هذا جزء من كتاب فضائل الترك لالجاحظ ,كان قد كتبه في عهد المامون مادحا فيه الاتراك جند الخلافه الجدد وفيه وصف لاصناف الجنود و خصال الحرب في تلك الفتره.
ملاحظه: الخوارج يعني بهم القبائل العربيه في الجزيره الفراتيه.
****************************************************************
[font="]زعم محمد بن الجهم وثمامة بن الأشرس والقاسم بن سيار في جماعة ممن يغشى[/font][font="]دار الخلافة وهي دار العامة قالوا جميعاً: بيننا حميد بن عبد الحميد جالساً ومعه[/font][font="]يخشاد الصُّغدي وأبو شجاع شبيب بن بخاراخداي البلخي ويحيى بن معاذ ورجال من[/font][font="]المعدودين المتقدمين في العلم بالحرب من أصحاب التجارب والمراس وطول المعالجة[/font][font="]والمعاناة في صناعات الحرب إذ خرج رسول المأمون فقال لهم: نقول لكم متفرقين[/font][font="]ومجتمعين: ليكتب كل رجلٍ منكم دعواه وحجته وليقل أيما أحب إلى كل قائد منكم إذا[/font][font="]كان في عدته من صحبه وثقاته: أن يلقى مائة تركي أو مائة خارجي فقال القوم[/font][font="]جميعاً: لأن نلقى مائة تركي أحب إلينا من أن نلقى مائة خارجي! وحميد ساكت.[/font]
[font="]فلما فرغ القوم جميعاً من حججهم قال الرسول: قد قال القوم فقل[/font][font="]واكتب قولك وليكن حجة لك أو عليك.[/font]
[font="]قال: بل ألقى مائة خارجي أحب إلي لأنني وجدت الخصال التي يفضل بها[/font][font="]الخارجي جميع المقاتلة غير تامةٍ في الخارجي ووجدتها تامة في التركي.[/font]
[font="]ففضل التركي على الخارجي بقدر فضل الخارجي على سائر المقاتلة ثم بان[/font][font="]التركي عن الخارجي بأمورٍ ليس فيها للخارجي دعوى ولا متعلق.[/font]
[font="]على أن هذه الأمور التي بان بها التركي عن الخارجي أعظم خطراً وأكثر[/font][font="]نفعا مما شاركه الخارجي في بعضها.[/font]
[font="]ثم قال حميد: والخصال التي يصول بها الخارجي على سائر الناس صدق[/font][font="]الشدة عن أول وهلة وهي الدفعة التي يبلغون بها ما أرادوا وينالون الذي أملوا.[/font]
[font="]والثانية: الصبر على الخبب وعلى طول السُّرى حتى يصبح القوم الذين[/font][font="]مرقوا بهم غارين فيهجموا عليهم وهم بسوء ولحمٌ على وضم يتعجَّلونهم عن الروية وعن[/font][font="]رد النفس عن النزوة والجولة لا يظنون أن أحداً يقطع في ذلك المقدار من الزمان ذلك[/font][font="]المقدار من البلاد.[/font]
[font="]والثالثة: أن الخارجي موصوف عند الناس بأنه إن طَلب أدرك وإن طُلب[/font][font="]فات.[/font]
[font="]والرابعة: خفة الأزواد وقلة الأمتعة وأنها تجنب الخيل وتركب[/font][font="]البغال وإن احتاجت أمست بأرضٍ وأصبحت بأخرى وأنهم قوم حين خرجوا لم يخلفوا الأموال[/font][font="]الكثيرة والجنان الملتفة والدور المشيدة ولا ضياعاً ولا مستغلات ولا جواري مطهمات[/font][font="]وأنهم لا سلب لهم ولا مال معهم فيرغب الجند في لقائهم وإنما هم كالطير لا تدخر ولا[/font][font="]تهتم لغدٍ ولها في كل أرض من المياه والأقوات ما تتبَّلغ به وإن لم تجد ذلك في بعض[/font][font="]البلاد فأجنحتها تقرب لها البعيد وتسهل لها الحزون.[/font]
[font="]وكذلك الخوارج لا يمتنع عليهم القرى والمطعم وإن تمنع عليهم ففي[/font][font="]بنات شحَّاجٍ وبنات صهَّال وخفة الأثقال على طول الخبب ما يسهل أقواتها ويكثر من[/font][font="]أرزاقها.[/font]
[font="]والخامسة: أن الملوك إن أرسلوا إليهم أعدادهم ليكونوا في خفة[/font][font="]أوزارهم وأثقالهم وليقووا على التنقل كقوتهم لم يقووا عليهم لأن مائة من الجند لا[/font][font="]يقومون لمائة من الخوارج وإن كثفوا الجيش بالجيش وضاعفوا العدد بالعدد ثقلوا عن[/font][font="]طلبهم وعن الفوت إن طلبهم عدوهم.[/font]
[font="]ومتى شاء الخارجي أن يقرب منهم ليتطرَّفهم أو ليصيب الغرة منهم أو[/font][font="]ليسلبهم فعل ذلك ثقة بأنه يغنم عند الفرصة ورؤية العورة ويمكنه الهرب عند الخوف.[/font]
[font="]وإن شاء كبسهم ليقطع نظامهم أو ليقتطع القطعة منهم.[/font]
[font="]
قال حميد: فهذه هي مفاخرهم وخصالهم التي لها كره القواد لقاءهم.[/font]
[font="]قال قاسم بن سيار: وخصلة أخرى وهي التي رعبت القلوب وخلعتها ونقضت[/font][font="]العزائم وفسختها وهو ما تسمع الأجناد ومقاتلة العوام من ضرب المثل بالخوارج كقول[/font][font="]الشاعر: إذا ما البخيل والمحاذر للقرى رأى الضيف مثل الأزرقيِّ المجفَّف وكقول[/font][font="]الآخر: وقلبِ ودٍّ حال عن عهده والسيف ينبو بيد الشاري وكقول الآخر: لقاء الأسد[/font][font="]أهون من لقاه إذا التحكيم يسهر بالأصل فهذه زيادة قاسم بن سيار.[/font]
[font="]فأما حميد فإنه قال: الشدة الأولى التركي فيها أحمد أثراً وأجمع[/font][font="]أمراً وأحكم شأنا لأن التركي من أجل أن تصدق شدته ويتمكن عزمه ولا يكون مشترك العزم[/font][font="]ولا منقسم الخواطر قد عود برذونه ألا ينثنى وإن ثناه أن يملأ فروجه للأمر يديره مرة[/font][font="]أو مرتين وإلا فإنه لا يدع سننه ولا يقطع ركضه.[/font]
[font="]وإنما أراد التركي أن يوئس نفسه من البدوات ومن أن يعتريه التكذيب[/font][font="]بعد الاعتزام لهول اللقاء وحب الحياة لأنه إذا علم أنه قد صيَّر برذونه إلى هذه[/font][font="]الغاية حتى لا ينثني ولا يجيبه إلى التصرف معه إلا بأن يصنع شيئاً بين الصفين فيه[/font][font="]عطبه لم يُقدم على الشدة إلا بعد إحكام الأمر والبصر بالعورة.[/font]
[font="]وإنما يريد أن يشبه نفسه بالمُحرج الذي إذا رأى أشد القتال لم يدع[/font][font="]جهدا ولم يدخر حيلة ولينفيَ عن قلبه خواطر الفرار ودواعيَ الرجوع.[/font]
[font="]وقال: الخارجيُّ عند الشدة إنما يعتمد على الطِّعان والأتراك تطعن[/font][font="]طعن الخوارج وإن شدَّ منهم ألف فارس فرموا رشقاً واحداً صرعوا ألف فارس فما بقاء[/font][font="]جيش على هذا النوع من الشدة! والخوارج والأعراب ليست لهم رماية مذكورة إلى ظهور[/font][font="]الخيل والتركيُّ يرمى الوحش والطي والبرجاس والناس والمجثَّمة والمثل الموضوعة[/font][font="]ويرمى بعشرة أسهم قبل أن يفوق الخارجي سهماً واحداً ويركض دابته منحدراً من جبل أو[/font][font="]مستفلاً إلى بطن واد بأكثر مما يمكن الخارجي على بسيط الأرض.[/font]
[font="]وللتركيِّ أربعة أعين: عينان في وجهه وعينان في قفاه.[/font]
[font="]وللخارجيِّ عيب في مستدبر الحرب وللخرسانيِّ عيبٌ في مستقبل[/font][font="]الحرب.[/font]
[font="]فعيب الخرسانية أن لها جولة عند أول الالتقاء وإن ركبوا كسأهم كانت[/font][font="]هزيمتهم وكثيراً ما يثوبون وذلك بعد الخطار بالعسكر وإطماع العدوِّ في الشدة.[/font]
[font="]والخوارج إذا ولوا فقد ولوا وليس لهم بعد الفرِّ كر إلا ما لا[/font][font="]يعد.[/font]
[font="]والتركيُّ ليست له جولة الخراساني وإذا أدبر فهو السم النافع والحتف[/font][font="]القاضي لأنه يصيب بسهمه وهو مدبرٌ كما يصيب به وهو مقبل ولا يؤمن وهقه ولا انتساف[/font][font="]الفرس واختطاف الفارس بتلك الراكضة.[/font]
[font="]ولم يفلت من الوهق في جميع الدهر إلا المهلب بن أبي صفرة والحريش بن[/font][font="]هلال وعباد بن الحصين.[/font]
[font="]وربما رمى بالوهق وله فيه تدبير آخر وإن لم يجنب المرمى معه يوهم[/font][font="]الجاهل أن ذلك إنما كان لخرق التركي أو لحذق المرمى.[/font]
[font="]قال: وهم علموا الفرسان حمل قوسين وثلاثة قسي ومن الأوتار على حسب[/font][font="]ذلك.[/font]
[font="]قال: والتركي في حال شدته معه كل شيء يحتاج إليه لنفسه وسلاحه[/font][font="]ودابته وأداة دابته.[/font]
[font="]فأما الصبر على الخبب وعلى مواصلة السفر وعلى طول السُّري وقطع[/font][font="]البلاد فعجيبٌ جداً.[/font]
[font="]فواحدةً: أن فرس الخارجي لا يصبر صبر برذون التركي.[/font]
[font="]والخارجي لا يحسن أن يعالج فرسه إلا معالجة الفرسان لخيولهم والتركي[/font][font="]أحذق من البيطار وأجود تقويماً لبرذونه على ما يريده من الراضة وهو استنتجه وهو[/font][font="]رباه فلواً وتتبعه إن سماه وإن ركض ركض خلفه.[/font]
[font="]وقد عوده ذلك حتى عرفه كما يعرف الفرس أقدم والناقة حل والجمل جاه[/font][font="]والبغل عدس والحمار ساسا وكما يعرف المجنون لقبه والصبي اسمه.[/font]
[font="]ولو حصلت عُمر التركي وحسبت أيامه لوجدت جلوسه على ظهر دابته أكثر[/font][font="]من جلوسه على ظهر الأرض.[/font]
[font="]والتركي يركب فحلاً أو رمكة ويخرج غازياً أو مسافراً أو متباعداً في[/font][font="]طلب صيدٍ أو سببٍ من الأسباب فتتبعه الرَّمكة وأفلاؤها إن أعياه اصطياد الناس اصطاد[/font][font="]الوحش وإن أخفق منها أو احتاج إلى طعامٍ فصد دابةً من دوابِّه وإن عطش حلب رمكة من[/font][font="]رماكه وإن أراح واحدةً تحته ركب أخرى من غير أن ينزل إلى الأرض.[/font]
[font="]وليس في الأرض أحدٌ إلا وبدنه ينتفض على اقتيات اللحم وحده غيره[/font][font="]وكذلك دابته تكتفي بالعنقر والعشب والشجر لا يظُّلها من شمس ولا يكنها من برد.[/font]
[font="]قال: وأما الصبر على الخبب فإن الثغريين والفرانقيين والخصيان[/font][font="]والخوارج لو اجتمعت قواهم في شخصٍ واحد لما وفوا بتركي واحد.[/font]
[font="]والتركي لا يبقى معه على طول الغاية إلا الصميم من دوابه.[/font]
[font="]والذي يقتله التركي بإتعابه له وينفيه عند غزاته هو الذي لا معه فرس[/font][font="]الخارجي ولا يبقى معه كل برذون بخاري.[/font]
[font="]ولو ساير خارجياً لاسترغ وسعه قبل أن يبلغ الخارجي عفوه.[/font]
[font="]والتركي هو الراعي وهو السائس وهو الراكض وهو النخاس وهو البيطار[/font][font="]وهو الفارس.[/font]
[font="]والتركي الواحد أمةٌ على حدة.[/font]
[font="]قال: وإذا سار التركي في غير عساكر الترك فسار القوم عشرة أميال[/font][font="]سار عشرين ميلاً لأنه ينقطع عن العسكر يمنةً ويسرة ويسرع في ذرى الجبال ويستبطن[/font][font="]قعور الأودية في طلب الصيد وهو في ذلك يرمي كل ما دب ودرج وطار ووقع.[/font]
[font="]قال: والتركي لم يسر في العساكر سير الناس قط ولا سار مستقيماً[/font][font="]قط.[/font]
[font="]قالوا: وإذا طالت الدلجة واشتد السير وبعد المنزل وانتصف النهار[/font][font="]واشتد التعب وشغل الناس الكلال وصمت المتسايرون فلم ينطقوا وقطعهم ما هم فيه عن[/font][font="]التشاغل بالحديث وتفسخ كل شيءٍ من شدة الحر وخمد كل شيء من شدة البرد وتمنى كل جليد[/font][font="]القوى على طول السرى أن تطوى له الأرض وكلما رأى خيالاً أو أبصر علماً سر به[/font][font="]واستبشر وظن أنه قد بلغ المنزل فإذا بلغه الفارس نزل وهو متفحج كأنه صبيٌّ محقون[/font][font="]يئن أنين المريض ويستريح إلى التثاؤب ويتداوى مما به بالتمطي والتضجع.[/font]
[font="]وترى التركي في تلك الحال وقد سار ضعف ما ساروا وقد أتعب منكبيه[/font][font="]كثرة النزع يرى قرب المنزل عيراً أو ظبياً أو عرض له ثعلب أو أرنب خيركض ركض مبتدئ[/font][font="]مستأنف كأن الذي سار ذلك السير وتعب ذلك التعب غيره.[/font]
[font="]وإن بلغ الناس وادياً فازدحموا على مسلكه أو على قنطرته بطن برذونه[/font][font="]فأقحمه ثم طلع من الجانب الآخر كأنه كوكب.[/font]
[font="]وإن انتهوا إلى عقبةٍ صعبةٍ ترك السنن وذهب في الجبل صعداً ثم تدلى[/font][font="]من موضع يعجز عنه الوعل وأنت تحسبه مخاطراً بنفسه للذي ترى من مطَّلعه.[/font]
[font="]ولو كان في كل ذلك مخاطراً لما دامت له السلامة مع تتابع ذلك منه.[/font]
[font="]قال: ويفخر الخارجي بأنه إذا طلب أدرك وإذا طُلب لم يدرك.[/font]
[font="]والتركي ليس يحوج إلى أن يفوت لأنه لا يُطلب ولا يرام.[/font]
[font="]ومن يروم ما لا يطمع فيه! فهذا.[/font]
[font="]على أنا قد علمنا العلة التي عمت الخوارج بالنجدة استواء حالتهم في[/font][font="]الديانة واعتقادهم أن القتال دين لأننا حين وجدنا السجستاني والخراساني والجزري[/font][font="]واليمامي والمغربي والعماني والأزرقي منهم والنجدي والإباضي والصفري والمولى[/font][font="]والعربي والعجمي والأعرابي والعبيد والنساء والحائك والفلاح كلهم يقاتل مع اختلاف[/font][font="]الأنساب وتباين البلدان علمنا أن الديانة هي التي سوت بينهم ووفقت بينهم في ذلك.[/font]
[font="]كما أن كل حجامٍ في الأرض[/font][font="]من أي جنسٍ كان ومن أي بلدٍ كان فهو يحب[/font][font="]النبيذ وكما أن أصحاب الخلقان والسماكين والنخاسين والحاكة في كل بلد من كل جنس[/font][font="]شرار خلق الله في المبايعة والمعاملة.[/font]
[font="]فعلمنا بذلك أن ذلك خلقة في هذه الصناعات وبنية في هذه التجارات حين[/font][font="]صاروا من بين جميع الناس كذلك.[/font]
[font="]قال: ورأينا التركي في بلاده ليس يقاتل على دينٍ ولا على تأويل[/font][font="]ولا على ملك ولا على خراج ولا على عصبية ولا على غيرة دون الحرمة والمحرم ولا على[/font][font="]حمية ولا على عداوة ولا على وطنٍ ومنع دار ولا مال وإنما يقاتل على السلب والخيار[/font][font="]في يده.[/font]
[font="]وليس يخاف الوعيد إن هرب ولا يرجو الوعد إن أبلى عذرا.[/font]
[font="]وكذلك هم في بلادهم وغاراتهم وحروبهم.[/font]
[font="]وهو الطالب غير المطلوب ومن كان كذلك فإنما يأخذ العفو من قوته ولا[/font][font="]يحتاج إلى مجهوده.[/font]
[font="]ثم هو مع ذلك لا يقوم له شيء ولا يطمع فيه أحد فما ظنك بمن هذه صفته[/font][font="]أن لو اضطره إحراج أو غيرة أو غضب أو تدين أو عرض له بعض ما يصحب المقاتل المحامي[/font][font="]من العلل والأسباب.[/font]
[font="]قال: وقناة الخارجىّ طويلة صماء وقناة التركيّ مطرد أجوف والقنىُّ[/font][font="]المجوفة القصار أشد طعنة وأخف في المحمل.[/font]
[font="]والعجم تجعل القنى الطوال للرجالة وهي قنى الأبناء على أبواب[/font][font="]الخنادق والمضايق.[/font]
[font="]والأبناء في هذا الباب لا يجرون مع الأتراك والخراسانية لأن الغالب[/font][font="]على الأبناء المطاعنة على أبواب الخنادق وفي المضايق وهؤلاء أصحاب الخيل والفرسان[/font][font="]وعلى الخيل والفرسان تدور الجيوش لهم الكر والفر.[/font]
[font="]والفارس هو الذي يطوي الجيش طيَّ السجل ويفرقهم تفريق الشعر.[/font]
[font="]وليس يكون الكمين إلا منهم ولا الطليعة ولا السَّاقة.[/font]
[font="]وهم أصحاب الأيام المذكورة والحروب الكبار والفتوح العظام ولا تكون[/font][font="]المقانب والكتائب إلا منهم.[/font]
[font="]ومنهم من يحمل البنود والرايات والطبول والتجافيف والأجراس.[/font]
[font="]وهم أصحاب الصهيل والقتام وزجر الخيل وقعقة الريح في الثياب والسلاح[/font][font="]ووقع الحوافر والإدراك إذا طَلبوا والغوث إذا طُلبوا.[/font]
[font="]ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم للفارس سهمين وللراجل من[/font][font="]المقاتلة سهماً واحداً إلا لتضاعيف الرد في القتل والفتوح والنهبة والمغانم.[/font]
[font="]ثم قال: ولعمري إن الأبناء من القتال في السكك والسجون والمضايق[/font][font="]ما ليس لغيرهم.[/font]
[font="]ولكن الرجال أبداً أتباعٌ ومأمورون ومنقادون وقائد الرجال لا يكون[/font][font="]إلا فارساً وقائد الفرسان من الممتنع أن يكون راجلاً.[/font]
[font="]ومن تعود الطعان والضرب والرمي راكباً إن اضطر إلى الطعن والرمي[/font][font="]راجلاً كان على ذاك أدفع على نفسه وأرد عن أصحابه من الراجل إذا احتاج أن يستعمل[/font][font="]سلاحه فارساً.[/font]
[font="]وعلى أنه ما أكثر ما ينزلون ويقاتلون.[/font]
[font="]وقد قال الشاعر: لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا وأخو الحرب من أطاق[/font][font="]النزولا وقال الضبيُّ: وعلام أركبه إذا لم أنزل.[/font]
[font="]وقال آخر: فمعانقٌ ومنازل.[/font]
[font="]وقال حميد: وليس في الأرض قومٌ إلا والتساند في الحروب والإشتراك[/font][font="]في الرياسة ضارٌ لهم إلا الأتراك.[/font]
[font="]على أن الأتراك لا يتساندون ولا يتشاركون وذلك أن الذي يكره من[/font][font="]المساندة والمشاركة اختلاف الرأي والتنافس في السر والتحاسد بين الأشكال والتواكل[/font][font="]فيما بين المشتركين.[/font]
[font="]والأتراك إذا صافوا جيشاً إن كان في القوم موضع عورةٍ فكلهم قد[/font][font="]أبصرها وعرفها وإن لم تكن هناك عورةٌ لم يكن فيهم مطمع وكان الرأي الانصراف فكلهم[/font][font="]قد رأى ذلك الرأي وعرف الصواب فيه.[/font]
[font="]وخواطرهم واحدة ودواعيهم مستوية بإقبالهم معاً.[/font]
[font="]وليس هم أصحاب تأويلاتٍ ولا أصحاب تفاخرٍ وتناشدٍ وإنما شأنهم إحكام[/font][font="]أمرهم فالاختلاف يقل بينهم.[/font]
[font="]وكانت الفرس تعيب العرب إذا خرجوا إلى الحرب متساندين وكانت تقول:[/font][font="]الاشتراك في الحرب وفي الزوجة وفي الإمرة سواء.[/font]
[font="]قال حميد: فما ظنك بقومٍ إذا تساندوا لم يضرهم التساند فكيف[/font][font="]يكونون إذا تحاسدوا.[/font]
[font="]فلما انتهى الخبر إلى المأمون قال: ليست بالترك حاجةٌ إلى حكم[/font][font="]حاكم بعد حميد فإن حميداً قد مارس الفريقين وحميد خراساني وحميد عربي فليس للتهمة[/font][font="]عليه طريق.[/font]
[font="]قالوا: وأتى الخبر ذا اليمينين طاهر بن الحسين فقال: ما أحسن ما[/font][font="]قال حميد.[/font]
[font="]أما إنه لم يقصر ولم فهذا قول الخليفة المأمون وحكم حميد وتصويب[/font][font="]طاهر.[/font]
[font="]وخبرني رجلٌ من أهل خراسان أو من بني سدوس قال: سمعت أبا البط[/font][font="]يقول: ويلكم كيف أصنع بفارسٍ يملأ فروج دابته منحدراً من جبل أو مصعداً في مقطعٍ[/font][font="]عفير ويمكنه على ظهر الفرس ما لا يمكن الرقاص الأبلَّىَّ على ظهر الأرض.[/font]
[font="]قال: وقال سعيد بن عقبة بن سلمٍ الهنائي وكان ذا رأيٍ في الحرب[/font][font="]وابن ذي رأيٍ فيها: فرق ما بيننا وبين الترك أن الترك لم تغز قوماً قط ولا صافت[/font][font="]جيشاً ولا هجمت على عدو كانوا عرباً أو عجماً فأخرجوا إليهم أعدادهم ولقوهم[/font][font="]بمثلهم.[/font]
[font="]وليس غايتهم إلا أن ينقادوا ليكفوا عنهم بأسهم ومعرتهم ويصرفوا عنهم[/font][font="]كيدهم.[/font]
[font="]فإن هم امتنعوا من الصلح واعتزموا على الحرب فليس شأنهم والذي يدور[/font][font="]عليه أمرهم إلا منع أنفسهم وتحصين عسكرهم والاحتراس منهم.[/font]
[font="]فأما أن ترقى هممهم وتسمو أنفسهم إلى الاحتيال عليهم والتماس غرتهم[/font][font="]فإن هذا شيءٌ لا يخطر على بال من يحاربهم.[/font]
[font="]ثم قال: وقد عرفتم حيلهم في دخول المدن من جهة حيطانها المصمتة[/font][font="]العريضة وحيلتهم في عبور نهر بلخ.[/font]
[font="]
وسعيدٌ هذا هو الذي قال: إذا حاربتم وكنتم ثلاثةً فاجعلوا واحداً[/font][font="]مددا وآخر كمينا.[/font]
[font="]وله قال سعيد: وأخبرني أبي قال: شهدت أبا الخطاب يزيد بن قتادة[/font][font="]بن دعامة الفقيه وذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الترك حيث قال: "[/font][font="]عدوٌّ شديدٌّ طلبه قليلٌ سلبه " فقال رجلٌ من العالية: نهى عمر أبا زبيدٍ[/font][font="]الطائيَّ عن وصف الأسد لأن ذلك مما يزيد في رعب الجبان وفي هول الجنان ويقل من رغب[/font][font="]الشجاع وقد وصف الترك بأشد من وصف أبي زبيدٍ الأسد.[/font]
[font="]وقال سعيد في حديثه يومئذٍ وقد قطعت شرذمةٌ منهم بلاد أبي خزيمة[/font][font="] - [/font][font="]يريد حمزة بن أدرك الخارجي - وما والي خراسان في بعض الأمر وحمزة في معظم الناس[/font][font="]فقال لأصحابه: أفرجوا لهم ما تركوكم ولا تتعرضوا لهم فإنه قد قيل: تاركوهم ما[/font][font="]تاركوكم.[/font]
[font="]فهذا قول سعيد بن عقبة ورأيه وحديثه وهو عربي خرساني.[/font]
[font="]وذكر يزيد بن مزيد الوقعة التي قتل فيها يولبا التركي الوليد بن[/font][font="]طريف الخارجي فقال في بعض ما يصف من شأن الترك: ليس لبدن التركي على ظهر الدابة[/font][font="]ثقل ولا لمشيه على الأرض وقع وإنه ليرى وهو مدبرٌ ما لا يرى الفارس منا وهو مقبل.[/font]
[font="]وهو يرى الفارس منا صيداً ويعد نفسه فهدا ويعده ظبياً ويعد نفسه[/font][font="]كلبا.[/font]
[font="]والله لو رمى به في قعر بئر مكتوفاً لما أعجزته الحيلة ولولا أن[/font][font="]أعمار عامتهم تقصر دون الجبل - يعني جبل حلوان - ثم هموا بنا لألقوا لنا شغلاً[/font][font="]طويلاً.[/font]
[font="]هب الدنيا تساق إليك عفواً أليس مصير ذاك إلى زوال قال: أما[/font][font="]التركي فلأن ينال الكفاف غصباً أحب إليه من أن ينال الملك عفواً.[/font]
[font="]ولم يتهن تركيٌّ بطعامٍ إلا أن يكون صيداً او مغنما ولا يعز على ظهر[/font][font="]دابته طالباً كان أو مطلوبا.[/font]
[font="]وقال ثمامة بن أشرس وكان مثل محمد بن الجهم في كثرة ذكره للترك.[/font]
[font="]قال ثمامة: التركي لا يخاف إلا مخوفا ولا يطمع في غبر مطمع ولا[/font][font="]يكفُّه عن الطلب إلا اليأس صرفا ولا يدع القليل حتى يصيب أكثر منه وإن قدر أن[/font][font="]يجمعهما لم يفرط في واحدٍ منهما.[/font]
[font="]والباب الذي لا يحسنه لا يحسن منه شيئاً والباب الذي يحسنه قد أحكمه[/font][font="]بأسره وأمره وخفيه عنده كظاهره ولا يتشاغل بشيء ولا على نفسه من شيء.[/font]
[font="]ولولا أن يجم نفسه بالنوم لما نام على أن نومه مشوبٌ باليقظة ويقظته[/font][font="]سليمة من الوسنة ولو كان في شقهم أنبياء وفي أرضهم حكماء وكانت هذه الخواطر قد مرت[/font][font="]على قلوبهم وقرعت أسماعهم لأنسوك أدب البصريين وحكمة اليونانيين وصنعة أهل الصين.[/font]
[font="]وقال ثمامة: عرض لنا في طريق خراسان تركيٌّ ومعنا قائد يصول بنفسه[/font][font="]ورجاله وبيننا وبين التركي وادٍ فسأله أن يبارزه فارسٌ من القوم فأخرج له رجلاً لم[/font][font="]أرقط أكمل منه ولا أحسن تماماً وقواماً منه فاحتال حتى عبر إليهم الفارس فتجاولا[/font][font="]ساعةً ولا نظن إلا أن صاحبنا يفي بأضعافه وهو في ذلك يتباعد عنا.[/font]
[font="]فبينما هما في ذلك إذ ولى عنه التركي كالهارب منه وفعل ذلك في موضعٍ[/font][font="]ظننا أن صاحبنا قد ظهر عليه وأتبعه الفارس لا نشك إلا أنه سيأتينا برأسه أو يأتينا[/font][font="]به مجنوباً إلى فرسه فلم نشعر إلا وصاحبنا قد أفلت عن فرسه وغاب عنه فنزل التركي[/font][font="]إليه فأخذ سلبه وقتله ثم عارض فرسه فجنبه إليه معه.[/font]
[font="]قال ثمامة: ثم رأيت بعد ذلك التركي قد جيء به أسيراً إلى دار[/font][font="]الفضل ابن سهل فقلت له: كيف صنعت يومئذ وكيف طاولته ثم علاك ثم وليت عنه هارباً[/font][font="]ثم قتلته قال: أما إني لو شئت أن أقتله حين عبر وقد كان مقتله بارزاً لي ولكني[/font][font="]احتلت عليه حتى نحيته عن أصحابه لأجوِّزه فلا يحال بيني وبين فرسه وسلبه.[/font]
[font="]قال ثمامة: وإذا هو يدير الفارس من سائر الناس ويريغه كيف شاء[/font][font="]وأحب.[/font]
[font="]قال ثمامة:[/font][font="]وقد غبرت في أيديهم أسيراً فما رأيت كإكرامهم وتحفهم[/font][font="]وألطافهم.[/font]
[font="]فهذا ثمامة بن أشرس وهو عربي لا يتهم في الإخبار عنهم.[/font]
[font="]وأنا أخبرك أني قد رأيت منهم شيئاً عجيباً وأمراً غريباً: رأيت في[/font][font="]بعض غزوات المأمون سماطي خيل على جنبتي الطريق بقرب المنزل مائة فارسٍ من الأتراك[/font][font="]في الجانب الأيمن ومائةٌ من سائر الناس في الجانب الأيسر وإذا هم قد اصطفوا ينتظرون[/font][font="]مجيء المأمون وقد انتصف النهار واشتد الحر.[/font]
[font="]فورد عليهم وجمع الأتراك جلوسٌ على ظهور خيولهم إلا ثلاثة أو أربعة[/font][font="]وجميع تلك الأخلاط من الجند قد رموا بنفوسهم إلى الأرض إلا ثلاثة أو أربعة.[/font]
[font="]فقلت لصاحبٍ لي: انظر أي شيءٍ اتفق لنا.[/font]
[font="]أشهد أن المعتصم كان أعرف بهم حين جمعهم واصطنعهم.
[/font] [font="]وأردت مرة القاطول - وهي المباركة - وأنا خارجٌ من بغداد وأرى فوارس[/font][font="]من أهل خراسان والأبناء وغيرهم من أصناف الجندي قد عار لهم فرس وهم على خيلٍ عتاق[/font][font="]يريغونه فلا يقدرون على أخذه ومر تركيٌ ولم يكن من ذوي هيئاتهم وذوي القدر منهم وهو[/font][font="]على برذونٍ له خسيس وهم على الخيول المطهمة فاعترض الفرس اعتراضاً وقتله قتلاً[/font][font="]وحياً وأتاه من زجره بشيءٍ فوقف أولئك الجند وصاروا نظارة فقال بعضهم ممن كان يزري[/font][font="]على ذلك التركي: هذا وأبيك التكلف والتعرض: أن فرساً قد أعجزهم وهم أسد البلاد[/font][font="]وجاء هذا مع قصر قامته وضعف دابته فطمع أن يأخذه.[/font]
[font="]فمى انقضى كلامه حتى أقبل به ثم سلمه إليهم ومضى لطلبته لم ينتظر[/font][font="]ثناءهم ولا دعاءهم ولا أراهم أنه قد صنع شيئاً أو أتى إليهم معروفاً.[/font]
[font="]والأتراك قومٌ لا يعرفون الملق ولا الخلابة ولا النفاق ولا السعاية[/font][font="]ولا التصنع ولاالنميمة ولا الرياء ولا البذخ على الأولياء ولا البغيَ على الخلطاء[/font][font="]ولا يعرفون البدع ولم تفسدهم الأهواء ولايستحلُّون الأموال على التأوُّل وإنما كان[/font][font="]عيبهم والذي يوحش منهم الحنين إلى الأوطان وحبُّ التقلب في البلدان والصبابة[/font][font="]بالغارات والشغف بالنهب وشدة الإلف للعادة مع ما كانوا يتذاكرون من سرور الظفر[/font][font="]وتتابعه وحلاوة المغنم وكثرته وملاعبهم في تلك الصحارى وتردُّدهم في تلك المروج[/font][font="]وألا يذهب بطول الفراغ فضل نجدتهم باطلاً ويصير حدهم على طول الأيام كليلاً.[/font]
[font="]ومن حذق شيئاً لم يصبر عنه ومن كره أمراً فر منه.[/font]
[font="]وإنما خصوا بالحنين من بين جميع العجم لأن في تركيبهم وأخلاط[/font][font="]طبائعهم من تركيب بلدهم وتربيتهم ومشاكلة مياههم ومناسبة إخوانهم ما ليس مع أحدٍ[/font][font="]سواهم.[/font]
[font="]ألا ترى أنك ترى البصريَّ فلا تدري أبصريٌّ هو أم كوفيٌّ وترى[/font][font="]المكيَّ فلا تدري أمكيّ هو أم مدنيّ.[/font]
[font="]وترى الجبليَّ فلا تدري أجبليٌّ هو أم خراسانيّ وترى الجزريَّ فلا[/font][font="]تدري أجزريٌّ هو أم شاميّ.[/font]
[font="]وأنت لا تغلط في التركيّ ولا تحتاج فيه إلى قيافةٍ ولا إلى فراسة[/font][font="]ولا إلى مساءلة.[/font]
[font="]ونساؤهم كرجالهم ودوابهم تركيةٌ مثلهم.[/font]
[font="]وهكذا طبع الله تلك البلدة وقسم لتلك التربة.[/font]
[font="]وجميع دور الدنيا ونشوُّها إلى منتهى قواها ومدة أجلها جارية على[/font][font="]عللها وعلى مقدار أسبابها وعلى قدر ما خصها الله تعالى به وأبانها وجعل فيها.[/font]
[font="]فإذا صاروا إلى دار الجزاء فهي كما قال اللَّه تعالى: " إنا[/font][font="]أنشأناهنَّ إنشاءً ".[/font]
[font="]وكذلك ترى أبناء العرب والأعراب الذين نزلوا خراسان لا تفصل بين من[/font][font="]نزل أبوه بفرغانة وبين أهل فرغانة ولا ترى بينهم فرقاً في السبال الصهب والجلود[/font][font="]القشرة والأقفاء العظيمة والأكسية الفرغانية.[/font]
[font="]وكذلك جميع تلك الأرباع لا تفصل بين أبناء النازلة وبين أبناء[/font][font="]النابتة.[/font]
[font="]ومحبة الوطن شيءٌ شامل لجميع الناس وغالب على جميع الجيرة.[/font]
[font="]ولكن ذاك في الترك أغلب وفيها أرسخ لما معها من خاصة المشاكلة[/font][font="]والمناسبة واستواء الشبه وتكافي التركيب.[/font]
[font="]ألا ترى أن العبدي يقول: " عمر الله البلدان بحب الأوطان "[/font][font="]وأن ابن الزبير قال: " ليس الناس بشيءٍ من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم " وأن[/font][font="]عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لولا تفرق أهواء العباد لما عمَّر الله[/font][font="]البلاد " وأن جمعة الإيادبة قالت: " لولا ما أوصى الله به العباد من قفر[/font][font="]البلاد لما وسعهم وادٍ ولا كفاهم زاد ".[/font]
[font="]وذكر قتيبة بن مسلم الترك فقال: " هم والله أحن من الإبل[/font][font="]المعقلة إلى أوطانها " لأن البعير يحن إلى وطنه وعطنه وهو بعمان من ظهر البصرة[/font][font="]فهو يخبط كل شيء ويستبطن كل وادٍ حتى يأتي مكانه على أنه طريقٌ لم يسلكه إلا مرةً[/font][font="]واحدة فلا يزال بالشم والاسترواح وحسن الاستدلال فلذلك ضرب به قتيبة المثل.[/font]
[font="]والشح على الوطن والحنين إليه والصبابة به مذكورةٌ في القرآن[/font][font="]مخطوطةٌ في الصحف بين جميع الناس.[/font]
[font="]غير أن التركي للعلل التي ذكرناها أشد حنيناً وأكثر نزوعاً.[/font]
[font="]وباب آخر مما كان يدعوهم إلى الرجوع قبل العزم الثابت والعادة[/font][font="]المنقودة: وذلك أن الترك قومٌ يشتد عليهم الحصر والجثوم وطول اللُّبث والمكث وقلة[/font][font="]التصرف والتحرك وأصل بنيتهم إنما وضع على الحركة وليس للسكون فيها نصيب وفي قوى[/font][font="]أنفسهم فضلٌ على قوى أبدانهم وهم أصحاب توقد وحرارة واشتغال وفطنة كثيرةٌ خواطرهم[/font][font="]سريع لحظهم وكان يرون الكفاية معجزة وطول المقام بلادة والراحة عقلة والقناعة من[/font][font="]قصر الهمة وأن ترك الغزو يورث الزلة.[/font]
[font="]وقد قالت العرب في مثل ذلك: قال عبد الله بن وهبٍ الراسبيَّ:[/font][font="]" حب الهوينا يكسب النصب ".[/font]
[font="]والعرب تقول: " من غلا دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء[/font][font="]".[/font]
[font="]وقال أكثم بن صيفيَّ: " ما أحب أني مكفيٌ كل أمر الدنيا ".[/font]
[font="]قيل: ولم قال: " أخاف العجز ".[/font]
[font="]فهذه كانت علل الترك في حب الرجوع والحنين إلى الوطن.[/font]
[font="]ومن أعظم ما كان يدعوهم إلى الشرود ويبعثهم على الرجوع ويكره عندهم[/font][font="]المقام ما كانوا فيه من جهل قوادهم بأقدارهم وقلة معرفتهم بأخطارهم وإغفالهم موضع[/font][font="]الرد عليهم والانتفاع بهم حتى جعلوهم أسوة أجنادهم ولم يقنعوا أن يكونوا في الحاشية[/font][font="]والحشوة وفي غمار العامة ومن عرض العساكر وأنفوا من ذلك لأنفسهم وذكروا ما يجب لهم[/font][font="]ورأوا أن الضيم لا يليق بهم وأن الخمول لا يجوز عليهم وأنهم في المقام على من لا[/font][font="]يعرف حقهم ألوم ممن منعهم حقهم فلما صادفوا ملكاً حكيماً وبأقدار الناس عليماً[/font][font="]لايميل إلى سوءعادةٍ ولايجنح إلى هوى ولايتعصب لبلد على بلد يدور مع التدبير حيثما[/font][font="]دار ويقيم مع الحق حيثما أقام أقاموا إقامة من قد فهم الحظ ودان بالحق ونبذ العادة[/font][font="]وآثر الحقيقة ورحل نفسه لقطيعة وطنه وآثر الإمام على ملك الجبرية واختار الصواب على[/font][font="]الإلف.[/font]
[font="]ثم اعلم بعد هذا كله أن كل أمةٍ وقرنٍ وكل جيلٍ وبني أبٍ وجدتهم قد[/font][font="]برعوا في الصناعات وفضلوا الناس في البيان أو فاقوهم في الآداب وفي تأسيس الملك وفي[/font][font="]البصر بالحرب فإنك لا تجدهم في الغاية وفي أقصى النهاية إلا أن يكون الله قد سخرهم[/font][font="]لذلك المعنى بالأسباب وقصرهم عليه بالعلل التي تقابل تلك الأمور وتصلح لتلك المعاني[/font][font="]لأن من كان متقسم الهوى مشترك الرأي ومتشعب النفس غير موفر على ذلك الشيء ولا[/font][font="]مهيَّأٍ له لم يحذق من تلك الأشياء شيئاً بأسره ولم يبلغ في غايته كأهل الصين في[/font][font="]الصناعات واليونانيين في الحكم والآداب والعرب فيما نحن فيه ذاكروه في موضعه وآل[/font][font="]ساسان في الملك والأتراك في الحروب.[/font]
[font="]ألا ترى أن اليونانيين الذين نظروا في العلل لم يكونوا تجاراً ولا[/font][font="]صناعاً بأكفهم ولا أصحاب زرعٍ ولا فلاحة وبناءٍ وغرسٍ ولاأصحاب جمعٍ ومنعٍ وحرصٍ[/font][font="]وكدٍّ وكانت الملوك تفرغهم وتجري عليهم كفايتهم فنظروا حين نظروا بأنفسٍ مجتمعة[/font][font="]وقوةٍ وافرة وأذهانٍ فارغة حتى استخرجوا الآلات والأدوات والملاهي التي تكون جماماً[/font][font="]للنفس وراحةً بعد الكد وسروراً يداوي قرح الهموم فصنعوا من المرافق وصاغوا من[/font][font="]المنافع كالقرصوطونات والقبانات والأسطرلابات وآلة الساعات وكالكونيا وكالشيزان[/font][font="]والبركار وكأصناف المزامير والمعازف وكالطب والحساب والهندسة واللحون وآلات الحرب[/font][font="]كالمجانيق والعرادات والرتيلات والدبابات وآلة النفاط وغير ذلك مّما يطول ذكره.[/font]
[font="]وكانوا أصحاب حكمة ولم يكونوا فعلة يصورون الآلة ويخرطون الأداة[/font][font="]ويصوغون المثل ولا يحسنون العمل بها ويشيرون إليها ولا يمسونها ويرغبون في العلم[/font][font="]ويرغبون في العمل.[/font]
[font="]فأما سكان الصين فهم أصحاب السبك والصياغة والإفراغ والإذابة[/font][font="]والأصباغ العجيبة وأصحاب الخرط والنحت والتصوير والنسخ والخطّ ورفق الكف في كل شيءٍ[/font][font="]يتولونه ويعانونه وإن اختلف جوهره وتباينت صنعته وتفاوت ثمنه.[/font]
[font="]واليونان يعرفون الفلك لأن أولئك حكماء وهؤلاء فعلة.[/font]
[font="]وكذلك العرب لم يكونوا تجاراً ولا صناعا ولا أطباء ولا حساباً ولا[/font][font="]أصحاب فلاحة فيكونون مهنة ولا أصحاب زرع لخوفهم من صغار الجزية.[/font]
[font="]ولم يكونوا أصحاب جمع وكسب ولا أصحاب احتكار لما في أيديهم وطلب ما[/font][font="]عند غيرهم ولا طلبوا المعاش من ألسنة الموازين ورءوس المكاييل ولا عرفوا الدوانيق[/font][font="]والقراريط ولم يفتقروا الفقر المدقع الذي يشغل عن المعرفة ولم يستغنوا الغني الذي[/font][font="]يورث البلدة والثروة التي تحدث الفرَّة ولم يحتملوا ذُلاً قط فيميت قلوبهم ويصغر[/font][font="]عندهم أنفسهم.[/font]
[font="]وكانوا سكان فيافٍ وتربية العراء لا يعرفون الغمق ولا اللثق ولا[/font][font="]البخار ولا الغلط ولا العفن ولا[/font][font="]التخم.[/font]
[font="]أذهان حداد ونفوس منكرة فحين حملوا حدهم ووجهوا قواهم لقول الشعر[/font][font="]وبلاغة المنطق وتشقيق اللغة وتصاريف الكلام بعد قيافة الأثر وحفظ النسب والاهتداء[/font][font="]بالنجوم والاستدلال بالآفاق وتعرُّف الأنوار والبصر بالخيل والسلاح وآلة الحرب[/font][font="]والحفظ لكل مسموع والاعتبار بكل محسوس وإحكام شأن المثالب والمناقب بلغوا في ذلك[/font][font="]الغاية وحازوا كل أمنية.[/font]
[font="]وببعض هذه العلل صارت نفوسهم أكبر وهممهم أرفع من جميع الأمم وأفخر[/font][font="]ولأيامهم أحفظ وأذكر.[/font]
[font="]وكذلك الترك أصحاب عمد وسكان فيافٍ وأرباب مواشٍ وهم أعراب العجم[/font][font="]كما أن هذيلاً أكراد العرب.[/font]
[font="]فحين لم تشغلهم الصناعات والتجارات والطب والفلاحة والهندسة ولا[/font][font="]غرسٌ ولا بيانٌ ولا شقٌّ أنهار ولا جباية غلات ولم يكن هممهم غير الغزو والغارة[/font][font="]والصيد وركوب الخيل ومقارعة الأبطال وطلب الغنائم وتدويخ البلدان وكانت هممهم إلى[/font][font="]ذلك مصروفةً وكانت لهذه المعاني والأسباب مسخرةً ومقصورةً عليها وموصولة بها أحكموا[/font][font="]ذلك الأمر بأسره وأتوا على آخره وصار ذلك هو صناعتهم وتجارتهم ولذتهم وفخرهم[/font][font="]وحديثهم وسمرهم.[/font]
[font="]فلما كانوا كذلك صاروا في الحرب كاليونانيين في الحكمة وأهل الصين[/font][font="]في الصناعات والأعراب فيما عددنا ونزلنا وكآل ساسان في الملك والرياسة.[/font]
[font="]ومما يستدل به على أنهم قد استقصوا هذا الباب واستغرقوا وبلغوا أقصى[/font][font="]غايته وتعرفوه أن السيف إلى أن يتقلده متقلد أو يضرب به ضارب قد مرَّ على أيدٍ[/font][font="]كثيرة وعلى طبقات من الصناع كل واحدٍ منهم لا يعمل عمل صاحبه ولا يحسنه ولا يدعيه[/font][font="]ولا يتكلفه لأن الذي يذيب حديد السيف ويميعه ويصفيه ويهذبه غير الذي يمده ويمطله[/font][font="]والذي يمده ويمطله غير الذي يطبعه ويسوي متنه ويقيم خشيبته والذي يطبعه ويسوي متنه[/font][font="]غير الذي يسقيه ويرهفه والذي يرهفه غير الذي يركب قبيعته ويستوثق من سيلانه والذي[/font][font="]يعمل مسامير السيلان وشاربي القبيعة ونصل السيف غير الذي ينحت خشب غمده والذي ينحت[/font][font="]خشب غمده غير الذي يدبغ جلده والذي يدبغ جلده غير الذي يحليه والذي يحليه ويركب[/font][font="]نعله غير الذي يخرز حمائله.[/font]
[font="]وكذلك السرج وحالات السهم والجعبة والرمح وجميع السلاح مما هو جارحٌ[/font][font="]أو جُنَّة.[/font]
[font="]والتركي يعمل هذا كله لنفسه من ابتدائه إلى غايته فلا يستعين برفيق[/font][font="]ولا يفزع فيه إلى صديق ولا يختلف إلى صانع ولا يشغل قلبه بمطاله وتسويفه وأكاذيب[/font][font="]مواعيده وبعزم كرائه.[/font]
[font="]وحين بلغ أوس بن حجر صفة القانص وبلغ له الغاية في جمعه لأبواب[/font][font="]الكفاية بنفسه قال: قصيٌّ مبيت الليل للصيد مطعم لأسهمه غارٍ وبارٍ وراصفُ وليس[/font][font="]أنه ليس في الأرض تركيٌّ إلا وهو كما وصفنا كما أنه ليس كل يونانيٌّ حكيماً ولا كل[/font][font="]صينيٍّ غايةً في الحذق ولا كل أعرابيٍّ شاعراً قائفا ولكن هذه الأمور في هؤلاء أعم[/font][font="]وأتم وهي فيهم أظهر وأكثر.[/font]
[font="]قد قلنا في السبب الذي تكاملت به النجدة والفروسية في الترك دون[/font][font="]جميع الأمم وفي العلل التي من أجلها انتظموا جميع معاني الحرب وهي معانٍ تشتمل على[/font][font="]مذاهب غربية وخصالٍ عجمية.[/font]
[font="]فمنها: ما يقضي لأهله بالكرم وببعد الهمة وطلب الغاية.[/font]
[font="]ومنها: ما يدل على الأدب السديد والرأي الأصيل والفطنة الثاقبة[/font][font="]والبصيرة النافذة.[/font]
[font="]ألا ترى أنه ليس بدٌّ لصاحب الحرب من الحلم والعلم والحزم والعزم[/font][font="]والصبر والكتمان ومن الثقافة وقلة الغفلة وكثرة التجربة.[/font]
[font="]ولا بد من البصر بالخيل والسلاح والخبرة بالرجال وبالبلاد والعلم[/font][font="]بالمكان والزمان والمكايد وبما فيه صلاح هذه الأمور كلها.[/font]
[font="]والملك يحتاج إلى أواخٍ شداد وأسباب متان ومن أتمها سبباً وأعمقها[/font][font="]نفعاً ما ثبته في نصابه وأقره وسكنه في قراره وزاد في تمكنه وبهائه وقطع أسباب[/font][font="]المطعمة فيه ومنع أيدي البغاة من الإشارة إليه فضلاً عن البسط عليه.[/font]
[font="]قال: ثم إن الترك عطفت على العرب بالمحاجّة والمقايسة وقالوا:[/font][font="]قلتم إن تكن القرابة مما يستحق بالكفاية فنحن أقدم في الطاعة والود والمناصحة وإن[/font][font="]تكن تستحقّ بالقربة فنحن أقرب قرابةً.[/font]
[font="]قالوا: والعرب بعد هذا صنفان: عدنان وقحطان.[/font]
[font="]فأما القحطانيّ فنسبتنا إلى الخلفاء أقرب من نسبتهم ونحن أمس بهم[/font][font="]رحماً لأن الخليفة من ولد إسماعيل بن ابراهيم دون قحطان وعابر.[/font]
[font="]وولد إبراهيم عليه السلام إسماعيل وأمه هاجر وهي قبطية.[/font]
[font="]وإسحاق وأمه سريانية.[/font]
[font="]والستة الباقون أمهم قطورا بنت مفطون عربية من العرب العاربة.[/font]
[font="]وفي قول القحطانية: إنّ أمّنا أشرف في الحسب إذ كانت عربية.[/font]
[font="]وأربعة من الستة هم الذين وأما قولنا للعدنانيّ فإبراهيم أبونا[/font][font="]وإسماعيل عمّنا وقرابتنا من إسماعيل كقرابتكم.[/font]
[font="]قال الهيثم بن عدىّ: قيل لمبارك التركي وعنده حمّادٌ التركي:[/font][font="]إنّكم من مذحج.[/font]
[font="]قال: ومذحج هذا من هو ذاك وما نعرف إلاّ إبراهيم خليل الله وأمير[/font][font="]المؤمنين.[/font]
[font="]قال الهيثم: وقد كان سقط إلى بلاد الترك رجلٌ من مذحجٍ فأنسل[/font][font="]نسلاً كثيراً ولذلك قال شاعر الشعوبية للعرب في قصيدة طويلة: زعمتم بأنّ الترك[/font][font="]أبناء مذحجٍ وبينكم قربى وبين البرابر وذالكم نسل ابن ضبة باسلٍ وصوفان أنسال كثير[/font][font="]الجرائر وقال آخر: متى كانت الأتراك أبناء مذبحٍ ألا إن في الدنيا عجيباً لمن عجب[/font][font="]وقد سمعتم ما جاء في سد بني قطورا وشأن خيولهم بنخل السود وإنما كان الحديث على وجه[/font][font="]التهويل والتخويف بهم لجميع الناس فصاروا للإسلام مادةً وجنداً كثيفاً وللخلفاء[/font][font="]وقايةً وموئلاً وجنةً حصينة وشعاراً دون الدثار.[/font]
[font="]وفي المأثور من الخبر: " تاركوا الترك ما تاركوكم ".[/font]
[font="]وهذه وصيةٌ لجميع العرب فإن الرأي متاركتنا ومسالمتنا.[/font]
[font="]وما ظنكم بقومٍ لم يعرض لهم ذو القرنين.[/font]
[font="]وبقوله " اتركوهم " سمُّوا الترك.[/font]
[font="]وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " هذا عدوٌّ شديدٌ كلبه قليل[/font][font="]سلبه ".[/font]
[font="]فنهى كما ترى عن التعرض لهم بأحسن كناية.[/font]
[font="]والعرب إذا ضربت المثل في العداوة الشديدة قالوا: ما هم إلا الترك[/font][font="]والديلم.[/font]
[font="]قال عملس بن عقيل بن علفة: تبدلت منه بعد ما شاب مفرقي عداوة تركي[/font][font="]وبغض أبي حسل وأبو حسل هو الضَّبّ.[/font]
[font="]والعرب تقول: " هو أعقُّ من ضبّ " لأنه يأكل أولاده.[/font]
[font="]ولم يرعب قلوب أجناد العرب مثل الترك.[/font]
[font="]وقال خلفٌ الأحمر: كأني حين أرهنهم بنيَّ دفعتهم إلى صهب السبال[/font][font="]قال: وإياهم عني أوسٌ بن حجر: تكّبتها ماءهم لما رأيتهم صهب السبال بأيديهم[/font][font="]بيازير وحدثني إبراهيم بن السندي مولى أمير المؤمنين وكان عالماً بالدولة شديد الحب[/font][font="]لأبناء الدعوة وكان يحوط مواليه ويحفظ أيامهم ويدعو الناس إلى طاعتهم ويدرسهم[/font][font="]مناقبهم وكان فخم المعاني فخم الألفاظ لو قلت لسانه كان أردَّ على هذا الملك من[/font][font="]عشرة آلاف سيفٍ شهير وسنانٍ طريرٍ لكان ذلك قولاً ومذهباً.[/font]
[font="]قال: حدثني عبد الملك بن صالح عن أبيه صالح بن علي أن خاقان ملك[/font][font="]الترك واقف مرةالجنيد بن عبد الرحمن أمير خراسان وقد كان الجنيد هاله أمره وأفزعه[/font][font="]شأنه وتعاظمه جموعه وجمعه وبعل به وفطن به خاقان وعرف ما قد وقع فيه فأرسل إليه:[/font][font="]" إني لم أقف هذا الموقف وأمسك هذا الإمساك وأنا أريد مكروهاً فلا ترع.[/font]
[font="]ولو كنت أريد غلبةً أو مكروهاً لقد كنت انتسفت عسكرك انتسافاً أعجلك[/font][font="]فيه عن الروية وقد أبصرت موقع العورة.[/font]
[font="]ولولا أن تعرف هذه المكيدة فتعود بها على غيري من الأتراك لعرَّفتك[/font][font="]موضع الانتشار والخلل والخطأ في عسكرك وتعبيتك.[/font]
[font="]وقد بلغني أنك رجلٌ عاقل وأن لك شرفاً في بيتك وفضلاً في نفسك[/font][font="]وعلماً بدينك وقد أحببت أن أسأل عن شيءٍ من أحكامهم لأعرف به مذهبكم فاخرج إليَّ في[/font][font="]خاصتك لأخرج إليك وحدي وأسائلك عما أحتاج إليه بنفسي.[/font]
[font="]ولا تحتفل ولا تحترس فليس مثلي من غدر وليس مثلي يؤمن من نفسه ومن[/font][font="]مكره وكيده ثم ينكث بوعده.[/font]
[font="]ونحن قومٌ لا نخدع بالعمل ولا نستحسن الخديعة إلا في الحرب ولو[/font][font="]استقام أمر الحرب بغير خديعة لما جوَّزنا ذلك بأنفسنا ".[/font]
[font="]فأبى الجنيد أن يخرج إليه إلا وحده ففصلا من الصفوف.[/font]
[font="]وقال: سل عما أحببت فإن كان عندي جوابٌ أرضاه أجبتك وإلا أشرت[/font][font="]عليك بمن هو أبصر بذلك مني.[/font]
[font="]قال الجنيد: الزاني عندنا رجلان: رجلٌ دفعنا إليه امرأةً تغنيه[/font][font="]عن حرم الناس وتكفه عن حرم الجيران ورجلٌ لم نعطه ذلك ولم نحل بينه وبين أن يفعل[/font][font="]ذلك لنفسه.[/font]
[font="]فأما الذي لا زوجة له فإن نجلده مائة جلدة ونحضر ذلك الجماعة من[/font][font="]الناس لنشهره ونحذره به ونغربه في البلدان لنزيد من شهرته وفي التحذير منه ولينزجر[/font][font="]بذلك كل من كان يهم بمثل عمله.[/font]
[font="]فاما الذي قد أغنيناه فإنا نرجمه بالجندل حتى نقتله.[/font]
[font="]قال: حسن جميلٌ وتدبيرٌ كبير فما قولكم في الذي يقذف عفيفاً[/font][font="]بالزنى قال: يجلد ثمانين جلدة ولا نقبل له شهادةً ولا نصدق له حديثاً.[/font]
[font="]قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير فما حكمكم في السارق قال: السارق[/font][font="]عندنا رجلان: رجلٌ يحتال لما قد أحرزه الناس من أموالهم حتى يأخذها بنقب حيطانهم[/font][font="]وبالتسلق من أعالي دورهم فهذا نقطع يده التي سرق بها ونقب بها واعتمد عليها.[/font]
[font="]ورجلٌ آخر يخيف[/font][font="]السبيل ويقطع الطريق ويكايد على الأموال ويشهر[/font][font="]السلاح فإن منعه صاحب المتاع قتله فهذا نقتله ونصلبه على المناهج والطرق.[/font]
[font="]قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير.[/font]
[font="]قال: فما حكمكم في الغاصب والمستلب قال: كلُّ ما فيه الشبهة[/font][font="]ويجوز فيه الغلط والوجوه كالغصب والاستلاب والجناية والسرقة لما قال: حسنٌ جميلٌ[/font][font="]وتدبيرٌ كبير.[/font]
[font="]قال: فما حكمكم في القاتل وقاطع الأذن والأنف قال: النفس بالنفس[/font][font="]والعين بالعين والأنف بالأنف.[/font]
[font="]وإن قتل رجلاً عشرةٌ قتلناهم.[/font]
[font="]ونقتل القويَّ البدن بالضعيف البدن وكذلك اليد والرِّجل.[/font]
[font="]قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير.[/font]
[font="]قال: فما تقولون في الكذاب والنمام والضراط.[/font]
[font="]قال: عندنا فيهم الإقصاء لهم وإبعادهم وإهانتهم ولا نقبل شهادتهم[/font][font="]ولا نصدق أحكامهم.[/font]
[font="]قال: وليس إلا هذا قال: هذا جوابنا على ديننا.[/font]
[font="]قال له: أما النمام عندي هو الذي يُضرِّب بين الناس فإني أحبسه في[/font][font="]مكانٍ لا يرى فيه أحداً.[/font]
[font="]وأما الضراط فإني أكوي أسته وأعاقب ذلك المكان فيه.[/font]
[font="]وأما الكذاب فإني أقطع الجارح التي بها يكذب كما قطعتم اليد التي[/font][font="]بها يسرق وأما الذي يضحك الناس ويعودهم السخف فإني أخرجه من سلطانه وأصلح بإخراجه[/font][font="]عقول رعيتي.[/font]
[font="]قال: فقال الجنيد بن عبد الرحمن: أنتم قومٌ تردون أحكامكم إلى[/font][font="]جواز العقول وإلى ما يحسن في ظاهر الرأي ونحن قومٌ نتبع الأنبياء ونرى أنْ لم نصلح[/font][font="]على تدبير العباد.[/font]
[font="]وذلك أن الله تعالى أعلم بغيب المصالح وسر الأمروحقائقه ومحصوله[/font][font="]وعواقبه والناس لا يعلمون ولا يرون الحزم إلا قال: ما قلت كلاماً أشرف من هذا[/font][font="]ولقد ألقيت لي في فكراً طويلاً.[/font]
[font="]قال إبراهيم: قال عبد الملك: قال صالح: قال الجنيد: فلم أرى[/font][font="]أوفى ولا أنصف ولا أفهم ولا أذكى منه.[/font]
[font="]ولقد واقفته ثلاث ساعاتٍ من النهار وما تحرك منه شيءٌ إلا لسانه وما[/font][font="]مني شيء لم أحركه.[/font]
[font="]وهكذا يصفون ملوك الترك يزعمون أن ساسان وخاقان الأكبر تواقفا ببعض[/font][font="]الكسور وفصلاً من الصفين وطالت المناجاة فلما انفتلا قالوا: كان خاقان أركن وأدب[/font][font="]وكان مركب كِسرى أركن وأدب ولم يتحرك من خاقان إلا لسانه وكان برذونه يرفع قائمةً[/font][font="]ويضع أخرى وكان مركب كسرى كأنما صبّ صبا وكان كسرى يحرك رأسه ويشير بيده.[/font]
[font="]قالوا: ومن الأعاجيب أن الحارث بن كعب لا يقوم لحزم وحزم لا تقوم[/font][font="]لكندة وكندة لا تقوم للحارث بن كعب.[/font]
[font="]قالوا: ومثل ذلك من الأعاجيب في الحارث: أنّ العرب لا تقوم[/font][font="]للترك والترك لا تقوم للروم والروم لا تقوم للعرب.[/font]
[font="]قال جهم بن صفوان الترمذي: قد عرفنا ما كان بين فارس والترك من[/font][font="]الحرب حتى تزوج كسرى أبرويز خانتون بنت خاقان يستميله بذلك الصهر ويدفع بأسه عنه.[/font]
[font="]وقد عرفنا الحروب التي كانت بين فارس والروم وكيف تساجلوا الظفر[/font][font="]وبأي سببٍ غرس الزيتون بالمدائن وسوسا وبأي سببٍ بنيت الرومية ولم سميت بذلك ولم[/font][font="]بنى كسرى على الخليج قبالة قسطنطينية النواويس وبيوت النار.[/font]
[font="]ولكن متى ظهرت الروم على ترك خرسان ظهوراً موالياً ضربوا بها المثل[/font][font="]إلى آخر دارمسه ومن الأشباه ومن يتخلل هذا النسب.[/font]
[font="]وكانت خانتون بنت خاقان عند أبرويز فولدت له شيرويه.[/font]
[font="]وقد ملك شيرويه بعد أبرويز فتزوج شيرويه مريم بنت قيصر فولدت له[/font][font="]فيروزاشاهى أم يزيد الناقص والوليد.[/font]
[font="]وكان يقول: ولدني أربعة أملاك: كسرى وخاقان وقيصر ومروان.[/font]
[font="]وكان يرتجز في حروبه التي قتل فيها الوليد بن يزيد بن عاتكة: أنا[/font][font="]ابن كسرى وأبي خاقان وقيصرٌ جدي وجدي مروان فلما صار إلى الافتخار في شعره بالنجدة[/font][font="]والثقافة بالحرب لم يفخر إلا بخاقان فقط فقال: فإن كنت أرمى مقبلاً ثم مدبرا[/font][font="]وأطلع من طودٍ زليق على مهر فخاقان جدى فاعرفى ذاك واذكرى أخابيره فى السهل والجبل[/font][font="]الوعر قوله " وأطلع " يريد: وأنزل وهى لغة أهل الشام وأخذوها من نازلة العرب[/font][font="]في أول الدهر.[/font]
[font="]وجعل دابته مهراً لأن ذلك أشد وأشق.[/font]
[font="]وقال الفضل بن العباس بن رزين: أتانا ذات يوم فرسانٌ من الترك فلم[/font][font="]يبق أحد ممن كان خارجاً إلا دخل حصنه وأغلق بابه وأحاطوا بحصن من ذلك الحصون وأبصر[/font][font="]فارسٌ منهم شيخاً يطلع إليهم من فوق فقال له التركي: لئن لم تنزل إلي لأقتلنك[/font][font="]قتلة ما قتلتها أحدا! قال: فنزل إليه وفتح له الباب ودخلوا الحصن واكتسحوا كل[/font][font="]شيء فيه فضحك من نزوله إليه وفتحه له وهو في أحصن موضع وأمنع مكان ثم أقبل به إلى[/font][font="]حصن أنا فيه فقال: اشتروه مني.[/font]
[font="]قلنا: لا حاجة لنا في ذلك.[/font]
[font="]قال: فإني أبيعه بدرهم واحد.[/font]
[font="]فرمينا إليه بدرهم فخلى سبيله ثم أدبر عنا ومضى مع أصحابه فما لبث[/font][font="]إلا قليلاً حتى عاد إلينا فوقف حيث نسمع كلامه فراعنا ذلك فأخرج الدرهم من فمه[/font][font="]وكسره بنصفين.[/font]
[font="]وقال: لا يسوى درهما وهذا غبن فاحش فخذوا هذا النصف وهو على كل[/font][font="]حال غالٍ جداً بالنصف الآخر.[/font]
[font="]قال: فإذا هو أظرف الخلق.[/font]
[font="]قال: وكنا نعرف ذلك الرجل بالجبن وقد كان سمع باحتيال الترك في[/font][font="]دخول المدن وعبور الأنهار في الحروب فتوهم أنه لم يتوعد بفتح الباب.[/font]
[font="]وقال ثمامة: ما شبهت الذر إلا بالترك لأن كل ذرة على حدتها معها[/font][font="]من المعرفة بادخار الطعم ومن الشم والاسترواح ونجب المدّخر حتى لا ينبت في جحره ثم[/font][font="]الاحتيال للناس في الاحتيال لها بالصمامة والعفاص والمزدجر وتعليق الطعام على[/font][font="]الأوتاد والبرادات مثل الذرّ مع صاحبتها.[/font]
[font="]وقال أبو موسى الأشعرىّ: كل جنسٍ يحتاج إلى أمير ورئيس ومدبر حتى[/font][font="]الذّرّ.[/font]
[font="]وروى أبو عمر الضرير أن رئيس الذّرّ الرائد الذي يخرج أولاً لشيءٍ[/font][font="]قد شمه دون أصحابه لخصوصيةٍ خصه الله تعالى بها ولطافة الحس فإذا حاول حمله وتعاطى[/font][font="]نقله وأعجزه ذلك بعد أن يبلى عذرا أتاهن فأخبرهنَّ فرجع وخرجت بعده كأنها خيطٌ أسود[/font][font="]ممدود.[/font]
[font="]وليست ذرةٌ أبداً تستقبل ذرةً أخرى إلا واقفتها وسارتها بشىءٍ ثم[/font][font="]انصرفت عنها.[/font]
[font="]وكذلك الأتراك كل واحدٍ منهم غير عاجزٍ عن معرفة مصلحة أمره إلا أنّ[/font][font="]التفاضل واجبٌ في جميع أصناف الأشياء والنبات والموات.[/font]
[font="]وقد تختلف الجواهر وكلها كريم وتتفاضل العتاق وكلها جواد.[/font]
[font="]وقد قلنا في مناقب جميع الأصناف بجمل ما انتهى إلينا وبلغه علمنا[/font][font="]فإن وقع ذلك بالموافقة فبتوفيق الله وصنعه وإن قصر دون ذلك فالذي قصر بنا نقصان[/font][font="]علمنا وقلة حفظنا وسماعنا.[/font]
[font="]فأما حسن النِّيَّة والذي نضمر من المحبة والاجتهاد في القربة فإنا[/font][font="]لا نرجع في ذلك إلى أنفسنا بلائمة.[/font]
[font="]وبين التقصير من جهة التفريط والتضييع وبين التقصير من جهة العجز[/font][font="]وضعف العزم ولو كان هذا الكتاب من كتب المناقضات وكتب المسائل والجوابات وكان كل[/font][font="]صنفٍ من الأصناف يريد الاستقصاء على صاحبه ويكون غايته إظهار فضل نفسه وإن لم يصل[/font][font="]إلى ذلك إلا بإظهار نقص أخيه ووليه لكان كتاباً كبيراً كثير الورق عظيماً ولكان[/font][font="]العدد الذي يقضون لمؤلفه بالعلم والاتساع في المعرفة أكثر وأظهر ولكنا رأينا أن[/font][font="]القليل الذي يُجمع خيرٌ من الكثير الذي يفرِّق.[/font]
[font="]ونحن نعوذ بالله من هذا المذهب ونسأله العون والتسديد إنه سميعٌ[/font][font="]قريبٌ فعال لما يريد.[/font]
[font="]تم الكتاب ولله المنة وبيده الحول والقوة والله الموفق للصواب.[/font]
[font="]والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله الطيبين الطاهرين[/font][font="] وسلامه وهو حسبنا ونعم الوكيل.[/font]
ملاحظه: الخوارج يعني بهم القبائل العربيه في الجزيره الفراتيه.
****************************************************************
[font="]زعم محمد بن الجهم وثمامة بن الأشرس والقاسم بن سيار في جماعة ممن يغشى[/font][font="]دار الخلافة وهي دار العامة قالوا جميعاً: بيننا حميد بن عبد الحميد جالساً ومعه[/font][font="]يخشاد الصُّغدي وأبو شجاع شبيب بن بخاراخداي البلخي ويحيى بن معاذ ورجال من[/font][font="]المعدودين المتقدمين في العلم بالحرب من أصحاب التجارب والمراس وطول المعالجة[/font][font="]والمعاناة في صناعات الحرب إذ خرج رسول المأمون فقال لهم: نقول لكم متفرقين[/font][font="]ومجتمعين: ليكتب كل رجلٍ منكم دعواه وحجته وليقل أيما أحب إلى كل قائد منكم إذا[/font][font="]كان في عدته من صحبه وثقاته: أن يلقى مائة تركي أو مائة خارجي فقال القوم[/font][font="]جميعاً: لأن نلقى مائة تركي أحب إلينا من أن نلقى مائة خارجي! وحميد ساكت.[/font]
[font="]فلما فرغ القوم جميعاً من حججهم قال الرسول: قد قال القوم فقل[/font][font="]واكتب قولك وليكن حجة لك أو عليك.[/font]
[font="]قال: بل ألقى مائة خارجي أحب إلي لأنني وجدت الخصال التي يفضل بها[/font][font="]الخارجي جميع المقاتلة غير تامةٍ في الخارجي ووجدتها تامة في التركي.[/font]
[font="]ففضل التركي على الخارجي بقدر فضل الخارجي على سائر المقاتلة ثم بان[/font][font="]التركي عن الخارجي بأمورٍ ليس فيها للخارجي دعوى ولا متعلق.[/font]
[font="]على أن هذه الأمور التي بان بها التركي عن الخارجي أعظم خطراً وأكثر[/font][font="]نفعا مما شاركه الخارجي في بعضها.[/font]
[font="]ثم قال حميد: والخصال التي يصول بها الخارجي على سائر الناس صدق[/font][font="]الشدة عن أول وهلة وهي الدفعة التي يبلغون بها ما أرادوا وينالون الذي أملوا.[/font]
[font="]والثانية: الصبر على الخبب وعلى طول السُّرى حتى يصبح القوم الذين[/font][font="]مرقوا بهم غارين فيهجموا عليهم وهم بسوء ولحمٌ على وضم يتعجَّلونهم عن الروية وعن[/font][font="]رد النفس عن النزوة والجولة لا يظنون أن أحداً يقطع في ذلك المقدار من الزمان ذلك[/font][font="]المقدار من البلاد.[/font]
[font="]والثالثة: أن الخارجي موصوف عند الناس بأنه إن طَلب أدرك وإن طُلب[/font][font="]فات.[/font]
[font="]والرابعة: خفة الأزواد وقلة الأمتعة وأنها تجنب الخيل وتركب[/font][font="]البغال وإن احتاجت أمست بأرضٍ وأصبحت بأخرى وأنهم قوم حين خرجوا لم يخلفوا الأموال[/font][font="]الكثيرة والجنان الملتفة والدور المشيدة ولا ضياعاً ولا مستغلات ولا جواري مطهمات[/font][font="]وأنهم لا سلب لهم ولا مال معهم فيرغب الجند في لقائهم وإنما هم كالطير لا تدخر ولا[/font][font="]تهتم لغدٍ ولها في كل أرض من المياه والأقوات ما تتبَّلغ به وإن لم تجد ذلك في بعض[/font][font="]البلاد فأجنحتها تقرب لها البعيد وتسهل لها الحزون.[/font]
[font="]وكذلك الخوارج لا يمتنع عليهم القرى والمطعم وإن تمنع عليهم ففي[/font][font="]بنات شحَّاجٍ وبنات صهَّال وخفة الأثقال على طول الخبب ما يسهل أقواتها ويكثر من[/font][font="]أرزاقها.[/font]
[font="]والخامسة: أن الملوك إن أرسلوا إليهم أعدادهم ليكونوا في خفة[/font][font="]أوزارهم وأثقالهم وليقووا على التنقل كقوتهم لم يقووا عليهم لأن مائة من الجند لا[/font][font="]يقومون لمائة من الخوارج وإن كثفوا الجيش بالجيش وضاعفوا العدد بالعدد ثقلوا عن[/font][font="]طلبهم وعن الفوت إن طلبهم عدوهم.[/font]
[font="]ومتى شاء الخارجي أن يقرب منهم ليتطرَّفهم أو ليصيب الغرة منهم أو[/font][font="]ليسلبهم فعل ذلك ثقة بأنه يغنم عند الفرصة ورؤية العورة ويمكنه الهرب عند الخوف.[/font]
[font="]وإن شاء كبسهم ليقطع نظامهم أو ليقتطع القطعة منهم.[/font]
[font="]
قال حميد: فهذه هي مفاخرهم وخصالهم التي لها كره القواد لقاءهم.[/font]
[font="]قال قاسم بن سيار: وخصلة أخرى وهي التي رعبت القلوب وخلعتها ونقضت[/font][font="]العزائم وفسختها وهو ما تسمع الأجناد ومقاتلة العوام من ضرب المثل بالخوارج كقول[/font][font="]الشاعر: إذا ما البخيل والمحاذر للقرى رأى الضيف مثل الأزرقيِّ المجفَّف وكقول[/font][font="]الآخر: وقلبِ ودٍّ حال عن عهده والسيف ينبو بيد الشاري وكقول الآخر: لقاء الأسد[/font][font="]أهون من لقاه إذا التحكيم يسهر بالأصل فهذه زيادة قاسم بن سيار.[/font]
[font="]فأما حميد فإنه قال: الشدة الأولى التركي فيها أحمد أثراً وأجمع[/font][font="]أمراً وأحكم شأنا لأن التركي من أجل أن تصدق شدته ويتمكن عزمه ولا يكون مشترك العزم[/font][font="]ولا منقسم الخواطر قد عود برذونه ألا ينثنى وإن ثناه أن يملأ فروجه للأمر يديره مرة[/font][font="]أو مرتين وإلا فإنه لا يدع سننه ولا يقطع ركضه.[/font]
[font="]وإنما أراد التركي أن يوئس نفسه من البدوات ومن أن يعتريه التكذيب[/font][font="]بعد الاعتزام لهول اللقاء وحب الحياة لأنه إذا علم أنه قد صيَّر برذونه إلى هذه[/font][font="]الغاية حتى لا ينثني ولا يجيبه إلى التصرف معه إلا بأن يصنع شيئاً بين الصفين فيه[/font][font="]عطبه لم يُقدم على الشدة إلا بعد إحكام الأمر والبصر بالعورة.[/font]
[font="]وإنما يريد أن يشبه نفسه بالمُحرج الذي إذا رأى أشد القتال لم يدع[/font][font="]جهدا ولم يدخر حيلة ولينفيَ عن قلبه خواطر الفرار ودواعيَ الرجوع.[/font]
[font="]وقال: الخارجيُّ عند الشدة إنما يعتمد على الطِّعان والأتراك تطعن[/font][font="]طعن الخوارج وإن شدَّ منهم ألف فارس فرموا رشقاً واحداً صرعوا ألف فارس فما بقاء[/font][font="]جيش على هذا النوع من الشدة! والخوارج والأعراب ليست لهم رماية مذكورة إلى ظهور[/font][font="]الخيل والتركيُّ يرمى الوحش والطي والبرجاس والناس والمجثَّمة والمثل الموضوعة[/font][font="]ويرمى بعشرة أسهم قبل أن يفوق الخارجي سهماً واحداً ويركض دابته منحدراً من جبل أو[/font][font="]مستفلاً إلى بطن واد بأكثر مما يمكن الخارجي على بسيط الأرض.[/font]
[font="]وللتركيِّ أربعة أعين: عينان في وجهه وعينان في قفاه.[/font]
[font="]وللخارجيِّ عيب في مستدبر الحرب وللخرسانيِّ عيبٌ في مستقبل[/font][font="]الحرب.[/font]
[font="]فعيب الخرسانية أن لها جولة عند أول الالتقاء وإن ركبوا كسأهم كانت[/font][font="]هزيمتهم وكثيراً ما يثوبون وذلك بعد الخطار بالعسكر وإطماع العدوِّ في الشدة.[/font]
[font="]والخوارج إذا ولوا فقد ولوا وليس لهم بعد الفرِّ كر إلا ما لا[/font][font="]يعد.[/font]
[font="]والتركيُّ ليست له جولة الخراساني وإذا أدبر فهو السم النافع والحتف[/font][font="]القاضي لأنه يصيب بسهمه وهو مدبرٌ كما يصيب به وهو مقبل ولا يؤمن وهقه ولا انتساف[/font][font="]الفرس واختطاف الفارس بتلك الراكضة.[/font]
[font="]ولم يفلت من الوهق في جميع الدهر إلا المهلب بن أبي صفرة والحريش بن[/font][font="]هلال وعباد بن الحصين.[/font]
[font="]وربما رمى بالوهق وله فيه تدبير آخر وإن لم يجنب المرمى معه يوهم[/font][font="]الجاهل أن ذلك إنما كان لخرق التركي أو لحذق المرمى.[/font]
[font="]قال: وهم علموا الفرسان حمل قوسين وثلاثة قسي ومن الأوتار على حسب[/font][font="]ذلك.[/font]
[font="]قال: والتركي في حال شدته معه كل شيء يحتاج إليه لنفسه وسلاحه[/font][font="]ودابته وأداة دابته.[/font]
[font="]فأما الصبر على الخبب وعلى مواصلة السفر وعلى طول السُّري وقطع[/font][font="]البلاد فعجيبٌ جداً.[/font]
[font="]فواحدةً: أن فرس الخارجي لا يصبر صبر برذون التركي.[/font]
[font="]والخارجي لا يحسن أن يعالج فرسه إلا معالجة الفرسان لخيولهم والتركي[/font][font="]أحذق من البيطار وأجود تقويماً لبرذونه على ما يريده من الراضة وهو استنتجه وهو[/font][font="]رباه فلواً وتتبعه إن سماه وإن ركض ركض خلفه.[/font]
[font="]وقد عوده ذلك حتى عرفه كما يعرف الفرس أقدم والناقة حل والجمل جاه[/font][font="]والبغل عدس والحمار ساسا وكما يعرف المجنون لقبه والصبي اسمه.[/font]
[font="]ولو حصلت عُمر التركي وحسبت أيامه لوجدت جلوسه على ظهر دابته أكثر[/font][font="]من جلوسه على ظهر الأرض.[/font]
[font="]والتركي يركب فحلاً أو رمكة ويخرج غازياً أو مسافراً أو متباعداً في[/font][font="]طلب صيدٍ أو سببٍ من الأسباب فتتبعه الرَّمكة وأفلاؤها إن أعياه اصطياد الناس اصطاد[/font][font="]الوحش وإن أخفق منها أو احتاج إلى طعامٍ فصد دابةً من دوابِّه وإن عطش حلب رمكة من[/font][font="]رماكه وإن أراح واحدةً تحته ركب أخرى من غير أن ينزل إلى الأرض.[/font]
[font="]وليس في الأرض أحدٌ إلا وبدنه ينتفض على اقتيات اللحم وحده غيره[/font][font="]وكذلك دابته تكتفي بالعنقر والعشب والشجر لا يظُّلها من شمس ولا يكنها من برد.[/font]
[font="]قال: وأما الصبر على الخبب فإن الثغريين والفرانقيين والخصيان[/font][font="]والخوارج لو اجتمعت قواهم في شخصٍ واحد لما وفوا بتركي واحد.[/font]
[font="]والتركي لا يبقى معه على طول الغاية إلا الصميم من دوابه.[/font]
[font="]والذي يقتله التركي بإتعابه له وينفيه عند غزاته هو الذي لا معه فرس[/font][font="]الخارجي ولا يبقى معه كل برذون بخاري.[/font]
[font="]ولو ساير خارجياً لاسترغ وسعه قبل أن يبلغ الخارجي عفوه.[/font]
[font="]والتركي هو الراعي وهو السائس وهو الراكض وهو النخاس وهو البيطار[/font][font="]وهو الفارس.[/font]
[font="]والتركي الواحد أمةٌ على حدة.[/font]
[font="]قال: وإذا سار التركي في غير عساكر الترك فسار القوم عشرة أميال[/font][font="]سار عشرين ميلاً لأنه ينقطع عن العسكر يمنةً ويسرة ويسرع في ذرى الجبال ويستبطن[/font][font="]قعور الأودية في طلب الصيد وهو في ذلك يرمي كل ما دب ودرج وطار ووقع.[/font]
[font="]قال: والتركي لم يسر في العساكر سير الناس قط ولا سار مستقيماً[/font][font="]قط.[/font]
[font="]قالوا: وإذا طالت الدلجة واشتد السير وبعد المنزل وانتصف النهار[/font][font="]واشتد التعب وشغل الناس الكلال وصمت المتسايرون فلم ينطقوا وقطعهم ما هم فيه عن[/font][font="]التشاغل بالحديث وتفسخ كل شيءٍ من شدة الحر وخمد كل شيء من شدة البرد وتمنى كل جليد[/font][font="]القوى على طول السرى أن تطوى له الأرض وكلما رأى خيالاً أو أبصر علماً سر به[/font][font="]واستبشر وظن أنه قد بلغ المنزل فإذا بلغه الفارس نزل وهو متفحج كأنه صبيٌّ محقون[/font][font="]يئن أنين المريض ويستريح إلى التثاؤب ويتداوى مما به بالتمطي والتضجع.[/font]
[font="]وترى التركي في تلك الحال وقد سار ضعف ما ساروا وقد أتعب منكبيه[/font][font="]كثرة النزع يرى قرب المنزل عيراً أو ظبياً أو عرض له ثعلب أو أرنب خيركض ركض مبتدئ[/font][font="]مستأنف كأن الذي سار ذلك السير وتعب ذلك التعب غيره.[/font]
[font="]وإن بلغ الناس وادياً فازدحموا على مسلكه أو على قنطرته بطن برذونه[/font][font="]فأقحمه ثم طلع من الجانب الآخر كأنه كوكب.[/font]
[font="]وإن انتهوا إلى عقبةٍ صعبةٍ ترك السنن وذهب في الجبل صعداً ثم تدلى[/font][font="]من موضع يعجز عنه الوعل وأنت تحسبه مخاطراً بنفسه للذي ترى من مطَّلعه.[/font]
[font="]ولو كان في كل ذلك مخاطراً لما دامت له السلامة مع تتابع ذلك منه.[/font]
[font="]قال: ويفخر الخارجي بأنه إذا طلب أدرك وإذا طُلب لم يدرك.[/font]
[font="]والتركي ليس يحوج إلى أن يفوت لأنه لا يُطلب ولا يرام.[/font]
[font="]ومن يروم ما لا يطمع فيه! فهذا.[/font]
[font="]على أنا قد علمنا العلة التي عمت الخوارج بالنجدة استواء حالتهم في[/font][font="]الديانة واعتقادهم أن القتال دين لأننا حين وجدنا السجستاني والخراساني والجزري[/font][font="]واليمامي والمغربي والعماني والأزرقي منهم والنجدي والإباضي والصفري والمولى[/font][font="]والعربي والعجمي والأعرابي والعبيد والنساء والحائك والفلاح كلهم يقاتل مع اختلاف[/font][font="]الأنساب وتباين البلدان علمنا أن الديانة هي التي سوت بينهم ووفقت بينهم في ذلك.[/font]
[font="]كما أن كل حجامٍ في الأرض[/font][font="]من أي جنسٍ كان ومن أي بلدٍ كان فهو يحب[/font][font="]النبيذ وكما أن أصحاب الخلقان والسماكين والنخاسين والحاكة في كل بلد من كل جنس[/font][font="]شرار خلق الله في المبايعة والمعاملة.[/font]
[font="]فعلمنا بذلك أن ذلك خلقة في هذه الصناعات وبنية في هذه التجارات حين[/font][font="]صاروا من بين جميع الناس كذلك.[/font]
[font="]قال: ورأينا التركي في بلاده ليس يقاتل على دينٍ ولا على تأويل[/font][font="]ولا على ملك ولا على خراج ولا على عصبية ولا على غيرة دون الحرمة والمحرم ولا على[/font][font="]حمية ولا على عداوة ولا على وطنٍ ومنع دار ولا مال وإنما يقاتل على السلب والخيار[/font][font="]في يده.[/font]
[font="]وليس يخاف الوعيد إن هرب ولا يرجو الوعد إن أبلى عذرا.[/font]
[font="]وكذلك هم في بلادهم وغاراتهم وحروبهم.[/font]
[font="]وهو الطالب غير المطلوب ومن كان كذلك فإنما يأخذ العفو من قوته ولا[/font][font="]يحتاج إلى مجهوده.[/font]
[font="]ثم هو مع ذلك لا يقوم له شيء ولا يطمع فيه أحد فما ظنك بمن هذه صفته[/font][font="]أن لو اضطره إحراج أو غيرة أو غضب أو تدين أو عرض له بعض ما يصحب المقاتل المحامي[/font][font="]من العلل والأسباب.[/font]
[font="]قال: وقناة الخارجىّ طويلة صماء وقناة التركيّ مطرد أجوف والقنىُّ[/font][font="]المجوفة القصار أشد طعنة وأخف في المحمل.[/font]
[font="]والعجم تجعل القنى الطوال للرجالة وهي قنى الأبناء على أبواب[/font][font="]الخنادق والمضايق.[/font]
[font="]والأبناء في هذا الباب لا يجرون مع الأتراك والخراسانية لأن الغالب[/font][font="]على الأبناء المطاعنة على أبواب الخنادق وفي المضايق وهؤلاء أصحاب الخيل والفرسان[/font][font="]وعلى الخيل والفرسان تدور الجيوش لهم الكر والفر.[/font]
[font="]والفارس هو الذي يطوي الجيش طيَّ السجل ويفرقهم تفريق الشعر.[/font]
[font="]وليس يكون الكمين إلا منهم ولا الطليعة ولا السَّاقة.[/font]
[font="]وهم أصحاب الأيام المذكورة والحروب الكبار والفتوح العظام ولا تكون[/font][font="]المقانب والكتائب إلا منهم.[/font]
[font="]ومنهم من يحمل البنود والرايات والطبول والتجافيف والأجراس.[/font]
[font="]وهم أصحاب الصهيل والقتام وزجر الخيل وقعقة الريح في الثياب والسلاح[/font][font="]ووقع الحوافر والإدراك إذا طَلبوا والغوث إذا طُلبوا.[/font]
[font="]ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم للفارس سهمين وللراجل من[/font][font="]المقاتلة سهماً واحداً إلا لتضاعيف الرد في القتل والفتوح والنهبة والمغانم.[/font]
[font="]ثم قال: ولعمري إن الأبناء من القتال في السكك والسجون والمضايق[/font][font="]ما ليس لغيرهم.[/font]
[font="]ولكن الرجال أبداً أتباعٌ ومأمورون ومنقادون وقائد الرجال لا يكون[/font][font="]إلا فارساً وقائد الفرسان من الممتنع أن يكون راجلاً.[/font]
[font="]ومن تعود الطعان والضرب والرمي راكباً إن اضطر إلى الطعن والرمي[/font][font="]راجلاً كان على ذاك أدفع على نفسه وأرد عن أصحابه من الراجل إذا احتاج أن يستعمل[/font][font="]سلاحه فارساً.[/font]
[font="]وعلى أنه ما أكثر ما ينزلون ويقاتلون.[/font]
[font="]وقد قال الشاعر: لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا وأخو الحرب من أطاق[/font][font="]النزولا وقال الضبيُّ: وعلام أركبه إذا لم أنزل.[/font]
[font="]وقال آخر: فمعانقٌ ومنازل.[/font]
[font="]وقال حميد: وليس في الأرض قومٌ إلا والتساند في الحروب والإشتراك[/font][font="]في الرياسة ضارٌ لهم إلا الأتراك.[/font]
[font="]على أن الأتراك لا يتساندون ولا يتشاركون وذلك أن الذي يكره من[/font][font="]المساندة والمشاركة اختلاف الرأي والتنافس في السر والتحاسد بين الأشكال والتواكل[/font][font="]فيما بين المشتركين.[/font]
[font="]والأتراك إذا صافوا جيشاً إن كان في القوم موضع عورةٍ فكلهم قد[/font][font="]أبصرها وعرفها وإن لم تكن هناك عورةٌ لم يكن فيهم مطمع وكان الرأي الانصراف فكلهم[/font][font="]قد رأى ذلك الرأي وعرف الصواب فيه.[/font]
[font="]وخواطرهم واحدة ودواعيهم مستوية بإقبالهم معاً.[/font]
[font="]وليس هم أصحاب تأويلاتٍ ولا أصحاب تفاخرٍ وتناشدٍ وإنما شأنهم إحكام[/font][font="]أمرهم فالاختلاف يقل بينهم.[/font]
[font="]وكانت الفرس تعيب العرب إذا خرجوا إلى الحرب متساندين وكانت تقول:[/font][font="]الاشتراك في الحرب وفي الزوجة وفي الإمرة سواء.[/font]
[font="]قال حميد: فما ظنك بقومٍ إذا تساندوا لم يضرهم التساند فكيف[/font][font="]يكونون إذا تحاسدوا.[/font]
[font="]فلما انتهى الخبر إلى المأمون قال: ليست بالترك حاجةٌ إلى حكم[/font][font="]حاكم بعد حميد فإن حميداً قد مارس الفريقين وحميد خراساني وحميد عربي فليس للتهمة[/font][font="]عليه طريق.[/font]
[font="]قالوا: وأتى الخبر ذا اليمينين طاهر بن الحسين فقال: ما أحسن ما[/font][font="]قال حميد.[/font]
[font="]أما إنه لم يقصر ولم فهذا قول الخليفة المأمون وحكم حميد وتصويب[/font][font="]طاهر.[/font]
[font="]وخبرني رجلٌ من أهل خراسان أو من بني سدوس قال: سمعت أبا البط[/font][font="]يقول: ويلكم كيف أصنع بفارسٍ يملأ فروج دابته منحدراً من جبل أو مصعداً في مقطعٍ[/font][font="]عفير ويمكنه على ظهر الفرس ما لا يمكن الرقاص الأبلَّىَّ على ظهر الأرض.[/font]
[font="]قال: وقال سعيد بن عقبة بن سلمٍ الهنائي وكان ذا رأيٍ في الحرب[/font][font="]وابن ذي رأيٍ فيها: فرق ما بيننا وبين الترك أن الترك لم تغز قوماً قط ولا صافت[/font][font="]جيشاً ولا هجمت على عدو كانوا عرباً أو عجماً فأخرجوا إليهم أعدادهم ولقوهم[/font][font="]بمثلهم.[/font]
[font="]وليس غايتهم إلا أن ينقادوا ليكفوا عنهم بأسهم ومعرتهم ويصرفوا عنهم[/font][font="]كيدهم.[/font]
[font="]فإن هم امتنعوا من الصلح واعتزموا على الحرب فليس شأنهم والذي يدور[/font][font="]عليه أمرهم إلا منع أنفسهم وتحصين عسكرهم والاحتراس منهم.[/font]
[font="]فأما أن ترقى هممهم وتسمو أنفسهم إلى الاحتيال عليهم والتماس غرتهم[/font][font="]فإن هذا شيءٌ لا يخطر على بال من يحاربهم.[/font]
[font="]ثم قال: وقد عرفتم حيلهم في دخول المدن من جهة حيطانها المصمتة[/font][font="]العريضة وحيلتهم في عبور نهر بلخ.[/font]
[font="]
وسعيدٌ هذا هو الذي قال: إذا حاربتم وكنتم ثلاثةً فاجعلوا واحداً[/font][font="]مددا وآخر كمينا.[/font]
[font="]وله قال سعيد: وأخبرني أبي قال: شهدت أبا الخطاب يزيد بن قتادة[/font][font="]بن دعامة الفقيه وذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الترك حيث قال: "[/font][font="]عدوٌّ شديدٌّ طلبه قليلٌ سلبه " فقال رجلٌ من العالية: نهى عمر أبا زبيدٍ[/font][font="]الطائيَّ عن وصف الأسد لأن ذلك مما يزيد في رعب الجبان وفي هول الجنان ويقل من رغب[/font][font="]الشجاع وقد وصف الترك بأشد من وصف أبي زبيدٍ الأسد.[/font]
[font="]وقال سعيد في حديثه يومئذٍ وقد قطعت شرذمةٌ منهم بلاد أبي خزيمة[/font][font="] - [/font][font="]يريد حمزة بن أدرك الخارجي - وما والي خراسان في بعض الأمر وحمزة في معظم الناس[/font][font="]فقال لأصحابه: أفرجوا لهم ما تركوكم ولا تتعرضوا لهم فإنه قد قيل: تاركوهم ما[/font][font="]تاركوكم.[/font]
[font="]فهذا قول سعيد بن عقبة ورأيه وحديثه وهو عربي خرساني.[/font]
[font="]وذكر يزيد بن مزيد الوقعة التي قتل فيها يولبا التركي الوليد بن[/font][font="]طريف الخارجي فقال في بعض ما يصف من شأن الترك: ليس لبدن التركي على ظهر الدابة[/font][font="]ثقل ولا لمشيه على الأرض وقع وإنه ليرى وهو مدبرٌ ما لا يرى الفارس منا وهو مقبل.[/font]
[font="]وهو يرى الفارس منا صيداً ويعد نفسه فهدا ويعده ظبياً ويعد نفسه[/font][font="]كلبا.[/font]
[font="]والله لو رمى به في قعر بئر مكتوفاً لما أعجزته الحيلة ولولا أن[/font][font="]أعمار عامتهم تقصر دون الجبل - يعني جبل حلوان - ثم هموا بنا لألقوا لنا شغلاً[/font][font="]طويلاً.[/font]
[font="]هب الدنيا تساق إليك عفواً أليس مصير ذاك إلى زوال قال: أما[/font][font="]التركي فلأن ينال الكفاف غصباً أحب إليه من أن ينال الملك عفواً.[/font]
[font="]ولم يتهن تركيٌّ بطعامٍ إلا أن يكون صيداً او مغنما ولا يعز على ظهر[/font][font="]دابته طالباً كان أو مطلوبا.[/font]
[font="]وقال ثمامة بن أشرس وكان مثل محمد بن الجهم في كثرة ذكره للترك.[/font]
[font="]قال ثمامة: التركي لا يخاف إلا مخوفا ولا يطمع في غبر مطمع ولا[/font][font="]يكفُّه عن الطلب إلا اليأس صرفا ولا يدع القليل حتى يصيب أكثر منه وإن قدر أن[/font][font="]يجمعهما لم يفرط في واحدٍ منهما.[/font]
[font="]والباب الذي لا يحسنه لا يحسن منه شيئاً والباب الذي يحسنه قد أحكمه[/font][font="]بأسره وأمره وخفيه عنده كظاهره ولا يتشاغل بشيء ولا على نفسه من شيء.[/font]
[font="]ولولا أن يجم نفسه بالنوم لما نام على أن نومه مشوبٌ باليقظة ويقظته[/font][font="]سليمة من الوسنة ولو كان في شقهم أنبياء وفي أرضهم حكماء وكانت هذه الخواطر قد مرت[/font][font="]على قلوبهم وقرعت أسماعهم لأنسوك أدب البصريين وحكمة اليونانيين وصنعة أهل الصين.[/font]
[font="]وقال ثمامة: عرض لنا في طريق خراسان تركيٌّ ومعنا قائد يصول بنفسه[/font][font="]ورجاله وبيننا وبين التركي وادٍ فسأله أن يبارزه فارسٌ من القوم فأخرج له رجلاً لم[/font][font="]أرقط أكمل منه ولا أحسن تماماً وقواماً منه فاحتال حتى عبر إليهم الفارس فتجاولا[/font][font="]ساعةً ولا نظن إلا أن صاحبنا يفي بأضعافه وهو في ذلك يتباعد عنا.[/font]
[font="]فبينما هما في ذلك إذ ولى عنه التركي كالهارب منه وفعل ذلك في موضعٍ[/font][font="]ظننا أن صاحبنا قد ظهر عليه وأتبعه الفارس لا نشك إلا أنه سيأتينا برأسه أو يأتينا[/font][font="]به مجنوباً إلى فرسه فلم نشعر إلا وصاحبنا قد أفلت عن فرسه وغاب عنه فنزل التركي[/font][font="]إليه فأخذ سلبه وقتله ثم عارض فرسه فجنبه إليه معه.[/font]
[font="]قال ثمامة: ثم رأيت بعد ذلك التركي قد جيء به أسيراً إلى دار[/font][font="]الفضل ابن سهل فقلت له: كيف صنعت يومئذ وكيف طاولته ثم علاك ثم وليت عنه هارباً[/font][font="]ثم قتلته قال: أما إني لو شئت أن أقتله حين عبر وقد كان مقتله بارزاً لي ولكني[/font][font="]احتلت عليه حتى نحيته عن أصحابه لأجوِّزه فلا يحال بيني وبين فرسه وسلبه.[/font]
[font="]قال ثمامة: وإذا هو يدير الفارس من سائر الناس ويريغه كيف شاء[/font][font="]وأحب.[/font]
[font="]قال ثمامة:[/font][font="]وقد غبرت في أيديهم أسيراً فما رأيت كإكرامهم وتحفهم[/font][font="]وألطافهم.[/font]
[font="]فهذا ثمامة بن أشرس وهو عربي لا يتهم في الإخبار عنهم.[/font]
[font="]وأنا أخبرك أني قد رأيت منهم شيئاً عجيباً وأمراً غريباً: رأيت في[/font][font="]بعض غزوات المأمون سماطي خيل على جنبتي الطريق بقرب المنزل مائة فارسٍ من الأتراك[/font][font="]في الجانب الأيمن ومائةٌ من سائر الناس في الجانب الأيسر وإذا هم قد اصطفوا ينتظرون[/font][font="]مجيء المأمون وقد انتصف النهار واشتد الحر.[/font]
[font="]فورد عليهم وجمع الأتراك جلوسٌ على ظهور خيولهم إلا ثلاثة أو أربعة[/font][font="]وجميع تلك الأخلاط من الجند قد رموا بنفوسهم إلى الأرض إلا ثلاثة أو أربعة.[/font]
[font="]فقلت لصاحبٍ لي: انظر أي شيءٍ اتفق لنا.[/font]
[font="]أشهد أن المعتصم كان أعرف بهم حين جمعهم واصطنعهم.
[/font] [font="]وأردت مرة القاطول - وهي المباركة - وأنا خارجٌ من بغداد وأرى فوارس[/font][font="]من أهل خراسان والأبناء وغيرهم من أصناف الجندي قد عار لهم فرس وهم على خيلٍ عتاق[/font][font="]يريغونه فلا يقدرون على أخذه ومر تركيٌ ولم يكن من ذوي هيئاتهم وذوي القدر منهم وهو[/font][font="]على برذونٍ له خسيس وهم على الخيول المطهمة فاعترض الفرس اعتراضاً وقتله قتلاً[/font][font="]وحياً وأتاه من زجره بشيءٍ فوقف أولئك الجند وصاروا نظارة فقال بعضهم ممن كان يزري[/font][font="]على ذلك التركي: هذا وأبيك التكلف والتعرض: أن فرساً قد أعجزهم وهم أسد البلاد[/font][font="]وجاء هذا مع قصر قامته وضعف دابته فطمع أن يأخذه.[/font]
[font="]فمى انقضى كلامه حتى أقبل به ثم سلمه إليهم ومضى لطلبته لم ينتظر[/font][font="]ثناءهم ولا دعاءهم ولا أراهم أنه قد صنع شيئاً أو أتى إليهم معروفاً.[/font]
[font="]والأتراك قومٌ لا يعرفون الملق ولا الخلابة ولا النفاق ولا السعاية[/font][font="]ولا التصنع ولاالنميمة ولا الرياء ولا البذخ على الأولياء ولا البغيَ على الخلطاء[/font][font="]ولا يعرفون البدع ولم تفسدهم الأهواء ولايستحلُّون الأموال على التأوُّل وإنما كان[/font][font="]عيبهم والذي يوحش منهم الحنين إلى الأوطان وحبُّ التقلب في البلدان والصبابة[/font][font="]بالغارات والشغف بالنهب وشدة الإلف للعادة مع ما كانوا يتذاكرون من سرور الظفر[/font][font="]وتتابعه وحلاوة المغنم وكثرته وملاعبهم في تلك الصحارى وتردُّدهم في تلك المروج[/font][font="]وألا يذهب بطول الفراغ فضل نجدتهم باطلاً ويصير حدهم على طول الأيام كليلاً.[/font]
[font="]ومن حذق شيئاً لم يصبر عنه ومن كره أمراً فر منه.[/font]
[font="]وإنما خصوا بالحنين من بين جميع العجم لأن في تركيبهم وأخلاط[/font][font="]طبائعهم من تركيب بلدهم وتربيتهم ومشاكلة مياههم ومناسبة إخوانهم ما ليس مع أحدٍ[/font][font="]سواهم.[/font]
[font="]ألا ترى أنك ترى البصريَّ فلا تدري أبصريٌّ هو أم كوفيٌّ وترى[/font][font="]المكيَّ فلا تدري أمكيّ هو أم مدنيّ.[/font]
[font="]وترى الجبليَّ فلا تدري أجبليٌّ هو أم خراسانيّ وترى الجزريَّ فلا[/font][font="]تدري أجزريٌّ هو أم شاميّ.[/font]
[font="]وأنت لا تغلط في التركيّ ولا تحتاج فيه إلى قيافةٍ ولا إلى فراسة[/font][font="]ولا إلى مساءلة.[/font]
[font="]ونساؤهم كرجالهم ودوابهم تركيةٌ مثلهم.[/font]
[font="]وهكذا طبع الله تلك البلدة وقسم لتلك التربة.[/font]
[font="]وجميع دور الدنيا ونشوُّها إلى منتهى قواها ومدة أجلها جارية على[/font][font="]عللها وعلى مقدار أسبابها وعلى قدر ما خصها الله تعالى به وأبانها وجعل فيها.[/font]
[font="]فإذا صاروا إلى دار الجزاء فهي كما قال اللَّه تعالى: " إنا[/font][font="]أنشأناهنَّ إنشاءً ".[/font]
[font="]وكذلك ترى أبناء العرب والأعراب الذين نزلوا خراسان لا تفصل بين من[/font][font="]نزل أبوه بفرغانة وبين أهل فرغانة ولا ترى بينهم فرقاً في السبال الصهب والجلود[/font][font="]القشرة والأقفاء العظيمة والأكسية الفرغانية.[/font]
[font="]وكذلك جميع تلك الأرباع لا تفصل بين أبناء النازلة وبين أبناء[/font][font="]النابتة.[/font]
[font="]ومحبة الوطن شيءٌ شامل لجميع الناس وغالب على جميع الجيرة.[/font]
[font="]ولكن ذاك في الترك أغلب وفيها أرسخ لما معها من خاصة المشاكلة[/font][font="]والمناسبة واستواء الشبه وتكافي التركيب.[/font]
[font="]ألا ترى أن العبدي يقول: " عمر الله البلدان بحب الأوطان "[/font][font="]وأن ابن الزبير قال: " ليس الناس بشيءٍ من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم " وأن[/font][font="]عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لولا تفرق أهواء العباد لما عمَّر الله[/font][font="]البلاد " وأن جمعة الإيادبة قالت: " لولا ما أوصى الله به العباد من قفر[/font][font="]البلاد لما وسعهم وادٍ ولا كفاهم زاد ".[/font]
[font="]وذكر قتيبة بن مسلم الترك فقال: " هم والله أحن من الإبل[/font][font="]المعقلة إلى أوطانها " لأن البعير يحن إلى وطنه وعطنه وهو بعمان من ظهر البصرة[/font][font="]فهو يخبط كل شيء ويستبطن كل وادٍ حتى يأتي مكانه على أنه طريقٌ لم يسلكه إلا مرةً[/font][font="]واحدة فلا يزال بالشم والاسترواح وحسن الاستدلال فلذلك ضرب به قتيبة المثل.[/font]
[font="]والشح على الوطن والحنين إليه والصبابة به مذكورةٌ في القرآن[/font][font="]مخطوطةٌ في الصحف بين جميع الناس.[/font]
[font="]غير أن التركي للعلل التي ذكرناها أشد حنيناً وأكثر نزوعاً.[/font]
[font="]وباب آخر مما كان يدعوهم إلى الرجوع قبل العزم الثابت والعادة[/font][font="]المنقودة: وذلك أن الترك قومٌ يشتد عليهم الحصر والجثوم وطول اللُّبث والمكث وقلة[/font][font="]التصرف والتحرك وأصل بنيتهم إنما وضع على الحركة وليس للسكون فيها نصيب وفي قوى[/font][font="]أنفسهم فضلٌ على قوى أبدانهم وهم أصحاب توقد وحرارة واشتغال وفطنة كثيرةٌ خواطرهم[/font][font="]سريع لحظهم وكان يرون الكفاية معجزة وطول المقام بلادة والراحة عقلة والقناعة من[/font][font="]قصر الهمة وأن ترك الغزو يورث الزلة.[/font]
[font="]وقد قالت العرب في مثل ذلك: قال عبد الله بن وهبٍ الراسبيَّ:[/font][font="]" حب الهوينا يكسب النصب ".[/font]
[font="]والعرب تقول: " من غلا دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء[/font][font="]".[/font]
[font="]وقال أكثم بن صيفيَّ: " ما أحب أني مكفيٌ كل أمر الدنيا ".[/font]
[font="]قيل: ولم قال: " أخاف العجز ".[/font]
[font="]فهذه كانت علل الترك في حب الرجوع والحنين إلى الوطن.[/font]
[font="]ومن أعظم ما كان يدعوهم إلى الشرود ويبعثهم على الرجوع ويكره عندهم[/font][font="]المقام ما كانوا فيه من جهل قوادهم بأقدارهم وقلة معرفتهم بأخطارهم وإغفالهم موضع[/font][font="]الرد عليهم والانتفاع بهم حتى جعلوهم أسوة أجنادهم ولم يقنعوا أن يكونوا في الحاشية[/font][font="]والحشوة وفي غمار العامة ومن عرض العساكر وأنفوا من ذلك لأنفسهم وذكروا ما يجب لهم[/font][font="]ورأوا أن الضيم لا يليق بهم وأن الخمول لا يجوز عليهم وأنهم في المقام على من لا[/font][font="]يعرف حقهم ألوم ممن منعهم حقهم فلما صادفوا ملكاً حكيماً وبأقدار الناس عليماً[/font][font="]لايميل إلى سوءعادةٍ ولايجنح إلى هوى ولايتعصب لبلد على بلد يدور مع التدبير حيثما[/font][font="]دار ويقيم مع الحق حيثما أقام أقاموا إقامة من قد فهم الحظ ودان بالحق ونبذ العادة[/font][font="]وآثر الحقيقة ورحل نفسه لقطيعة وطنه وآثر الإمام على ملك الجبرية واختار الصواب على[/font][font="]الإلف.[/font]
[font="]ثم اعلم بعد هذا كله أن كل أمةٍ وقرنٍ وكل جيلٍ وبني أبٍ وجدتهم قد[/font][font="]برعوا في الصناعات وفضلوا الناس في البيان أو فاقوهم في الآداب وفي تأسيس الملك وفي[/font][font="]البصر بالحرب فإنك لا تجدهم في الغاية وفي أقصى النهاية إلا أن يكون الله قد سخرهم[/font][font="]لذلك المعنى بالأسباب وقصرهم عليه بالعلل التي تقابل تلك الأمور وتصلح لتلك المعاني[/font][font="]لأن من كان متقسم الهوى مشترك الرأي ومتشعب النفس غير موفر على ذلك الشيء ولا[/font][font="]مهيَّأٍ له لم يحذق من تلك الأشياء شيئاً بأسره ولم يبلغ في غايته كأهل الصين في[/font][font="]الصناعات واليونانيين في الحكم والآداب والعرب فيما نحن فيه ذاكروه في موضعه وآل[/font][font="]ساسان في الملك والأتراك في الحروب.[/font]
[font="]ألا ترى أن اليونانيين الذين نظروا في العلل لم يكونوا تجاراً ولا[/font][font="]صناعاً بأكفهم ولا أصحاب زرعٍ ولا فلاحة وبناءٍ وغرسٍ ولاأصحاب جمعٍ ومنعٍ وحرصٍ[/font][font="]وكدٍّ وكانت الملوك تفرغهم وتجري عليهم كفايتهم فنظروا حين نظروا بأنفسٍ مجتمعة[/font][font="]وقوةٍ وافرة وأذهانٍ فارغة حتى استخرجوا الآلات والأدوات والملاهي التي تكون جماماً[/font][font="]للنفس وراحةً بعد الكد وسروراً يداوي قرح الهموم فصنعوا من المرافق وصاغوا من[/font][font="]المنافع كالقرصوطونات والقبانات والأسطرلابات وآلة الساعات وكالكونيا وكالشيزان[/font][font="]والبركار وكأصناف المزامير والمعازف وكالطب والحساب والهندسة واللحون وآلات الحرب[/font][font="]كالمجانيق والعرادات والرتيلات والدبابات وآلة النفاط وغير ذلك مّما يطول ذكره.[/font]
[font="]وكانوا أصحاب حكمة ولم يكونوا فعلة يصورون الآلة ويخرطون الأداة[/font][font="]ويصوغون المثل ولا يحسنون العمل بها ويشيرون إليها ولا يمسونها ويرغبون في العلم[/font][font="]ويرغبون في العمل.[/font]
[font="]فأما سكان الصين فهم أصحاب السبك والصياغة والإفراغ والإذابة[/font][font="]والأصباغ العجيبة وأصحاب الخرط والنحت والتصوير والنسخ والخطّ ورفق الكف في كل شيءٍ[/font][font="]يتولونه ويعانونه وإن اختلف جوهره وتباينت صنعته وتفاوت ثمنه.[/font]
[font="]واليونان يعرفون الفلك لأن أولئك حكماء وهؤلاء فعلة.[/font]
[font="]وكذلك العرب لم يكونوا تجاراً ولا صناعا ولا أطباء ولا حساباً ولا[/font][font="]أصحاب فلاحة فيكونون مهنة ولا أصحاب زرع لخوفهم من صغار الجزية.[/font]
[font="]ولم يكونوا أصحاب جمع وكسب ولا أصحاب احتكار لما في أيديهم وطلب ما[/font][font="]عند غيرهم ولا طلبوا المعاش من ألسنة الموازين ورءوس المكاييل ولا عرفوا الدوانيق[/font][font="]والقراريط ولم يفتقروا الفقر المدقع الذي يشغل عن المعرفة ولم يستغنوا الغني الذي[/font][font="]يورث البلدة والثروة التي تحدث الفرَّة ولم يحتملوا ذُلاً قط فيميت قلوبهم ويصغر[/font][font="]عندهم أنفسهم.[/font]
[font="]وكانوا سكان فيافٍ وتربية العراء لا يعرفون الغمق ولا اللثق ولا[/font][font="]البخار ولا الغلط ولا العفن ولا[/font][font="]التخم.[/font]
[font="]أذهان حداد ونفوس منكرة فحين حملوا حدهم ووجهوا قواهم لقول الشعر[/font][font="]وبلاغة المنطق وتشقيق اللغة وتصاريف الكلام بعد قيافة الأثر وحفظ النسب والاهتداء[/font][font="]بالنجوم والاستدلال بالآفاق وتعرُّف الأنوار والبصر بالخيل والسلاح وآلة الحرب[/font][font="]والحفظ لكل مسموع والاعتبار بكل محسوس وإحكام شأن المثالب والمناقب بلغوا في ذلك[/font][font="]الغاية وحازوا كل أمنية.[/font]
[font="]وببعض هذه العلل صارت نفوسهم أكبر وهممهم أرفع من جميع الأمم وأفخر[/font][font="]ولأيامهم أحفظ وأذكر.[/font]
[font="]وكذلك الترك أصحاب عمد وسكان فيافٍ وأرباب مواشٍ وهم أعراب العجم[/font][font="]كما أن هذيلاً أكراد العرب.[/font]
[font="]فحين لم تشغلهم الصناعات والتجارات والطب والفلاحة والهندسة ولا[/font][font="]غرسٌ ولا بيانٌ ولا شقٌّ أنهار ولا جباية غلات ولم يكن هممهم غير الغزو والغارة[/font][font="]والصيد وركوب الخيل ومقارعة الأبطال وطلب الغنائم وتدويخ البلدان وكانت هممهم إلى[/font][font="]ذلك مصروفةً وكانت لهذه المعاني والأسباب مسخرةً ومقصورةً عليها وموصولة بها أحكموا[/font][font="]ذلك الأمر بأسره وأتوا على آخره وصار ذلك هو صناعتهم وتجارتهم ولذتهم وفخرهم[/font][font="]وحديثهم وسمرهم.[/font]
[font="]فلما كانوا كذلك صاروا في الحرب كاليونانيين في الحكمة وأهل الصين[/font][font="]في الصناعات والأعراب فيما عددنا ونزلنا وكآل ساسان في الملك والرياسة.[/font]
[font="]ومما يستدل به على أنهم قد استقصوا هذا الباب واستغرقوا وبلغوا أقصى[/font][font="]غايته وتعرفوه أن السيف إلى أن يتقلده متقلد أو يضرب به ضارب قد مرَّ على أيدٍ[/font][font="]كثيرة وعلى طبقات من الصناع كل واحدٍ منهم لا يعمل عمل صاحبه ولا يحسنه ولا يدعيه[/font][font="]ولا يتكلفه لأن الذي يذيب حديد السيف ويميعه ويصفيه ويهذبه غير الذي يمده ويمطله[/font][font="]والذي يمده ويمطله غير الذي يطبعه ويسوي متنه ويقيم خشيبته والذي يطبعه ويسوي متنه[/font][font="]غير الذي يسقيه ويرهفه والذي يرهفه غير الذي يركب قبيعته ويستوثق من سيلانه والذي[/font][font="]يعمل مسامير السيلان وشاربي القبيعة ونصل السيف غير الذي ينحت خشب غمده والذي ينحت[/font][font="]خشب غمده غير الذي يدبغ جلده والذي يدبغ جلده غير الذي يحليه والذي يحليه ويركب[/font][font="]نعله غير الذي يخرز حمائله.[/font]
[font="]وكذلك السرج وحالات السهم والجعبة والرمح وجميع السلاح مما هو جارحٌ[/font][font="]أو جُنَّة.[/font]
[font="]والتركي يعمل هذا كله لنفسه من ابتدائه إلى غايته فلا يستعين برفيق[/font][font="]ولا يفزع فيه إلى صديق ولا يختلف إلى صانع ولا يشغل قلبه بمطاله وتسويفه وأكاذيب[/font][font="]مواعيده وبعزم كرائه.[/font]
[font="]وحين بلغ أوس بن حجر صفة القانص وبلغ له الغاية في جمعه لأبواب[/font][font="]الكفاية بنفسه قال: قصيٌّ مبيت الليل للصيد مطعم لأسهمه غارٍ وبارٍ وراصفُ وليس[/font][font="]أنه ليس في الأرض تركيٌّ إلا وهو كما وصفنا كما أنه ليس كل يونانيٌّ حكيماً ولا كل[/font][font="]صينيٍّ غايةً في الحذق ولا كل أعرابيٍّ شاعراً قائفا ولكن هذه الأمور في هؤلاء أعم[/font][font="]وأتم وهي فيهم أظهر وأكثر.[/font]
[font="]قد قلنا في السبب الذي تكاملت به النجدة والفروسية في الترك دون[/font][font="]جميع الأمم وفي العلل التي من أجلها انتظموا جميع معاني الحرب وهي معانٍ تشتمل على[/font][font="]مذاهب غربية وخصالٍ عجمية.[/font]
[font="]فمنها: ما يقضي لأهله بالكرم وببعد الهمة وطلب الغاية.[/font]
[font="]ومنها: ما يدل على الأدب السديد والرأي الأصيل والفطنة الثاقبة[/font][font="]والبصيرة النافذة.[/font]
[font="]ألا ترى أنه ليس بدٌّ لصاحب الحرب من الحلم والعلم والحزم والعزم[/font][font="]والصبر والكتمان ومن الثقافة وقلة الغفلة وكثرة التجربة.[/font]
[font="]ولا بد من البصر بالخيل والسلاح والخبرة بالرجال وبالبلاد والعلم[/font][font="]بالمكان والزمان والمكايد وبما فيه صلاح هذه الأمور كلها.[/font]
[font="]والملك يحتاج إلى أواخٍ شداد وأسباب متان ومن أتمها سبباً وأعمقها[/font][font="]نفعاً ما ثبته في نصابه وأقره وسكنه في قراره وزاد في تمكنه وبهائه وقطع أسباب[/font][font="]المطعمة فيه ومنع أيدي البغاة من الإشارة إليه فضلاً عن البسط عليه.[/font]
[font="]قال: ثم إن الترك عطفت على العرب بالمحاجّة والمقايسة وقالوا:[/font][font="]قلتم إن تكن القرابة مما يستحق بالكفاية فنحن أقدم في الطاعة والود والمناصحة وإن[/font][font="]تكن تستحقّ بالقربة فنحن أقرب قرابةً.[/font]
[font="]قالوا: والعرب بعد هذا صنفان: عدنان وقحطان.[/font]
[font="]فأما القحطانيّ فنسبتنا إلى الخلفاء أقرب من نسبتهم ونحن أمس بهم[/font][font="]رحماً لأن الخليفة من ولد إسماعيل بن ابراهيم دون قحطان وعابر.[/font]
[font="]وولد إبراهيم عليه السلام إسماعيل وأمه هاجر وهي قبطية.[/font]
[font="]وإسحاق وأمه سريانية.[/font]
[font="]والستة الباقون أمهم قطورا بنت مفطون عربية من العرب العاربة.[/font]
[font="]وفي قول القحطانية: إنّ أمّنا أشرف في الحسب إذ كانت عربية.[/font]
[font="]وأربعة من الستة هم الذين وأما قولنا للعدنانيّ فإبراهيم أبونا[/font][font="]وإسماعيل عمّنا وقرابتنا من إسماعيل كقرابتكم.[/font]
[font="]قال الهيثم بن عدىّ: قيل لمبارك التركي وعنده حمّادٌ التركي:[/font][font="]إنّكم من مذحج.[/font]
[font="]قال: ومذحج هذا من هو ذاك وما نعرف إلاّ إبراهيم خليل الله وأمير[/font][font="]المؤمنين.[/font]
[font="]قال الهيثم: وقد كان سقط إلى بلاد الترك رجلٌ من مذحجٍ فأنسل[/font][font="]نسلاً كثيراً ولذلك قال شاعر الشعوبية للعرب في قصيدة طويلة: زعمتم بأنّ الترك[/font][font="]أبناء مذحجٍ وبينكم قربى وبين البرابر وذالكم نسل ابن ضبة باسلٍ وصوفان أنسال كثير[/font][font="]الجرائر وقال آخر: متى كانت الأتراك أبناء مذبحٍ ألا إن في الدنيا عجيباً لمن عجب[/font][font="]وقد سمعتم ما جاء في سد بني قطورا وشأن خيولهم بنخل السود وإنما كان الحديث على وجه[/font][font="]التهويل والتخويف بهم لجميع الناس فصاروا للإسلام مادةً وجنداً كثيفاً وللخلفاء[/font][font="]وقايةً وموئلاً وجنةً حصينة وشعاراً دون الدثار.[/font]
[font="]وفي المأثور من الخبر: " تاركوا الترك ما تاركوكم ".[/font]
[font="]وهذه وصيةٌ لجميع العرب فإن الرأي متاركتنا ومسالمتنا.[/font]
[font="]وما ظنكم بقومٍ لم يعرض لهم ذو القرنين.[/font]
[font="]وبقوله " اتركوهم " سمُّوا الترك.[/font]
[font="]وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " هذا عدوٌّ شديدٌ كلبه قليل[/font][font="]سلبه ".[/font]
[font="]فنهى كما ترى عن التعرض لهم بأحسن كناية.[/font]
[font="]والعرب إذا ضربت المثل في العداوة الشديدة قالوا: ما هم إلا الترك[/font][font="]والديلم.[/font]
[font="]قال عملس بن عقيل بن علفة: تبدلت منه بعد ما شاب مفرقي عداوة تركي[/font][font="]وبغض أبي حسل وأبو حسل هو الضَّبّ.[/font]
[font="]والعرب تقول: " هو أعقُّ من ضبّ " لأنه يأكل أولاده.[/font]
[font="]ولم يرعب قلوب أجناد العرب مثل الترك.[/font]
[font="]وقال خلفٌ الأحمر: كأني حين أرهنهم بنيَّ دفعتهم إلى صهب السبال[/font][font="]قال: وإياهم عني أوسٌ بن حجر: تكّبتها ماءهم لما رأيتهم صهب السبال بأيديهم[/font][font="]بيازير وحدثني إبراهيم بن السندي مولى أمير المؤمنين وكان عالماً بالدولة شديد الحب[/font][font="]لأبناء الدعوة وكان يحوط مواليه ويحفظ أيامهم ويدعو الناس إلى طاعتهم ويدرسهم[/font][font="]مناقبهم وكان فخم المعاني فخم الألفاظ لو قلت لسانه كان أردَّ على هذا الملك من[/font][font="]عشرة آلاف سيفٍ شهير وسنانٍ طريرٍ لكان ذلك قولاً ومذهباً.[/font]
[font="]قال: حدثني عبد الملك بن صالح عن أبيه صالح بن علي أن خاقان ملك[/font][font="]الترك واقف مرةالجنيد بن عبد الرحمن أمير خراسان وقد كان الجنيد هاله أمره وأفزعه[/font][font="]شأنه وتعاظمه جموعه وجمعه وبعل به وفطن به خاقان وعرف ما قد وقع فيه فأرسل إليه:[/font][font="]" إني لم أقف هذا الموقف وأمسك هذا الإمساك وأنا أريد مكروهاً فلا ترع.[/font]
[font="]ولو كنت أريد غلبةً أو مكروهاً لقد كنت انتسفت عسكرك انتسافاً أعجلك[/font][font="]فيه عن الروية وقد أبصرت موقع العورة.[/font]
[font="]ولولا أن تعرف هذه المكيدة فتعود بها على غيري من الأتراك لعرَّفتك[/font][font="]موضع الانتشار والخلل والخطأ في عسكرك وتعبيتك.[/font]
[font="]وقد بلغني أنك رجلٌ عاقل وأن لك شرفاً في بيتك وفضلاً في نفسك[/font][font="]وعلماً بدينك وقد أحببت أن أسأل عن شيءٍ من أحكامهم لأعرف به مذهبكم فاخرج إليَّ في[/font][font="]خاصتك لأخرج إليك وحدي وأسائلك عما أحتاج إليه بنفسي.[/font]
[font="]ولا تحتفل ولا تحترس فليس مثلي من غدر وليس مثلي يؤمن من نفسه ومن[/font][font="]مكره وكيده ثم ينكث بوعده.[/font]
[font="]ونحن قومٌ لا نخدع بالعمل ولا نستحسن الخديعة إلا في الحرب ولو[/font][font="]استقام أمر الحرب بغير خديعة لما جوَّزنا ذلك بأنفسنا ".[/font]
[font="]فأبى الجنيد أن يخرج إليه إلا وحده ففصلا من الصفوف.[/font]
[font="]وقال: سل عما أحببت فإن كان عندي جوابٌ أرضاه أجبتك وإلا أشرت[/font][font="]عليك بمن هو أبصر بذلك مني.[/font]
[font="]قال الجنيد: الزاني عندنا رجلان: رجلٌ دفعنا إليه امرأةً تغنيه[/font][font="]عن حرم الناس وتكفه عن حرم الجيران ورجلٌ لم نعطه ذلك ولم نحل بينه وبين أن يفعل[/font][font="]ذلك لنفسه.[/font]
[font="]فأما الذي لا زوجة له فإن نجلده مائة جلدة ونحضر ذلك الجماعة من[/font][font="]الناس لنشهره ونحذره به ونغربه في البلدان لنزيد من شهرته وفي التحذير منه ولينزجر[/font][font="]بذلك كل من كان يهم بمثل عمله.[/font]
[font="]فاما الذي قد أغنيناه فإنا نرجمه بالجندل حتى نقتله.[/font]
[font="]قال: حسن جميلٌ وتدبيرٌ كبير فما قولكم في الذي يقذف عفيفاً[/font][font="]بالزنى قال: يجلد ثمانين جلدة ولا نقبل له شهادةً ولا نصدق له حديثاً.[/font]
[font="]قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير فما حكمكم في السارق قال: السارق[/font][font="]عندنا رجلان: رجلٌ يحتال لما قد أحرزه الناس من أموالهم حتى يأخذها بنقب حيطانهم[/font][font="]وبالتسلق من أعالي دورهم فهذا نقطع يده التي سرق بها ونقب بها واعتمد عليها.[/font]
[font="]ورجلٌ آخر يخيف[/font][font="]السبيل ويقطع الطريق ويكايد على الأموال ويشهر[/font][font="]السلاح فإن منعه صاحب المتاع قتله فهذا نقتله ونصلبه على المناهج والطرق.[/font]
[font="]قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير.[/font]
[font="]قال: فما حكمكم في الغاصب والمستلب قال: كلُّ ما فيه الشبهة[/font][font="]ويجوز فيه الغلط والوجوه كالغصب والاستلاب والجناية والسرقة لما قال: حسنٌ جميلٌ[/font][font="]وتدبيرٌ كبير.[/font]
[font="]قال: فما حكمكم في القاتل وقاطع الأذن والأنف قال: النفس بالنفس[/font][font="]والعين بالعين والأنف بالأنف.[/font]
[font="]وإن قتل رجلاً عشرةٌ قتلناهم.[/font]
[font="]ونقتل القويَّ البدن بالضعيف البدن وكذلك اليد والرِّجل.[/font]
[font="]قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير.[/font]
[font="]قال: فما تقولون في الكذاب والنمام والضراط.[/font]
[font="]قال: عندنا فيهم الإقصاء لهم وإبعادهم وإهانتهم ولا نقبل شهادتهم[/font][font="]ولا نصدق أحكامهم.[/font]
[font="]قال: وليس إلا هذا قال: هذا جوابنا على ديننا.[/font]
[font="]قال له: أما النمام عندي هو الذي يُضرِّب بين الناس فإني أحبسه في[/font][font="]مكانٍ لا يرى فيه أحداً.[/font]
[font="]وأما الضراط فإني أكوي أسته وأعاقب ذلك المكان فيه.[/font]
[font="]وأما الكذاب فإني أقطع الجارح التي بها يكذب كما قطعتم اليد التي[/font][font="]بها يسرق وأما الذي يضحك الناس ويعودهم السخف فإني أخرجه من سلطانه وأصلح بإخراجه[/font][font="]عقول رعيتي.[/font]
[font="]قال: فقال الجنيد بن عبد الرحمن: أنتم قومٌ تردون أحكامكم إلى[/font][font="]جواز العقول وإلى ما يحسن في ظاهر الرأي ونحن قومٌ نتبع الأنبياء ونرى أنْ لم نصلح[/font][font="]على تدبير العباد.[/font]
[font="]وذلك أن الله تعالى أعلم بغيب المصالح وسر الأمروحقائقه ومحصوله[/font][font="]وعواقبه والناس لا يعلمون ولا يرون الحزم إلا قال: ما قلت كلاماً أشرف من هذا[/font][font="]ولقد ألقيت لي في فكراً طويلاً.[/font]
[font="]قال إبراهيم: قال عبد الملك: قال صالح: قال الجنيد: فلم أرى[/font][font="]أوفى ولا أنصف ولا أفهم ولا أذكى منه.[/font]
[font="]ولقد واقفته ثلاث ساعاتٍ من النهار وما تحرك منه شيءٌ إلا لسانه وما[/font][font="]مني شيء لم أحركه.[/font]
[font="]وهكذا يصفون ملوك الترك يزعمون أن ساسان وخاقان الأكبر تواقفا ببعض[/font][font="]الكسور وفصلاً من الصفين وطالت المناجاة فلما انفتلا قالوا: كان خاقان أركن وأدب[/font][font="]وكان مركب كِسرى أركن وأدب ولم يتحرك من خاقان إلا لسانه وكان برذونه يرفع قائمةً[/font][font="]ويضع أخرى وكان مركب كسرى كأنما صبّ صبا وكان كسرى يحرك رأسه ويشير بيده.[/font]
[font="]قالوا: ومن الأعاجيب أن الحارث بن كعب لا يقوم لحزم وحزم لا تقوم[/font][font="]لكندة وكندة لا تقوم للحارث بن كعب.[/font]
[font="]قالوا: ومثل ذلك من الأعاجيب في الحارث: أنّ العرب لا تقوم[/font][font="]للترك والترك لا تقوم للروم والروم لا تقوم للعرب.[/font]
[font="]قال جهم بن صفوان الترمذي: قد عرفنا ما كان بين فارس والترك من[/font][font="]الحرب حتى تزوج كسرى أبرويز خانتون بنت خاقان يستميله بذلك الصهر ويدفع بأسه عنه.[/font]
[font="]وقد عرفنا الحروب التي كانت بين فارس والروم وكيف تساجلوا الظفر[/font][font="]وبأي سببٍ غرس الزيتون بالمدائن وسوسا وبأي سببٍ بنيت الرومية ولم سميت بذلك ولم[/font][font="]بنى كسرى على الخليج قبالة قسطنطينية النواويس وبيوت النار.[/font]
[font="]ولكن متى ظهرت الروم على ترك خرسان ظهوراً موالياً ضربوا بها المثل[/font][font="]إلى آخر دارمسه ومن الأشباه ومن يتخلل هذا النسب.[/font]
[font="]وكانت خانتون بنت خاقان عند أبرويز فولدت له شيرويه.[/font]
[font="]وقد ملك شيرويه بعد أبرويز فتزوج شيرويه مريم بنت قيصر فولدت له[/font][font="]فيروزاشاهى أم يزيد الناقص والوليد.[/font]
[font="]وكان يقول: ولدني أربعة أملاك: كسرى وخاقان وقيصر ومروان.[/font]
[font="]وكان يرتجز في حروبه التي قتل فيها الوليد بن يزيد بن عاتكة: أنا[/font][font="]ابن كسرى وأبي خاقان وقيصرٌ جدي وجدي مروان فلما صار إلى الافتخار في شعره بالنجدة[/font][font="]والثقافة بالحرب لم يفخر إلا بخاقان فقط فقال: فإن كنت أرمى مقبلاً ثم مدبرا[/font][font="]وأطلع من طودٍ زليق على مهر فخاقان جدى فاعرفى ذاك واذكرى أخابيره فى السهل والجبل[/font][font="]الوعر قوله " وأطلع " يريد: وأنزل وهى لغة أهل الشام وأخذوها من نازلة العرب[/font][font="]في أول الدهر.[/font]
[font="]وجعل دابته مهراً لأن ذلك أشد وأشق.[/font]
[font="]وقال الفضل بن العباس بن رزين: أتانا ذات يوم فرسانٌ من الترك فلم[/font][font="]يبق أحد ممن كان خارجاً إلا دخل حصنه وأغلق بابه وأحاطوا بحصن من ذلك الحصون وأبصر[/font][font="]فارسٌ منهم شيخاً يطلع إليهم من فوق فقال له التركي: لئن لم تنزل إلي لأقتلنك[/font][font="]قتلة ما قتلتها أحدا! قال: فنزل إليه وفتح له الباب ودخلوا الحصن واكتسحوا كل[/font][font="]شيء فيه فضحك من نزوله إليه وفتحه له وهو في أحصن موضع وأمنع مكان ثم أقبل به إلى[/font][font="]حصن أنا فيه فقال: اشتروه مني.[/font]
[font="]قلنا: لا حاجة لنا في ذلك.[/font]
[font="]قال: فإني أبيعه بدرهم واحد.[/font]
[font="]فرمينا إليه بدرهم فخلى سبيله ثم أدبر عنا ومضى مع أصحابه فما لبث[/font][font="]إلا قليلاً حتى عاد إلينا فوقف حيث نسمع كلامه فراعنا ذلك فأخرج الدرهم من فمه[/font][font="]وكسره بنصفين.[/font]
[font="]وقال: لا يسوى درهما وهذا غبن فاحش فخذوا هذا النصف وهو على كل[/font][font="]حال غالٍ جداً بالنصف الآخر.[/font]
[font="]قال: فإذا هو أظرف الخلق.[/font]
[font="]قال: وكنا نعرف ذلك الرجل بالجبن وقد كان سمع باحتيال الترك في[/font][font="]دخول المدن وعبور الأنهار في الحروب فتوهم أنه لم يتوعد بفتح الباب.[/font]
[font="]وقال ثمامة: ما شبهت الذر إلا بالترك لأن كل ذرة على حدتها معها[/font][font="]من المعرفة بادخار الطعم ومن الشم والاسترواح ونجب المدّخر حتى لا ينبت في جحره ثم[/font][font="]الاحتيال للناس في الاحتيال لها بالصمامة والعفاص والمزدجر وتعليق الطعام على[/font][font="]الأوتاد والبرادات مثل الذرّ مع صاحبتها.[/font]
[font="]وقال أبو موسى الأشعرىّ: كل جنسٍ يحتاج إلى أمير ورئيس ومدبر حتى[/font][font="]الذّرّ.[/font]
[font="]وروى أبو عمر الضرير أن رئيس الذّرّ الرائد الذي يخرج أولاً لشيءٍ[/font][font="]قد شمه دون أصحابه لخصوصيةٍ خصه الله تعالى بها ولطافة الحس فإذا حاول حمله وتعاطى[/font][font="]نقله وأعجزه ذلك بعد أن يبلى عذرا أتاهن فأخبرهنَّ فرجع وخرجت بعده كأنها خيطٌ أسود[/font][font="]ممدود.[/font]
[font="]وليست ذرةٌ أبداً تستقبل ذرةً أخرى إلا واقفتها وسارتها بشىءٍ ثم[/font][font="]انصرفت عنها.[/font]
[font="]وكذلك الأتراك كل واحدٍ منهم غير عاجزٍ عن معرفة مصلحة أمره إلا أنّ[/font][font="]التفاضل واجبٌ في جميع أصناف الأشياء والنبات والموات.[/font]
[font="]وقد تختلف الجواهر وكلها كريم وتتفاضل العتاق وكلها جواد.[/font]
[font="]وقد قلنا في مناقب جميع الأصناف بجمل ما انتهى إلينا وبلغه علمنا[/font][font="]فإن وقع ذلك بالموافقة فبتوفيق الله وصنعه وإن قصر دون ذلك فالذي قصر بنا نقصان[/font][font="]علمنا وقلة حفظنا وسماعنا.[/font]
[font="]فأما حسن النِّيَّة والذي نضمر من المحبة والاجتهاد في القربة فإنا[/font][font="]لا نرجع في ذلك إلى أنفسنا بلائمة.[/font]
[font="]وبين التقصير من جهة التفريط والتضييع وبين التقصير من جهة العجز[/font][font="]وضعف العزم ولو كان هذا الكتاب من كتب المناقضات وكتب المسائل والجوابات وكان كل[/font][font="]صنفٍ من الأصناف يريد الاستقصاء على صاحبه ويكون غايته إظهار فضل نفسه وإن لم يصل[/font][font="]إلى ذلك إلا بإظهار نقص أخيه ووليه لكان كتاباً كبيراً كثير الورق عظيماً ولكان[/font][font="]العدد الذي يقضون لمؤلفه بالعلم والاتساع في المعرفة أكثر وأظهر ولكنا رأينا أن[/font][font="]القليل الذي يُجمع خيرٌ من الكثير الذي يفرِّق.[/font]
[font="]ونحن نعوذ بالله من هذا المذهب ونسأله العون والتسديد إنه سميعٌ[/font][font="]قريبٌ فعال لما يريد.[/font]
[font="]تم الكتاب ولله المنة وبيده الحول والقوة والله الموفق للصواب.[/font]
[font="]والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله الطيبين الطاهرين[/font][font="] وسلامه وهو حسبنا ونعم الوكيل.[/font]
التعديل الأخير: