حصار ميافارقين

الحاج سليمان 

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
5 سبتمبر 2007
المشاركات
7,817
التفاعل
21,742 301 38
الدولة
Algeria
الامير الأيوبي الذي قَطَّع هولاكو لحمه حياً وأطعمه منه:

هو الأمير "الكامل محمد الأيوبي" - رحمه الله - أمير منطقة "ميافارقين" التي تقع في تركيا ، كانت جيوشه تسيطر على شرق تركيا ، بالإضافة إلى الشمال الغربي من العراق ، وعلى الشمال الشرقي من سوريا...و كان محبوبا من رعيته عادل السيرة فيهم ، يقول الذهبي فيه : «كان شابًّا، عاقلاً، شجاعًا، مهيبًا، محسنًا إلى رعيته، مجاهدًا، غازيًا، دينًا، تقيًّا، حميد الطريقة»

في العام 1258م سقطت بغداد في يد هولاكو وكان ما كان من قصة بغداد مع هذا المغولي الشرس . و بعد بغداد بدأ هولاكو يتقدم بإتجاه بلاد الشام ، فكان الامير الكامل أول من صمد أمامه ، وأعلن الجهاد ، رغم تخاذل من حوله ، وبعثهم الهدايا والأموال طلبا لرضاء هولاكو وتأمينا لمناصبهم ومراكزهم ، فصمد الكامل صمودا أسطوريا ، ملأ هولاكو عليه غضبا وغيظا وحقدا .

لقد بدأ هولاكو بالطرق السهلة وغير المكلفة، وحاول إرهاب "الكامل" وإقناعه بالتخلي عن فكرة الجهاد "الطائشة"، فأرسل إليه رسولاً يدعوه فيه إلى التسليم غير المشروط، وإلى الدخول في زمرة غيره من الأمراء المسلمين..

وكان هولاكو ذكياً جداً في اختيار الرسول، فهو لم يرسل رسولاً تترياً، إنما أرسل رسولاً عربياً نصرانياً اسمه "قسيس يعقوبي"؛ فهذا الرسول من ناحية يستطيع التفاهم مع الكامل محمد بلغته، وهو من ناحية أخرى نصراني، وذلك حتى يلفت نظر الكامل محمد إلى أن النصارى يتعاونون مع التتار، وهذا له بعد استراتيجي هام؛ لأنك لو نظرت إلى الموقع الجغرافي لإمارة ميافارقين في شرق تركيا لرأيت أن حدودها الشرقية تكون مع مملكة أرمينيا النصرانية والمتحالفة مع التتار، وحدودها الشمالية الشرقية مع مملكة الكرج (جورجيا) النصرانية والمتحالفة أيضاً مع التتار و من الغرب إمارات السلاجقة العميلة للتتار و من الجنوب الغربي إمارة حلب العميلة للتتار ..وهكذا أصبح الكامل محمد الأيوبي كالجزيرة الصغيرة المؤمنة في وسط خضم هائل من المنافقين والمشركين والعملاء

ومع أن الأعراف تقتضي أن لا يقتل الرسل إلا أن الكامل قام بقتل رسول هولاكو النصراني ليكون بمثابة الإعلان الرسمي للحرب على هولاكو، وكنوع من شفاء الصدور للمسلمين انتقاماً من ذبح مليون مسلم في بغداد ، و قال: ما لهم عندي إلا السيف.

واهتم هولاكو بالموضوع جداً ؛ فهذه أول صحوة في المنطقة، و جهز بسرعة جيشاً كبيراً وضع على رأسه ابنه أشموط وتوجه الجيش إلى ميافارقين فحاصرها بعد أن فتح له أمير الموصل العميل أرضه للمرور وكما هو متوقع جاءت جيوش مملكتي أرمينيا و جورجيا لتحاصر ميافارقين من الناحية الشرقية، وصمدت المدينة الباسلة، وظهرت فيها مقاومة ضارية، وقام الأمير الكامل محمد في شجاعة نادرة يشجع شعبه على الثبات والجهاد ، وكان الكامل يبرز إلي التتار بكتائب الفرسان الشجعان ويقاتلهم ، ويقتل فيهم و ينكل فهابوه ، وكان الكامل شديد البأس، قوي النفس، فبنى التتار عليهم سورا يحيط بالبلد بأبراج عالية ، ونفدت الاقوات في المدينة ، حتى كان الرجل يموت فيؤكل ، و أكل الناس القطط و الكلاب و الجرذان

كان من المفروض في هذا الحصار البشع الذي ضرب على ميافارقين أن يأتيها المدد من الإمارات الإسلامية الملاصقة .. لكن هذا لم يحدث.. لم تتسرب إليها أي أسلحة ولا أطعمة ولا أدوية.. لقد احترم الأمراء المسلمون النظام الدولي الجديد الذي فرضته القوة الأولى في العالم التتار على إخوانهم المسلمين..والواقع العجيب يكمن من رد فعل الشعوب فإذا كان الحكام على هذه الصورة الوضيعة من الأخلاق، فلماذا سكتت الشعوب .

بعد الحصار البشع الذي دام عام و نصف عام ! .سقطت مدينة ميافارقين تحت أقدام التتار ، ثمانية عشر شهراً والناصر والأشرف والمغيث وغيرهم من الأسماء الضخمة يراقبون الموقف ولا يتحركون!

اشترك مع الكامل جميع أهل البلد في جهاد عظيم حتى قاتلت معه النساء إلى أن فنوا جميعا رحم الله أولئك الأبطال و فنى جُند المسلمين من كثرة القتال، واشتداد النزال و مات الباقي من الجوع ، فخرج إلي التتار مملوك للكامل خائن و أخبرهم بحال البلد ، فما صدقوه ، ثم قربوا من السور وبقوا أياما لا يجسرون على الهجوم ، فرمى إليهم مملوك الكامل حبالا ، فطلعوا إلى السور فبقوا أسبوعا لا يجسرون على الهجوم خوفا من المسلمين و إعتقد بعضهم أنه فخ ، ثم تشجعوا و دخلوا المدينة واستبيحت حرماتها تماماً ، و قتل السفاح اشموط ابن هولاكو كل سكانها و إستباح نساءها ، وحرَّق ديارها ، ودمرها تدميراً..

و دخلت التتار قصر الأمير الكامل محمد رحمه الله وأمنوه ، و احتفظ اشموط ابن هولاكو به حياً ليزيد من عذابه ، وذهب به إلى أبيه هولاكو ، فإذا هولاكو يشرب الخمر، فناول الكامل كأسا فأبى، وقال: هذا حرام، فقال لامرأته: ناوليه أنت، فناولته فأبي، وشتم وبصق في وجه هولاكو .

فاستجمع هولاكو كل شره في الانتقام من الأمير البطل الكامل ، فأمسك به وقيده، ثم أخذ يقطع أطرافه وهو حي ، بل إنه أجبره أن يأكل من لحمه!!.. وظل به على هذا التعذيب البشع إلى أن أذن الله عز وجل للروح المجاهدة أن تصعد إلى بارئها..

قتل البطل الأمير الكامل محمد الأيوبي، والذي كان بمثابة شمعة مضيئة في عالم من الظلام، وقطع السفاح هولاكو رأسه، وأمر أن يطاف برأسه في كل بلاد الشام، وذلك ليكون عبرة لكل المسلمين، وانتهى المطاف بالرأس بعد ذلك إلى دمشق، حيث عُلِّقَ فترةً على أحد أبواب دمشق، وهو باب الفراديس فلم يزل معلقاً في شبكة الى أن عادت دمشق إلى المسلمين و دخلها المماليك و على راسهم قطز ، فانتهى به المقام أن دفن في أحد المساجد ، والذي عُرِفَ بعد ذلك بمسجد الرأس..
 
عودة
أعلى