دع عراقــــي ...
فعراقــــي مهلكــــــــه...
بقلم : محمد فؤاد المغازي
على ما يبدو أن عدوان الغرب بمجمل ثقافاته المتوجهة بالعداء إلي منطقتنا العربية تمثل قدرا، وذلك استنادا إلي استمرارية حالة العداء يتوارثها جيل بعد جيل. لا أحد يعرف متى تنتهي ؟ ومتى يقلع الغرب الاستعماري عن ممارسة تلك الهواية الغير انسانية؟ وهل يعقل أن يكون ممارسة القتل فينا كعرب، وإحكام السيطرة بما يضمن استمرار الاستغلال لثروات الأمة ليتحول إلي هواية ومتعة؟
على كل الأحوال إن الطرف الوحيد القادر على وقف كل هذا هو الطرف المتضرر..الطرف المنهوب..الطرف الذي يستباح دمه وكرامته. لقد أصبح واضحا للعرب قبل غيرهم أن تكاليف المقاومة هي أقل بكثير من تكاليف استمرار الاستغلال تحت راية العـَـلـَـمْ الأبيض..ومخدرات شعار السلام.
فالمقاومة في حد ذاتها هي ضمانات الأمن لمستقبل أجيال قادمة..لأنها تمثل حالة من الردع لا ينتهي مفعولها باقتتال محدود الزمن وإنما يظل تذكير قوي العدوان بنتائجها عاملا يجعل الغرب الاستعماري يفكر ألف مرة قبل أن يعاود الكرة، ويذكر كل خائن تعامل مع قوي العدوان والسيطرة بالجزاء الرادع الذي ينتظره...وطبق على رقاب من سبقوه.
إن الأمن واستمرار الحياة الحرة الكريمة العزيزة يتحقق فقط بالاستعداد لدفع تكاليف الحرية.
بالأمس كان العدوان يغطي تقريبا كامل خريطة الوطن العربي، وباندلاع الثورة العربية في عاصمة العرب، وبقيادة جمال عبد الناصر التاريخية..انتفضت المقاومة الباسلة لأمة العرب لتقتلع دولتين من دول الاستعمار الكبري وتهدد وتوقف الزحف الإمبراطوري للثالثة، وتحكم الحصار حول قوي نازية نازحة وزاحفة إلي المنطقة العربية تبحث لنفسها عن نصيب في ثروات أمة العرب.
وفي خضم أجواء الأزمات والحروب تتفاعل الحالة الثورية لتمنح قوي الإبداع كل في مجال تخصصه ليظهر ويقدم أفضل ما عنده من طاقات. فظهر على مسرح المقاومة الثقافية أعمال تجلت في خطوط وألوان فنان مقاتل، وفي أشعار حروفها تماثل طلقات المقاومة، وموسيقي تنطق بالرفض لوجود المستعمر.
وكانت الأناشيد الوطنية والقومية تساهم في اشعال حماس المقاومة الشعبية، فظلت حتى يومنا هذا صورا مشرفة باقية تسجل لحظة النهوض الشامل، لكل قطاعات الأمة باستثناء الجرذان الذين سدت أمامهم سبل الاتجار بالوطن وبالدين. حالة خلقت الانسان المقاوم الرافض لكل شروط الغرب الاستعماري الصهيوني في صورته النازية الجديدة.
وكان من بين تلك الاسهامات الفنية هو ظهور اناشيد المقاومة التي أصبحت تتردد على لسان الصبية والكبار والنساء والرجال. فما زلت اتذكر نشيد الله اكبر، أنا النيل مقبرة للغزاة، لبيك يا علم العروبة، وحكاية شعب، ودع سمائى فسمائى محرقة.
ومع الغزو والعدوان الثلاثيني على العراق ومع صمود المقاومة الباسلة لأبناء الرافدين، المنوط بهم حماية حدود وطنهم العربي في المشرق العربي أعادت لي المقاومة العربية في العراق الصورة التي كانت عليها مصر منذ خمس عقود فعادت أجواء وأصداء ما جري على ضفاف نيلها وتخيلت نفسي أعيش اللحظة، واستمع للريس وهو يلقي خطبة الأزهر، واستمع لأناشيد الثورة يصدح صداها عاليا، فتأكدت بالمعايشة أن ما كنت أشعر به في صبايا تجاه وطني في مصر، هو ما أشعر به بعد مرور سنوات طويلة تجاه وطني في العراق. لم يستطع الزمان أو حالة الانكسار التي تعيشها الأمة أن تؤثر في إيماني بقدرة الانسان العربي على المقاومة في ظل صراع اختلت فيه قدرات وأدوات القتل في يد القاتل، وعزت قدرات المقاومة في يد المقاتل.
اكتشفت وتأكد لي أنني لم أرحل مع الزمن بعيدا ولم اتغرب قيد شعره..ولم يتراجع إيماني بعروبتي وقوميتي مساحة خطوة. لهذا فما أشعر به حيال وطني الحبيب العراق اليوم هو نفس ما كنت أشعر به حيال وطني الحبيب مصر سنة 1956. وأشهد بالحق أنني اليوم ما زلت هذا الصبي الذي رفض العدوان في صباه على أم الدنيا، ويرفضه بنفس الحماس والقوة والنضوج العدوان الثلاثيني على العراق أبو الحضارات رغم تقدم العمر.
وهذا ما دفعني إلي أن أعيد نظم نشيد من أناشيد المقاومة في مصر عام 1956 لأهديه لأهلي المقاومين في العراق وأقول لهم أن يوم النصر اقترب موعد بزوغ فجره..وستشهده المقاومة العربية في العراق، وسيشهده أطفال الشهداء..سيشهدون جميعا ونحن معهم انحسار إمبراطورية القتل والقتلة..وسيسجل التاريخ أن نهايتها كانت على أيدي المقاومة الباسلة في العراق.
وأملي أن تكون قيمة ما أعدت نظمه من جديد أن يجد من الفنانين العرب من يعيد صياغته كنشيد نهديه جميعا للمقاومة العراقية.
[FONT=Arabic Transparent, Traditional Arabic]بقلم : محمد فؤاد المغازي [/FONT]
[/FONT]
التعديل الأخير: