لماذا اختار تنظيم «الدولة» في ريف إدلب ان يسلم نفسه للجيش «الحر» وليس «تحرير الشام» إخوة المنهج؟!
إدلب – إسطنبول – «القدس العربي» : آخر المعلومات الواردة عن خفايا التسوية التي ادت لاستسلام مئات المقاتلين من تنظيم الدولة مع عائلاتهم في ريف ادلب، تشير إلى ان عناصر التنظيم فضلوا تسليم انفسهم إلى الجيش الحر في غرفة «دحر الغزاة»، بدلاً من تحرير الشام «إخوة المنهج» (وهي العبارة التي يتداولها الجهاديون لوصف التنظيمات المنتمية لمنهج السلفية الجهادية)، ورغم ان تحرير الشام هي التي ضغطت عسكرياً على التنظيم واجبرته على ابرام هذه التسوية، الا ان عناصر التنظيم اشترطوا ان يكونوا اسرى لدى عناصر الجيش الحر، حسب المصادر المحلية التي تحدثت اليها «القدس العربي».
ولعل أبرز الأسباب التي دفعت بعناصر التنظيم لاختيار معتقلات الجيش الحر، هو حالة الثأر العدائي بين تنظيم الدولة، وفصيله «الشقيق» تحرير الشام، ويظهر هذا التطور بوضوح كيف تبخرت الأواصر العقدية والأحكام الشرعية أمام نار الانتقام الفصائلي التي طالما قوضت الحركات الجهادية، كما يضيف مثالًا جديدًا على تأثير العوامل المحلية على قرارات التنظيم وتباينها من منطقة لاخرى، من الموصل للرقة للقلمون حتى ديف ادلب.
وتحدثت «القدس العربي» إلى مصدر مطلع على مجرى عملية التسوية في بلدة «الخوين» التي ما زالت تشهد توتراً، بسبب اختباء بعض عناصر التنظيم القيادية فيها ورفضهم الاستسلام، ويقول المصدر «معظم مقاتلي التنظيم في هذه المنطقة من ابناء ريف حماة الشرقي والشمالي وتدمر، كثير منهم كانوا مع لواء الاقصى الذي بايع التنظيم بعد نزاعه مع تحرير الشام، واكثر ما اضطرهم للتسليم هو حصارهم مع عائلاتهم، حيث يوجد اكثر من 80 امرأة وطفل معهم، اضافة لتزايد عدد الجرحى جراء المعارك بين التنظيم من جهة والنظام وتحرير الشام من جهة أخرى، فقد قتل عناصر عديدون من التنظيم اثناء عملية التسلل التي نفذها التنظيم لخرق خطوط النظام للوصول لمناطق المعارضة، ولعل أبرز القيادات الذين قتلوا من التنظيم على يد النظام خلال هذه العملية هو الحاج رضوان تمانعة، اثر كمين نصبه النظام للتنظيم خلال عملية التسلل، أما الجرحى الذين اصيبوا خلال هذه العملية، وسلموا انفسهم لغرفة «دحر الغزاة»، فقد تم نقلهم إلى مستشفيات في ادلب، بعد ان تم إخلاؤها من الزوار ومرافقي المرض، وسط تكتم امني شديد».
وبينما تشير أنباء إلى تمكن قيادات وعناصر أخرى من التنظيم من الوصول والدخول فعلاً لريف إدلب، وبينهم عناصر سابقون من لواء التوبة الذي بايع التنظيم مؤخراً، يؤكد المصدر الذي تحدثت إليه «القدس العربي» إلى ان العديد من المقاتلين التابعين للتنظيم ما زالوا متحصنين في قرية الخوين وبينهم قيادات، ومن ضمن القيادات الذين يتردد انه تم اعتقالهم على يد الجيش الحر، القيادي عمر الحجي.
منافس «جهادي»
يعلق ابو حذيفة الشامي القيادي الجهادي في ادلب، على تفضيل عناصر تنظيم الدولة للاستسلام للجيش الحر، بالقول «تنظيم الدولة يعتبر هيئة تحرير الشام ألد اعداءه الذين خاضوا معه حربا مسعورة، جعلت الصراع بينهم ثأريا، فمن حيث المنهج تحرير الشام اقرب فكريا وتنظيميا لتنظيم الدولة من الفصائل الثورية العلمانية أو الإخوان المسلمين، ومن الأسباب أيضا، أن الجيش الحر لم يخض معارك مع التنظيم في هذه المنطقة، كما هو الحال مع تحرير الشام»
ويضيف الشامي سبباً آخر «التنظيم يمكن ان يجد في الجيش الحر سبيلاً لاطلاق سراح عناصره بفدية مالية، كما أن التنظيم لا يرى في الجيش الحر منافسًا على الشرعية الجهادية التي اختزلها لنفسه، بينما يعتبر تحرير الشام منافساً له «في المقابل، يذهب القيادي الشامي، إلى ان تحرير الشام تريد ان تثبت للعالم بأنها بعيدة فكرياً وتنظيمياً عن تنظيم الدولة، بينما ارادت الفصائل من خلال اعلانها عقد صفقة الاستسلام مع التنظيم، ان توجه رسائل لتحرير الشام بأنها غير جادة في محاربة تنظيم الدولة، ويضيف الشامي «الفصائل تريد القول بأن تحرير الشام، هي ايضاً ستكون مستهدفة، باعتبار انها ايضاً جهادية، وتحمل نفس الفكر، وهذا امر تدركه تحرير الشام لذا اغاظها اعلان الفصائل».
اما الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، شمس الدين النقاز، فيعتبر أن عملية استسلام التنظيم تعتبر انهيارا تاما في صفوفه في إدلب، فهي ضربة كبيرة له، خاصة وأنه كان يراهن على إطالة أمد الصراع في ريف ادلب، ويضيف النقاز في حديثه لـ «القدس العربي» «هذا الانهيار يؤكد أن هناك لا مركزية في اتخاذ القرار في صفوف التنظيم الجهادي، وهي المرة الأولى التي يُؤسر فيها نحو 400 مقاتل من مختلف المناطق، بدون مبرّرات قتالية بالمفهومين الأمني والعسكري»، معتبرا أن هذا الانهيار كان متوقّعاً نظراً للحصار المطبق على التنظيم منذ أشهر، ووقوعه بين فكّي كماشة، قوات المعارضة والنظام، وانقطاع موارد التموين والتمويل.
ويقول الكاتب المطلع على شؤون الجهاديين، «ان حجم «الغلّ والحقد» الذي يُكنُّه الجهاديون لبعضهم البعض، وصل حد مقتل عدد من المعتقلين تحت التعذيب الوحشي بداعي انتزاع الاعترافات، أو نيل الحسنات بقتل أحد «الخوارج» أو «المرتدّين» مستندين في ذلك على عدد من النصوص الشرعية».