لماذا فشلت الفصائل ونجح "تنظيم الدولة" في السيطرة على دير الزور؟
=================
2017-8-7 |
بقلم: سهيل المصطفى / ناشط وإعلامي سوري من دير الزور
تبلغ مساحة دير الزور 33060كم²وتشكل مساحتها قرابة 7% من مساحة سورية، وهي ثاني أكبر محافظة بعد حمص وأكبر من لبنان بثلاث مرات، يتجاوز عدد سكانها قرابة مليون ومائتي ألف "نسمة.
تُسمى دير الزور بالكتلة الصلبة لدى النخب الثقافية، لأن سكانها عرب سُنّة أقحاح. يغلب على دير الزور الطابع العشائري، ومعظم سكانها من قبيلة العکيدات والبکارة، ويرتبط أهلها بصلات قربى حميمة مع عشائر العراق السُنية.
ستشكل المعارك القادمة بين نظام الأسد وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" من جهة وبين "تنظيم الدولة" من جهة والثوار بنسبة أقل منعطفاً هاماً في تحديد مصير الحل النهائي في سورية.
تُعتبر ديرالزور أول وأكبر مساحة جغرافية تُحرَر من الاحتلال النصيري على يد الثوار وشكلت عبئاً كبيراً على قوات الأسد بسبب فداحة خسائرها.
فقد شكل ريفها الممتد وجغرافيتها الواسعة رمالاً متحركة ابتلعت قوات الأسد وآلياتها، مما اضطرها للانسحاب والتجمع في المطار العسكري والمربع الأمني.
تُعتبر أكثر من 95% من ديرالزور محررة ولا توجد قوات الأسد إلا في المطار العسكري شديد التحصين وأحياء الجورة والقصور وهرابش. وشكلت المناطق التي مازال يحتلها النصيري عقدة كؤود أمام الثوار أولاً ثم "تنظيم الدولة" ولم يستطيعوا تحريرها لأسباب سنسرد بعضها.
فقد شكل الاكتظاظ السكاني في الأحياء المحتلة والنسبة العالية للخسائر البشرية لو حدث أي اقتحام هاجساً مقلقاً للثوار ولـ"تنظيم الدولة"، ويوجد في تلك الأحياء مئات الآلاف من النازحين، ريفاً ومدينة، وليسوا كلهم موالون للنصيري بل يوجد منهم من أصبح عالقاً في تلك الأحياء بسبب الحصار رغم النداءات الكثيرة التي وجهها الثوار لسكان تلك الأحياء للخروج قبل الحصار إلا أنهم لم يأخذوا الأمر على محمل الجدية.
تأخر الثوار في حصار تلك الأحياء ولم ينفذوا تهديداتهم إلا أن سيطر "تنظيم الدولة" على ديرالزور ونفذ التهديد وحاصر تلك الأحياء. ويعاني، حالياً، سكان الأحياء المحاصرة من شتى أنواع القهر بسبب نقص وغلاء المواد الأساسية وبسبب ابتزاز الميليشيات المسلحة لهم في حياتهم لقمة عيشهم. وتقوم السلطات النصيرية بحملة تجنيد إجبارية وزج الشباب وحتى القاصرين في جبهات القتال مع "تنظيم الدولة".
أما مطار ديرالزور العسكري، فقد استطاع "تنظيم الدولة" مؤخراً حصاره في خطوة متأخرة بعد أن عجز --كما الثوار سابقاً- عن تحريره. ويعود تاريخ تأسيس مطار ديرالزور العسكري إلى حقبة الثمانينيات في عهد الطاغية الراحل حافظ أسد، وقام ببنائه ليكون مطاراً إستراتيجيا لتهديد العراق.
في فترة الثمانينيات ألقت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران بظلالها على سورية وديرالزور المحاذية والمتداخلة مع البادية العراقية. وكان الطاغية حافظ أسد قد تحالف مع إيران الخمينية لأسباب مذهبية وسياسية وشكّل مطار ديرالزور العسكري قاعدة للمعارضة العراقية.
