من سيملأ الفراغ إذا انسحب الأمريكيون من شمال سوريا؟
وائل عصام
لا شك أن الأكراد هم أكثر الأطراف قلقا وتحسبا لما يمكن أن يقدم عليه الأمريكيون من خطوات قد تفضي لانسحاب قواتهم من المناطق الكردية شمال سوريا، فهم في هذه الحالة سيصبحون مضطرين للتنازل عن قدر كبير من استقلالية حكمهم الذاتي وطموحهم الانفصالي لمصلحة الطرف الإقليمي الأقوى الذي سيستفيد من الغياب الأمريكي.
البعض يتحدث عن أن هذا الانسحاب الأمريكي، إن تم، سيكون لمصلحة تركيا، البعض الآخر يقول إنه هدف لروسيا وإيران. وإذا أردنا استعراض فرص وحظوظ الطرفين، فعلينا بداية أن نستعيد الحالة الأكثر مماثلة في تقاسم النفوذ بين أطراف الصراع في الجغرافيا الأقرب، العراق، فالعراق شهد انسحابا للقوات الأمريكية منذ نحو ستة أعوام، وبلا شك أن القوى التي ظلت تهيمن على السلطة هناك، هي القوى الشيعية الموالية لإيران في المناطق العربية، والقوى الكردية القومية في كردستان العراق، وظل التأثير الإيراني هو الأقوى في العراق بعد الانسحاب الأمريكي، دون أن ينافسها أحد من الدول العربية المجاورة والإقليمية.
وإذا وصلنا للحالة الأكثر تشابها والأقرب زمنيا، وهي النزاع الذي احتدم حول كركوك قبل أشهر، فإنها تماثل إلى حد كبير الوضع في شمال سوريا، فالأطراف المتنازعة حول كركوك هي نفسها، قوى كردية، قوات شيعية وحكومية موالية لإيران في بغداد، وجود تركي خجول في معسكر بعشيقة، وقوات أمريكية محدودة، وتنظيم "الدولة" الذي أبعد وهمش في جيوب صحراوية بأطراف كركوك وجبال حمرين، وعرب سنة في كركوك وجارتها الحويجة تتقاذفهم الأطراف كلها. أما النتيجة فكانت لصالح قوات الحكومة والمندوب السامي لإيران في العراق، قاسم سليماني. ولاحظنا التواطؤ والتعاون بين إيران وحكومة بغداد من جهة، وبين الطرف الكردي الذي سحبته طهران لجانبها وهو حزب الطالباني.
صحيح أن الأمريكيين لم يكن وجودهم في كردستان بالثقل العسكري ذاته كما هو عليه الحال في شمال سوريا، لكنهم أيضا انسحبوا سياسيا من أزمة كركوك بدون القدرة على التأثير فيها، وهو مشهد مماثل لما يمكن أن يؤول إليه التأثير الأمريكي شمال سوريا في اللحظة التي سينسحبون فيها عسكريا من المناطق الكردية.
إذا أتينا للوضع في شمال سوريا، فقد يكون الحزب الكردي الجديد الذي أثيرت أنباء عن تشكيله في شمال سوريا، والذي يُقال إنه يحض على التعاون مع العراق دون توضيحات بالقصد من ذلك، ما هو إلا خطوة تمهيدية أمريكية، لإرساء وضع ما في شمال سوريا بعيدا عن النظام السوري، وهي محاولة لا يبدو أنها تقف على قدمين، تذكرنا بمحاولات واشنطن تدعيم سلطة حليفيها اياد علاوي وأحمد الجلبي في العراق مقابل نظرائهم الشيعة الموالين لإيران، قبل أن تبعدهم إيران إلى الهامش، فالنظام السوري، ما زال يحتفظ حتى الآن بمربع أمني في عاصمة الأكراد القامشلي، وإيران وكذلك النظام، لديهم علاقات قديمة بعدة أجنحة كردية شمال سوريا، كالمقربة من طالباني خصوصا. ولا ننسى أن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان لجأ لنظام الأسد قبل أن يضطر الأخير لإبعاده خوفا من تهديدات أنقرة.
لذلك، فإن النظام وإيران قد يكررون ما فعلوه في كركوك، باجتذاب تلك الأطراف الكردية لجانبهم، وعقد تسوية تقضي ببسط سيطرة دمشق على المناطق الكردية شمال سوريا، وقبلها بالطبع انسحاب كردي لصالح النظام من دير الزور والرقة العربيتين.
ولا تبدو وحدات حماية الشعب الكردية ومن ورائها الـ"بي كي كي" تمانع بشدة هذا المصير إذا اضطرت له وخيرت بشأنه، بين سيطرة دمشق أو سيطرة من أنقرة! وهذا الموقف هو ما صرحت به وحدات حماية الشعب الكردية أكثر من مره، خصوصا عندما يجدون أنهم بين نارين، دمشق أو أنقرة، فيصرحون بأنهم جزء من "الدولة السورية" ويدعون قوات النظام للدخول. كل هذه الحسابات المحلية والإقليمية التي ذكرناها، تتسق مع سياسة القطب الدولي: روسيا، التي ترغب أولا بإبعاد الأمريكيين، وثانيا بأن يكون البديل هو النظام السوري، وهو الطرف الأقرب لها بلا شك من تركيا.
ومن هنا، فإن حظوظ تركيا تبدو ضعيفة في الاستفادة من الخروج الأمريكي، إن تم قريبا، فلا ننسى أن تركيا تدخلت في شمال سوريا مرتين، واحدة بتوافق أمريكي في درع الفرات ووفرت أمريكا حينها غطاء جويا لهذه العملية، وثانية في عفرين بغطاء روسي.
وإذا انسحب الأمريكيون، فمن المستبعد أن يمهدوا الطريق لتركيا محلهم لأن هذا ببساطة ضد رغبة حلفائهم الأكراد، وتبدو منبج التي تتحدث انقرة عن ضرورة استعادتها منذ عامين، المثال الأبسط على الرفض الأمريكي لدخول تركي في مناطق تهيمن عليها القوى الكردية.
صحيح أن الأتراك سيديرون ظهورهم للأمريكيين ويستغلون انسحابهم ويقبلون على التنسيق مع موسكو على اعتبار أنها قد تؤمن مصالحهم بإبعاد الأكراد وهذا صحيح، ولكنها قد لا تمنحهم موطئ قدم في الفراغ الأمريكي شمال سوريا، فقد يصدمون مجددا، بأن الروس سيفضلون دمشق عليهم، وقد لا تعارض أنقرة هذا الخيار لأنه يحقق مصلحتها أيضا في تهميش السلطة الكردية وتهشيم الطموح الانفصالي الكردي على الحدود التركية الجنوبية.
وائل عصام
لا شك أن الأكراد هم أكثر الأطراف قلقا وتحسبا لما يمكن أن يقدم عليه الأمريكيون من خطوات قد تفضي لانسحاب قواتهم من المناطق الكردية شمال سوريا، فهم في هذه الحالة سيصبحون مضطرين للتنازل عن قدر كبير من استقلالية حكمهم الذاتي وطموحهم الانفصالي لمصلحة الطرف الإقليمي الأقوى الذي سيستفيد من الغياب الأمريكي.
البعض يتحدث عن أن هذا الانسحاب الأمريكي، إن تم، سيكون لمصلحة تركيا، البعض الآخر يقول إنه هدف لروسيا وإيران. وإذا أردنا استعراض فرص وحظوظ الطرفين، فعلينا بداية أن نستعيد الحالة الأكثر مماثلة في تقاسم النفوذ بين أطراف الصراع في الجغرافيا الأقرب، العراق، فالعراق شهد انسحابا للقوات الأمريكية منذ نحو ستة أعوام، وبلا شك أن القوى التي ظلت تهيمن على السلطة هناك، هي القوى الشيعية الموالية لإيران في المناطق العربية، والقوى الكردية القومية في كردستان العراق، وظل التأثير الإيراني هو الأقوى في العراق بعد الانسحاب الأمريكي، دون أن ينافسها أحد من الدول العربية المجاورة والإقليمية.
وإذا وصلنا للحالة الأكثر تشابها والأقرب زمنيا، وهي النزاع الذي احتدم حول كركوك قبل أشهر، فإنها تماثل إلى حد كبير الوضع في شمال سوريا، فالأطراف المتنازعة حول كركوك هي نفسها، قوى كردية، قوات شيعية وحكومية موالية لإيران في بغداد، وجود تركي خجول في معسكر بعشيقة، وقوات أمريكية محدودة، وتنظيم "الدولة" الذي أبعد وهمش في جيوب صحراوية بأطراف كركوك وجبال حمرين، وعرب سنة في كركوك وجارتها الحويجة تتقاذفهم الأطراف كلها. أما النتيجة فكانت لصالح قوات الحكومة والمندوب السامي لإيران في العراق، قاسم سليماني. ولاحظنا التواطؤ والتعاون بين إيران وحكومة بغداد من جهة، وبين الطرف الكردي الذي سحبته طهران لجانبها وهو حزب الطالباني.
صحيح أن الأمريكيين لم يكن وجودهم في كردستان بالثقل العسكري ذاته كما هو عليه الحال في شمال سوريا، لكنهم أيضا انسحبوا سياسيا من أزمة كركوك بدون القدرة على التأثير فيها، وهو مشهد مماثل لما يمكن أن يؤول إليه التأثير الأمريكي شمال سوريا في اللحظة التي سينسحبون فيها عسكريا من المناطق الكردية.
إذا أتينا للوضع في شمال سوريا، فقد يكون الحزب الكردي الجديد الذي أثيرت أنباء عن تشكيله في شمال سوريا، والذي يُقال إنه يحض على التعاون مع العراق دون توضيحات بالقصد من ذلك، ما هو إلا خطوة تمهيدية أمريكية، لإرساء وضع ما في شمال سوريا بعيدا عن النظام السوري، وهي محاولة لا يبدو أنها تقف على قدمين، تذكرنا بمحاولات واشنطن تدعيم سلطة حليفيها اياد علاوي وأحمد الجلبي في العراق مقابل نظرائهم الشيعة الموالين لإيران، قبل أن تبعدهم إيران إلى الهامش، فالنظام السوري، ما زال يحتفظ حتى الآن بمربع أمني في عاصمة الأكراد القامشلي، وإيران وكذلك النظام، لديهم علاقات قديمة بعدة أجنحة كردية شمال سوريا، كالمقربة من طالباني خصوصا. ولا ننسى أن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان لجأ لنظام الأسد قبل أن يضطر الأخير لإبعاده خوفا من تهديدات أنقرة.
لذلك، فإن النظام وإيران قد يكررون ما فعلوه في كركوك، باجتذاب تلك الأطراف الكردية لجانبهم، وعقد تسوية تقضي ببسط سيطرة دمشق على المناطق الكردية شمال سوريا، وقبلها بالطبع انسحاب كردي لصالح النظام من دير الزور والرقة العربيتين.
ولا تبدو وحدات حماية الشعب الكردية ومن ورائها الـ"بي كي كي" تمانع بشدة هذا المصير إذا اضطرت له وخيرت بشأنه، بين سيطرة دمشق أو سيطرة من أنقرة! وهذا الموقف هو ما صرحت به وحدات حماية الشعب الكردية أكثر من مره، خصوصا عندما يجدون أنهم بين نارين، دمشق أو أنقرة، فيصرحون بأنهم جزء من "الدولة السورية" ويدعون قوات النظام للدخول. كل هذه الحسابات المحلية والإقليمية التي ذكرناها، تتسق مع سياسة القطب الدولي: روسيا، التي ترغب أولا بإبعاد الأمريكيين، وثانيا بأن يكون البديل هو النظام السوري، وهو الطرف الأقرب لها بلا شك من تركيا.
ومن هنا، فإن حظوظ تركيا تبدو ضعيفة في الاستفادة من الخروج الأمريكي، إن تم قريبا، فلا ننسى أن تركيا تدخلت في شمال سوريا مرتين، واحدة بتوافق أمريكي في درع الفرات ووفرت أمريكا حينها غطاء جويا لهذه العملية، وثانية في عفرين بغطاء روسي.
وإذا انسحب الأمريكيون، فمن المستبعد أن يمهدوا الطريق لتركيا محلهم لأن هذا ببساطة ضد رغبة حلفائهم الأكراد، وتبدو منبج التي تتحدث انقرة عن ضرورة استعادتها منذ عامين، المثال الأبسط على الرفض الأمريكي لدخول تركي في مناطق تهيمن عليها القوى الكردية.
صحيح أن الأتراك سيديرون ظهورهم للأمريكيين ويستغلون انسحابهم ويقبلون على التنسيق مع موسكو على اعتبار أنها قد تؤمن مصالحهم بإبعاد الأكراد وهذا صحيح، ولكنها قد لا تمنحهم موطئ قدم في الفراغ الأمريكي شمال سوريا، فقد يصدمون مجددا، بأن الروس سيفضلون دمشق عليهم، وقد لا تعارض أنقرة هذا الخيار لأنه يحقق مصلحتها أيضا في تهميش السلطة الكردية وتهشيم الطموح الانفصالي الكردي على الحدود التركية الجنوبية.