مع أني تركت التعليق في هذه الصفحة، بعد أن تحول أكثر ردودها إلى نقولات مطولة جدا، ليست من نقاش الأعضاء وكتاباتهم، ولا من صلب الموضوع، وبعد أن طفت على السطح معرفات كانت نائمة في المجاهل، واستيقظت لتصف من يكتب شيئا مخالفا لما ترسب في جماجمها من جهل وتخلف، ممتد عبر سنوات من التلقين والحشو، تصفهم بأوصاف غير لائقة... إلا أنه لفت نظري تغريدة نقلها الأستاذ نبيل، لشخص لا يمتلك من العلم ربع ما يمتلكه من الغلو، يمتهن مهمة البحث التاريخي، وهي مهمة سهلة جدا وفق المعايير الحكواتية التي للأسف هي وحدها من يتصدى لقراءة تاريخنا، مهمة لا تكلف نفسا أكثر من النسخ واللصق، بلا بفكر ولا وعي ولا دراسة ولا منهج ولا أي شيء من هذا، فهي ليست أكثر من حمل أسفار ووضعها لا غير.
يقارن هذا المتطفل على التراث بين الدولة العثمانية والدولة الأموية، ويستنتج في النهاية أن الأفضلية هي للدولة التي حررت القسطنطينية! تخيل كمية الجهل الداعي للاستفراغ، والهزالة والتصعلك على العلم، في هذه المقارنة!
الدولة الأموية التي أورثت هذه الجغرافية الضخمة للعالم الإسلامي، كل من جاء بعدها من دول حكمت باسم الإسلام، ومنهم دولة الترك العصملية، التي جاءت تحدو آخر الناسِ، على موائد التاريخ والجغرافيا، التي صنعتها تضحيات المخلصين والأبطال، عبر قرون طويلة.
وكم هو هزلي أن نعقد مقارنة بين تيجان التاريخ العربي والإسلامي الأمويين، وبين ****** العصمليين، وكم هو مزر بالسيف إذا قيل إنه أمضى من العصا!
الدولة العصملية احتلت القسطنطينية عندما كانت دولة بيزنطة تلفظ أنفاسها الأخيرة، في فترة وصل بها الحال إلى الاحتماء ببعض القبائل الجرمانية، ومنها قبائل كييفن روس، التي كثيرا ما كانت تقتحم عاصمتها، عندما تتأخر أخاوتها السنوية!
وفي حروب الدولة الأموية مع بيزنطة، كانت بيزنطة في قمة جبروتها، وكانت تساندها دولة قوية جدا (دولة الخزر)، التي دمر الأمويون عاصمتها القديمة، وطردوها إلى الضفة الأخرى من نهر الفولغا. بعد أن طووا بهمتهم جبال القوقاز، التي أعجزت من كان قبلهم، ومن بعدهم أيضا، فالروس منذ إيفان الرهيب، وحملات كاترينا الثانية، وحتى الآن! لم يستطيعوا السيطرة الكاملة على هذه الجبال، ولكن أساطير بني أمية استطاعوا.
وفي النهاية انتهت دولتهم لا بسبب حروبهم التاريخية الطويلة مع بيزنطة والخزر، وشرق فارس، وما وراء النهرين، ليس بهزيمة خارجية تكسر شموخهم، إنما بدعاية دينية من الداخل، استخدمت لأجل الحكم، وكفرت بكل شعار رفعته بعد ذلك. دعاية دينية سلطت العجم على العرب قديما، وتريد أن تسلطهم اليوم، على يد أناس لا يؤمنون بالدين إلا خادما للسياسة.
ابركوا وتبركوا وتمرغوا للعصملي وتاريخه، واطلبوا الأجر من ذلك ما استطعتم سبيلا، ولكن بدون أن تمسوا تاريخنا وحاضرنا بهذه اللغة الاجتثاثية، أو تحملوا ردات فعلنا، التي بالتأكيد ستكون أقوى بكثير في قادم الأيام.