكثر خطورة والأقل خطورة، فتجده ترك النصرة في إدلب حتى الانتهاء من مواجهة تنظيم "الدولة" في دير الزور ومحيطها، وليست المقارنة على أساس خطورة التنظيمات، وفقط، بل هي أيضا بأهمية المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، فدير الزور أكثر أولوية من إدلب، لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بحسابات النظام الداخلية، وهي تلك المرتبطة بثروة الدير النفطية والزراعية، وكذلك وجود عدة وجوه موالية للنظام من تلك المناطق العشائرية القادرة على خلخلة واختراق بعض القرى، خصوصا في الريف الغربي للدير والشرقي للرقة، حيث كانت بعض هذه القرى معارضة للتمرد على النظام من بدايات الثورة، أضف لذلك وجود قوة للنظام محاصرة منذ أكثر من عامين في دير الزور، تتمركز في المطار ومحيطه، وأجزاء من جنوب المدينة، ويريد النظام تكرار ما فعله في سجن حلب المركزي ومطار كويريس، عندما نجح في فك حصار قواته المحاصرة هناك، بعد عمل عسكري دؤوب استمر لأشهر طويلة.
وأيضا، وضمن الحسابات الداخلية للنظام، فإنه عادة ما يهتم بالحفاظ واستعادة مراكز المحافظات في سوريا، وإن ترك الأرياف، لذلك تراه يهتم بإضافة مركز محافظة جديد لقائمة المراكز التي يهيمن عليها منذ بدء الثورة المسلحة.
أما إذا تحدثنا عن الحسابات الإقليمية، أي تلك المرتبطة بعلاقات النظام بقطب الرحى في حلفه، أي طهران، فإن دير الزور محافظة حدودية مع العراق، وبات معروفا مدى الاهتمام الذي يوليه حلفاء دمشق لإدامة التواصل الجغرافي مع بغداد عبر الحدود، لذلك كان لاعتبار دير الزور أولوية في العمليات العسكرية اعتبارات داخلية وإقليمية، جعلتها أكثر إلحاحا من إدلب، ومن باقي المناطق المؤجلة في "خفض التصعيد".
وهكذا، فإن خطة مناطق خفض التصعيد الأربع، وهي غوطة دمشق الشرقية، وريف حمص وجنوب سوريا، وإدلب، جاءت لتمكن التنظيم من تركيز جهده الأكبر على عملياته في دير الزور، فكانت كأنها مناطق مؤجلة الحسم العسكري حسب سلم الأولويات، ورغم ذلك تجد أن النظام يواصل هجماته المتقطعة والقصف على كل مناطق خفض التصعيد تقريبا، وهذا دليل آخر على أنه ينظر لها ليس كمناطق مشمولة بوقف حقيقي لإطلاق النار، وإنما مناطق مشمولة بتخفيف إطلاق النار، إن صح التعبير
وهذه السياسة هي التي اتبعها النظام على مدار عامين، منذ اتفاقات جنيف الفارغة، وقبلها الرياض، حيث كان يخفف من ضغط جبهات بتفاهمات لوقت محدود، ليركز على جبهات أكثر أهمية، وبينما يواصل جهده العسكري في الجبهات التي تسيطر عليها فصائل عنيدة، لا تقبل التسويات، فإن جهده السياسي وجهد حلفائه، كما قاعدة حميميم الروسية، ينصب على باقي مناطق "خفض التصعيد" لكي يتم إقناع فصائلها المعارضة بالتسوية وتسليم المناطق للنظام، مقابل خروج آمن، إذ إن الأسلوب المتبع مع هذه المناطق المشمولة بخفض التصعيد، أو وقف إطلاق النار سابقا، هو القصف والحصار، من دون بذل جهد حملة عسكرية كبيرة للاقتحام، كون هذه الفصائل غالبا ما تقبل بالانسحاب بتسويات تحت ضغط الجوع والحصار والقصف، وهذا ما تحقق في المعضمية وداريا وغيرها، خلال اجتماعات المفاوضات السابقة.
وهذا ما جرى أيضا قبل أيام في جنوب سوريا، عندما انسحب جيش العشائر من كامل الحدود السورية الأردنية في محافظة السويداء، وأدخل قوات النظام لمواقعه، وإن كانت بعض المناطق كعين ترما مثلا تشهد محاولات اقتحام وتقدم من قبل النظام، ومقاومة من قبل المعارضة، فإن هذه العمليات هي خطوة أخيرة لإكمال الضغط والحصار للوصول لتسوية، بمن دون مزيد من المعارك، وهذا ما حصل في حلب، حيث انهارت كل فصائل المعارضة ما عدا النصرة وحليفها الزنكي، وسيطر النظام على كامل حلب الشرقية في أيام معدودة، بعد عمليات حصار ومواجهات استمرت لعامين كاملين في محيط حلب لإكمال طوق المدينة، كان معظمها مواجهات مجاميع جهادية في أحرار الشام والمهاجرين والأنصار وجند الخلافة وجبهة أنصار الدين. وما يحصل مؤخرا من تفاهمات مع جيش الإسلام سيجعل الغوطة في طريقها للمصير نفسه، رغم خلافه مع فيلق الرحمن.
هذه إذن السياسة المتبعة في مناطق خفض التصعيد، حصار ومساومات وقصف ومناوشات لا تصل إلى حملة عسكرية ضخمة، ثم تسوية ودخول آمن، لتوفير هذه الحملات العسكرية البرية الواسعة للمناطق التي يعرف النظام أنه لن يستعيدها سوى بحملات عسكرية وجهد حربي خالص، وهي التي تسيطر عليها النصرة والتنظيم في إدلب ودير الزور.
فحوى القضية إذن، هي أن النتائج العسكرية على الأرض في هذه الحروب الأهلية هي التي تحدد المسار السياسي، وليس العكس، وكل ما دون ذلك من تفاهمات وصيغ هلامية ما هي إلا محاولة لكسب الوقت ختى إتمام المهمة العسكرية، حسب الأهم فالمهم.
وحين تتم السيطرة على المناطق الأصعب، يدرك النظام أن بعض فصائل المعارضة الصغيرة في مناطق "خفض التصعيد" لن تقبل ببقاء الأسد، وفقط، بل ستنضم لصفوف الجيش النظامي لمحاربة "الإرهاب"، وهذا ما حصل فعلا من بعض المجموعات التي خرجت بعد حصارها لأربعة أعوام في ريف دمشق لتهتف بـ"الوطن" وتنضم للفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري، بل إن هذا ما فعله قائد مؤسسة المعارضة السياسية السابق المدعوم سعوديا الجربا، الذي أعلن رفض مواجهة النظام عسكريا، وانضم للعمليات العسكرية شمال سوريا لمحاربة "الإرهاب" بدعم من حليف الأسد.. روسيا، لذلك لن يجد النظام طريقة أفضل للتعامل مع مناطق خفض التصعيد سوى بمنطق تأجيل التصعيد حتى إتمام التفاهم مع من يوفر عليه الجهد العسكري.. مثل الجربا.