ارتفع إلى 81.61 مقابل اليورو و63.15 للدولار
روسيا تبيع احتياطي عملات أجنبية لوقف تدهور الروبل
"الاقتصادية" من الرياض
واصل الروبل الروسي ارتفاعه القياسي أمس وسط تعاملات متقلبة، بعد أن قالت وزارة المالية "إنها بدأت في بيع العملة الأجنبية".
وكانت العملة الروسية قد تعرضت لضغوط بيع شديدة هذا الأسبوع، ما أجبر البنك المركزي على رفع سعر الفائدة الرئيسي 650 نقطة أساس في تدخل طارئ لم يفلح في دعم الروبل.
ووفقاً لـ "رويترز"، فقد ارتفع الروبل نحو 3 في المائة أمام الدولار إلى 65.52 و4.2 في المائة أمام اليورو إلى 81.50، وعلى الرغم من هذا التعافي المتواضع ما زال الروبل منخفضا 50 في المائة تقريبا أمام الدولار هذا العام، ما يجدد ذكريات أزمة 1998 حينما انهارت العملة الروسية خلال بضعة أيام. ويشكل هذا تحديا كبيرا للرئيس فلاديمير بوتين، الذي يهدد هبوط الروبل شعبيته التي تستند جزئيا إلى تحقيق الاستقرار والرخاء، إذ يقوض هذا الهبوط مصداقية روسيا أمام المستثمرين. وقال متعاملون في السوق "إن شركات التصدير ربما تبيع الدولار وعينها على فترة تحصيل الضرائب المقبلة"، فيما ذكر متعامل في بنك روسي كبير أنه لا يمكن استبعاد تدخلات البنك المركزي، مضيفاً أن "قوة الروبل تبدو مصطنعة وبالتالي يمكن أن ترجع إلى البنك المركزي، وربما تكون شركات تصدير أقنعتها السلطات ببيع العملة".
وأشارت سفيتلانا نيكتينا المتحدثة باسم وزارة المالية الروسية إلى أن الوزارة تقوم ببيع عملاتها الأجنبية لدعم الروبل، معتبرة العملة الروسية أقل من قيمتها الحقيقية بكثير، مشيرة إلى أن الوزارة بدأت في بيع فائض العملات الأجنبية لديها في السوق.
وعقب إعلان الوزارة ارتفعت قيمة الروبل إلى 81.61 لليورو و63.15 للدولار، وصرح أليكسي موسييف نائب وزير المالية بأن الحكومة ستواصل بيع العملات الأجنبية "ما دام ذلك ضروريا" في مواجهة اضطراب الروبل، حيث تمتلك وزارة المالية نحو سبعة مليارات دولار لدعم الروبل، مؤكدة أنها لن تستخدم الاحتياطات الضرورية للغاية.
يأتي تدخل وزارة المالية بعد أن أنفق البنك المركزي الروسي أكثر من عشرة مليارات دولار من احتياطي العملة لديه لدعم الروبل منذ بداية الشهر.
وأعلن "المركزي الروسي" أنه أنفق 1.96 مليار دولار الإثنين الماضي لحماية الروبل الذي يشهد انهيارا حادا ما يرفع الحجم الإجمالي لتدخلاته إلى أكثر من عشرة مليارات دولار منذ مطلع الشهر، وسط أزمة نقدية غير مسبوقة في روسيا منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة قبل 15 عاما.
وسجل الروبل ارتفاعا صباح أمس بعدما بدأ التداولات على انخفاض حاد إثر تدهور تاريخي استمر يومين وبعد تراجع الروبل الإثنين بـ 9.5 في المائة، و7 في المائة الثلاثاء، جرى التداول به بسعر 83.35 روبل لليورو، مقابل 85.15 روبل مساء الثلاثاء، و66.96 روبل للدولار مقابل 67.88 روبل.
وكانت العملة الروسية قد انهارت بشدة أول أمس لتصل في بعض لحظات التعامل إلى 100 روبل لليورو و80 روبلا للدولار قبل أن تسترد جزءا من عافيتها في ختام التعاملات.
وخلال اجتماع طارئ، قررت الحكومة الروسية مجموعة من الإجراءات لدعم الوضع الاقتصادي، بحسب وزير الاقتصاد أليكسي أوليوكاييف، مضيفاً أن "هناك تعهداً حكومياً بالدفاع عن العملة المحلية بعد أن انخفضت إلى مستويات قياسية خلال الأسبوع الحالي".
وقال ديمتري ميدفيديف رئيس الوزراء الروسي "إن الروبل أقل من قيمته الحقيقية في السوق لكن فرض قيود على حركة الأموال غير مفيد، ومصلحتنا المشتركة تدارك الموقف في أسواق العملة في أقرب وقت ممكن".
ونفى أليكسي أوليوكاييف وزير الاقتصاد، الشائعات حول فرض ضوابط على حركة رؤوس الأموال، مضيفاً أننا "حددنا مجموعة من الإجراءات يجب أن تتيح استقرار الوضع المعقد جدا، حيث تقضي هذه الإجراءات بضمان إقامة توازن بين العرض والطلب في سوق الصرف عبر زيادة السيولة المقدمة إلى المصارف الروسية، كما تتضمن الإجراءات أيضا آليات دعم للقطاع المصرفي لضمان عمله بشكل سلس عبر إعادة رسملة بعض المؤسسات".
ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية، عن أندري بيلوسوف المستشار الاقتصادي في الكرملين إن الحكومة والبنك المركزي اتفقا على سبل لمعالجة المشكلات في سوق الصرف الأجنبي، وإنه تم بالفعل الاتفاق على بعض مما وصفها بإجراءات موحدة.
من جهة أخرى، قال مسؤول في المفوضية الأوروبية "إن دول الاتحاد الأوروبي قلقة من التطورات الأخيرة في روسيا وليس لها أي مصلحة في تعثر اقتصاد البلاد". وأشار المسؤول خلال مؤتمر صحفي في برلين قبيل قمة قادة التكتل الأوروبي التي تبدأ اليوم في بروكسل إلى أنهم يراقبون بقلق التطورات الاقتصادية في موسكو، مضيفاً أنه "ليس في مصلحة أحد أن تنزلق روسيا في براثن ركود حاد".
ويعد هذا الانخفاض الكبير للعملة الروسية اختباراً لقدرة الرئيس فلاديمير بوتين على احتواء العاصفة الاقتصادية، وما يزيد الأمر سوءا إعلان البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما يعتزم الموافقة على تشديد العقوبات على موسكو.
وأدت العقوبات الغربية على الكرملين بسبب دعمه للانفصاليين في شرق أوكرانيا إلى إغلاق أبواب الاقتراض الخارجي أمام روسيا ما أسهم في تفاقم أزمتها الاقتصادية.
وكان لانخفاض أسعار النفط الخام إلى نحو النصف خلال الأشهر الستة الماضية تأثير مدمر في الاقتصاد الروسي الذي يعتمد بشدة على صادرات الموارد الطبيعية، في الوقت الذي حذر فيه البنك المركزي من انكماش بنسبة 5 في المائة في حال استمرت أسعار النفط عند هذا المستوى. وتمثل التوقعات الاقتصادية المتدهورة والركود الوشيك تحديا خطيرا لبوتين الذي وعد الناخبين بسنوات من الاستقرار الاقتصادي والازدهار النسبي اعتمادا على أسعار النفط المرتفعة.
وكان جون كيري وزير الخارجية الأمريكي قد ذكر أن العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على روسيا يمكن أن ترفع خلال أيام إذا ما اتخذ بوتين الخيارات الصحيحة في أوكرانيا، مضيفاً أن "العقوبات الاقتصادية التي زعزعت الثقة بالاقتصاد الروسي وأدت إلى انهيار الروبل، تهدف إلى دفع الرئيس بوتين إلى اتخاذ مجموعة مختلفة من الخيارات". وكان بوتين قد وصف المشكلات الاقتصادية مرارا بأنها مؤقتة، إلا أنه التزم الصمت فيما سارع الروس إلى تحويل مدخراتهم، ما أدى إلى توقف مواقع بعض المصارف عن العمل. وكانت بعض متاجر موسكو الفاخرة قد أغلقت أبوابها أمس لإتاحة الفرصة للعاملين لرفع المنتجات الفاخرة من الواجهات وتغيير بطاقات الأسعار بعد الهبوط الكبير في سعر العملة الروسية الروبل أمام الدولار واليورو، ووضعت على واجهات المتاجر لافتات مغلق "لأسباب فنية". ويرى بعض المراقبين أن أسباب انهيار الروبل لا تعود إلى أسباب اقتصادية فقط، وقالت يوليا لاتينينا المراقبة السياسية "إن قيمة الروبل تعكس قيمة حكم بوتين في أعين السوق، لأنك تستطيع أن تخدع الناخبين ولكن لا تستطيع أن تخدع الأسواق".
وأرجع ديمتري بسكوف المتحدث باسم بوتين الاضطرابات الاقتصادية إلى "العواطف والمضاربات"، فيما صرح سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي بأن لديه أسبابا جدية للغاية تدفعه للاعتقاد بأن العقوبات الغربية محاولة لتغيير النظام في موسكو.
ويعتقد عديد من مختصي الاقتصاد أن انهيار الروبل يعكس أزمة ثقة بالاقتصاد الروسي وسط المواجهة بين بوتين والغرب وعدم استعداد بوتين لتغيير نهجه في أوكرانيا، ورأى كونستانتين كالاشيف رئيس مجموعة المختصين السياسيين أن مستوى المعيشة المتدهور في روسيا يمكن أن يوجه ضربة لبوتين الذي يحظى بتأييد كبير بين أبناء الشعب بسبب ضمه شبه جزيرة القرم الأوكرانية في آذار (مارس) الماضي، مضيفاً أن "انهيار نسبة التأييد لبوتين في 2015 لا يمكن تجنبه".
وأعرب عديد من الروس عن صدمتهم لانهيار الروبل، وقالت يوليا وهي واقفة في صف انتظار أمام أحد مصارف موسكو "إن الوضع في البلاد غير مستقر على الإطلاق، وهذا يخيفني كثيرا، وأخشى أن نعود إلى الوضع الذي كان سائدا في التسعينيات".
وحتى دون التوترات والعقوبات بسبب أوكرانيا فإن انهيار أسعار النفط هو مصدر قلق لروسيا التي تستمد نصف عائداتها من صادرات النفط والغاز، واقتصر رد السلطات وفي طليعتها البنك المركزي على الدعوة إلى الصبر، وحذرت ألفيرا نبيولينا رئيسة البنك المركزي عبر التلفزيون بأن عودة الروبل لمستوى يتماشى مع أسس الاقتصاد "سيستغرق وقتا". وأيد اليكسي كودرين وزير المال السابق الذي يحظى باحترام الأوساط المالية رفع معدل الفائدة، لكنه شدد على وجوب إتباع ذلك بقرارات حكومية لزيادة ثقة المستثمرين بالاقتصاد الروسي.
على صعيد آخر، ذكر مختصو الاقتصاد في مكتب كابيتال إيكونوميكس في لندن أن استراتيجية البنك المركزي يترتب عليها ثمن هو تشديد جديد في شروط القروض للأسر والشركات وتراجع أكبر في الاقتصاد الفعلي عام 2015.
ومع معدل فائدة رئيسية بمستوى 17 في المائة فإن أي قرض عقاري سيمنح من الآن فصاعدا بنسبة فائدة لا تقل عن 22 في المائة، وهو مستوى يصعب على الأسر احتماله في وقت تراجعت فيه قدرتها الشرائية نتيجة ارتفاع الأسعار. وإذا كانت الحكومة تتوقع منذ الآن الدخول في انكماش (-0.8 في المائة) العام المقبل، فإن البنك المركزي حذر من أنه في حال بقيت أسعار النفط في مستواها الحالي الذي يقارب 60 دولارا للبرميل، فإن إجمالي الناتج الداخلي قد يهبط بنسبة 4.5 في المائة على أقل تقدير.