انت تتجاهل أن الواقع على الأرض تجاوز لغة الشعارات منذ زمن. السعودية دخلت اليمن تحت مظلة دعم الشرعية، لكن ما الذي تبقّى من تلك الشرعية التي تتحدث عنها؟ حكومة لا وجود لها إلا على الورق، وجيشٌ يديره تويتر أكثر مما يديره الميدان.
أما المقارنة بين الحوثي والجنوبيين فهي مفارقة تستحق أن تُدرّس في كتب المنطق المفقود. الحوثي جاء بانقلاب طائفي مسلّح مدعوم من إيران، بينما الحراك الجنوبي يستند إلى قضية وطنية عمرها أكثر من ثلاثة عقود، ناتجة عن تجربة وحدة فاشلة وشراكة لم تُحترم منذ 1994. تشبيه هذا بذاك أشبه بمحاولة مساواة الطبيب بالجاني لأن كليهما يحمل أدوات حادّة!
ثم دعنا من مخرجات الحوار الوطني، تلك الأوراق التي لم تعد تصلح إلا لتذكيرنا كيف فُوّتت فرص السلام من قبل من يزعمون احتكار الحلول. فالجنوب لا ينتظر إذنًا من أحد ليقرر مصيره؛ فالدول لا تقوم على المجاملات، بل على الإرادة والحقائق السياسية.
دولة الإمارات، شاء من شاء وأبى من أبى، لم تدعم انفصالًا ولم تعادِ وحدة، بل تعاملت مع ملف اليمن بمنطق الدولة لا بمنطق العاطفة. ولو كان الجميع قد تصرّف بالعقل ذاته، لما وصلت اليمن إلى ما وصلت إليه من تجزئة ميدانياً وتنازع نفوذٍ سياسياً.
باختصار: من يتحدث عن الاحترام الدولي وهو يبرر واقعًا مُنهارًا، كمن يتمسك بورقة الضمان بعد أن احترق المنزل. الجنوب اليوم ليس موضوع مزايدة، بل استحقاق واقعي، ومن لا يرى ذلك فليُراجع السياسة بعيون القرن الحادي والعشرين لا القرن الماضي.