سجَّلت تراجعا بمعدل 30 % مع استمرار العقوبات وتدني أسعار النفط
دعم «الأسد» والقتال في العراق يستنزفان ميزانية إيران
تعاني إيران ترديا اقتصاديا بفعل أسعار النفط الخام والعقوبات الدولية الصارمة. "رويترز"
«الاقتصادية» من بيروت
ترافق اندلاع الحرب السورية وتوسع نفوذ تنظيم "داعش" في العراق مع تنامٍ للدور الإيراني في هاتين الدولتين. غير أن عوامل عدة تلاقت كالانخفاض في أسعار النفط وتأجيل المفاوضات النووية بين إيران والدول الست، لتضع مزيدا من الضغط على القوة الفارسية كما على اقتصادها المنهك من جراء الدعم الكبير الذي تقدمه لسورية والعراق.
ضغطٌ اقتصادي لا شك سيتزايد في ضوء القرار الذي اتخذته منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعدم خفض الإنتاج، وتراجع أسعار النفط من 106 دولارات في شهر حزيران (يونيو) إلى 66 دولاراً أوائل شهر كانون الأول (ديسمبر). وفي الوقت الذي تستطيع فيه المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى مثل الكويت، والإمارات العربية المتحدة وقطر أن تتحمل بضع سنوات من تدني الأسعار، ما قد يلائم أيضا حلفاء مثل مصر والأردن، يختلف الأمر بالنسبة إلى إيران. "ذلك أن تأثير انخفاض أسعار النفط كبير، خاصة في سياق العقوبات المفروضة عليها"، وفق الباحث الفرنسي تييري كوفيل في حديثه لـ "الاقتصادية".
فإزاء تدني أسعار النفط الخام إلى ما دون سعر تعادل النفط الإيراني breakeven oil price، الذي يراوح عادة نحو 100 دولار أمريكي للبرميل الواحد، قد تضطر إيران لرفع أسعار مبيعاتها النفطية محليا، الأمر الذي سيثير غضب قسم كبير من الطبقة الوسطى التي تحملت لسنوات الاختناق الاقتصادي نتيجة سوء الإدارة الاقتصادية والعقوبات الغربية. يلقي هذا الوضع أعباء كبيرة على إيران التي تعاني أصلا ترديا اقتصاديا وترزح تحت عقوبات دولية صارمة.
"وكانت الحكومة قد رفعت الدعم عن النفط والكهرباء والماء في بداية هذا العام كجزء من الإصلاحات المتخذة، ما أبقى معدلات التضخم مرتفعة. لذلك ستجد من الصعب أن تزيل مزيدا من الدعم، ولا سيما أن ذلك سيؤثر في العائلات ذات الدخل المحدود"، وفق الاقتصادي اللبناني نسيب غبريل.
تزايد معدلات الفقر في إيران تبعا لارتفاع معدلات التضخم.
تعد إيران حاليا القوة الاقتصادية الإقليمية الثانية بعد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة مع ناتج محلي إجمالي يوازي 389 مليار دولار في عام 2013، وفقا للمختص الاقتصادي اللبناني نسيب غبريل، كما تعتبر الدولة الثانية في العالم من حيث احتياطي الغاز الطبيعي والثالثة في احتياطي النفط.
"وتمثل عائدات النفط معدل 80 في المائة تقريبا من صادرات إيران و50 في المائة من إيرادات الميزانية. ومنذ عام 2012 انخفضت صادرات إيران النفطية بنسبة 50 في المائة بسبب العقوبات المفروضة. وكانت قد استندت توقعات العائدات النفطية للدولة هذا العام إلى سعر 100 دولار أمريكي للبرميل الواحد. لذلك، فإن الانخفاض الحالي في أسعار النفط "التي وصلت إلى 70 دولارا في أوائل كانون الأول (ديسمبر)" يمكن أن يؤدي إلى تراجع بنسبة 30 في المائة تقريبا في عائدات النفط في الأشهر الخمسة الأخيرة من السنة. الجدير بالذكر، أنه مقارنة بعام 2011، انخفضت إيرادات الميزانية في إيران 30 في المائة نتيجة صدمة مزدوجة تُرجمت من خلال العقوبات المفروضة والتراجع الأخير في أسعار النفط"، وفق كوفيل.
إضافة إلى ذلك، فإن تمديد المحادثات النووية بين إيران والقوى العالمية الست لسبعة أشهر وفق ما تم الاتفاق عليه في فيينا، يعني أن إيران لن ترتاح في القريب العاجل من العقوبات التي حدَّت من صادراتها النفطية وأضعفت اقتصادها.
فالقرار الذي اتخذ في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) بتأجيل البت النهائي بشأن برنامج إيران النووي إلى الصيف المقبل يزيل أي أمل في تصدير كمية إضافية من النفط الذي لن يجد أمامه سوى سوق متخمة أصلا.
"وتأجيل المفاوضات بشأن النووي الإيراني يعني أن معظم العقوبات ستبقى مفروضة وأن الصادرات النفطية لن تتعدى 50 في المائة من إمكاناتها"، يضيف كوفيل.
هذا الوضع لا يبشِّر بخير للاقتصاد الإيراني الذي يدفع أيضا ثمن دعمه نظام الرئيس السوري بشار الأسد في حربه ضد تنظيم داعش والثوار السنة الأكثر اعتدالا، المدعومين من الغرب ودول الخليج. هذا الدعم الذي استمر من دون انقطاع عامي 2011 و2012، على الرغم من وقوع الاقتصاد الإيراني تحت وطأة العقوبات الدولية التي فُرضت. "وفي حين يصعب التثبت من المبالغ التي سددتها إيران إلى العراق وسورية،" وفق كوفيل، يُعتقد أن المساعدة الإيرانية لسورية في العام الماضي ناهزت ثمانية مليارات دولار أمريكي، أي ما يوازي 3 في المائة من ميزانيتها.
وفي هذا السياق، يشير كريم سدجنبور من مركز كارنيجي في مذكرة بحثية نشرت في العام الماضي إلى "أن السخاء الإيراني كان أعظم من أي وقت مضى منذ بدء الاضطرابات في سورية". فقد أعلنت وسائل الإعلام الرسمية السورية العام الماضي "اتفاقا ائتمانيا" بقيمة مليار دولار مع إيران إضافة إلى خط ائتمان بقيمة 3.6 مليار "لتمويل شراء النفط ومنتجاته التابعة"، أضف إلى ذلك، التدريب والمساعدات العسكرية والاستخباراتية التقليدية وغير التقليدية.
"وبناء على تقارير صادرة عن الحكومة الأمريكية والتصريحات الرسمية الإيرانية، ساعدت طهران على إنشاء "جيش الشعب" وهو مجموعة عسكرية سورية تضم 50 ألف شخص لمساعدة القوات الحكومية السورية"، وفق سدجنبور .
فضلا عن ذلك، تشرف الوحدة الخاصة التابعة لجيش حرس الثورة الإسلامية الإيراني والمعروفة باسم "قوة القدس" على أنشطة طهران في كل من سورية والعراق. وقد جاء تصريح رئيس الوزراء السوري السابق المنشق رياض حجاب ليؤكد توسع دائرة النفوذ الإيراني في سورية حين قال إن "سورية محتلة من النظام الإيراني، وليس بشار الأسد الشخص الذي يدير البلاد إنما قائد قوة القدس قاسم سليماني"، وفق سدجنبور.
أما في الشأن العراقي، فقد أكد البنتاجون الأسبوع الماضي تورط طائرات F-4 الإيرانية في هجمات ضد "داعش" في العراق. إلا أن الدعم الإيراني للعراق لا يقتصر على طائرات F4s؛ فقبل بضعة أشهر، أوردت صحيفة "بيزنس إنسايدر" أن فرق "قوة القدس" كانت موجودة في سامراء وبغداد وكربلاء وقاعدة الصحراء الجوية (كامب سبايكر سابقا) قرب تكريت.
كما ذكرت وكالة الأنباء أن إيران نشرت سبع طائرات من طراز su-25 Frogfoot وطائرات استطلاع من دون طيار. "من الواضح إذاً أن تقديم الدعم لبشار الأسد أصبح أولوية استراتيجية بالنسبة لإيران. ومن الواضح أيضا أن إيران فضلت إرسال مستشارين عسكريين وتوفير شحنات الأسلحة وتنفيذ مهام عبر الطيران الإيراني في العراق، ما جعل التكلفة المالية التي تكبدتها أقل مما لو كان عليها إرسال قوات برية. ونظرا لأهمية مكافحة "داعش" بالنسبة إلى إيران، من غير المرجح أن يؤثر الانخفاض الأخير في أسعار النفط في الدعم العسكري الإيراني للحكومتين العراقية والسورية"، وفق كوفيل.