القرم واحتمالات التدخل الأمريكي في سورية
جاءت العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية وكذلك الاتحاد الأوروبي على روسيا بصدد مسألة القرم والأحداث في أوكرانيا حذرة وخجولة ولم تعكس التهديدات والضوضاء التي أثارها المسؤولون الغربيون في تحركاتهم وتنقلاتهم واجتماعاتهم الطارئة بالرد على روسيا كما لو أن "الجبل تمخض فولد فأرا".
كذلك إن التهويل الذي يثيره المسؤولون الغربيون والأمريكيون بشكل خاص في المحافل الدولية حول مسألة انضمام القرم وتصويرهم للأحداث وكأنها مسألة نزاع مسلح بين روسيا وأوكرانيا لن يفضي إلى شيئ جدي أيضا ولن يتعدى زيادة عدد أسماء المسؤولين الروس المحرومين من تأشيرات الدخول إلى البلدان الغربية ولا يمكن أن تصل التهديدات إلى مستوى العقوبات الاقتصادية كما لن تكون في أقصى الأحوال أكثر من حرمان روسيا من عضوية بعض المؤسسات الأوروبية والإقليمية.
روسيا تعزز انتصارها في القرم
وفي غضون ذلك تستمر روسيا بتعزيز مواقعها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية في شبه جزيرة القرم وتكون بذلك قد فرضت في نهاية الأمر هيمنتها الكلية على هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة بالنسبة لها واستفادت إلى أقصى حد من المخطط الأطلسي الذي رسم لهذه المنطقة حين كانت موسكو منشغلة بإنجاح الألعاب الأولمبية في سوتشي إلا أنها كانت في الوقت ذاته تراقب عن كثب كل ما يقوم به شركاؤها الغربيون في كييف وترصد كل تحركاتهم الموجهة نحو جر أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وإلى حلف شمال الأطلسي ومن ثم العمل على إبعاد الأسطول الروسي عن أماكن إقامته الدائمة في القرم.
بيد أن الدولة الروسية وبقيادة رئيسها فلاديمير بوتين الذي أبدى شجاعة خارقة في هذه الأحداث كانت السباقة في وضع يدها على الأرض التي تعتبرها مقر مجدها العسكري منذ أكثر من ثلاثمائة عام أيام حكم الملكة يكاترينا الثانية وفي إقدامها على تقديم موعد الاستفتاء في القرم قاطعة بذلك الطريق أمام أي استفزاز من هذا القبيل قد تقوم به بعض الرؤوس الحامية في الغرب ومحققة بذلك انتصارا تاريخيا على النوايا الأطلسية بعزل روسيا عسكريا أولا وسياسيا فيما بعد.
الارتباك الغربي تجاه روسيا
وأمام هذا الجبروت الروسي وقف الغرب حائرا ومرتبكا لا قدرة لديه على الرد والتحرك لإلحاق الأذى بروسيا لا عسكريا ولا اقتصاديا ولا حتى دبلوماسيا ولن يكتب النجاح لكل محاولاته بعزلها دوليا طالما أن المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية في أوكرانيا لا تزال تعيش إرهاصات القرم ونجاحه بالعودة إلى حضن الوطن الأم من جهة ومن جهة أخرى هواجس الخوف من تعسف وعربدة قوى النازية الجديدة التي استولت على زمام الأمور في كييف.
وبات واضحا أنه لم يبق أمام التحاف الغربي في موقفه من روسيا إلا أحد السبيلين: إما أن يهدأ ويستكين للأمر الواقع ويحاول الحفاظ على ما تبقى من أوكرانيا من خلال إقامة نظام ديمقراطي يحترم ويصون حقوق جميع مكونات المجتمع ويوسع صلاحيات السلطات المحلية ويحارب الفساد في أوكرانيا ويحافظ عليها كدولة غير منحازة وألا تكون مقرا أو ممرا للإرهاب الدولي وللنازية الجديدة أو أن ينصاع هذا التحالف الغربي لنوايا "الصقور" فيه بالانتقام من روسيا عبر مصالحها الاستراتيجية في العالم متجاهلا أن العالم قد تغيير وأن زمن القطب الأوحد قد انتهى وأن العالم أصبح أكثر ترابطا وتداخلا لدرجة أنه لا يمكن لأي فعل مسيئ للغير إلا وأن يكون له رد فعل مماثل.
الرأسمالية لا تحارب عند انتعاشها الاقتصادي
وأمام هذه العطالة الذاتية في الرد مباشرة على روسيا من المحتمل أن تقوم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بهدف استعادة هيبتها ومكانتها الدولية بالانتقام من روسيا عبر ضرب مواقعها في الدول التي تمثل بعدا استراتيجيا للسياسة الروسية وتأتي في مقدمتها إيران وسورية بشكل خاص.
ولكن من الواضح أيضا أن تاريخ الدول الرأسمالية لم يشهد أبدا أن قامت هذه الدول من ذاتها بشن حروب أو عدوان مسلح في مراحل نهوضها الاقتصادي خصوصا عندما تكون قد بدأت بخروجها من أزمة اقتصادية خانقة وأخذ اقتصادها بالانتعاش شيئا فشيئا حيث يعتبر أي تصرف غير مدروس لها بمثابة تضييق الخناق على هذا الانتعاش والرجوع بالاقتصاد إلى مرحلة الركود. بيد أن التحركات الأمريكية الأخيرة تشير إلى أنها تدفع بحلفائها للقيام بمثل هذا الدور حيث تسعى بمحاولاتها الآن إلى تقويض جهود لجنة الوساطة الدولية في حل مسألة البرنامج النووي الإيراني وأكثر من ذلك إنها اتخذت قراراتها الأخيرة بتعليق علاقاتها الدبلوماسية مع سورية بهدف تصعيد الوضع في سورية وحولها.
احتمالات التدخل الأطلسي في سورية
ولكن الأخطر من هذا وذاك محاولاتها بدفع تركيا للتدخل العسكري في سورية عبر تحريك المنظمة الإرهابية "للدولة الإسلامية في العراق والشام" للعبث برموز الامبراطورية العثمانية في سورية حيث اقتربت قوات تنظيم "داعش" من ضريح سليمان شاه بن قلتقمش الذي يعتبر من أكبر رموز الامبراطورية العثمانية في المنطقة المدفون في منطقة قراقوزاق بالقرب من مدينة الرقة السورية الواقعة تحت سيطرة مقاتلي "داعش" والذي زاره رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داؤود أوغلو عدة مرات ما قدم الذريعة إلى الحكومة التركية كي تحشد عشرين ألف جندي من قواتها لاجتياح الأراضي السورية بحجة خوفها من أن يلقى هذا الضريح مصير عشرات الأضرحة التي سبق لمقاتلي هذا التنظيم والتنظيمات الوهابية الأخرى أن قاموا بنبشها وتدنيسها ومن ثم بتدميرها.
وفي هذه الحال سوف ترتفع أسهم أردوغان الذي يعاني من أزمة شعبية في الانتخابات المحلية والبرلمانية المقبلة وسوف يعتبر رد القوات السورية على دخول الجيش التركي إلى الآراضي السورية بمثابة اعتداء على قوات دولة عضو في حلف شمال الأطلسي وستساق الحجج والذرائع لتبرير تدخل قوات الحلف في سورية وقيامها بدعم المجموعات المسلحة في الإطاحة بالنظام في دمشق وتسليم الحكم إلى ممثلي المعارضة ما يمكن أن تعتبره الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون ضربة مؤذية لموسكو وانتقاما منها على دورها في الأحداث الأوكرانية.
http://arabic.ruvr.ru/2014_03_20/269953207/