“العسكر بين قداسة الحماية وجدلية السلطة: قراءة في النظرة المعاصرة بقلم اللواء الركن محمد الخضيري الجميلي

محمد الجميلي

عضو جديد
إنضم
5 مارس 2025
المشاركات
83
التفاعل
90 2 0
الدولة
Egypt
“العسكر بين قداسة الحماية وجدلية السلطة: قراءة في النظرة المعاصرة”

١. المقدمة

العسكر في الوعي العربي ليسوا مجرد قوة نظامية تحمل السلاح، بل هم مؤسسة متجذرة في وجدان الشعوب، تارةً كرمز للتضحية والانضباط، وتارةً كأداة للسلطة والهيمنة. هذا التناقض في النظرة يعكس تعقيدات التاريخ السياسي والاجتماعي للدول العربية، حيث بقي الجيش حاضرًا في معادلة بناء الدولة، وحماية الحدود، وصناعة القرار.

٢. العسكر كحماة للوطن

أ. تُنظر الجيوش العربية باعتبارها الدرع الواقية في مواجهة العدوان الخارجي والإرهاب الداخلي.

ب. لدى الشعوب التي مرت بحروب دامية أو تهديدات أمنية، تعززت صورة الجندي كبطل شعبي يقدّم روحه في سبيل بقاء الدولة.

ج. الانضباط، الالتزام، التضحية، والانصهار في الهوية الوطنية؛ جميعها عناصر عززت النظرة الإيجابية للعسكر.

٣. العسكر والسياسة: جدلية مستمرة

أ. التدخل في الحكم عبر الانقلابات أو دعم الأنظمة الاستبدادية أوجد شريحة ناقدة ترى في الجيش خصمًا للديمقراطية.

ب. في بعض التجارب، تحوّل الجيش إلى لاعب اقتصادي واجتماعي، ما خلق حالة من التداخل بين السلطة العسكرية ومصالح المجتمع المدني.

ج. النتيجة: نظرة مزدوجة تجمع بين الاحترام لدوره الأمني والتحفظ على هيمنته السياسية.

٤. العسكر بين المهنية والدولة المدنية

أ. تسعى بعض الدول العربية إلى بناء جيوش محترفة تركز على واجباتها الدفاعية بعيدًا عن الصراع السياسي.

ب. التحولات الجيوسياسية، وضغط الشارع العربي، دفعت باتجاه إعادة تعريف دور المؤسسة العسكرية ضمن إطار مدني متوازن.

ج. الرهان المستقبلي هو تحويل الجيوش إلى مؤسسات مهنية صلبة، تضمن الأمن دون أن تصادر السياسة.
٥. انعكاسات الأزمات والصراعات

أ. الانقسامات الطائفية والحروب الأهلية شوهت صورة الجيوش في بعض البلدان، حيث غدت طرفًا في النزاع بدل أن تكون مظلة جامعة.

ب. في المقابل، إعادة الاستقرار في بلدان أخرى أعاد للجيش مكانته كحامٍ للوحدة الوطنية.

ج. هذا التناقض رسّخ فكرة أن مكانة الجيش تقاس بقدرته على البقاء “جيشًا للوطن” لا “جيشًا للنظام”.

٦. الدروس المستخلصة

أ. قوة الدولة لا تنفصل عن قوة جيشها، لكن مهنية العسكر مرهونة بمدى حيادهم عن السياسة.

ب. حماية الحدود لا تقل أهمية عن حماية الدستور، فالجيش مؤسسة وطنية لا ينبغي أن تختزل في السلطة.

ج. المستقبل العربي يحتاج جيشًا قويًا، محترفًا، وحاميًا للشرعية، لا بديلاً عنها.

٧. الخاتمة

النظرة إلى العسكر في العالم العربي ستبقى جدلية بين الاحترام لدورهم الحامي والانتقاد لتغولهم في السياسة. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر يكمن في إيجاد صيغة تجعل الجيوش حصنًا للوطن ومؤسسة مهنية تحافظ على الاستقرار دون أن تتجاوز على مدنية الدولة

بقلم اللواء الركن محمد الخضيري الجميلي
 
عودة
أعلى