سكر الأحمد ابن "موسكو الصغرى"..
نهاية العميد السبيعني "المرعب" الذي مكّن داعش في الشرق السوري بغارة اميركية
============================
محلي | 2018-02-08 16:10:20
من شدة غموضه لا تتوفر له سوى صورة قديمة من أيام خدمته في الجيش، رغم أن "البغدادي" نفسه له عدة صور
• خدم في مراكز حساسة بالقوات الخاصة، وكان من أحد ألقابه "صدام"
• مصدر خاص يتحدث عن براعة التنظيم في "إماتة" قياديه وتغيير أسمائهم
• "أبو نضال" شخصية جاذبة للروايات، تماما كالمنطقة الشرقية التي ما تزال تحولاتها لغزا عميقا
بينما يلفظ تنظيم "الدولة" أنفاسه على الأرض السورية، وتتلاشى كل هياكله التي أقامها كملح أصابه الماء، جاء نبأ مقتل "العميد سكر الأحمد" ليضع نهاية لرجل غامض و"مرعب" في سيرته، سواء كان على أيام النظام أو التنظيم.
ففي يوم الأربعاء 7 شباط/فبراير الجاري، تمت وللمرة الثانية على الأقل، إذاعة نبأ مقتل "الأحمد" المعروف بلقب "أبو نضال"، الذي تختلف الروايات عن بعض تفاصيل تاريخه مع النظام، لكنها تتفق على دوره مع التنظيم، وعلى كونه الرقم الصعب الذي أسهم في تمدد رجال "البغدادي" في دير الزور وعموم المنطقة الشرقية وسيطرتهم عليها، قبل أن ينهاروا بشكل شبه كلي.
وقد قتل "الأحمد" (68 عاما) نتيجة غارة شنها طيران حربي (يعتقد أنه تابع للتحالف الذي تقوده واشنطن)، حيث استهدفت المنزل الذي كان يقيم فيه بالبوكمال.
وعلى أي حال فإن نبأ مقتل "الأحمد" يبدو هذه المرة صحيحا ومؤكدا، عكس النبأ الذي أذيع أواخر آب/أغسطس 2014، ونقلته وسائل إعلام النظام، بل إن "المرصد السوري" الذي يعد مصدرا موثوقا لكثير من وسائل الإعلام حول العالم، ساهم حينها في تعزيز الرواية مؤكدا وقوع قصف من طيران النظام على منزل "الأحمد" في "موحسن" بدير الزور، ما أدى إلى مقتل 6 قياديين في التنظيم.
وعلى هذا الأساس تم اعتبار "الأحمد" ميتاً؛ لينجح التنظيم في إبعاده عن الأنظار وعن خطر الملاحقة من مختلف الجهات، كم فعل من قبل مع قياديين مؤثرين، وقد كان "الأحمد" على رأس هؤلاء في المنطقة الشرقية وعموم سوريا، كما سيتضح من سيرته التي سنعرض جزءا منها.
وهنا وقبل الولوج إلى سيرة ابن مدينة "موحسن" التي تلقب "موسكو الصغرى"، تفتح "زمان الوصل" قوسين لتؤكد أن التنظيم لم يعتد فقط إشاعة موت قياداته ذات الثقل، لإبعاد العيون عنها، بل إنه كان ينقل عناصره "الميتين" بين المناطق في سوريا والعراق، ويغير أسماءهم الحركية؛ ليصعّب مهمة التعرف عليهم، حتى من قبل عناصر التنظيم أنفسهم، في مسعى لتحصين هؤلاء ضد أي عمليات اختراق.
ويروي مصدر خاص لمعد التقرير كيف تم إذاعة مقتل قيادي في التنظيم والتعريف عنه باسمه الحركي، وكيف رأى المصدر هذا القيادي "القتيل" بعد فترة بعينيه في مكان آخر وباسم حركي آخر، فكادت الدهشة تعقد لسانه.
*حتى تتشوه
==
تقول معلومات "زمان الوصل" إن مسيرة "سكر الأحمد" مع الثورة السورية بدأت مبكرة، رغم أنه كان ضابطا كبيرا ومؤثرا في النظام، ربما لأن هذا الأخير سرحه تعسفيا قبل الثورة، جريا على عادته المعروفة في قصقصة أجنحة الضباط السنة ذوي الشخصية القوية، ومنعهم من تخطي رتبة "عميد"، لأن ترقيهم أكثر تمثل خطرا على النظام وبنيته.
ويجمع أكثر من خدموا تحت إمرة "الأحمد" على قسوته وشدته، حتى إن بعضهم كان يلقبه بـ"العميد المرعب"، وبعضهم كان يطلق عليه لقب "صدام"، في إشارة إلى صدام حسين (رئيس العراق الأسبق).
وقد كانت قسوة "الأحمد" جزءا مهما من صورة ضباط القوات الخاصة، التي بناها "علي حيدر" على هذا الأساس، حين كانت يؤثر عن "حيدر" عبارة: "ما بتلبس مموه لحتى تتشوه"، أي لن تحظى بشرف لبس بزة القوات الخاصة حتى تكون قد مررت باختبارات قاسية للغاية، ويبدو أن "تتشوه" لم تكن فقط لتقتصر على الجسد، بل ينبغي أن تصيب الروح لتحيل عنصر الوحدات الخاصة إلى "وحش" لايعرف الرحمة، ولا يتردد في تنفيذ الأوامر مهما كانت.
ولم يكن "الأحمد" ليخرج عن هذه الصورة عندما كان يخدم في صفوف جيش النظام، سواء في لبنان أو داخل سوريا، حيث تسلم مراكز حساسة في الوحدات الخاصة، آخرها الفوج 47، حيث كان لا يسلم من قسوته –كما يروى- حتى الضباط المتحدرون من طائفة النظام، وقد سرح "الأحمد" من الجيش عندما قائدا لهذا الفوج.
وأياً يكن سبب التسريح (قيل إن النظام دبر له قضية فساد تتعلق بنقص الذخيرة)، فقد أحس "الأحمد" على ما يبدو أن الثورة جاءت لتعيد له اعتباره، فانضم إلى صفوفها، وعرض "خبراته" العسكرية، ليتم اختياره قائدا لـ"غرفة عمليات دير الزور"، قبل أن يتم تناقل بيان يعلن فيه استقالته من منصبه (حزيران/يونيو 2014)، واصفا "قادة في الجيش الحر" بالخيانة وبعدم الرغبة في تحرير دير الزور "لمصالح شخصية".
واتهم "الأحمد" في البيان المنسوب له حينها، شخصيتين ذكرهما بالاسم، قائلا إنهما أفشلتا الخطة المحكمة التي وضعت لتحرير مطار دير الزور العسكري، حيث كان "الأحمد" -وكما يُنقل عنه- يؤكد أهمية تحرير المطار والمربع الأمني، ويرى أن تحرير أي بقعة أو مكان دون إسقاط هذين الموقعين هو أمر بلا طائل.
*الأرض الخراب
==
وبمناسبة الحديث عن "الخيانات" التي تلبس بها بعض المحسوبين على الثورة في المنطقة الشرقية، فمن الثابت أن تنظيم "الدولة" ومريديه استفادوا في تلك المرحلة من تجاوزات وقضايا فساد وارتهان لـ"اجندات خارجية" تورطت بها كتائب وشخصيات منسوبة للجيش الحر، وجيّروا –أي التنظيم ومؤيدوه- هذه القضايا لصالح تلميع صورة التنظيم وتجميلها في عيون الناس، لتسهيل مهمة طرد كل الكتائب الثورية والجهادية من المنطقة الشرقية بأكملها، وهذا ما حدث سريعا، إذ كانت الشرقية أولى المناطق التي تلاشى فيها وجود هذه الكتائب كليا لصالح التنظيم.
وفي ظل تضارب الروايات وصعوبة التحقق منها، لا يمكن الجزم بالفعل ما إذا كان بيان الاستقالة المنسوب لـ"سكر الأحمد" هو مجرد مبرر وشماعة يعلق عليه انفصاله عن الجيش الحر والتحاقه بالتنظيم، وهو الرجل صاحب الخبرة العسكرية الواسعة، أم إن أمور الجيش الحر في الشرقية كانت على تلك الدرجة من السوء التي تجعل الانسحاب اضطرارا لا خيارا.
وعلى أي حال، فإن "الأحمد" بعيد انسحابه من "الجيش الحر" ومن منصبه كقائد لغرفة عمليات دير الزور.. لم يلبث طويلا حتى بايع التنظيم وصار حجرا أساسيا في بنيانه، ومن هنا بدأ الرجل مرحلة جديدة وغامضة من حياته، لاتقل إثارة للجدل عن مرحلته أيام النظام.
فقد شكل "الأحمد" مع كل خبر يخص تنقله أو مقتله.. شكل مادة دسمة للتجاذب، بين من يرفعه إلى درجة "البطل" ومن يهوي به إلى درك "الخائن"، وهذه "الخيانة" لها تشعبات في نظر من يطلقونها، فمنهم من يرى أن الرجل كان جاسوس النظام أيام انتسابه للجيش الحر، مستعينا بروايات عن تاريخه الدموي وتورطه في مجزرة حماة 1982 إلى جانب رفعت الأسد شخصيا.. ومنهم من يرى أن "خيانة" الرجل جاءت عبر مبايعته للبغدادي، ومساعدته على اختراق المنطقة الشرقية بأكلمها وتدمير صورة الثورة فيها، وتحويل هذه المنطقة الغنية بخيراتها وبشبابها إلى فريسة سهلة تتناهشها جميع الأطراف، من نظام ومليشيات طائفية وروس وتحالف أمريكي وأذرعه (بالذات قوات سوريا الديمقراطية)؛ الأمر الذي كرس شرق سوريا مثالا للأرض الخراب، التي سُحقت فيها معظم معالم الحياة.
*مطلوب مع سلاحه الحربي
==
وإذا كانت الرواية الأولى عن مشاركة "الأحمد" في مجزرة حماة (كان في الثلاثينات من عمره) تبقى مجرد أقاويل قابلة للأخذ والرد، حيث لم تقف "زمان الوصل" على مصدر موثوق ولا سند ثابت يؤكدها، علاوة على أن الرجل -كما نقل عنه- تحدى من اتهمه بالتورط في المجزرة أن يقدم دليلا واحدا ضده مبديا استعداده للمثول أمام محكمة خاصة بالقضية.. إذا كانت هذه الرواية غير قابلة للصمود لهذه الاعتبارات، فإن انتساب الرجل للتنظيم وتوليه منصبا قياديا رفيعا فيه، مكنه من رسم خطط المعارك واعتماد التكيكات العسكرية الضاربة.. هو أمر محسوم لا جدال فيه، عاش عليه الرجل آخر سنوات حياته حتى قضى مؤخرا.
ومن اللافت في خضم الروايات الشائعة عن رجل بحجم "الأحمد" بتاريخه وحاضره، أحاديث تشير إلى أنه رفض رفضا قاطعا عروض النظام بعد اندلاع الثورة من أجل إعادته للخدمة العسكرية، للاستفادة من خبراته، رغم أن وعود النظام كانت مملوءة سمنا وعسلا (صلاحيات واسعة، منصب رفيع..).
وتبدو رواية عروض النظام ورفض "الأحمد" لها مقبولة إلى حد كبير في إطارها العام –لا التفصيلي-، حيث من الثابت أن النظام لم يتأخر في طلب خدمات ضباطه القدامى، لاسيما أولئك الذي عاصروا أيام السبعينات والثمانينات، وشاركوا في عمليات الجيش داخل وخارج سوريا (لبنان)، ولا شك أن "الأحمد" واحد من أبرز هؤلاء.
أما رفض "الأحمد لعرض النظام، فيمكن استنتاجه عمليا من انضمامه للجيش الحر (وإن كان قصيرا نوعا ما)، ثم التحاقه بالتنظيم، ليكون رأسه مطلوبا من عدة جهات، قبل أن يقتل بغارة طيران حربي.
وإذا كان من خلاصة يمكن ختم هذا التقرير بها، فهي إن "سكر الأحمد" كان خلال السنوات الأخيرة، وسيبقى إلى حين، شخصية مثيرة للجدل تتناهبها الروايات المتضاربة وحتى المتناقضة، فقبل أشهر من هذا التاريخ وتزامنا مع اكتشاف أنه ما زال حيا تم ترويج روايات مختلفة عنه، منها ما يقول إنه عاد إلى "حضن النظام" الذي أرسل له مروحية أقلته من مكانه، ومنهم ما يقول إنه فر من تنظيم "الدولة" وانشق عنه بعد انهياره وسلم نفسه لقوات سوريا الديمقراطية" التي تشكل مليشيا "وحدات الحماية" عمودها الفقري.
وهكذا تتبدى شخصية "الأحمد" كرجل إشكالي وجاذب لشتى أنواع الروايات.. حاله تماما كحال المنطقة الشرقية، التي ما تزال أحداثها وتحولاتها وتداخل الولاءات والتبعيات فيها لغزا عميقا ومحيرا، يصعب تفكيكه رغم كثرة ما كتب وقيل في هذا المجال.
وأخيرا، فقد عادت "زمان الوصل" إلى أرشيف المطلوبين لمخابرات النظام، فوجدت أن "سكر أحمد بن أحمد ومطرة" مواليد 1950، "ضابط" مدرج على قوائم الاعتقال لدى المخابرات العسكرية بموجب مذكرة تعود للعام 2012، وتنوه بضرورة مصادرة "سلاحه الحربي".
إيثار عبدالحق- زمان الوصل- خاص
نهاية العميد السبيعني "المرعب" الذي مكّن داعش في الشرق السوري بغارة اميركية
============================
محلي | 2018-02-08 16:10:20
من شدة غموضه لا تتوفر له سوى صورة قديمة من أيام خدمته في الجيش، رغم أن "البغدادي" نفسه له عدة صور
• خدم في مراكز حساسة بالقوات الخاصة، وكان من أحد ألقابه "صدام"
• مصدر خاص يتحدث عن براعة التنظيم في "إماتة" قياديه وتغيير أسمائهم
• "أبو نضال" شخصية جاذبة للروايات، تماما كالمنطقة الشرقية التي ما تزال تحولاتها لغزا عميقا
بينما يلفظ تنظيم "الدولة" أنفاسه على الأرض السورية، وتتلاشى كل هياكله التي أقامها كملح أصابه الماء، جاء نبأ مقتل "العميد سكر الأحمد" ليضع نهاية لرجل غامض و"مرعب" في سيرته، سواء كان على أيام النظام أو التنظيم.
ففي يوم الأربعاء 7 شباط/فبراير الجاري، تمت وللمرة الثانية على الأقل، إذاعة نبأ مقتل "الأحمد" المعروف بلقب "أبو نضال"، الذي تختلف الروايات عن بعض تفاصيل تاريخه مع النظام، لكنها تتفق على دوره مع التنظيم، وعلى كونه الرقم الصعب الذي أسهم في تمدد رجال "البغدادي" في دير الزور وعموم المنطقة الشرقية وسيطرتهم عليها، قبل أن ينهاروا بشكل شبه كلي.
وقد قتل "الأحمد" (68 عاما) نتيجة غارة شنها طيران حربي (يعتقد أنه تابع للتحالف الذي تقوده واشنطن)، حيث استهدفت المنزل الذي كان يقيم فيه بالبوكمال.
وعلى أي حال فإن نبأ مقتل "الأحمد" يبدو هذه المرة صحيحا ومؤكدا، عكس النبأ الذي أذيع أواخر آب/أغسطس 2014، ونقلته وسائل إعلام النظام، بل إن "المرصد السوري" الذي يعد مصدرا موثوقا لكثير من وسائل الإعلام حول العالم، ساهم حينها في تعزيز الرواية مؤكدا وقوع قصف من طيران النظام على منزل "الأحمد" في "موحسن" بدير الزور، ما أدى إلى مقتل 6 قياديين في التنظيم.
وعلى هذا الأساس تم اعتبار "الأحمد" ميتاً؛ لينجح التنظيم في إبعاده عن الأنظار وعن خطر الملاحقة من مختلف الجهات، كم فعل من قبل مع قياديين مؤثرين، وقد كان "الأحمد" على رأس هؤلاء في المنطقة الشرقية وعموم سوريا، كما سيتضح من سيرته التي سنعرض جزءا منها.
وهنا وقبل الولوج إلى سيرة ابن مدينة "موحسن" التي تلقب "موسكو الصغرى"، تفتح "زمان الوصل" قوسين لتؤكد أن التنظيم لم يعتد فقط إشاعة موت قياداته ذات الثقل، لإبعاد العيون عنها، بل إنه كان ينقل عناصره "الميتين" بين المناطق في سوريا والعراق، ويغير أسماءهم الحركية؛ ليصعّب مهمة التعرف عليهم، حتى من قبل عناصر التنظيم أنفسهم، في مسعى لتحصين هؤلاء ضد أي عمليات اختراق.
ويروي مصدر خاص لمعد التقرير كيف تم إذاعة مقتل قيادي في التنظيم والتعريف عنه باسمه الحركي، وكيف رأى المصدر هذا القيادي "القتيل" بعد فترة بعينيه في مكان آخر وباسم حركي آخر، فكادت الدهشة تعقد لسانه.
*حتى تتشوه
==
تقول معلومات "زمان الوصل" إن مسيرة "سكر الأحمد" مع الثورة السورية بدأت مبكرة، رغم أنه كان ضابطا كبيرا ومؤثرا في النظام، ربما لأن هذا الأخير سرحه تعسفيا قبل الثورة، جريا على عادته المعروفة في قصقصة أجنحة الضباط السنة ذوي الشخصية القوية، ومنعهم من تخطي رتبة "عميد"، لأن ترقيهم أكثر تمثل خطرا على النظام وبنيته.
ويجمع أكثر من خدموا تحت إمرة "الأحمد" على قسوته وشدته، حتى إن بعضهم كان يلقبه بـ"العميد المرعب"، وبعضهم كان يطلق عليه لقب "صدام"، في إشارة إلى صدام حسين (رئيس العراق الأسبق).
وقد كانت قسوة "الأحمد" جزءا مهما من صورة ضباط القوات الخاصة، التي بناها "علي حيدر" على هذا الأساس، حين كانت يؤثر عن "حيدر" عبارة: "ما بتلبس مموه لحتى تتشوه"، أي لن تحظى بشرف لبس بزة القوات الخاصة حتى تكون قد مررت باختبارات قاسية للغاية، ويبدو أن "تتشوه" لم تكن فقط لتقتصر على الجسد، بل ينبغي أن تصيب الروح لتحيل عنصر الوحدات الخاصة إلى "وحش" لايعرف الرحمة، ولا يتردد في تنفيذ الأوامر مهما كانت.
ولم يكن "الأحمد" ليخرج عن هذه الصورة عندما كان يخدم في صفوف جيش النظام، سواء في لبنان أو داخل سوريا، حيث تسلم مراكز حساسة في الوحدات الخاصة، آخرها الفوج 47، حيث كان لا يسلم من قسوته –كما يروى- حتى الضباط المتحدرون من طائفة النظام، وقد سرح "الأحمد" من الجيش عندما قائدا لهذا الفوج.
وأياً يكن سبب التسريح (قيل إن النظام دبر له قضية فساد تتعلق بنقص الذخيرة)، فقد أحس "الأحمد" على ما يبدو أن الثورة جاءت لتعيد له اعتباره، فانضم إلى صفوفها، وعرض "خبراته" العسكرية، ليتم اختياره قائدا لـ"غرفة عمليات دير الزور"، قبل أن يتم تناقل بيان يعلن فيه استقالته من منصبه (حزيران/يونيو 2014)، واصفا "قادة في الجيش الحر" بالخيانة وبعدم الرغبة في تحرير دير الزور "لمصالح شخصية".
واتهم "الأحمد" في البيان المنسوب له حينها، شخصيتين ذكرهما بالاسم، قائلا إنهما أفشلتا الخطة المحكمة التي وضعت لتحرير مطار دير الزور العسكري، حيث كان "الأحمد" -وكما يُنقل عنه- يؤكد أهمية تحرير المطار والمربع الأمني، ويرى أن تحرير أي بقعة أو مكان دون إسقاط هذين الموقعين هو أمر بلا طائل.
*الأرض الخراب
==
وبمناسبة الحديث عن "الخيانات" التي تلبس بها بعض المحسوبين على الثورة في المنطقة الشرقية، فمن الثابت أن تنظيم "الدولة" ومريديه استفادوا في تلك المرحلة من تجاوزات وقضايا فساد وارتهان لـ"اجندات خارجية" تورطت بها كتائب وشخصيات منسوبة للجيش الحر، وجيّروا –أي التنظيم ومؤيدوه- هذه القضايا لصالح تلميع صورة التنظيم وتجميلها في عيون الناس، لتسهيل مهمة طرد كل الكتائب الثورية والجهادية من المنطقة الشرقية بأكملها، وهذا ما حدث سريعا، إذ كانت الشرقية أولى المناطق التي تلاشى فيها وجود هذه الكتائب كليا لصالح التنظيم.
وفي ظل تضارب الروايات وصعوبة التحقق منها، لا يمكن الجزم بالفعل ما إذا كان بيان الاستقالة المنسوب لـ"سكر الأحمد" هو مجرد مبرر وشماعة يعلق عليه انفصاله عن الجيش الحر والتحاقه بالتنظيم، وهو الرجل صاحب الخبرة العسكرية الواسعة، أم إن أمور الجيش الحر في الشرقية كانت على تلك الدرجة من السوء التي تجعل الانسحاب اضطرارا لا خيارا.
وعلى أي حال، فإن "الأحمد" بعيد انسحابه من "الجيش الحر" ومن منصبه كقائد لغرفة عمليات دير الزور.. لم يلبث طويلا حتى بايع التنظيم وصار حجرا أساسيا في بنيانه، ومن هنا بدأ الرجل مرحلة جديدة وغامضة من حياته، لاتقل إثارة للجدل عن مرحلته أيام النظام.
فقد شكل "الأحمد" مع كل خبر يخص تنقله أو مقتله.. شكل مادة دسمة للتجاذب، بين من يرفعه إلى درجة "البطل" ومن يهوي به إلى درك "الخائن"، وهذه "الخيانة" لها تشعبات في نظر من يطلقونها، فمنهم من يرى أن الرجل كان جاسوس النظام أيام انتسابه للجيش الحر، مستعينا بروايات عن تاريخه الدموي وتورطه في مجزرة حماة 1982 إلى جانب رفعت الأسد شخصيا.. ومنهم من يرى أن "خيانة" الرجل جاءت عبر مبايعته للبغدادي، ومساعدته على اختراق المنطقة الشرقية بأكلمها وتدمير صورة الثورة فيها، وتحويل هذه المنطقة الغنية بخيراتها وبشبابها إلى فريسة سهلة تتناهشها جميع الأطراف، من نظام ومليشيات طائفية وروس وتحالف أمريكي وأذرعه (بالذات قوات سوريا الديمقراطية)؛ الأمر الذي كرس شرق سوريا مثالا للأرض الخراب، التي سُحقت فيها معظم معالم الحياة.
*مطلوب مع سلاحه الحربي
==
وإذا كانت الرواية الأولى عن مشاركة "الأحمد" في مجزرة حماة (كان في الثلاثينات من عمره) تبقى مجرد أقاويل قابلة للأخذ والرد، حيث لم تقف "زمان الوصل" على مصدر موثوق ولا سند ثابت يؤكدها، علاوة على أن الرجل -كما نقل عنه- تحدى من اتهمه بالتورط في المجزرة أن يقدم دليلا واحدا ضده مبديا استعداده للمثول أمام محكمة خاصة بالقضية.. إذا كانت هذه الرواية غير قابلة للصمود لهذه الاعتبارات، فإن انتساب الرجل للتنظيم وتوليه منصبا قياديا رفيعا فيه، مكنه من رسم خطط المعارك واعتماد التكيكات العسكرية الضاربة.. هو أمر محسوم لا جدال فيه، عاش عليه الرجل آخر سنوات حياته حتى قضى مؤخرا.
ومن اللافت في خضم الروايات الشائعة عن رجل بحجم "الأحمد" بتاريخه وحاضره، أحاديث تشير إلى أنه رفض رفضا قاطعا عروض النظام بعد اندلاع الثورة من أجل إعادته للخدمة العسكرية، للاستفادة من خبراته، رغم أن وعود النظام كانت مملوءة سمنا وعسلا (صلاحيات واسعة، منصب رفيع..).
وتبدو رواية عروض النظام ورفض "الأحمد" لها مقبولة إلى حد كبير في إطارها العام –لا التفصيلي-، حيث من الثابت أن النظام لم يتأخر في طلب خدمات ضباطه القدامى، لاسيما أولئك الذي عاصروا أيام السبعينات والثمانينات، وشاركوا في عمليات الجيش داخل وخارج سوريا (لبنان)، ولا شك أن "الأحمد" واحد من أبرز هؤلاء.
أما رفض "الأحمد لعرض النظام، فيمكن استنتاجه عمليا من انضمامه للجيش الحر (وإن كان قصيرا نوعا ما)، ثم التحاقه بالتنظيم، ليكون رأسه مطلوبا من عدة جهات، قبل أن يقتل بغارة طيران حربي.
وإذا كان من خلاصة يمكن ختم هذا التقرير بها، فهي إن "سكر الأحمد" كان خلال السنوات الأخيرة، وسيبقى إلى حين، شخصية مثيرة للجدل تتناهبها الروايات المتضاربة وحتى المتناقضة، فقبل أشهر من هذا التاريخ وتزامنا مع اكتشاف أنه ما زال حيا تم ترويج روايات مختلفة عنه، منها ما يقول إنه عاد إلى "حضن النظام" الذي أرسل له مروحية أقلته من مكانه، ومنهم ما يقول إنه فر من تنظيم "الدولة" وانشق عنه بعد انهياره وسلم نفسه لقوات سوريا الديمقراطية" التي تشكل مليشيا "وحدات الحماية" عمودها الفقري.
وهكذا تتبدى شخصية "الأحمد" كرجل إشكالي وجاذب لشتى أنواع الروايات.. حاله تماما كحال المنطقة الشرقية، التي ما تزال أحداثها وتحولاتها وتداخل الولاءات والتبعيات فيها لغزا عميقا ومحيرا، يصعب تفكيكه رغم كثرة ما كتب وقيل في هذا المجال.
وأخيرا، فقد عادت "زمان الوصل" إلى أرشيف المطلوبين لمخابرات النظام، فوجدت أن "سكر أحمد بن أحمد ومطرة" مواليد 1950، "ضابط" مدرج على قوائم الاعتقال لدى المخابرات العسكرية بموجب مذكرة تعود للعام 2012، وتنوه بضرورة مصادرة "سلاحه الحربي".
إيثار عبدالحق- زمان الوصل- خاص