السياسة المائية في الجزائر، د. نجيب درويش
علامات التبويب الأساسية
إن الحديث عن سياسة المياه في الجزائر يشكل أولوية قصوى. وهو أمر يثير القلق بشكل متزايد بسبب تغير المناخ المعروف بتنوعه الكبير وعدم انتظامه المكاني والزماني. وبسبب موقعها الجغرافي، تتمتع الجزائر بمناخ جاف وشبه جاف مما يجلب معه مخاطر أعلى من الفيضانات والجفاف، ويؤدي إلى تفاقم الوضع الهش بالفعل الناجم عن ندرة المياه المزمنة التي تواجهها معظم البلدان العربية. ولا شك أن هذا الوضع له تأثير كبير في تشكيل القضايا البيئية والاستدامة في الجزائر، حيث تعتبر المياه العامل الأكثر تقييدًا للنمو. تلعب المياه دورًا حيويًا في التنمية المستدامة للبلاد، ولا يمكن المبالغة في ذلك.
ومن المؤسف أن الوضع المائي الحالي في الجزائر يمكن وصفه بسهولة بأنه هش، حيث انخفض متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المتجددة بنسبة تزيد على 80%، من 1770 متراً مكعباً للفرد (في عام 1955) إلى 332 متراً مكعباً (في عام 2025) (تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية، 2008). وهذه المستويات أدنى كثيراً من مستويات المناطق الرئيسية الأخرى في العالم. ويتفاقم الضغط المائي الحالي الذي تواجهه الجزائر بسبب عدة قيود:
- عدم التوازن بين الاحتياجات والموارد المتاحة: لقد أدى النمو السكاني والتنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية خلال العقدين الماضيين إلى زيادة كبيرة في احتياجات مياه الشرب والصناعة والزراعية؛
- إن احتياجات المياه التي يعبر عنها مختلف المستخدمين تتفوق بشكل ملحوظ على موارد المياه المتاحة والمتجددة؛ وهي حقيقة تخلق صراعات في التعيين وتتطلب في بعض الأحيان اختيارات صعبة؛
- عدم التوازن الجغرافي بين الاحتياجات والموارد: إن التركيز العالي لاحتياجات المياه في الشريط الساحلي (60%) يتطلب إعادة التوزيع، من خلال نقل موارد المياه (بتكلفة باهظة) لموازنة العجز في المناطق الداخلية بما في ذلك كامل منطقة المرتفعات؛
- تلوث المياه الجوفية والموارد السطحية: مياه الصرف الصحي المفتوحة والقدرة الصناعية والزراعية تتجاوز بكثير أنظمة المعالجة، مما يقلل من حجم المياه النظيفة التي يمكن استخدامها؛ على وجه التحديد، في الجزائر، تفيد التقارير أن الصناعة تتخلص من حوالي 200 مليون متر مكعب سنويًا من مياه الصرف الصناعي غير المعالجة في البيئة (البنك الدولي 2009)، مما يخلق اختلالات بيئية كبيرة ظهرت بالفعل في شكل قيود على التنمية المستقبلية؛
- خطر انهيار التنمية المستدامة: بالإضافة إلى التلوث، تظهر مشاكل خطيرة في العينات المأخوذة من المياه الجوفية التي تتجاوز حدود تجديد الموارد الطبيعية وتحتاج إلى السحب من الاحتياطيات غير المتجددة.
علاوة على ذلك، فإن ضعف الموارد المائية الجزائرية يتجلى في:
- سوء التوزيع المكاني وعدم انتظام تدفق المياه من وقت لآخر؛
- تآكل التربة وترسيب الطمي في السدود؛
- الخسائر الناجمة عن شبكات التوزيع القديمة والإدارة غير الكافية؛
- البنية التحتية غير الكافية القائمة، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها البلاد؛
- التكلفة الكبيرة للاستثمارات اللازمة لتعبئة ونقل الموارد المائية؛
- سوء إدارة البنية التحتية القائمة.
وفيما يتصل بظاهرة الجفاف المستمر الذي تعاني منه الجزائر، تجدر الإشارة إلى أن السنة الهيدرولوجية 2001-2002 كانت سنة فارقة في أزمة المياه التي أعطت الدفعة لإعادة تعريف السياسة المائية الوطنية. فخلال هذه السنة بلغت الإمكانات الاستراتيجية لإمدادات المياه أدنى مستوياتها، وأصبحت أكثر أهمية من أي مورد غير تقليدي آخر كان متاحا في هذه الفترة من الأزمة.
وقد دفع هذا الوضع قطاع المياه إلى تنفيذ برنامج يهدف إلى إعطاء الأولوية لطوارئ التزويد بالمياه، خاصة في ولاية الجزائر، وذلك من خلال ربط سدود الغريب وبورومي وبوكردان. كما تقرر إنشاء 21 محطة صغيرة لتحلية مياه البحر على طول الساحل الجزائري، بطاقة إجمالية تبلغ 57 ألف متر مكعب يوميا، وحفر العديد من الآبار في مناطق مختلفة من البلاد.
وقد ألقى هذا البرنامج الطارئ، الذي يتعامل مع الأزمة وانقطاع إمدادات المياه، الضوء على الطبيعة العشوائية للغاية للموارد المائية وأبرز الحاجة إلى استخدام موارد المياه غير التقليدية (تحلية مياه البحر وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة)؛ مما أدى إلى تمديد تنفيذ سياسة قطاعية جديدة للموارد المائية.
وكانت لهذه السياسة التنموية هدفان:
- تأمين إمدادات مياه الشرب؛
- زيادة معدل فرص الأمن الغذائي من خلال صيانة وتوسيع المساحات المروية.
ولضمان الموارد المائية اللازمة، يخطط القطاع العام للمياه لنقل عدد من السدود المائية من المنطقة الساحلية إلى منطقة الأطلس التلي، حيث سيتم نقل الفائض منها إلى المرتفعات. ومن ثم يجب تعويض العجز في المنطقة الساحلية عن طريق تحلية مياه البحر والحفاظ على المياه. ويكتسب هذا الخيار أهمية متزايدة ويعتبر من أكبر الأولويات الحكومية. كما سيتم تعويض العجز المتبقي في منطقة المرتفعات الوسطى عن طريق نقل المياه المحتمل من الصحراء الكبرى (الحوض الجوفي الألباني). وبالمثل، يعتبر إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة أمرًا رائعًا لمصلحة الري والصناعة.
وتؤكد السياسة الجديدة البعد الاستراتيجي والأولوية لقطاع المياه، الذي سيركز على تعبئة الموارد التقليدية وغير التقليدية، وإعادة تأهيل البنية الأساسية القائمة، والإصلاحات المؤسسية والإدارة التنظيمية. ويستند تنفيذ هذه السياسة، من بين تدابير أخرى، إلى تبني سياسة التكلفة وإدخال مشاركة القطاع الخاص.
يعمل الدكتور نجيب درويش كرئيس للفريق البيئي في مركز الأبحاث في تكنولوجيا أشباه الموصلات للطاقة (CRTSE).