لم تسلم الجزاءر من مصاصي الدماء هولاء..... اي خلافه التي تمتص دماء المسلمين هذه !!
حملات الربيع والخريف.. جنود إسطنبول يجرفون حقول الجزائر
لم تنعم الجزائر في ظل الاحتلال العثماني يوما واحدا، بسبب حملات الربيع والخريف التي شنها الوالي التركي لنهب القرى وتجريف الحقول وسرقة الحصاد وجباية الضرائب والإتاوات من قوت الفلاحين، حتى أجبر الولاة العثمانلية وجباة الضرائب المزارعين على هجرة حقولهم وقراهم والارتحال إلى الصحراء، حيث فضلوا حياة البداوة الشاقة على الذل تحت حكم سلاطين إسطنبول.
ضيفة الباي والدنوش
شكل سكان الريف وقت الاحتلال العثماني غالبية الجزائريين بنسبة 95%، وكان معظمهم من القبائل الرعوية التي لم تحظ بأي امتياز من السلطة التركية، وكانت تدفع الضريبة، بينما يتم تكليفها بالأعمال الشاقة عن طريق السخرة، وكانت عيشتهم بالإجمال أسوأ من قبائل الجنوب غير الخاضعة لسلطة الوالي.
يقول الباحث صالح عباد في كتابه "الجزائر خلال الحكم التركي" إن القبائل الرعوية خضعت للسخرة، وسددت رسوما مالية مثل الضيفة والعلفة، فضلا عن الغرامات الثابتة التي كانت تقدم إلى الباي أو المحافظ التي عرفت بـ "ضيفة الباي" و"ضيفة الدنوش"، وكان المحافظ يدفع منها لهدايا الداي أو الوالي العثماني.
أثقل الاحتلال التركي كواهل الجزائريين بالضرائب الزراعية للإنفاق منها على الجهاز الإداري في جميع المقاطعات، ولم تكن تلك الضرائب محددة ولا موحدة، ما جعلها غير عادلة في تقديرها وطرق تحصيلها التي ميزت بين شيوخ العشائر والمتعاونين مع العثمانيين وبين الفلاحين الأجراء المجبرين على السخرة.
في المقابل، خضعت أراضي الوالي والبايات وكبار رجال الدولة لنظام ضريبي خاص، وكان يفرض عليها كراء سنوي محدد عرف بـ "الحكور"، إضافة إلى بعض المطالب العينية إذا جرى تأجير الأرض، ويوظف عليها العشور ورسوم سنوية زهيدة إذا أعطيت أو منحت كإقطاعيات لأصحاب النفوذ والمكانة.
زحف همجي
لجأ الجباة العثمانيون إلى أسلوب القوة العسكرية المعروف بنظام المحلة أو المحال، لإرغام أبناء القبائل في الداخل الجزائري البعيد عن الساحل على سداد الضرائب المرهقة، وكانت حملاتهم تستهدف المزارعين في الحقول في مواسم الحصاد خلال فصلي الخريف والربيع.
والمحال مصطلح عسكري ظهر وانتشر في بلاد المغرب العربي منذ العهد الحفصي، واستمر حتى الاحتلال العثماني، ويقصد به التشكيل العسكري إذا تحرك داخل البلاد وليس خارجها، عبر مجال جغرافي واجتماعي ثابتين وخلال مواسم معينة.
تميزت الحملات بنظام تقليدي متبع لم يحد عنه الحكام لفترة طويلة، وكانت تتألف عادة من قرابة 4 آلاف رجل، وتنطلق في فصلي الربيع والخريف من عواصم الولايات ومراكز الأقاليم لتجوب البوادي والقرى لاستهداف المزارعين الأجراء.
خرجت المحال في الجزائر مرتين في السنة تحت إمرة البايات أو حكام الأقاليم، بواقع محلة في الغرب من مازونة إلى سهل غريس إلى تيارت، ومحلة أخرى في المدية قاصدة سهول عريب وبني سليمان و البرواقية، وتتفرع محلة الشرق في قسنطينة إلى مجموعتين: إحداهما تقصد جهات الهضاب العليا، والأخرى تنطلق إلى نواحي التل والساحل.
نهب الأرياف
عاشت القبائل الرعوية في الجزائر في شقاء دائم بعد إلزامهم بالإنفاق على المغتصب التركي الذي لجأ إلى أساليب وحشية في سرقة المحصول والأموال تحت غطاء الضرائب، حتى عجز المزارعون عن الوفاء بتلك الإتاوات الظالمة، واضطروا في النهاية إلى هجر حقولهم والارتحال إلى الصحراء.
عامل المغتصب التركي ريف الجزائر كما لو كان أرض حرب، وشن عليها غاراته بهدف سلب ونهب الممتلكات، ولم يحاول وضع نظام إداري موحد للبلاد، بل عمل على زيادة الانقسامات وتأجيج الصراع القبلي لضمان سيطرته.
شن الحاكم أحمد المملوك هجوما مسلحا على قبيلة أولاد جلاب في تورغوت عام 1816، واقتلع 200 نخلة وخرب مرافق المدينة لإرغام سكانها على تقديم الرشاوى، ولم تتوقف أعمال التخريب حتى دفع السكان 10 آلاف ريال، فيما نهب الباي إبراهيم بن علي 40 ألف رأس من الغنم في حملته على قبيلة النمامشة عام 1822.
يقول الباحث صالح عباد في كتابه "الجزائر خلال الحكم التركي" إن المحال العثمانية كانت دليلا على وحشية الاحتلال وظلمه للجزائريين، وكانت من أبشع أساليب الحكم التي طبقها الأتراك، حتى أن كلمة المحلة تعني الزحف الهمجي حتى اليوم في الجزائر.
خراب ومجاعات
تراجعت مساحات الحقول أمام الهجمات العثمانية وحملات النهب والسطو المنتظمة وبفضل هجرة المزارعين إلى حياة البدو في الصحراء، ما أدى إلى بوار مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء، وتحولها إلى مراعٍ سيطرت عليها النخب الحاكمة والقبائل الموالية.
تحولت ثلاثة أرباع السهول في مدينة وهران إلى مراعٍ لقطعان قبائل المخزن، وتحول الجزء الأكبر من سهول الشلف ومرتفعات التيطري والسهول العليا التابعة لباي قسنطينة إلى مراعٍ قليلة الزراعات، ولم تعد المساحة الخاضعة للنظام الجبائي للدايات تتجاوز سدس الأراضي المقدرة بـ5 ملايين هكتار في الربع الأول من القرن الـ 19.
كتب الرحالة صالح العنتري في كتابه "فريدة منسية في حال دخول الترك بلد قسنطينة واستيلائهم على أوطانها" عن بؤس الفلاحة في عهد الترك، يقول :"لا تجد في ذلك الزمان ولا في الذي قبله وبعده من يهتم بأمر الزرع أبدا، فقد كانت الحراثة زمن الترك ضعيفة، ولم يرغب الناس فيها".
ضيع الاحتلال العثماني جهود المزارعين في الأشغال العمومية بنظام السخرة، وجاء في تقرير أوروبي أن إيالة الجزائر من أقل الإدارات إنفاقا على المشروعات العامة، بسبب اعتمادها على السخرة، مشيرا إلى تعرض السكان للمجاعات وتراجع المساحات المزروعة ونقص المحاصيل.
ثورات الجزائريين
لم يقف بلد المليون شهيد صامتا أمام النهب التركي، فأطلق الشعب الجزائري صرخته أمام البايات والوالي نفسه، وسقط العديد من المسؤولين العثمانيين صرعى وقتلى في ثورات القبائل مثل حادث مقتل الباي عثمان.
انفجرت المقاومة الباسلة، وتساقط الأتراك واحدا تلو الآخر بفضل فرسان القبائل الرعوية التي تعتمد على فرسانها في تشريد المشاة الأتراك، وحققوا انتصارات مدوية على حساب الفرسان الترك.
وقف الشعب الجزائري بجميع أطيافه أمام الوجود العثماني في كل الثورات بدءا من ثورة ابن الأحرش والثورة التيجانية وغيرهما، وشاركت المرأة في الدفاع عن ممتلكاتها وشرفها أمام المغتصب الذي لم يترك الأرض لأصحابها حتى عندما كان يحتضر وسلمها باليد للاحتلال الفرنسي.
المصادر :
1 - صالح عابد: الجزائر خلال الحكم التركي
2 - خليفة حماش: كشاف وثائق تاريخ الجزائر في العهد العثماني
3 - مولاي بلحميسي: الجزائر من خلال رحلات المغاربة في العهد العثماني
4 - خليفة حماش: الأسرة في مدينة الجزائر خلال العهد العثماني
5 - ناصر الدين سعيدوني: الأوضاع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لولايات المغرب العثمانية
6 - بلخير سعد الله: الأرياف الجزائرية في العهد العثماني 1516 م - 1830 م
7 - حجاب أسماء: الإدارة العثمانية وعلاقتها بقبائل الرعية أواخر العهد العثماني
حملات الربيع والخريف.. جنود إسطنبول يجرفون حقول الجزائر
لم تنعم الجزائر في ظل الاحتلال العثماني يوما واحدا، بسبب حملات الربيع والخريف التي شنها الوالي التركي لنهب القرى وتجريف الحقول وسرقة الحصاد وجباية الضرائب والإتاوات من قوت الفلاحين، حتى أجبر الولاة العثمانلية وجباة الضرائب المزارعين على هجرة حقولهم وقراهم والارتحال إلى الصحراء، حيث فضلوا حياة البداوة الشاقة على الذل تحت حكم سلاطين إسطنبول.
ضيفة الباي والدنوش
شكل سكان الريف وقت الاحتلال العثماني غالبية الجزائريين بنسبة 95%، وكان معظمهم من القبائل الرعوية التي لم تحظ بأي امتياز من السلطة التركية، وكانت تدفع الضريبة، بينما يتم تكليفها بالأعمال الشاقة عن طريق السخرة، وكانت عيشتهم بالإجمال أسوأ من قبائل الجنوب غير الخاضعة لسلطة الوالي.
يقول الباحث صالح عباد في كتابه "الجزائر خلال الحكم التركي" إن القبائل الرعوية خضعت للسخرة، وسددت رسوما مالية مثل الضيفة والعلفة، فضلا عن الغرامات الثابتة التي كانت تقدم إلى الباي أو المحافظ التي عرفت بـ "ضيفة الباي" و"ضيفة الدنوش"، وكان المحافظ يدفع منها لهدايا الداي أو الوالي العثماني.
أثقل الاحتلال التركي كواهل الجزائريين بالضرائب الزراعية للإنفاق منها على الجهاز الإداري في جميع المقاطعات، ولم تكن تلك الضرائب محددة ولا موحدة، ما جعلها غير عادلة في تقديرها وطرق تحصيلها التي ميزت بين شيوخ العشائر والمتعاونين مع العثمانيين وبين الفلاحين الأجراء المجبرين على السخرة.
في المقابل، خضعت أراضي الوالي والبايات وكبار رجال الدولة لنظام ضريبي خاص، وكان يفرض عليها كراء سنوي محدد عرف بـ "الحكور"، إضافة إلى بعض المطالب العينية إذا جرى تأجير الأرض، ويوظف عليها العشور ورسوم سنوية زهيدة إذا أعطيت أو منحت كإقطاعيات لأصحاب النفوذ والمكانة.
زحف همجي
لجأ الجباة العثمانيون إلى أسلوب القوة العسكرية المعروف بنظام المحلة أو المحال، لإرغام أبناء القبائل في الداخل الجزائري البعيد عن الساحل على سداد الضرائب المرهقة، وكانت حملاتهم تستهدف المزارعين في الحقول في مواسم الحصاد خلال فصلي الخريف والربيع.
والمحال مصطلح عسكري ظهر وانتشر في بلاد المغرب العربي منذ العهد الحفصي، واستمر حتى الاحتلال العثماني، ويقصد به التشكيل العسكري إذا تحرك داخل البلاد وليس خارجها، عبر مجال جغرافي واجتماعي ثابتين وخلال مواسم معينة.
تميزت الحملات بنظام تقليدي متبع لم يحد عنه الحكام لفترة طويلة، وكانت تتألف عادة من قرابة 4 آلاف رجل، وتنطلق في فصلي الربيع والخريف من عواصم الولايات ومراكز الأقاليم لتجوب البوادي والقرى لاستهداف المزارعين الأجراء.
خرجت المحال في الجزائر مرتين في السنة تحت إمرة البايات أو حكام الأقاليم، بواقع محلة في الغرب من مازونة إلى سهل غريس إلى تيارت، ومحلة أخرى في المدية قاصدة سهول عريب وبني سليمان و البرواقية، وتتفرع محلة الشرق في قسنطينة إلى مجموعتين: إحداهما تقصد جهات الهضاب العليا، والأخرى تنطلق إلى نواحي التل والساحل.
نهب الأرياف
عاشت القبائل الرعوية في الجزائر في شقاء دائم بعد إلزامهم بالإنفاق على المغتصب التركي الذي لجأ إلى أساليب وحشية في سرقة المحصول والأموال تحت غطاء الضرائب، حتى عجز المزارعون عن الوفاء بتلك الإتاوات الظالمة، واضطروا في النهاية إلى هجر حقولهم والارتحال إلى الصحراء.
عامل المغتصب التركي ريف الجزائر كما لو كان أرض حرب، وشن عليها غاراته بهدف سلب ونهب الممتلكات، ولم يحاول وضع نظام إداري موحد للبلاد، بل عمل على زيادة الانقسامات وتأجيج الصراع القبلي لضمان سيطرته.
شن الحاكم أحمد المملوك هجوما مسلحا على قبيلة أولاد جلاب في تورغوت عام 1816، واقتلع 200 نخلة وخرب مرافق المدينة لإرغام سكانها على تقديم الرشاوى، ولم تتوقف أعمال التخريب حتى دفع السكان 10 آلاف ريال، فيما نهب الباي إبراهيم بن علي 40 ألف رأس من الغنم في حملته على قبيلة النمامشة عام 1822.
يقول الباحث صالح عباد في كتابه "الجزائر خلال الحكم التركي" إن المحال العثمانية كانت دليلا على وحشية الاحتلال وظلمه للجزائريين، وكانت من أبشع أساليب الحكم التي طبقها الأتراك، حتى أن كلمة المحلة تعني الزحف الهمجي حتى اليوم في الجزائر.
خراب ومجاعات
تراجعت مساحات الحقول أمام الهجمات العثمانية وحملات النهب والسطو المنتظمة وبفضل هجرة المزارعين إلى حياة البدو في الصحراء، ما أدى إلى بوار مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء، وتحولها إلى مراعٍ سيطرت عليها النخب الحاكمة والقبائل الموالية.
تحولت ثلاثة أرباع السهول في مدينة وهران إلى مراعٍ لقطعان قبائل المخزن، وتحول الجزء الأكبر من سهول الشلف ومرتفعات التيطري والسهول العليا التابعة لباي قسنطينة إلى مراعٍ قليلة الزراعات، ولم تعد المساحة الخاضعة للنظام الجبائي للدايات تتجاوز سدس الأراضي المقدرة بـ5 ملايين هكتار في الربع الأول من القرن الـ 19.
كتب الرحالة صالح العنتري في كتابه "فريدة منسية في حال دخول الترك بلد قسنطينة واستيلائهم على أوطانها" عن بؤس الفلاحة في عهد الترك، يقول :"لا تجد في ذلك الزمان ولا في الذي قبله وبعده من يهتم بأمر الزرع أبدا، فقد كانت الحراثة زمن الترك ضعيفة، ولم يرغب الناس فيها".
ضيع الاحتلال العثماني جهود المزارعين في الأشغال العمومية بنظام السخرة، وجاء في تقرير أوروبي أن إيالة الجزائر من أقل الإدارات إنفاقا على المشروعات العامة، بسبب اعتمادها على السخرة، مشيرا إلى تعرض السكان للمجاعات وتراجع المساحات المزروعة ونقص المحاصيل.
ثورات الجزائريين
لم يقف بلد المليون شهيد صامتا أمام النهب التركي، فأطلق الشعب الجزائري صرخته أمام البايات والوالي نفسه، وسقط العديد من المسؤولين العثمانيين صرعى وقتلى في ثورات القبائل مثل حادث مقتل الباي عثمان.
انفجرت المقاومة الباسلة، وتساقط الأتراك واحدا تلو الآخر بفضل فرسان القبائل الرعوية التي تعتمد على فرسانها في تشريد المشاة الأتراك، وحققوا انتصارات مدوية على حساب الفرسان الترك.
وقف الشعب الجزائري بجميع أطيافه أمام الوجود العثماني في كل الثورات بدءا من ثورة ابن الأحرش والثورة التيجانية وغيرهما، وشاركت المرأة في الدفاع عن ممتلكاتها وشرفها أمام المغتصب الذي لم يترك الأرض لأصحابها حتى عندما كان يحتضر وسلمها باليد للاحتلال الفرنسي.
المصادر :
1 - صالح عابد: الجزائر خلال الحكم التركي
2 - خليفة حماش: كشاف وثائق تاريخ الجزائر في العهد العثماني
3 - مولاي بلحميسي: الجزائر من خلال رحلات المغاربة في العهد العثماني
4 - خليفة حماش: الأسرة في مدينة الجزائر خلال العهد العثماني
5 - ناصر الدين سعيدوني: الأوضاع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لولايات المغرب العثمانية
6 - بلخير سعد الله: الأرياف الجزائرية في العهد العثماني 1516 م - 1830 م
7 - حجاب أسماء: الإدارة العثمانية وعلاقتها بقبائل الرعية أواخر العهد العثماني