تراجع أسعار النفط يضع الاقتصاد الإيراني على حافة الهاوية
الإيرانيون يطاردون العملات الأجنبية خوفا من ضياع مدخراتهم وطهران عاجزة عن إيجاد سبيل للخروج من الأزمة الاقتصادية.
العرب
[نُشر في 12/01/2015، العدد: 9795، ص(10)]
الرئيسان الإيراني والفنزويلي في محاولة يائسة لانقاذ اقتصاد البلدين من حافة الانهيار
لندن – يقول مراقبون إن توقيت انهيار أسعار النفط العالمية وضع الاقتصاد الإيراني على حافة الهاوية، وأكدوا أن طهران لم تعد تملك أي ورقة للخروج من أزمتها المالية الخانقة باستثناء اللجوء لتقديم تنازلات كبيرة في ملفها النووي للاسراع بإنهاء العقوبات الغربية.
تكشف التحركات الإيرانية المستميته لإنقاذ أسعار النفط العالمية حجم الزلزال الذي أصاب الاقتصاد الإيراني نتيجة تراجع الأسعار، خاصة في ظل إغلاق كبار منتجي أوبك لجميع أبواب خفض الإنتاج.
ويتضح حجم المأزق الإيراني من خطابات المسؤولين الإيرانيين الذين أصبحوا يتحدثون عن تبني “اقتصاد المقاومة” للحد من سرعة تهاوي الاقتصاد الإيراني.
وتعد إيران من أكبر المتضررين من تراجع أسعار النفط العالمية لأنها كانت تعاني أصلا من آثار العقوبات الغربية منذ نحو 3 سنوات، والتي أدت إلى عزل النظام المصرفي الإيراني عن العالم ووضعت عقبات كبيرة أمام جميع القطاعات الاقتصادية.
بل إن أثار العقوبات امتدت الى تجارة المواد الإنسانية والأدوية بسبب صعوبة اتمام الصفقات في ظل العقوبات المصرفية، وخشية المصارف الدولية من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية.
وفقدت العملة الإيرانية نحو ثلثي قيمتها بسبب تلك العقوبات، قبل تراجع أسعار النفط. وقد اتسع هبوطها بعد قرار منظمة أوبك، بعدم خفض الإنتاج، لتفقد نحو 10 بالمئة أخرى من قيمتها في الشهر الماضي.
وتفيد الأنباء الواردة من إيران إلى اتساع معاناة الإيرانيين بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، في ظل تراجع العملة وارتفاع الأسعار بسبب المستويات الفلكية للتضخم الذي يزيد على 30 بالمئة.
ويقول مراقبون إن تردي الأوضاع يهدد بانفجار الغضب في أوساط الإيرانيين‘ إذا لم تعثر الحكومة على حل يخفف المعاناة.
10 بالمئة انخفاض العملة الإيرانية الشهر الماضي لتبلغ خسائرها 70 بالمئة منذ فرض العقوبات
ومن المرجح أن يتسارع هبوط العملة الإيرانية في الأشهر المقبلة، إذا لم تعثر الحكومة على وسيلة لخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية، في وقت يتسابق فيه الايرانيون لبيع الريال للحصةل على أي عملة أجنبية حتى لو كانت الدينار العراقي، بسبب خشيتهم من فقدان قيمة مدخراتهم.
وتضع العقوبات سقفا لصادرات النفط الإيرانية من خلال تراخيص محددة تمنحها الولايات المتحدة لبعض الدول الآسيوية لاستيراد النفط الإيراني، شرط مواصلة خفض الواردات بشكل تدريجي. ويتحرك سقف الصادرات منذ بداية العام الماضي في حدود مليون برميل يوميا.
وجاء انهيار أسعار النفط ليقلص تلك العوائد الشحيحة بنحو 57 بالمئة منذ منتصف يونيو الماضي، مما ضاعف من آثار العقوبات الغربية.
ويرجح المحللون أن تؤثر الأزمة الاقتصادية إلى تراجع قدرة إيران على تمويل اجنداتها السياسية في دول المنطقة مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن، وأنها إذا لم تفعل ذلك فإنها ستغامر بانفجار الأزمة في الداخل.
