بدأت الملامح الأولي لانهيار جبهة البوليساريو (التي دبرت في ليل مظلم) منذ أن أعلنت الجماهيرية الليبية فك الارتباط مع هذه المنظمة المزعومة في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، بعد أن تكشف لها حقيقة انحياز القائمين علي مسؤولية هذه الجبهة إلي الحكومة الجزائرية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين بدعوي التناسب الأيديولوجي والإغراءات المادية الكبيرة والموقع الجغرافي. فليبيا كانت في البداية من أبرز الممولين ماليا والمجهزين للسلاح لجبهة البوليساريو بسبب عدائها المعلن لكل الأنظمة الملكية في الوطن العربي وأسباب أخري، تاركة لهذه الجماعة الصحراوية (المشكلة من مجموعة من الطلبة الذين غادروا جامعة محمد الخامس بالرباط) نوعا من الاستقلالية في اتخاذ القرار السياسي الذي يهمهم في استمرار أثارة المشاكل مع المغرب.
وهكذا تحول الصراع الليبي المغربي بعد تقاطع المصالح إلي صراع ليبي جزائري حول إشكالية احتضان البوليساريو، تطور هذا الخلاف فيما بعد إلي نزاعات أخري بين الدولتين علي ساحة الصحراء الكبري، والتي لا زالت قائمة حتي اليوم. ظاهرها سياسي واستراتيجي وباطنها اقتصادي يتعلق بالمياه الجوفية والمعادن الكثيرة كاليورانيوم و الحديد والكوبلت والمنغنيز.... الخ.
إن خروج ليبيا من حلبة الصراع مع المغرب مكن الجزائر من فرض سيطرتها الكاملة علي البوليساريو، وبذلك تحولت الجبهة إلي قسم من أقسام وزارة الدفاع الجزائرية وجناح في قوته الضاربة الأمن العسكري. فجبهة البوليساريو لم تعد طبقا لذلك جماعة تحرر وطني كما كانت تدعي في البداية، بل أنها تحولت إلي كتيبة عسكرية وجناح سياسي تعمل وفق أجندة جزائرية محضة اختلط فيها الاستراتيجي بالإيديولوجي والديني بالقبلي، فأصبح هذا الارتباط ارتباطا عضويا إلي درجة يستحيل فيها علي مسؤولي المنظمة الصحراوية حاليا اتخاذ قرار السلم أو الحرب مع المغرب، فمصير مسؤولي جبهة البوليساريو أصبح أكثر تعقيدا، بعد الانقسامات التي تعرضت لها الجبهة سياسيا وعسكريا والتي أفرزت ثلاث أجنحة مختلفة في توجهاتها ومطالبها هي:
الجناح الأول، بقيادة محمد عبد العزيز الركيبي، الذي يري في التحالف مع الجزائر أمرا ضروريا يمكنه من الاستمرار في المطالبة بأستقلال الصحراء، نظرا لموقع ودور وإمكانات الجزائر الضخمة الحاضنة للجبهة. ففي نظر هذه الجماعة لا يمكن الانتصار علي المغرب إلا بركوب موجة الصراع الجزائري ــ المغربي القديم والحديث، خلاف إيديولوجي يمكن توظيفه وتراكمات سياسية لاحقة.
أما الجناح الثاني والذي يعتقد المحللون انه أكثر شعبية ومصداقية واعتدالا هو التيار الذي يتزعمه البشير مصطفي السيد، والمتمركز في مخيمات لحمادة، هذا التيار يري في التحالف مع الجزائر انتحار سياسي وعسكري علي المدي البعيد، لكون أجندة الجبهة متناقضة مع أجندة القادة في الجزائر شكلا وموضوعا. ففي نظر هذا الجناح الكبير داخل البوليساريو والذي قاد المفاوضات مع المغرب في البداية أن الصراع الحالي مع المغرب سوف يفقد الجبهة استقلاليتها في المفاوضات مع المغرب ويجعلها تخسر حليفها القديم ليبيا، الأمر الذي سوف يشعل نار الفتنة في الصحراء الكبري بأكملها. فلازال مشروع الرئيس ألقذافي في إقامة ولايات الصحراء قائما ولازالت هذه الجماعة تستند إليه.
وقد واجه تيار البشير مصطفي السيد ضغوطا عدة بعد عودة العديد من المسؤولين المؤسسين للبوليساريو إلي المغرب، الذين كانوا يشكلون جناحا سياسيا وقبليا متماسكا ضد الجناح الأول الذي يتزعمه محمد عبد العزيز الركيبي. أما الجناح الثالث الذي انشق عن الجبهة مؤخرا، فهو تيار خط الشهيد الذي يقوده ولد السالك الذي فضل الرجوع والإقامة في اسبانيا، الدولة المستعمرة القديمة للصحراء بدل البقاء في تندوف الجزائرية، رافضاً كل تحالف مع الجزائر في صراعها مع المغرب، ومطالبا كذلك بإقالة كل مسؤولي البوليساريو الحاليين، متهما إياهم بخيانة المبادئ التي قامت عليها الجبهة ومؤسسها الأول مصطفي الوالي ومطالبا المغرب في إيجاد حلول مناسبة للنزاع وعبر المفاوضات المقبولة من جميع أطراف الأزمة الصحراوية.
إن جناح خط الشهيد يري أن حل مشكل الصراع هو بيد اسبانيا وليس الجزائر، علما أن العديد من أطر هذا الجناح هم من الطلبة الذين أرسلتهم جبهة البوليساريو للدراسة والأعداد في الخارج وخاصة في كوبا، ولم يعد من هؤلاء الطلبة إلي تندوف إلا النزر القليل، فعلي سبيل المثال أرسلت الجبهة لدراسة الطب في كوبا الشيوعية 200 طبيبا لم يعد منهم إلي مخيمات تندوف الجزائرية إلا 20 طبيبا. وهذا دليل جديد علي عدم اقتناعهم بأهداف الجبهة ومطالبها بعد أن ارتقي الوعي في عقولهم وضمائرهم.
ترافق كل ذلك مع ما تشهده جبهة البوليساريو حاليا من نزيف قاتل، حسب المختصين في هذا النزاع، أثر إعلان الحكومة الأسبانية عن قانون منح الجنسية الاسبانية لسكان الصحراء، قانون شجع العديد من الشباب الصحراوين بالخروج خلسة وفي وسط الظلام من مخيمات تندوف وغيرها للحصول علي الجنسية رغم الحصار الشديد للجيش الجزائري علي المخيمات. فاسبانيا أقامت لتحقيق هذا الغرض ذي البعد الاستعماري مكاتب خاصة في الجزر الخالدات وموريتانيا لأسبنة سكان الصحراء لغاية في نفس يعقوب.
إن منح الجنسية الاسبانية لسكان الصحراء لا ينزع عنهم الجنسية المغربية حسب القانون المغربي، وسيقوي هذا الأجراء الاستعماري تيار خط الشهيد، التنظيم المستقل في المهجر في المستقبل القريب، هذا التيار الذي يعارض مسؤولي الجبهة الحالية التي اتهمته بدورها بالانحياز إلي المغرب. أما الباقون من سكان الصحراء في تندوف فهم فئتين: الأولي أقلية لها مصالح مباشرة في الوضع القائم، بعد أن حولت الجبهة إلي دائرة تجارية مختصة في تهريب المواد الغذائية والأسلحة، وتمارس عملية استغلال بشعة للإعانات الدولية التي تأتي من الخارج فبدلا من توزيعها كمساعدات للسكان يقوم مسؤولي الجبهة ببيعها بشكل سري في أسواق زويرات الموريتانية وتومبوكتو المالية وتندوف الجزائرية، هذا هو حال سكان الصحراء؟ ومن المفارقات أن وصف احد الصحافيين الأسبان، الذين حضروا احتفالات الذكري 35 لإنشاء ما يسمي بـ "الجمهورية الصحراوية" مؤخرا، من أنها لاتتعدي الخيمة المكيفة وغداء الخمس نجوم في مخيم الرابوني بتندوف، علي الرغم من الأعتمادات المالية الضخمة التي وظفت لهذه الاحتفالات الفلكلورية والتي توجت بالإعلان عن تدشين محطة فضائية للدعاية عبر قمر صناعي أسباني، كلفت هذه الاحتفالات الحكومة الجزائرية ملايين الدولارات، التي كان بالإمكان استثمارها في خدمة شعب الجزائر.... أما الفئة الثانية من السكان فتتمثل بالمحتجزين بالقوة الذين أصبحوا علامة تجارية مكشوفة للبوليساريو في العالم.
ومن ملامح بداية النهاية علي المستوي العسكري، فقد فقدت جبهة البوليساريو أكثر من النصف من المجندين عام 1976 والذين عادوا إلي قبائلهم ومدنهم في الجزائر ومالي وموريتانيا. وما تتظاهر به الجبهة من وجود 6000 مجند لديها حاليا، فهم من الأطفال والنساء والشيوخ المحتجزين في المخيمات.
علي المستوي الخارجي، فالكثير من الدول سحبت او علقت اعترافها بالبوليساريو، خاصة الدول الافريقية واللاتينية ككينيا والسيشيل وكوستاريكا وآخرون. بعض الدول الفقيرة كأثيوبيا وتنزانيا، لازالت تتوصل بإعانات مالية كبيرة او عينية كالبترول والغاز مقابل اعترافها بالبوليساريو. فالوفود التي حضرت إلي تندوف في الذكري الأخيرة لإنشاء ما يسمي الجمهورية الوهمية، فاجأتها أشياء غريبة كمجانية النقل الجوي من بلدانها إلي تندوف ووسائل النقل الجديدة من النوع الممتاز كسيارات مار سيدس رباعية الدفع ورغد العيش لمسؤولي الجبهة في القصور الفارهة التي بنتها الجبهة في تندوف وزويرات، في الوقت الذي تقوم فيه جبهة البوليساريو حاليا بتنظيم حملة عالمية لجمع التبرعات (انظر مقال باتريك كوبير في مجلة اللأبصرفر).
أمام هكذا تطورات نلاحظ بالمقابل أن المغرب بدأ في الآونة الأخيرة بتحقيق بعض الانتصارات الدبلوماسية علي البوليساريو رغم ضعف وشحة إمكانياته، تمثلت هذه الانجازات، أولا في مراجعة إستراتيجيته الدبلوماسية، وتغيير خطابه السياسي المبني علي الحجج التاريخية والواقعية السياسية، وتحسين أوضاع السكان في الأقاليم الصحراوية عبر نشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة، وبذلك أفشلت كل محاولات البوليساريو والجزائر في إيجاد خلايا نائمة في داخل المغرب تحركها كما تريد ومتي تريد، والأموال المرسلة من الخارج هي تمويل جزائري لبعض الطلبة والعاطلين عن العمل، لم تحقق غرضها في أحداث عدم استقرار في المغرب داخليا وتشويه صورته عالميا، خاصة في مجال حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وبذلك فشلت محاولاتهم في نقل الصراع وتصديره إلي داخل الأقاليم الصحراوية بغية تصدع الوحدة الداخلية للمغاربة.
هذه بعض المؤشرات الموضوعية التي تبين بوضوح بداية النهاية لتفكك البوليساريو وفقدها لكل مصداقية علي الصعيدين الداخلي والخارجي، بعد أن تخلي مسؤوليها عن ممارسة السياسة في الداخل إلي ممارسة التجارة في الخارج، ومما يسهم في تعزيز نهاية أعمال جبهة البوليساريو هو ما جاء بإعلان تقرير المبعوث الأممي فان فالسوم: أن مشروع استقلال الصحراء حل غير واقعي وغير عملي. وقد كاد التقرير أن يكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وأن غدا لناظره قريب.
وهكذا تحول الصراع الليبي المغربي بعد تقاطع المصالح إلي صراع ليبي جزائري حول إشكالية احتضان البوليساريو، تطور هذا الخلاف فيما بعد إلي نزاعات أخري بين الدولتين علي ساحة الصحراء الكبري، والتي لا زالت قائمة حتي اليوم. ظاهرها سياسي واستراتيجي وباطنها اقتصادي يتعلق بالمياه الجوفية والمعادن الكثيرة كاليورانيوم و الحديد والكوبلت والمنغنيز.... الخ.
إن خروج ليبيا من حلبة الصراع مع المغرب مكن الجزائر من فرض سيطرتها الكاملة علي البوليساريو، وبذلك تحولت الجبهة إلي قسم من أقسام وزارة الدفاع الجزائرية وجناح في قوته الضاربة الأمن العسكري. فجبهة البوليساريو لم تعد طبقا لذلك جماعة تحرر وطني كما كانت تدعي في البداية، بل أنها تحولت إلي كتيبة عسكرية وجناح سياسي تعمل وفق أجندة جزائرية محضة اختلط فيها الاستراتيجي بالإيديولوجي والديني بالقبلي، فأصبح هذا الارتباط ارتباطا عضويا إلي درجة يستحيل فيها علي مسؤولي المنظمة الصحراوية حاليا اتخاذ قرار السلم أو الحرب مع المغرب، فمصير مسؤولي جبهة البوليساريو أصبح أكثر تعقيدا، بعد الانقسامات التي تعرضت لها الجبهة سياسيا وعسكريا والتي أفرزت ثلاث أجنحة مختلفة في توجهاتها ومطالبها هي:
الجناح الأول، بقيادة محمد عبد العزيز الركيبي، الذي يري في التحالف مع الجزائر أمرا ضروريا يمكنه من الاستمرار في المطالبة بأستقلال الصحراء، نظرا لموقع ودور وإمكانات الجزائر الضخمة الحاضنة للجبهة. ففي نظر هذه الجماعة لا يمكن الانتصار علي المغرب إلا بركوب موجة الصراع الجزائري ــ المغربي القديم والحديث، خلاف إيديولوجي يمكن توظيفه وتراكمات سياسية لاحقة.
أما الجناح الثاني والذي يعتقد المحللون انه أكثر شعبية ومصداقية واعتدالا هو التيار الذي يتزعمه البشير مصطفي السيد، والمتمركز في مخيمات لحمادة، هذا التيار يري في التحالف مع الجزائر انتحار سياسي وعسكري علي المدي البعيد، لكون أجندة الجبهة متناقضة مع أجندة القادة في الجزائر شكلا وموضوعا. ففي نظر هذا الجناح الكبير داخل البوليساريو والذي قاد المفاوضات مع المغرب في البداية أن الصراع الحالي مع المغرب سوف يفقد الجبهة استقلاليتها في المفاوضات مع المغرب ويجعلها تخسر حليفها القديم ليبيا، الأمر الذي سوف يشعل نار الفتنة في الصحراء الكبري بأكملها. فلازال مشروع الرئيس ألقذافي في إقامة ولايات الصحراء قائما ولازالت هذه الجماعة تستند إليه.
وقد واجه تيار البشير مصطفي السيد ضغوطا عدة بعد عودة العديد من المسؤولين المؤسسين للبوليساريو إلي المغرب، الذين كانوا يشكلون جناحا سياسيا وقبليا متماسكا ضد الجناح الأول الذي يتزعمه محمد عبد العزيز الركيبي. أما الجناح الثالث الذي انشق عن الجبهة مؤخرا، فهو تيار خط الشهيد الذي يقوده ولد السالك الذي فضل الرجوع والإقامة في اسبانيا، الدولة المستعمرة القديمة للصحراء بدل البقاء في تندوف الجزائرية، رافضاً كل تحالف مع الجزائر في صراعها مع المغرب، ومطالبا كذلك بإقالة كل مسؤولي البوليساريو الحاليين، متهما إياهم بخيانة المبادئ التي قامت عليها الجبهة ومؤسسها الأول مصطفي الوالي ومطالبا المغرب في إيجاد حلول مناسبة للنزاع وعبر المفاوضات المقبولة من جميع أطراف الأزمة الصحراوية.
إن جناح خط الشهيد يري أن حل مشكل الصراع هو بيد اسبانيا وليس الجزائر، علما أن العديد من أطر هذا الجناح هم من الطلبة الذين أرسلتهم جبهة البوليساريو للدراسة والأعداد في الخارج وخاصة في كوبا، ولم يعد من هؤلاء الطلبة إلي تندوف إلا النزر القليل، فعلي سبيل المثال أرسلت الجبهة لدراسة الطب في كوبا الشيوعية 200 طبيبا لم يعد منهم إلي مخيمات تندوف الجزائرية إلا 20 طبيبا. وهذا دليل جديد علي عدم اقتناعهم بأهداف الجبهة ومطالبها بعد أن ارتقي الوعي في عقولهم وضمائرهم.
ترافق كل ذلك مع ما تشهده جبهة البوليساريو حاليا من نزيف قاتل، حسب المختصين في هذا النزاع، أثر إعلان الحكومة الأسبانية عن قانون منح الجنسية الاسبانية لسكان الصحراء، قانون شجع العديد من الشباب الصحراوين بالخروج خلسة وفي وسط الظلام من مخيمات تندوف وغيرها للحصول علي الجنسية رغم الحصار الشديد للجيش الجزائري علي المخيمات. فاسبانيا أقامت لتحقيق هذا الغرض ذي البعد الاستعماري مكاتب خاصة في الجزر الخالدات وموريتانيا لأسبنة سكان الصحراء لغاية في نفس يعقوب.
إن منح الجنسية الاسبانية لسكان الصحراء لا ينزع عنهم الجنسية المغربية حسب القانون المغربي، وسيقوي هذا الأجراء الاستعماري تيار خط الشهيد، التنظيم المستقل في المهجر في المستقبل القريب، هذا التيار الذي يعارض مسؤولي الجبهة الحالية التي اتهمته بدورها بالانحياز إلي المغرب. أما الباقون من سكان الصحراء في تندوف فهم فئتين: الأولي أقلية لها مصالح مباشرة في الوضع القائم، بعد أن حولت الجبهة إلي دائرة تجارية مختصة في تهريب المواد الغذائية والأسلحة، وتمارس عملية استغلال بشعة للإعانات الدولية التي تأتي من الخارج فبدلا من توزيعها كمساعدات للسكان يقوم مسؤولي الجبهة ببيعها بشكل سري في أسواق زويرات الموريتانية وتومبوكتو المالية وتندوف الجزائرية، هذا هو حال سكان الصحراء؟ ومن المفارقات أن وصف احد الصحافيين الأسبان، الذين حضروا احتفالات الذكري 35 لإنشاء ما يسمي بـ "الجمهورية الصحراوية" مؤخرا، من أنها لاتتعدي الخيمة المكيفة وغداء الخمس نجوم في مخيم الرابوني بتندوف، علي الرغم من الأعتمادات المالية الضخمة التي وظفت لهذه الاحتفالات الفلكلورية والتي توجت بالإعلان عن تدشين محطة فضائية للدعاية عبر قمر صناعي أسباني، كلفت هذه الاحتفالات الحكومة الجزائرية ملايين الدولارات، التي كان بالإمكان استثمارها في خدمة شعب الجزائر.... أما الفئة الثانية من السكان فتتمثل بالمحتجزين بالقوة الذين أصبحوا علامة تجارية مكشوفة للبوليساريو في العالم.
ومن ملامح بداية النهاية علي المستوي العسكري، فقد فقدت جبهة البوليساريو أكثر من النصف من المجندين عام 1976 والذين عادوا إلي قبائلهم ومدنهم في الجزائر ومالي وموريتانيا. وما تتظاهر به الجبهة من وجود 6000 مجند لديها حاليا، فهم من الأطفال والنساء والشيوخ المحتجزين في المخيمات.
علي المستوي الخارجي، فالكثير من الدول سحبت او علقت اعترافها بالبوليساريو، خاصة الدول الافريقية واللاتينية ككينيا والسيشيل وكوستاريكا وآخرون. بعض الدول الفقيرة كأثيوبيا وتنزانيا، لازالت تتوصل بإعانات مالية كبيرة او عينية كالبترول والغاز مقابل اعترافها بالبوليساريو. فالوفود التي حضرت إلي تندوف في الذكري الأخيرة لإنشاء ما يسمي الجمهورية الوهمية، فاجأتها أشياء غريبة كمجانية النقل الجوي من بلدانها إلي تندوف ووسائل النقل الجديدة من النوع الممتاز كسيارات مار سيدس رباعية الدفع ورغد العيش لمسؤولي الجبهة في القصور الفارهة التي بنتها الجبهة في تندوف وزويرات، في الوقت الذي تقوم فيه جبهة البوليساريو حاليا بتنظيم حملة عالمية لجمع التبرعات (انظر مقال باتريك كوبير في مجلة اللأبصرفر).
أمام هكذا تطورات نلاحظ بالمقابل أن المغرب بدأ في الآونة الأخيرة بتحقيق بعض الانتصارات الدبلوماسية علي البوليساريو رغم ضعف وشحة إمكانياته، تمثلت هذه الانجازات، أولا في مراجعة إستراتيجيته الدبلوماسية، وتغيير خطابه السياسي المبني علي الحجج التاريخية والواقعية السياسية، وتحسين أوضاع السكان في الأقاليم الصحراوية عبر نشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة، وبذلك أفشلت كل محاولات البوليساريو والجزائر في إيجاد خلايا نائمة في داخل المغرب تحركها كما تريد ومتي تريد، والأموال المرسلة من الخارج هي تمويل جزائري لبعض الطلبة والعاطلين عن العمل، لم تحقق غرضها في أحداث عدم استقرار في المغرب داخليا وتشويه صورته عالميا، خاصة في مجال حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وبذلك فشلت محاولاتهم في نقل الصراع وتصديره إلي داخل الأقاليم الصحراوية بغية تصدع الوحدة الداخلية للمغاربة.
هذه بعض المؤشرات الموضوعية التي تبين بوضوح بداية النهاية لتفكك البوليساريو وفقدها لكل مصداقية علي الصعيدين الداخلي والخارجي، بعد أن تخلي مسؤوليها عن ممارسة السياسة في الداخل إلي ممارسة التجارة في الخارج، ومما يسهم في تعزيز نهاية أعمال جبهة البوليساريو هو ما جاء بإعلان تقرير المبعوث الأممي فان فالسوم: أن مشروع استقلال الصحراء حل غير واقعي وغير عملي. وقد كاد التقرير أن يكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وأن غدا لناظره قريب.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: