بوضياف قتله العسكر الذي يتحكم في البلد حاليا ولن تجد.افضل من ابن بوضياف في قول الحقيقة
من قتل الرئيس محمد بوضياف ولصالح من ؟
لو لم يفر أبي الى المغرب، كان سَيُقْتَلُ مباشرة بعد الثورة من طرف أحمد بن بلة، سنة 1964، حيث وقعت مشاكل بينهما داخل السجن بفرنسا. "كان محكومًا عليه بالإعدام" !
للتوضيح: اتصل عبد العزيز بوتفليقة بوالدي داخل السجن بفرنسا مبعوثا من طرف هواري بومدين، حيث عرض عليه هذا الأخير دعمه لإيصاله إلى الرئاسة، غير أن أبي رفض، فيما قبل أحمد بن بلة بالمهمة، ولو رفض حينها، لما وصلنا إلى هذه النتائج الكارثية !
لم يكن أبي يتفق مع سياسة فرنسا، فهو لا يحب الفرنسيين وهم لا يحبونه أيضا، لقد فرّ من عنابة إلى فرنسا ثم إلى المغرب، وأخذ معه أخي الأكبر خير الدين الذي توفي في الثمانينيات. فمسألة الصراعات قديمة !
لقد اختار طنجة، لأن العلاقة كانت جيدة مع المغاربة... تعود إلى مرحلة الثورة.
لم يكن أبي يتفق مع ممارسات السياسيين بعد الاستقلال. في إحدى المرّات؛ روى لي أبي أنّ رابح بيطاط جاء إلى البيت وعرض عليه أن يحضر معهم في أحد الاجتماعات ولكن أبي رفض ذلك، وقال لي: رابح بيطاط يميل حيث تميل الأغلبية !
سنة 1990، اتصلت مجموعة من فرنسا تضمّ بعض الشخصيات، منهم: علي هارون وعمر بوداود... وذهبوا إليه في المغرب، وطلبوا منه أن يعود إلى أرض الجزائر، غير أنه رفض العودة بِحُجّة أنه لا يريد إضافة مشاكل أخرى إلى الجزائر، وأَعْلَمَهم أنه مستعدٌّ للعودة إذا ما احتاجته الجزائر.
سنة 1992، اتصلت بي على الساعة 6 صباحا زوجة علي هارون، وطلبت مني المجيئ إلى بيتهم في أمر مستعجل ! وبما أنّ الأمر على عجل، لم أفكر كثيراً. ذهبت ولم أكن ساعتها أعرف السبب !
كان علي هارون يزعم أنه صديق أبي الحميم، لكنّه طلب مِنِّي أن أتصل بأبي ! فهل يعقل أن لا يحوز هذا الصديق على رقم هاتف والدي ؟
كلّمت أبي ثم مرّرت له الهاتف وتمّت المحادثة أمامي. كان أبي يعتقد أنهم يبحثون عن تصريح، فأخبره علي هارون بأن الأمر يتعلق بشيء أكبر، وأخبره بأنه سيسافر من أجله في أمر جلل... رحَّبَ أبي به وانتهت المكالمة.
طلب مني علي هارون بأن لا أخبر أحدا بالأمر. ذهب هذا الأخير في الغد إلى المغرب، واستُقْبِلَ من طرف أبي، وقد روت لي أختي كل التفاصيل.
قال علي هارون لأبي: لقد أوقفنا الانتخابات وها أنذا جئت إليك في مهمة لأبلِّغَكَ بأن أصحاب القرار يطلبون منك تَوَلِّي الرِّئَاسة، قال له أبي: كان عليكم أن تستكملوا الانتخابات قبل أن تُفَكِّرُوا في هذا الأمر، فأجابه علي هارون: لو لم نوقف الانتخابات، كانت الجزائر ستسير إلى حرب أهلية !
وقال له: ألست أنت الذي قلت يوما: "عندما تحتاجني الجزائر فأنا على أتم الاستعداد للعودة" ؟
فقال أبي: أجلس هنا سأذهب إلى شركتي وفي المساء سنتحادث في الأمر. في هذه الأثناء اتصل والدي برشيد كريم الذي كان معه بالحزب وأخبره بالأمر.
"كان رشيد كريم يعتبر الابن المدلّل بالنسبة لأبي، حيث من كثرة حُبِّهِ له أطلق اسمه على أخي الأصغر". قال له رشيد: "داروها بيديهم يحلّوها بسنيهم" رفض أبي تولي المُهمّة وأخبر علي هارون بذلك.
امتعض علي هارون من جوابه وطلب من زوجة محمد بوضياف "فتيحة" أن تساعده في إقناعه. طلب علي هارون من أبي أن لا يتخذ أي قرار قبل أن يذهب إلى الجزائر ويلتقي بمنظمات المجتمع المدني وبعض أصحاب القرار، فوافق أبي ، ومن ثم زار الجزائر في سرّية والتقى كبار المسؤولين في فيلا عزيزة، من بينهم أمين عام نقابة العمال عبد الحق بن حمودة.
كان أبي يشعر بالخوف من التوجه إلى حرب أهلية، فأقنعه أصحاب القرار بأنّ ذلك لن يحدث. قبل الأمر وعاد إلى المغرب، ومن ثمّ بدأ تحضير نفسه للعودة.
بدأ سوء التفاهم بينه وبين المسؤولين قبل أن يعود إلى الجزائر، عندما أخبرهم بأنه سيتصل بملك المغرب لإخباره بتوليه رئاسة الجزائر.
لما وصل إلى الجزائر كان من المقرّر أن يلقي أول خطاب له على الساعة 8 مساءً، وقد حضّر هذا الخطاب في المغرب، غير أنّه تأخر لمدة ساعتين، والسبب في ذلك يعود إلى أنّ أصحاب القرار حضّروا له خطاباً غير الذي حضّره له طاقمه.
كانت نقطة الخلاف بيه وبين الجنرالات هي عبارة : "أمُدّ يدي إلى كل الجزائريين".
لقد فهم أبي في أوّل يوم له في الحكم الدرس، وتيقّن أن الأمر صعب، فقال لهم: إمّا أن يَمُرّ خطابي أو أعود إلى المغرب. رضخ أصحاب القرار للأمر الواقع.
بعد أن قام أبي بالمعاينة، رفض في أول الأمر أن يتقاضى أجرة في منصب الرئيس، وقام بتغيير بعض الأمور في الرئاسة للتقليل من التبذير. كان يحرص على محاربة الفساد...
كان الجنرالات يعتقدون أنّ أبي سهل المِرَاس، ويستطيعون ترويضه، لقد فهم أنهم أتوا به من أجل إلغاء الجبهة الاسلامية للإنقاذ، وأرادوا استعماله كواجهة للتغطية على جرائمهم. أمَّا هو فقد جاء بعقلية الثورة ومدّ يده للجميع دون استثناء، ما جعلهم يصطدمون بصخر ويعيدون حساباتهم معه.
كنت في العاصمة يوم أن قُتل الرئيس محمد بوضياف، أشتغِلُ مع وزير حقوق الانسان علي هارون، عضو المجلس الأعلى للدولة. وللتوضيح: كنت أشتغل ساعتها في هذا المنصب قبل مجيئ أبي إلى الرئاسة.
بعد عودتي من تناول وجبة الغداء على الساعة الواحدة، دخلت مكتبي، وإذا بي أسمع خبر مقتل أبي الذي نزل علي كالصاعقة !
في البداية لم أستوعب الأمر، وصعدت مباشرة إلى مقرّ الرئاسة ! رأيت زوجة أبي فتيحة تبكي... تأكّدت بأن الأمر لم يعد مجرّد إشاعة !
ذهبتُ إلى أحد أصدقائي وقضيتُ معه اليوم كلّه. كُنْتُ أسأل نفسي: لماذا كانوا يتصلون به ويُقبّلون رجليه ومن ثم غدروا به ؟ ليست في العادة الجزائرية صفة الغدر!
ثلاثة أيام بعدها، مررتُ بالتلفزيون الجزائري أين صرّحت بأن من جاؤوا به هم من قتلوه !
التقيت وزير الدفاع السابق خالد نزار بعد أسبوع في مقرّ الرئاسة، "أين أقاموا تكريما لوالدي". طلب مني مرافقته، واصطحبني معه الى البهو، وفي أحد زواياه سألني قائلا:
سَمِعْتُ بأنك دُعيت للتلفزة وصرّحت بكلام خطير! فأعدته على مسامعه ! استحلفني بالله وطلب مِنِّي أن لا أكرّر هذا الحديث ثانية، ووعدني بكشف الحقيقة كاملةً.
صدر التقرير الأول عن لجنة التحقيق في مقتل أبي، فاتصلتُ به في وزارة الدفاع لأقابِلَهُ حول الموضوع، لكنه لم يجبني، ممّا اضطرني لترك رسالة له عند كاتبه، ومنذ ذلك اليوم لم أتَلَقَّ أيّ ردّ منه.
صدر التقرير الثاني، أين قالوا بأنَّ الفعل صَدَرَ من لمبارك بومعرافي وهو فِعْلٌ معزول، فأعدتُ الاتصال به، لكن منذ ذلك الوقت لم تظهر أية حقيقة !
بعدما تأكدت بأنهم يريدون إخفاء الحقيقة، بدأت في إحراجهم عبر وسائل الإعلام. منذ 2001، وجهت لهم أسئلة عديدة عبر الصّحف، كما وجّهت رسالة مفتوحة إلى خالد نزار، وكذّبْتُ التقرير... ولكن لم أتلق أي ردّ إلى حدّ الآن. فيا ترى لماذا هذا الصمت ؟
نشرت كتابًا بعنوان: " إلى أين تتجه الجزائر" في جوان 2011، أين اتَّهَمْتُهُ صراحةً رُفقة بعض الجنرالات وهم على التوالي: العربي بلخير، اسماعين العماري، ومحمد مدين المدعو توفيق، لأنّهم هم المسؤولون المباشرون على مقتل أبي، لكنه لم يجب إلى حدّ الساعة!
هل من المنطق أن يُقتل رئيس جمهورية ويحاسَبُ شخصٌ واحد على هذا الجرم ؟ فأين مسؤولية الحرس؟ وأين الحماية ؟ وأين المسؤولين الكبار في الدولة الذين هم على علاقة بأبي ؟
لو سألت أيّ جزائري على هذه الفِعلة الشنيعة، فإنّك لا تجد جزائريا واحداً يقول لك بأنّ العملية فعل معزول!
عندما كان جثمان أبي منتصبا في المكان الذي خُصّص له قبل دفنه، كان معظم الجزائريين عند مرور لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه، يدعون له بالرحمة ويبكون، ويصرخون في وجه المسؤولين وقادة الجيش، ويردّدون عبارة " قتلتموه أيّها الحركى قتلتموه أيّها الخونة "!
كانت شعارات الشباب، وهو يُنْقَلُ إلى مثواه الأخير في مقبرة العالية: بوضياف ترك وصية: الشبيبة آتية... أنتم من أتيتم به ... وأنتم من قتلتموه...!
في طريقنا إلى مقبرة العالية، كانت السيارة الأولى مخصّصة لنا، كنتُ أنا وأخي نريد أن نركب، ومن كثرة الازدحام والتدافع لم نتمكّن من ذلك.
كنّا شاهدين على ما يجري، لم تَسْلَمْ سيارة من سيارات المسؤولين من الشّتم والرّكل والبُصَاق وغضب المُشَيِّعِين ! لو كان لدى المسؤولين أدنى أنفة لاستقالوا من مناصبهم جميعًا !
لقد التقيت بالصحفية "نادية كربوة" التي كانت تكتب في جريدة "لوماتان" وقالت لي بالحرف الواحد أنها كانت في الصف الثاني داخل القاعة التي أقيم فيها التجمع بعنابة، وشاهدت بعينِهَا أنَّ قاتل أبي قُتل على الفور... لا شك أنَّهَا تعي ما تقول ؟
من بين الذين وُجّهت لهم أسئلة حول مقتل أبي: رئيس الحكومة الأسبق أحمد غزالي، هذا الأخير، طلبتُ منه أن يكون كشاهدٍ معي في محكمة العدل الدولية، لكنّه فاجأني بردّه في جريدة الشرق الأوسط بأنّ بوتفليقة هو من يحرّكني !
نسي هذا بأن مقتل أبي كان سنة 1992، ومطالبتي بالحقيقة كانت قبل مجيئ بوتفليقة إلى الحكم سنة 1999 ؟
ما أغاضني أكثر قوله: بأنّي أتاجر بدم أبي، وهي سياسة مُنتهجة لتشويهي، ومن ثَمَّ لإسكاتِي. يكفي أنه في الأخير اعترف بأنّه كان حركيا للنظام !
مقتطف من حوار مطول أجريته مع ناصر بوضياف على إذاعة وطني يوم 01 نوفمبر 2011.
كتاب المصالحة الجزائرية، الطبعة الأولى، ديسمبر 2014- نورالدين خبابه