من هم أبرز الخاسرين من عودة عفرين إلى حضن الأسد؟
لم يكن مشهد رايات النظام وهي ترفرف في ساحة ازادي وسط عفرين مفاجئا، فلقد تحدثنا مرارا عن المآل المتوقع لعملية عفرين، وما سينتج عنها من تمدد هيمنة دمشق بدون أي جهد حربي.
وإذا نظرنا إلى مكاسب وخسائر الأطراف المعنية حتى هذه اللحظة، فسنجد أن الهجوم التركي الذي دخل شهره الثاني، لم يحقق لأنقرة أيا من هدفيها المعلنين، وهما السيطرة على عفرين وطرد وحدات الحماية التركية منها، وقياسا للقدرات المفترضة لجيشها والغطاء الجوي الذي تتمتع به قوات الجيش الحر الحليفة، فإن توسيع الشريط الحدودي بضعة كيلومترات يعتبر إنجازا محدودا، وهو ربما ما سيتم الاكتفاء به، خصوصا أن دخول قوات النظام قد يمنح تركيا مكسبا وحيدا يعوض الإخفاق بالسيطرة على عفرين، وهو تقويض سلطة الأكراد على حدودها لمصلحة نظام الأسد، وهو ما باتت تعلنه أنقره صراحة، استجابة لأولويات أمنها القومي، ذلك أنها تعتبر الكيانات الكردية تهديدا لها وليس نظام الأسد، رغم أن الوحدات الكردية لن تغادر عفرين، ولكنها ستفقد السلطة الرسمية، مقابل بقائها متغلغلة في مفاصل المؤسسات المدنية والعسكرية في عفرين ضمن تفاهمات يجري الإعداد لها كما يتردد، لمنح الأكراد صلاحيات محلية في مناطقهم شمال سوريا، شريطة البقاء تحت خيمة تحالف طهران دمشق، وهذه التوافقات ربما، هي ما يخفف على الأكراد في عفرين إخفاقهم أيضا في الحفاظ على كيانهم الكردي مستقلا في جيب عفرين.
أما الثورة السورية وفصائل المعارضة التي شاركت مع أنقرة في هذه العملية، فهي بلا شك الخاسر الأبرز، فالدخول في حرب تكون محصلتها المباشرة، تمدد هيمنة نظام الأسد، العدو الأول للمعارضة، هو بلا شك اضطراب في أولويات النزاع، وارتهان لداعمي الثورة الذين لم يعودوا يرون الساحة السورية بعيون المعارضة، بل بعيون أولوياتهم القومية الخاصة، وهذه الفصائل قد لا تدرك ولا تشخص الخسارة في ضوء ضياع بوصلتها، فكثير من هذه القوى المسلحة بالمعارضة لم تعد تتحرك وفق الأهداف التي انطلقت منها، وستكتمل المفارقة إذا تذكرنا أن الفصائل الموالية لأنقرة حاربت مع الأكراد في كوباني، بقيادة القيادي في الجيش الحر العقيد العكيدي، عندما رغبت بذلك أنقرة، وها هي تحارب اليوم ضد الأكراد في عفرين!
بالنسبة للأسد، فهو بلا شك الكاسب الأول، مد نفوذ سلطاته إلى عفرين من دون أي جهد عسكري، بل بمجهود حربي من خصومه في المعارضة، ودخلت قواته باستعراض انتهازي أمام الكاميرات عند معبر الزيارة ولاحقا في ساحة ازادي، وهي تهتف "جايينك يا اردوغان" و"سنحارب العثمانيين"، في تعبير عن مشاعر دفينة تشكل هوية الميليشيات المدعومة من طهران، وهذا يطرح تساؤلات عدة، عن طبيعة الجار الذي باتت أنقرة تفضله على الأكراد قرب حدودها.
هذه القراءة تفترض أن عملية عفرين شارفت على الانتهاء، بانتظار تفاهم روسي تركي بوقف العمليات بعد دخول قوات النظام، لكن سيكون من المفاجئ حقا إن قررت دمشق ومن ورائها العقل المدبر طهران، الذهاب إلى أبعد من ذلك، بالاستفادة من التوافق الحالي للأكراد مع نظام الأسد، لتنفيذ عمليات جدية ضد الأتراك في عفرين، والأخطر هو التقدم في مناطق "درع الفرات" ومحاولة إزعاج الأتراك هناك، ليضطروا للانسحاب منها وإعادتها للنظام في نهاية المطاف، خصوصا إن علمنا أن الأكراد يوشكون على تسليم تل رفعت لقوات النظام، وهي المدينة الأقرب إلى مناطق "درع الفرات" شرقا، وسيعني هذا التطور إن حصل، أن طهران، وبعد انتهاء التهديد الجهادي السني، انتقلت إلى مرحلة جديدة لإبعاد كافة المنافسين الإقليميين والدوليين في سوريا، وعلى رأسهم تركيا والولايات المتحدة.