الذكاء الاصطناعي في المؤسسة العسكرية من منظور اللواء الركن محمد الخضيري الجميلي

محمد الجميلي

عضو جديد
إنضم
5 مارس 2025
المشاركات
95
التفاعل
99 2 0
الدولة
Egypt
الذكاء الاصطناعي في المؤسسة العسكرية
من مطور اللواء الركن محمد الخضيري الجميلي
١. المقدمة
يشكّل الذكاء الاصطناعي اليوم أحد أهم التحولات المفصلية في بنية القوة العسكرية المعاصرة. فالمعارك الحديثة لم تعد تُحسم فقط بكمية النيران أو عدد القوات، بل بقدرة الجيوش على استخدام المعرفة والتقنية في إدارة الميدان واتخاذ القرار في الزمن الحرج.
لقد انتقل الصراع من ميدان الحديد والنار إلى ميدان المعلومات والخوارزميات، حيث أصبحت أنظمة الذكاء الاصطناعي الركيزة الأساسية في القيادة والسيطرة، والاستخبارات، والدفاع السيبراني، والتخطيط العملياتي، مما جعلها عنصراً حاسماً في بناء القوات المسلحة الحديثة.
٢. مفهوم الذكاء الاصطناعي العسكري
أ. التعريف:
الذكاء الاصطناعي العسكري هو توظيف الأنظمة الحاسوبية الذكية في تحليل المعلومات واتخاذ القرار وتنفيذ المهام القتالية أو الإدارية بدرجة عالية من الدقة والسرعة تفوق القدرات البشرية التقليدية.

ب. الغاية:
تحقيق التفوق العملياتي والميداني عبر تحويل المعلومة الدقيقة إلى قرار فاعل في أقصر زمن ممكن.
ج. الأسس التقنية:
أولاً. تعلم الآلة (Machine Learning).
ثانيًا. الشبكات العصبية الاصطناعية (Neural Networks).
ثالثًا. تحليل البيانات الضخمة (Big Data).

رابعًا. المحاكاة والواقع الافتراضي (Simulation & VR).

٣. مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسة العسكرية

أ. القيادة والسيطرة C4ISR:
أولاً. إدارة المعركة رقمياً من خلال أنظمة القيادة والسيطرة المتكاملة.
ثانيًا. ربط الوحدات المقاتلة بمراكز القرار عبر شبكات بيانات مشفرة وذات ذكاء ذاتي.
ثالثًا. تحليل الموقف الميداني بصورة فورية واقتراح البدائل الممكنة للقائد.
ب. الاستخبارات والاستطلاع:
أولاً. تحليل الصور الجوية والأقمار الصناعية لاكتشاف التحركات المعادية.
ثانيًا. رصد الأنماط السلوكية للعدو عبر تحليل الاتصالات والموجات.
ثالثًا. دمج المعلومات البشرية والإلكترونية لبناء صورة استخبارية دقيقة.
ج. الدفاع السيبراني:
أولاً. كشف الهجمات الإلكترونية في مراحلها الأولى من خلال خوارزميات المراقبة الذكية.
ثانيًا. تطوير أنظمة ردّ تلقائي للتصدي للاختراقات.
ثالثًا. بناء بنية رقمية عسكرية آمنة تعتمد على التعلم الذاتي في اكتشاف الثغرات.
د. العمليات الميدانية:
أولاً. استخدام الطائرات المسيّرة (UAVs) المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الاستطلاع والهجوم الدقيق.
ثانيًا. تطوير المركبات غير المأهولة (UGVs) لأداء المهام الخطرة في البيئات المعقدة.
ثالثًا. دعم القائد الميداني بخرائط رقمية متغيرة حسب الموقف، مع تحليل فوري للمتغيرات العملياتية.
هـ. اللوجستيات والإدامة:
أولاً. إدارة سلاسل الإمداد آلياً وفق الحاجة الفعلية للوحدات.
ثانيًا. التنبؤ باستهلاك الوقود والذخيرة وقطع الغيار قبل حدوث النقص.
ثالثًا. تنظيم حركة النقل والإسناد باستخدام أنظمة ذاتية التعلم.
٤. أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير الفكر العسكري
أ. تحوّل المفهوم العملياتي:
لم يعد النصر يُقاس بالمسافة المحتلة بل بزمن القرار ودقته.
ب. القيادة الرقمية:
القائد الحديث يقود عبر منظومات معلوماتية قادرة على تحليل الموقف بشكل لحظي، مما يرفع مستوى الوعي العملياتي situational awareness.
ج. إعادة تعريف القوة:
القوة العسكرية اليوم تتكوّن من ثلاثة عناصر متكاملة: الإنسان – التقنية – المعلومة، ويأتي الذكاء الاصطناعي كعنصر يربط الثلاثة في منظومة واحدة.
٥. التحديات المرافقة لاستخدام الذكاء الاصطناعي العسكري
أ. الموثوقية: إمكانية الخطأ في الخوارزميات أو التنبؤ الخاطئ في القرار القتالي.
ب. الأمن المعلوماتي: خطر تسرب البيانات أو اختراق الأنظمة الذكية.
ج. الأخلاقيات العسكرية: حدود استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات المميتة دون تدخل بشري مباشر.
د. الاعتماد المفرط: تراجع مهارات القادة عند فقدان التقنية في بيئة الحرب التقليدية.
٦. متطلبات بناء قوة عسكرية ذكية
أ. القيادة الواعية تكنولوجياً: يجب أن يمتلك القائد المعاصر فهماً عميقاً لآليات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته العسكرية.
ب. التدريب والمحاكاة: بناء مراكز تدريب رقمية تعتمد على المحاكاة الذكية لإعداد الضباط على إدارة المعركة الرقمية.
ج. البحوث العسكرية المتقدمة: تأسيس مراكز بحث متخصصة في الذكاء الاصطناعي الدفاعي.
د. الشراكات الصناعية والعلمية: ربط المؤسسة العسكرية بالجامعات وشركات التقنية الوطنية.
هـ. الأمن السيبراني الوطني: إنشاء منظومات دفاع رقمي سيادي تحمي البيانات العسكرية الحساسة.
٧. آفاق المستقبل العسكري في ظل الذكاء الاصطناعي
أ. الجيش الرقمي المتكامل: حيث تتواصل الوحدات المقاتلة والأنظمة غير المأهولة عبر شبكات ذكاء اصطناعي مركزية.
ب. الحروب الخوارزمية: معارك تُدار بالبيانات والتحليل اللحظي أكثر من الذخيرة والنيران.

ج. الضابط المعزز بالذكاء: قائد يمتلك أدوات تحليل ومساعدة آنية ترفع مستوى دقته وسرعته في اتخاذ القرار.

د. الردع الذكي: حيث تمتلك الدولة قدرات تحليل وتوقع تمنع العدو من المجازفة بالهجوم.

٨. الخاتمة

يمثّل الذكاء الاصطناعي تحولاً استراتيجياً في الفكر العسكري الحديث، فهو لا يستبدل الإنسان بل يعظّم قدرته على السيطرة والتفكير الاستباقي.
إن المؤسسة العسكرية التي تستوعب هذه الثورة التقنية وتُعيد بناء أنظمتها التعليمية والقيادية والإدارية على أسس رقمية ستكون أكثر قدرة على مواجهة تهديدات المستقبل، وأكثر وعياً في استخدام القوة في بعدها العلمي والإنساني معاً.وبذلك، يصبح الذكاء الاصطناعي ليس مجرد سلاح، بل عقيدة جديدة لبناء الجيوش الذكية القادرة على حماية الدولة في في عصر المعرفة.
بقلم اللواء الركن محمد الخضيري الجميلي
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى