في العصر الحديث أصبح التسلح أحد أبرز أدوات القوة والردع للدول ولكن ليس كل تسلح يُترجم تلقائيًا إلى قوة حقيقية
هناك فرق كبير بين امتلاك المعدات العسكرية وبين القدرة الفعلية على استخدامها بكفاءة ضمن منظومة متكاملة
وبعد الأحداث الأخيرة اتضح للجميع من قادر على استخدام منظوماته بكفاءة ومن يقف حائراً في تشغيلها
ومن هذا الباب يبرز مفهوم "التسليح المنقوص" ووهم القوة خاصة حين يُسوق البعض للصفقات العسكرية
بناءً على السعر الأرخص دون التحقق من كفاءة ومحتوى الصفقة الفعلي فقد تبدو الصفقة على الورق جذابة
"اشترينا مقاتلات حديثة بـ5 مليارات دولار فقط!"
لكنها قد تفتقد لأهم عناصر بناء القوة الحقيقية في المقابل صفقة أخرى بقيمة 10 مليارات قد تبدو "باهظة"
لكنها تتضمن التوطين ، التدريب ، التسليح الكامل ، والجاهزية القتالية المستدامة . إذًا ، السؤال الحقيقي
ليس: كم دفعت؟ بل : على ماذا حصلت؟
⍢ أولًا : ما هو التسليح المنقوص؟
التسليح المنقوص هو امتلاك معدات عسكرية مثل الطائرات ، الدبابات ، أو أنظمة الدفاع
دون أن يصاحبها الدعم التشغيلي الكامل الذي يضمن فعاليتها القتالية
من الأمثلة الشائعة :
شراء مقاتلة مثل رافال أو يوروفايتر بدون صواريخ بعيدة المدى مثل الميتور أو دون خوذة موجهة.
امتلاك دبابات حديثة بدون نظام دعم لوجستي محلي لصيانتها أو إصلاحها او دون تقنيات تجعلها ذات فعالية.
شراء أنظمة دفاع جوي بمخزون هزيل من الصواريخ الدفاعية أو دون بناء شبكة متكاملة لتشغيلها بكفاءة.
مثل هذه الصفقات تمنح صورة سطحية للقوة لكنها في الواقع لا تصمد في ميدان القتال وتفشل في تحقيق الردع.
⍢ ثانيًا : بناء "القوة الوهمية"
تحدث القوة الوهمية عندما:
تركز الدول أو القيادات السياسية على "الصورة" الإعلامية بدلاً من بناء قدرة حقيقية
تُضخم إنجازات التسلح بناءً على عدد الطائرات أو قيمة الصفقة فقط
يُهمش عنصر الجاهزية والاستدامة (مثل الذخيرة، قطع الغيار، الصيانة، التدريب).
تُغفل أهمية التكامل بين فروع القوات المسلحة (القوات الجوية ، البرية ، البحرية ، الصاروخية , السيبرانية).
النتيجة:
دولة تبدو قوية في الإعلام والعروض العسكرية لكنها هشة ومكشوفة عند أول اختبار حقيقي.
⍢ ثالثًا : وهم صفقات "السعر الأرخص"
أحد أكثر المغالطات خطورة في مجال التسلح هو تقديم الصفقة الناقصة على أنها "إنجاز" لأنها أقل تكلفة.
يُقال: "اشترينا صفقة مقاتلات متطورة بـ3 مليارات فقط!" بينما دولة أخرى دفعت 10 مليارات لصفقة مشابهة
لكن الفارق الحقيقي يكون كمثال:
البند | صفقة بـ5 مليار (منقوصة) | صفقة بـ10 مليار (متكاملة) |
---|---|---|
عدد الطائرات | 30 طائرة | 30 طائرة |
الذخيرة والصواريخ | كميات رمزية أو غير مشمولة | مخزون ذخيرة كامل يشمل صواريخ جو-جو، جو-أرض، ذكية وبعيدة |
التدريب | أساسي ومحدود | تدريب شامل وعملي للطيارين والفنيين |
الصيانة وقطع الغيار | بدون دعم طويل الأمد | مخزون قطع غيار يكفي لـ10 سنوات |
أنظمة دعم (رادار، حرب إلكترونية) | غير مشمولة أو نسخ منخفضة القدرات | مدمجة ومحدثة |
التوطين ونقل التقنية | لا شيء | نسبة توطين عالية + تجهيز كفاءات وطنية ونقل المعرفة |
البنية التحتية | غائبة | مشمولة (حظائر ، أنظمة قيادة وتحكم ، مشاغل صيانة) |
الاستقلالية التشغيلية | معدومة – اعتماد دائم على الدولة الموردة | مرتفعة – تشغيل محلي وقرارات مستقلة |
من هنا يتضح أن الصفقة الأرخص قد تكون في الحقيقة أكثر كلفة على المدى الطويل
لأنها تؤسس لاعتماد مستمر على الخارج وتكشف هشاشة المنظومة في حال انقطاع الدعم.
⍢ رابعًا: لماذا بعض الدول تقبل بالتسليح المنقوص؟
هناك عدة أسباب:
الاستخدام السياسي والإعلامي للصفقة بهدف كسب شعبية داخلية أو إثبات حضور دولي.
الضغط المالي بعض الدول تسعى لحل سريع دون خطة استراتيجية طويلة الأمد.
غياب الكفاءات الوطنية التي تضع شروطًا دقيقة للصفقات.
عدم وجود رؤية عسكرية متكاملة تربط بين السلاح والجاهزية والتكامل بين الأفرع.
⍢ خامسًا: متى تكون الصفقة العسكرية ناجحة؟
الصفقة العسكرية الناجحة لا تُقاس بالسعر فقط بل بقدرتها على تحقيق الجاهزية القتالية الفعلية والاستدامة التشغيلية.
ومن أبرز معايير النجاح:
التسليح الكامل والشامل.
تدريب وتطوير كوادر وطنية.
التوطين ونقل المعرفة التقنية.
ضمان وجود مخزون استراتيجي من الذخائر وقطع الغيار.
التكامل مع بقية الأفرع العسكرية (رادارات، استخبارات، اتصالات).
إمكانية التحديث المستقبلي والاستقلال في القرار التشغيلي.
⍢ سادسًا : توصيات استراتيجية
∷ لمنع الوقوع في فخ التسليح المنقوص والقوة الوهمية يجب على صناع القرار العسكري :
∷ رفض الصفقات المنقوصة مهما بدا سعرها جذابًا.
∷ ربط كل صفقة عسكرية بمشروع توطين وتدريب وبنية تحتية.
∷ اعتماد تقييم شامل طويل المدى يشمل الكلفة التشغيلية والدعم اللوجستي.
∷ إشراك خبراء وطنيين عسكريين وتقنيين مستقلين في صياغة العقود.
∷ الشفافية مع الشعب بشأن الصفقات فالقوة الحقيقية لا تُبنى بالشعارات بل بالجاهزية.

في عالم معقد ومتغير لا يكفي أن تشتري السلاح بل يجب أن تعرف كيف تستخدمه وتحافظ على تشغيله بكفاءة
التسليح المنقوص لا يصنع قوة بل يبني وهمًا خطيرًا قد ينهار عند أول مواجهة , لذلك فإن الحكمة في الصفقات
ليست في الشراء الأرخص ، بل في الاستثمار الأذكى نحو بناء قوة حقيقية ، رادعة ، ومستقلة.