مصير الشمال السوري معلق بخفايا التحالف التركي ـ الروسي والأسد يتوعد إدلب ويهدد بـ «تصفية» الخوذ البيضاء
دمشق – «القدس العربي»: يأمل النظام السوري توسيع ثغرة ما يسميها إدعاءً «محاربة الإرهاب» التي تمكنه الولوج من خلالها للاعتداء على آخر معاقل المعارضة السورية في ادلب، حيث قال رئيس النظام السوري بشار الأسد، خلال مقابلة مع وكالة روسية، أمس الجمعة، إن السيطرة على محافظة إدلب ستمثل أولوية بالنسبة لقواته في عملياتها المقبلة، متوعداً بالقضاء على كل عناصر «الخوذ البيضاء» الرافضين للمصالحة. في وقت يبدو مصير الشمال السوري معلقاً بخفايا التحالف التركي – الروسي.
وفي حين يتوجس سكان المنطقة والفصائل المعتدلة من ردة فعل هيئة تحرير الشام استبقت الهيئة ذلك بالإعلان عن رفضها نزع سلاحها وهو ما برز في تصريح القيادي لدى الهيئة يحيى الفرغلي الذي قال «نعرف كيف نُذل الروس وإيران، وطريقنا الجهاد، وسلاحنا خط أحمر» مشيراً عبر التلغرام الخميس، الى ان هدف جماعته «الحفاظ على هذه الثوابت، والروس والإيرانيون يعلمون هذا ونحن نعرف كيف نذلهم في المعارك، لذلك يسعون لبث الشائعات وإفقاد الناس إرادة القتال» مضيفاً أن إدلب «تختلف عن باقي المناطق التي سلّمت سلاحها حيث أن أغلب من يعمل في إدلب والأرياف المحيطة بها يرون أن الحل في الجهاد والقتال».
محك الشمال
وتعتبر منطقة خفض التصعيد الرابعة الممتدة بين ارياف ادلب وحلب وحماة واللاذقية، أعقد مسألة، لما فيها من تداخل بين الملفات، وكونها ساحة الاختبار الأبرز بين التوافق التركي الروسي، والتمييز ما بين الأمن والمشاريع الاقتصادية ومصير الأسد، إذ تريد موسكو تأمين وحماية قاعدتها العسكرية في حميميم من الاختراق الأمني والعسكري المستمر، حيث اتهمت وزارة الدفاع الروسية فصائل مسلحة متواجدة في منطقة خفض التصعيد الرابعة بالقيام بعمليات القصف التي تستهدف القاعدة، كما ترغب بحسب رؤية مركز جسور للدراسات بضبط سلاح الفصائل عبر ضمانة تركيا حتى تمتلك محيطاً آمناً يمكّنها من إعادة ترتيب الأوراق داخل مناطق سيطرة النظام وحتى تخطو للأمام في مسار الحل السياسي وفق رؤيتها، وإنهاء ملف هيئة تحرير الشام والتنظيمات الجهادية المرتبطة بها وبالتالي تتخلص من أية ورقة ضغط عليها مستقبلاً. كما تعمل حميميم على تأمين وحماية نقاطها العسكرية المنتشرة في محيط الشمال السوري وهذا يحتاج لتفاهم وعدم تصعيد مع تركيا حتى لا يتكرر سيناريو عام 2016 حينما نفذت فصائل المعارضة هجمات في حماة وحلب أودت بحياة جنود وضباط روس بعمق مناطق سيطرة النظام، إضافة الى تأمين طريق حلب – دمشق الدولي، وأيضا معبر السلامة الحدودي، حتى تستطيع إعادة فتح الرئة الاقتصادية للنظام السوري وهي خطوة مهمة لإعادة إنتاجه.
وعلى ضوء هذه المعطيات، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش قمة مجموعة دول بريكس، بأنه سيتناول مع بوتين، المستجدات الشائكة في محافظة درعا جنوبي سوريا، وملف إدلب في الشمال، مشيراً إلى إمكانية وقوع أحداث طارئة وغير متوقعة في هاتين المحافظتين، مضيفا «نحن نريد أن يكون الشعب السوري محمياً من الهجمات، وخاصة تلك التي تنفذها بعض المنظمات الشرسة، وسنعمل على تأمين هذه الحماية من خلال التباحث حول هذه القضايا».
مستقبل الشمال السوري، وفق ما يراه المحلل السياسي العسكري أحمد رحال، مرهون ما بين العروض والمغريات، والضغوط على الجانب التركي، ولا أحد يعلم مصير ومستقبل إدلب، ما عدا الجهات الحصرية التي تديره، خاصة الجانبين التركي والروسي.
في حين يرى الباحث في الشؤون التركية الروسية، الدكتور باسل الحاج جاسم، أن كل التصريحات الصادرة من موسكو وأنقرة، تؤكد أن موضوع سوريا سيتم بحثه مطولاً في لقاء الزعيمين الروسي والتركي، وأن تركيا، وفق ما قاله جاسم لـ «القدس العربي»: استشعرت الخطر المحدق بإدلب وأجزاء من مناطق الشمال السوري مبكراً، فكان اتصال الرئيس التركي بنظيره الروسي قبل ايام بمثابة إعلان أن عملية إدلب باتت على الأبواب.
وما من شك أن الوضع في إدلب اليوم وانتشار المنظمات المصنفة على قوائم الإرهاب لا يرضي تركيا، ولكن ما تخشاه، وفق الباحث نفسه، هو وقوع كارثة إنسانية هناك بذريعة وجود تلك المنظمات، خاصة بعد حشر كل أصناف المعارضة فيها، بالإضافة لكل الرافضين لأي تسويات وتهجيرهم إلى إدلب من باقي المناطق والمدن السورية.
كما أن حديث إردوغان قبل مغادرته انقرة يحمل الكثير من الرسائل في طياته، عندما أشار الى أن الأمور لم تسر وفق ما هو مطلوب في المناطق السورية، والأمور سارت كما نرغب في جرابلس وعفرين والباب».
خطة سليمة
وقال مصدر مسؤول في المعارضة لـ «القدس العربي»: هنالك اتفاق دولي واضح بإنهاء أي عمل عسكري في سوريا، مع حل ملف عشرات آلاف المقاتلين المنتشرين في شمال سوريا، الذين يشكلون جزءاً من الاتفاق، الروسي – الأمريكي. وتكهن المصدر بصعوبة معرفة مصير قرابة 50 ألف مقاتل بينهم مقاتلو التنظيمات الجهادية، وآلية تدوير هذا الملف، فيما تسعى المعارضة السياسية مع القيادات العسكرية، بتدخل تركي مباشر، لإيجاد حل لهذا الملف الشائك بأقل الخسائر وبالطرق السلمية.
ولفت المتحدث الى ان حرباً خفية تقاد ضد القيادات المتشددة في الهيئة خلال الأشهر الأخيرة، مشيراً إلى أن أكثر من 150 قيادياً متشدداً داخل الهيئة تمت تصفيتهم من قبل جهات مجهولة، مع «استمرار عمليات الاغتيال».
«النصرة لا يستهان بها»
من الناحية العسكرية، رأى المحلل السياسي والعسكري، العميد أحمد رحال، أن تحرير الشام تمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها في الشمال السوري. وقال لـ«القدس العربي»: لكن من الناحية الواقعية، فإن هيئة تحرير الشام، غير قادرة على الزج بكامل قوتها العسكرية في حال انتقل الشمال من التهديد إلى المواجهة المباشرة.
رحال، يرى أن النصرة، لا تستطيع المشاركة في المعركة بأكثر من نسبة 30% من قواتها، وتفرز 20% من عناصرها للاحتياط، وستقوم بوضع 50% من قوتها العسكرية والعددية على الجوانب، لأنها ستقول بأنها قد تطعن من الخلف، وهذه القوة ستكون مهمتها حماية المواقع الخلفية التي تنتشر فيها الهيئة.
معركة سياسية
الباحث السياسي خليل المقداد يرى أن كمية السلاح المتوفرة في الشمال السوري كبيرة، والتشكيلات العسكرية مرتاحة خلال الفترات السابقة، أما النظام السوري فهو متردد جداً، والأسد يحسب نتائج الفشل، لأنها سترتد عليه بنتائج سلبية، قد يصل مداها إلى مسقط رأسه في القرداحة.
ومن خلال المجريات، يعتقد المقداد أن معركة إدلب ستكون سياسية، وروسيا لن تغامر بالحل العسكري، بل التوجه لاستخدام خيارات المكر والخديعة لإيجاد حلول وفق مصالحها، وفي العموم، ليس أمام إدلب، سوى خيارين، إما التسليم أو القتال. وفي حال قررت هيئة تحرير الشام، الحسم العسكري، فتصبح رقماً صعباً في المعادلة السورية، وأما في حال استسلمت الهيئة، فسيكون مصير إدلب هو العودة لحضن النظام. ويرى الباحث السوري، أن المعركة القادمة، ستكون في الساحل، حتى تعيق تلك المناطق التقدم العسكري نحو إدلب، في حال ولوج الخيار العسكري.
أما الباحث في الشؤون الدولية د. باسل الحاج جاسم، فيرى من الصعوبة، الاعتقاد أن مصير إدلب والمناطق المحيطة بها سيرسمه سيناريو واحد، لما لحالتها من تعقيد إن كان لجهة الكثافة السكانية فيها اليوم وتقدر بقرابة أربعة ملايين، و»أي عمل عسكري يعني فتح باب تكلفة باهظة جداً من الناحية الإنسانية وهو ما يتحدث عنه الجميع اليوم، بالإضافة لتعقيد مساحتها الجغرافية، ولا يمكن إغفال حجم السلاح الثقيل الذي يمتلكه المقاتلون هناك، وهو ما سيجعل اي هجوم عسكري يحمل تكلفة باهضة على الطرف المهاجم».
أكثر من سيناريو ينتظر إدلب، وفق الخبير في العلاقات التركية – الروسية، منها العسكري لبعض المناطق، ومنها التسويات لمناطق أخرى، بمعنى آخر سيكون هناك سيناريو مزيج للمحافظة.