شبهات حول التاريخ العثماني
بقلم الشيخ /ياسر مصطفى يوسف .
بقلم الشيخ /ياسر مصطفى يوسف .
مقدمة :
على الرغم من كل ما يقال حول الدولة العثمانية إلا أنها لعبت دوراً هاماً في حقبة من التاريخ ، وتاريخها هو ضمن تاريخنا سواء قبلنا بذلك أو رفضنا ، وقبل ذلك فهو جزء محسوب على التاريخ الإسلامي ككل .
ويكفي العثمانيين فخراً أنهم فتحوا القسطنطينية عاصمةَ الروم البيزنطيين ، بعد أن استعصت سنين طويلة على جيوش المسلمين ، فبهم وفيهم تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ، فيما رواه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه عن عبدالله بن بشرٍ الخثعمي عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لتفتحن القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش ) قال فدعاني مسلمةُ بن عبد الملك فسألني فحدثته فغزا القسطنطينية. قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وعلق عليه الذهبي في التلخيص فقال : صحيح.
لكنه وللأسفِ لم يُكتب تاريخ العثمانيين بأمانة ، ولم يسطر بصدق ، إذ لم يتورع المؤرخون الأوربيون واليهودُ والنصارى والعلمانيون الحاقدون عن الهجوم على تاريخ الدولة العثمانية ، فاستخدموا أساليب الطعن والتشويه والتشكيك فيما قام به العثمانيون من خدمة للعقيدة والإسلام، وسار على هذا النهج الباطل أغلب المؤرخين العرب بشتى انتماءاتهم واتجاهاتهم القوميةِ والعلمانيةِ.
وكذلك المؤرخون الأتراكُ الذين تأثروا بالتوجه العلماني الذي تزعمه مصطفى كمال أتاتورك، فكان من الطبيعي أن يقوموا بإدانة فترة الخلافة العثمانية ، فوجدوا فيما كتبه النصارى واليهود ثروة ضخمة لدعم تحولهم القومي العلماني في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى.
واليوم تجد بعض الشباب ـ ومنهم المثقف ـ يصمُ العثمانيين بكل تأخر وتخلف ، بل ويرد سبب تراجع المسلمين عامة والعرب خاصة إلى حكم العثمانيين للبلاد ، ويشتط بعضهم في تفكيره أكثر ، ويذهب أبعد من هذا فيسمي الخلافة باسم الاحتلال ..... ولعل مرجعَه في هذه التسمية واعتماده في ذلك الحكم الجائر على بعض المصادر المغرضة والكتابات المسمومة ... أو أن تلك لفكرة ارتسمت في ذهنه من خلال متابعته لبعض المسلسلات المرئية التي تشوه صورة العثمانيين من خلال التركيز على أخطائهم الفادحة في عصورهم المتأخرة. دون اعتبار حسناتهم وآثارهم الحميدة.
شرعية الحكم العثماني :
ـ بعد تنامي قوة بني عثمان و بروز نجمهم في سماء العالم الإسلامي...أرسل السلطان العثماني ( بايزيد الأول) في سنة ( 797 هجري = 1394ميلادي ) هدايا وتحفًاً إلى الخليفة العباسي في مصر " المتوكل على الله " طالبًا منه تفويضًا شرعيًا بالسلطنة.. فبعث له الخليفة بذلك.
ـ وبعد انتصار السلطان سليم الأول في معركة مرج دابق على المماليك خطب له في أول صلاة جمعة صلاها في حلب باعتباره خليفة للمسلمين وسُكَّت العملة باسمه.
ـ دخلت طلائع الجيش العثماني مدينة القاهرة بعد أن هزموا المماليك في معركة الريدانية الهائلة في (29 - ذو الحجة 922هـجري = 23 - يناير 1517ميلادي ) تحت قيادة " طومان باي ".. وفي يوم الاثنين الموافق (3 – محرم - 923هـجري = 26 - يناير 1517ميلادي ) دخل سليم الأول مدينة القاهرة في موكب حافل، يتقدمه الخليفة العباسي والقضاة.
ـ تنازل الخليفة العباسي ( آخر الخلفاء العباسيين في مصر) عن الخلافة لبني عثمان في مراسم جرت في مسجد " آيا صوفيا " بعد عودته مع السلطان سليم الأول إلى استانبول. و في جامع أبي أيوب الأنصاري قلده السيف، وألبسه الخُلعة.
ـ أصبحت الدولة العثمانية منذ ذاك التاريخ هي مركز الثقل في العالم، وأصبح سلطانها هو خليفة المسلمين لا ينازعه في هذا اللقب أحد.(صلاح عبدالعـزيز/ جنيف ـ سويسرا).
جيش الانكشارية :
عندما تولى السلطان 'أورخان بن عثمان' الحكم في الدولة العثمانية عمد إلى تأسيس جيش إسلامي جديد ، وأدخل نظامًا جديدًا للجيش العثماني عرف بالانكشارية, وكان هذا الجيش الجديد هو رأس الحربة الشديد في كل الفتوحات الإسلامية، وكانت له أيادٍ بيضاء على الجبهة الأوربية خصوصًا, ولقد زعم معظم المؤرخين الأوروبيين أن جيش الانكشارية هذا قد تكوّن من خلال ما يعرف بنظام 'الدقشرية' وقد زعموا أن هذا النظام مستقى من شرع الله وأطلق عليه اسم 'ضريبة الغلمان' وقد قالوا عن هذه الضريبة أنها تبيح للمسلمين انتزاع خُمس عدد أطفال وغلمان أي مدينة نصرانية يفتحونها باعتبارهم خُمس الغنائم، التي هي حصة بيت مال المسلمين ، ومن هؤلاء المؤرخين الذين روجوا تلك الأكذوبة والفرية 'كارل بروكلمان' و'جب' و'جيبونز' و'سوموفيل', ومن المؤسف أن هذه الفرية قد نقلها المؤرخون المسلمون دون تبين أو تبصر منهم على الرغم من إخلاص العديد منهم وكفاءتهم المعهودة ومنهم 'محمد فريد وجدي' في كتابه 'الدولة العلية' و'محمد كرد علي' في كتابه 'خطط الشام' والدكتور 'علي حسون' في كتابه 'تاريخ الدولة العثمانية' وغيرهم.
والحق الذي لا مرية فيه أن الانكشارية هؤلاء تكونوا نتيجة أخلاقية واجتماعية لاهتمام العثمانيين بالمشردين واليتامى من أطفال النصارى الذين تركتهم الحروب المستمرة بلا أب أو أم أو كلاهما, فلقد كانت هناك أعدادًا هائلة من هؤلاء الأطفال يهيمون على وجوههم في الطرقات في أعقاب الحروب الضخمة بين المسلمين والنصارى ، فاحتضنهم المسلمون العثمانيون وأشرفوا على تربيتهم تربية إسلامية خالصة على الإيمان والجهاد, ولم يجبر هؤلاء على الدخول في الإسلام كما يروج المستشرقون ، كما أن الحقيقة التاريخية الأخرى أن جيش الانكشارية لم يكن مكونًا من أطفال النصارى فقط, بل إن جزءًا كبيرًا منه مكونًا من أبناء المسلمين الذين أرادوا طريق الجندية والجهاد.(مفكرة الإسلام / أغاليط تاريخية شهيرة)