كانت المعارضة العراقية، ورئيس جناحها العسكري نوري المالكي، يفخخون السيارات في المطار العسكري ويرسلونها عبر البادية السورية للعراق. وقام الرئيس حافظ بتجهيز المطار لوجستيا وعسكريا تحسباً لكل الظروف، وأحسبُ أنه لم يغفل مسألة قيام ثورة ضده في المنطقة الشرقية. وعلى هذا الأساس تحصنت قواته في مطار ديرالزور العسكري أثناء قيام الثورة السورية وسحب معظم مدرعاته وأسلحته في الجزيرة السورية باتجاه المطار.
يتميز مطار ديرالزور العسكري بموقعه الإستراتيجي وتحصيناته الصناعية والطبيعية، ففيه هضاب وخنادق منخفضات وأشجار كثيفة وكمائن كثيرة وخفية.
وقمت شخصياً بتغطية الكثير من المعارك إعلامياً على أسوار المطار العسكري ومعركة واحدة داخله وأصبت فيها بجروح بليغة في كمين خفي لم نلحظه أبداً. تصورا أننا لم نلحظ هذا الكمين إلا بعد نهاية المعركة ومشاهدة الفيديو الذي صورته للاشتباكات، فقد كنت أقف فوق كمين خندق خفي ولا أدري بذلك!! في الفيديو الذي سجلته شاهدت يداً تمتد من تحت الأرض لتلقي قنبلة يدوية بجانبي ثم ألقت الثانية ونجوت أما الثالثة فقد انفجرت بين قدمي.
وفي المحصلة، فإن تحصينات مطار ديرالزور العسكري كانت مجهولة للثوار ولـ"تنظيم الدولة"، ولا يمكن للآليات أن تسير في محيطه لوعورة تضاريسه وحتى الدبابات. والدليل على وعورة تضاريسه أنه ذات مرة استطاع الثوار اغتنام دبابة T72 لأنها علقت في خندق في أحد الاشتباكات ولم تستطع قوات الأسد إخراجها.
ومن أسباب عدم تحرير الثوار للمطار قبل تحصينه كما هو الآن، أن قرار تحريره لم يكن بيد الثوار لأن أمريكا كانت تمنع الثوار من ذلك وسأسرد الدليل. فقد روى لي أحد ضباط المجلس العسكري أنهم عرضوا على "روبرت فورد"، السفير الأمريكي السابق في دمشق، خطة لتحرير المطار في اجتماع حدث في تركيا. وكان السفير الأمريكي رفض بقوة وعصبية وقال لهم: المطار نووو!! ممنوع تحرير المطار، يضيف الضابط: أدركت حينها اللعبة الأمريكية والمتاجرة بدمائنا، وكل المعارك التي حصلت في محيط مطار ديرالزور العسكري كانت للضغط على النظام وتحسين الموقف السياسي التفاوضي لا أكثر.
وربما تشذ بعض المعارك القليلة عن القاعدة، ومنها معركة تحرير الجفرة في ديسمبر 2013، ولم تكن بأمر أو "أجندة" خارجية ولهذا أُجهضت. وكنت حاضراً وقمت بتغطية تلك المعركة لوسائل الإعلام، وحُررت "الجفرة" وبقيت محررة لمدة ثلاثة أيام وارتقى فيها 60 شهيداً بإذن الله.
ما حصل أن الثوار حرروا بلدة #الجفرة في 34 دقيقة فقط. وكانت إحدى نساء "الجفرة" تسجر التنور لتصنع الخبز، ولكن الثوار حرروا الجفرة قبل أن يُسجر التنور. والذي حصل أن كل جبهات ديرالزور توقفت وهدأت كأنها في هدنة عند تحرير بلدة "الجفرة"، وجاءتهم الأوامر من الداعمين بذلك ولم يكونوا راضين عن المعركة.
وخاضت الفصائل التي حررت "الجفرة" المعركة من دون إخبار أي طرف خارجي بموعدها ولم تتلق أي دعم، وكان ثقل تلك الفصائل عشيرتي البخابور والقرعان، وأكثر من خمسين شهيداً كانوا من تلك العشيرتين وعشرة شهداء من باقي الريف الشرقي.
والفصائل التي اقتحمت بلدة "الجفرة" كانت قد نسقت مع كل جبهات ديرالزور، ففي حال وصلهم خبر اقتحام الجفرة فعليهم أن يفتحوا كل الجبهات، لكن المفاجأة أن جميع الجبهات صمتت وأكثر جبهة كان يعول عليها للمشاغلة جبهة المسمكة التي رابطت فيها جبهة الأصالة والتنمية وصمتت تلك الجبهة!
وبعد صمت كل الجبهات استطاعت قوات الأسد تركيز كل جهودها وقواتها على جبهة "الجفرة" المحررة آنذاك، وقام النصيري بإحراق الجفرة بالقصف الجوي والمدفعي. واقتحمت دبابات T72 الجفرة، وحصل نقص لدى الفصائل في ذخيرة مضادات الدروع، وارتقى معظم الشهداء بغزارة القصف الجوي والمدفعي.
وأتذكر يومها أن قذائف المضادات اختفت من سوق السلاح في ديرالزور، وإن وُجدت فبأسعار مضاعفة، وكانت تلك مؤامرة واضحة لاشك في ذلك، لأن بعض الثوار وصلوا حينها لبوابة مطار ديرالزور العسكري ووقع النصيري في حالة إرباك من هول المفاجأة، فلم يكن يعلم بموعد المعركة كما جرت العادة.
وفي المحصلة صمد الثوار ثلاثة أيام وبعدها قرروا الانسحاب لأنهم حوصروا من النظام وقصفه، ولإحجام باقي الفصائل عن مشاغلة النصيري ومن منع الذخيرة عنهم.
وبعد هذه المعركة حصحص الحق وظهر المتآمرون وعبيد الدعم والأجندات الخارجية، وكانت ديرالزور في حالة معنوية متدنية وحصلت انشقاقات بين الفصائل، وساد شعور عام لدى أهالي ديرالزور بأن معظم الفصائل المرابطة لا تمت للثورة بأي صلة، فصائل عميلة لمن هم وراء الحدود وللسفارات الأجنبية.
لم يمر هذه الحدث مرور الكرام، فقد أصبح معظم الناس يتمنون دخول "تنظيم الدولة"، وخاصة أهالي الشهداء، ربما ليس حُبّاً في التنظيم ووعياً بمشروعها، ولكن كانوا يبحثون عن مُنتقم وعن جهة قوية تُعاقب تجار البترول والدم ليشفوا غليلهم بمن أحرقوا أبناءهم.
وحتى جبهة النصرة انخفضت أسهمها، فقد شاركت "فرقة القعقاع" وقائدها "محمود المطر" المبايعة للنصرة آنذاك دون موافقة وإذن جبهة النصرة. وفي موقف شهدته بنفسي في أرض المعركة، احتاجت "فرقة القعقاع" للذخيرة فأرسلوا لجبهة النصرة يطلبون الذخيرة فرفضت الجبهة إمدادهم!!
والحجة أن "محمود مطر" و"فرقة القعقاع" شاركوا في المعركة دون إذن الجبهة، وهذا مخالف لشروط البيعة، فتركوا الثوار دون ذخيرة يواجهون مصيرهم. وعقب ذلك، خلع "محمود مطر" بيعته للجبهة، وهو ابن عشيرة القرعان التي قدمت مع عشيرة البوخابور خمسين شهيداً بسبب خذلان الجميع.
وقد يستغرب البعض استرسالي في سرد أحداث تلك المعركة، والسبب أنها كانت منعطفاً هاماً للفصائل التي شاركت فيها وبايعت بعدها "تنظيم الدولة". وهكذا كانت تجري معارك تحرير مطار ديرالزور العسكري أهم نقطة في المدينة.