ويقدر صندوق النقد الدولي سعر برميل النفط الذي تحتاجه إيران لتحقيق التوازن في الموازنة بنحو 130 دولارا للبرميل، في وقت تتحرك فيه الأسعار حاليا قرب 50 دولارا للبرميل.
وأعلنت طهران منذ نوفمبر، أي قبل اتساع هبوط أسعار النفط أنها ستلجأ للسحب من صندوق الثروة السيادية لمواجهة تراجع أسعار النفط.
ويقول معهد صناويق الثروة السيادية أن صندوق التنمية الوطنية الإيراني يملك نحو 62 مليار دولار، لكن جزءا كبيرا منها مجمد بسبب العقوبات الغربية.
ويرجح المحللون أن يشتد اختناق الاقتصاد الإيراني بسبب عدم وجود أي فرصة لخفض انتاج منظمة أوبك، بعد أن أعلمنت السعودية أن المنظمة لن تخفض الانتاج حتى لو بلغت الأسعار 20 دولارا للبرميل على حد تعبير علي النعيمي وزير النفط السعودي.
ويتوقع مراقبون أن يؤدي استمرار هبوط أسعار النفط وتدهور مؤشرات الاقتصاد الكليوالجزئي، إلى دفع طهران على الأرجح إلى تقديم تنازلات كبيرة لرفع العقوبات عنها.
ومن المتوقع أن يؤدي ذلك الى توتر شديد في الاستقطاب بين الاصلاحيين والمحافظين ويؤدي الى تحول كبير في السياسات الإيرانية.
تقديم تنازلات كبيرة في الملف النووي أصبح الطريق الوحيد أمام طهران للخروج من الأزمة، لكنه لن يأتي بنتائج سريعة
وأدى العبء الكبير الذي وضعه تراجع أسعار النفط على إيران، وكذلك روسيا وفنزويلا، الى انتشار الحديث عن نظرية مؤامرة تشير الى أن توقيت تراجع الأسعار تم توقيتها للضغط على خصوم واشنطن في الكثير من الملفات الدولية الساخنة مثل الملفات الأوكرانية والسورية والعراقية.
وكان نائب رئيس البنك المركزي الإيراني سيد کمال سيد علي قد أقر في الشهر الماضي بصعوبة الوضع الاقتصادي. وقال إن “رجال الأعمال والاقتصاد كانوا ينتظرون اتفاقا شاملا لإيران مع الغرب حول البرنامج النووي، لكن عدم حصول ذلك سبّب اضطرابا في السوق الإيرانية”، حيث يفضل رجال الأعمال شراء الدولار خوفا من انهيار آخر لسعر صرف الريال.
واعتبر المحلل الاقتصادي محمد علي يوسفي أن ضعف الإنتاج المحلي، والحاجة لمزيد من الواردات، والعقوبات الدولية من أسباب الانخفاض المستمر لسعر صرف الريال.
ويوجه بعض الايرانيين الاتهام للحكومة في تعمد خفض العملة المحلية مقابل الدولار، لخفيف أزمتها المالية لأنها تدفع رواتب موظفيها بالريال.
ولا يقتصر تأثير العقوبات وفقا لمراقبين على التعاملات التجارية فقط، بل يمتد إلى أسعار السلع ومستويات التضخم وأسعار الفائدة، ومستويات الادخار والاستثمار وحركة رؤوس الأموال.
ويعاني الاقتصاد الإيراني من ركود قاتل ومستويات تضخم كبيرة تضاف إلى معدلات بطالة قياسية وتناقص في احتياطيات العملة الصعبة بسبب نقص إنتاج وتصدير النفط وتراجع أسعاره الحالية بالأسواق.
ويرى المحللون إن أزمة الريال الإيراني ستدخل البلاد في متاعب وتحديات غير مسبوقة، وأنها ستكون العامل الحاسم في تقرير سياسة طهران في ملفها النووي.
http://alarab.co.uk/?id=42551