سؤال شيخ الاسلام رحمه الله تعالى عن سبب تسلك الكفار على المسليم فقال رحمه الله تعالى :
لما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول سلطت عليهم الأعداء، فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة الفراتية مرة بعد مرة، وأخذوا الثغور الشامية شيئاً بعد شيء، إلى أن أخذوا بيت المقدس في أواخر المائة الرابعة، وبعد هذا بمدة حاصروا دمشق، وكان أهل الشام بأسوأ حال بين الكفار النصارى والمنافقين الملاحدة؛ إلى أن تولى نور الدين الشهيد، وقام بما قام به من أمر الإسلام وإظهاره والجهاد لأعدائه، ثم استنجد به ملوك مصر بنو عبيد على النصارى فأنجدهم، وجرت فصول كثيرة إلى أن أخذت مصر من بني عبيد أخذها صلاح الدين يوسف بن سادي، وخطب بها لبني العباس؛ فمن حينئذ ظهر الإسلام بمصر بعد أن مكثت بأيدي المنافقين المرتدين عن دين الإسلام مائة سنة.
فكان الإيمان بالرسول والجهاد عن دينه سبباً لخير الدنيا والآخرة وبالعكس البدع والإلحاد ومخالفة ما جاء به سبب لشر الدنيا والآخرة.
فلما ظهر في الشام ومصر والجزيرة الإلحاد والبدع سلط عليهم الكفار، ولما أقاموا ما أقاموه من الإسلام وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار؛ تحقيقاً لقوله:
( يايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله باموالكم وانفسكم ذالكم خير لكم ان كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الا نهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذالك الفوز العظيم واخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ) .
وكذلك لما كان أهل المشرق قائمين بالإسلام كانوا منصورين على الكفار المشركين من الترك والهند والصين وغيرهم، فلما ظهر منهم ما ظهر من البدع والإلحاد والفجور سلط عليهم الكفار، قال تعالى( وقضينا الى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدون في الارض مرتين ولتعلن علو كبيرا فاذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا اولي باس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيراً ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اساتم فلها فاذا جاء وعد الاخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا عسى بكم ان يرحمكم وان عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً )
وكان بعض المشايخ يقول: هولاكو ـ ملك الترك التتار الذي قهر الخليفة بالعراق، وقتل ببغداد مقتلة عظيمة جداً، يقال: قتل منهم ألف ألف، وكذلك قتل بحلب دار الملك حينئذ، كان بعض الشيوخ يقول هو ـ للمسلمين بمنزلة بخت نصر لبني إسرائيل.
وكان من أسباب دخول هؤلاء ديار المسلمين ظهور الإلحاد والنفاق والبدع، حتى إنه صنف الرازي كتاباً في عبادة الكواكب والأصنام وعمل السحر، سماه (السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم) ويقال: إنه صنفه لأم السلطان علاء الدين محمد بن لكش بن جلال الدين خوارزم شاه، وكان من أعظم ملوك الأرض، وكان للرازي به اتصال قوي، حتى إنه وصى إليه على أولاده، وصنف له كتاباً سماه (الرسالة العلائية في الاختيارات السماوية).
وهذه الاختيارات لأهل الضلال بدل الاستخارة التي علّمها النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين، كما قال جابر في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول( إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين، من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه باسمه خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به).
وأهل النجوم لهم اختيارات إذا أراد أحدهم أن يفعل فعلاً أخذ طالعاً سعيداً، فعمل فيه ذلك العمل لينجح بزعمهم، وقد صنف الناس كتباً في الرد عليهم، وذكروا كثرة ما يقع من خلاف مقصودهم فيما يخبرون به ويأمرون به، وكم يخبرون من خبر فيكون كذباً، وكم يأمرون باختيار فيكون شراً، والرازي صنف الاختيارات لهذا الملك، وذكر فيه الاختيار لشرب الخمر وغير ذلك، كما ذكر في (السر المكتوم) في عبادة الكواكب ودعوتها مع السجود لها، والشرك بها ودعائها، مثل ما يدعو الموحدون ربهم؛ بل أعظم، والتقرب إليها بما يظن أنه مناسب لها من الكفر والفسوق والعصيان، فذكر أنه يتقرب إلى الزهرة بفعل الواحش وشرب الخمر والغناء، ونحو ذلك مما حرمه الله ورسوله .
وهذا في نفس الأمر يقرب إلى الشياطين، الذين يأمرونهم بذلك ويقولون لهم: إن الكوكب نفسه يحب ذلك، وإلا فالكواكب مسخرات بأمر الله مطيعة للّه، لا تأمر بشرك ولا غيره من المعاصي، ولكن الشياطين هي التي تأمر بذلك، ويسمونها روحانية الكواكب، وقد يجعلونها ملائكة وإنما هي شياطين، فلما ظهر بأرض المشرق بسبب مثل هذا الملك ونحوه، ومثل هذا العالم ونحوه ما ظهر من الإلحاد والبدع سلط الله عليهم الترك المشركين الكفار، فأبادوا هذا الملك، وجرت له أمور فيها عبرة لمن يعتبر، ويعلم تحقيق ما أخبر الله به في كتابه، حيث يقول( سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكفي بربك انه على كل شيء شهيد ) أي أن القرآن حق، وقال( خلق الانسان من عجل ساوريكم اياتي فلا تستعجلون ).
والمقصود هنا: أن دولة بني أمية كان انقراضها بسبب هذا الجعد المعطل وغيره من الأسباب، التي أوجبت إدبارها، وفي آخر دولتهم ظهر الجهم بن صفوان بخراسان، وقد قيل: إن أصله من ترمذ وأظهر قول المعطلة النفاة الجهمية. وقد قتل في بعض الحروب. وكان أئمة المسلمين بالمشرق أعلم بحقيقة قوله من علماء الحجاز والشام والعراق، ولهذا يوجد لعبد الله بن المبارك وغيره من علماء المسلمين بالمشرق من الكلام في الجهمية أكثر مما يوجد لغيرهم، مع أن عامة أئمة المسلمين تكلموا فيهم، ولكن لم يكونوا ظاهرين إلا بالمشرق، لكن قوي أمرهم لما مات الرشيد وتولى ابنه الملقب بالمأمون بالمشرق، وتلقى عن هؤلاء ما تلقاه.
ثم لما ولي المأمون الخلافة اجتمع بكثير من هؤلاء، ودعا إلى قولهم في آخر عمره، وكتب إلى بغداد وهو بالثغر بطرسوس التي ببلد سيس ـ وكانت إذ ذاك من أعظم ثغور بغداد، ومن أعظم ثغور المسلمين يقصدها أهل الدين من كل ناحية ويرابطون بها، رابط بها الإمام أحمد رضي الله عنه، والسري السقطي، وغيرهما، وتولى قضاءها أبو عبيد، وتولى قضاءها أيضاً صالح بن أحمد بن حنبل، ولهذا ذكرت في كتب الفقه كثيراً فإنها كانت ثغراً عظيماً، فكتب من الثغر ـ إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب كتاباً يدعو الناس فيه إلى أن يقولوا: القرآن مخلوق، فلم يجبه أحد، ثم كتب كتاباً ثانياً يأمر فيه بتقييد من لم يجبه وإرساله إليه فأجاب أكثرهم، ثم قيدوا سبعة لم يجيبوا فأجاب منهم خمسة بعد القيد، وبقي اثنان لم يجيبا: الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح؛ فأرسلوهما إليه فمات قبل أن يصلا إليه، ثم أوصى إلى أخيه أبي إسحاق، وكان هذا سنة ثماني عشرة ومائتين، وبقي أحمد في الحبسإلى سنة عشرين فجرى ما جرى من المناظرة حتى قطعهم بالحجة، ثم لما خافوا الفتنة ضربوه وأطلقوه، وظهر مذهب النفاة الجهمية، وامتحنوا الناس فصار من أجابهم أعطوه وإلا منعوه العطاء وعزلوه من الولايات، ولم يقبلوا شهادته، وكانوا إذا افتكوا الأسرى يمتحنون الأسير، فإن أجابهم افتدوه وإلا لم يفتدوه.
وكتب قاضيهم أحمد بن أبي دؤاد على ستارة الكعبة ( ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم ) ، لم يكتب وهو ( فاطر السماوات والارض جعل لكم من انفسكم ازواجاً ومن الانعام ازواجاً يذراكم فيه ليس كمثله شي وهو السميع البصير ).
ثم ولي الواثق واشتد الأمر إلى أن ولي المتوكل فرفع المحنة وظهرت حينئذ السنة، وبسط هذا له موضع آخر.
والمقصود أن أئمة المسلمين لما عرفوا حقيقة قول الجهمية بينوه، حتى قال عبد الله بن المبارك: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية، وكان ينشد:
فعجبت لشيطان دعا الناس جهرةإلى النار واشتق اسمه من جهنم
وقيل له: بماذا يعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، قيل له: بحد؟ قال: بحد. وكذلك قال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وعثمان بن سعيد الدارمي، وغيرهم من أئمة السنة.
وحقيقة قول الجهمية المعطلة هو قول فرعون، وهو جحد الخالق وتعطيل كلامه ودينه، كما كان فرعون يفعل، فكان يجحد الخالق جل جلاله، ويقول( وقال فرعون يايها الملا ما علمت لكم من اله غيري فاوقد لي ياهامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي اطلع الى اله موسى واني لاظنه من الكاذبين) ويقول لموسى( قال لئن اتخذت اله غيري لاجعلنك من المسجونين ) ويقول( فقال انا ربكم ) وكان ينكر أن يكون الله كلّم موسى أو يكون لموسى إله فوق السماوات، ويريد أن يبطل عبادة الله وطاعته، ويكون هو المعبود المطاع.
فلما كان قول الجهمية المعطلة النفاة يؤول إلى قول فرعون كان منتهى قولهم إنكار رب العالمين، وإنكار عبادته وإنكار كلامه حتى ظهروا بدعوى التحقيق والتوحيد والعرفان، فصاروا يقولون: العالم هو الله، والوجود واحد، والموجود القديم الأزلي الخالق هو الموجود المحدث المخلوق، والرب هو العبد، ما ثم رب وعبد وخالق ومخلوق؛ بل هو عندهم فرقان.
ولهذا صاروا يعيبون على الأنبياء وينقصونهم؛ ويعيبون على نوح وعلى إبراهيم الخليل وغيرهما، ويمدحون فرعون ويجوزون عبادة جميع المخلوقات، وجميع الأصنام، ولا يرضون بأن تعبد الأصنام حتى يقولوا: إن عباد الأصنام لم يعبدوا إلا الله، وإن الله نفسه هو العابد وهو المعبود، وهو الوجود كله، فجحدوا الرب وأبطلوا دينه، وأمره ونهيه، وما أرسل به رسله، وتكليمه لموسى وغيره.
وقد ضلّ في هذا جماعة لهم معرفة بالكلام والفلسفة والتصوف المناسب لذلك، كابن سبعين والصدر القونوي تلميذ ابن عربي، والبلياني والتلمساني، وهو من حذّاقهم علماً ومعرفة، وكان يظهر المذهب بالفعل، فيشرب الخمر ويأتي المحرمات.
وحدثني الثقة أنه قرأ عليه (فصوص الحكم) لابن عربي، وكان يظنه من كلام أولياء الله العارفين، فلما قرأه رآه يخالف القرآن، قال: فقلت له: هذا الكلام يخالف القرآن، فقال: القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا، وكان يقول: ثبت عندنا في الكشف ما يخالف صريح المعقول.
وحدثني من كان معه ومع آخر نظير له فمرا على كلب أجرب ميت بالطريق عند دار الطعم، فقال له رفيقه: هذا أيضاً هو ذات الله؟ فقال: وهل ثم شيء خارج عنها؟ نعم! الجميع في ذاته!.
وهؤلاء حقيقة قولهم هو قول فرعون؛ لكن فرعون ما كان يخاف أحداً فينافقه فلم يثبت الخالق، وإن كان في الباطن مقراً به، وكان يعرف أنه ليس هو إلا مخلوق؛ لكن حب العلو في الأرض والظلم دعاه إلى الجحود والإنكار، كما قال( فلما جاءتهم اياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلماً وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ).
وأما هؤلاء فهم من وجه ينافقون المسلمين، فلا يمكنهم إظهار جحود الصانع، ومن وجه هم ضلاّل يحسبون أنهم على حق، وأن الخالق هو المخلوق فكان قولهم هو قول فرعون، لكن فرعون كان معانداً مظهراً للجحود والعناد، وهؤلاء إما جهّال ضلاّل، وإما منافقون مبطنون الإلحاد والجحود، يوافقون المسلمين في الظاهر.
وحدثني الشيخ عبد السيد الذي كان قاضي اليهود ثم أسلم، وكان من أصدق الناس، ومن خيار المسلمين وأحسنهم إسلاماً، أنه كان يجتمع بشيخ منهم يقال له الشرف البلاسي يطلب منه المعرفة والعلم. قال: فدعاني إلى هذا المذهب فقلت له: قولكم يشبه قول فرعون، قال: ونحن على قول فرعون! فقلت لعبد السيد: واعترف لك بهذا؟ قال: نعم! وكان عبد السيد إذ ذاك قد ذاكرني بهذا المذهب، فقلت له: هذا مذهب فاسد وهو يؤول إلى قول فرعون؛ فحدثني بهذا فقلت له: ما ظننت أنهم يعترفون بأنهم على قول فرعون، لكن مع إقرار الخصم ما يحتاج إلى بينة. قال عبد السيد فقلت له: لا أدع موسى وأذهب إلى فرعون، فقال: ولمَ؟ قلت: لأن موسى أغرق فرعون فانقطع، واحتج عليه بالظهور الكوني، فقلت لعبد السيد ـ وكان هذا قبل أن يسلم ـ نفعتك اليهودية، يهودي خير من فرعوني.
وفيهم جماعات لهم عبادة وزهد وصدق فيما هم فيه، وهم يحسبون أنه حق، وعامتهم ـ الذين يقرون ظاهراً وباطناً بأن محمداً رسول الله، وأنه أفضل الخلق أفضل من جميع الأنبياء والأولياء ـ لا يفهمون حقيقة قولهم؛ بل يحسبون أنه تحقيق ما جاء به الرسول، وأنه من جنس كلام أهل المعرفة الذين يتكلمون في حقائق الإيمان والدين، وهم من خواص أولياء الله فيحسبون هؤلاء من جنس أولئك، من جنس الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله وأمثال هؤلاء.
وأما عرّافهم الذين يعلمون حقيقة قولهم فيعلمون أنه ليس الأمر كذلك، ويقولون ما يقول ابن عربي ونحوه أن الأولياء أفضل من الأنبياء، وأن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، وأن جميع الأنبياء يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء، وأنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يأتي خاتم الأنبياء، فإنهم متجهمة متفلسفة، يخرجون أقوال المتفلسفة والجهمية في قالب الكشف.
وعند المتفلسفة أن جبريل إنما هو خيال في نفس النبي ليس هو ملكاً يأتي من السماء، والنبي عندهم يأخذ من هذا الخيال، وأما خاتم الأولياء في زعمهم فإنه يأخذ من العقل المجرد الذي يأخذ منه الخيال؛ فهو يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول.
وهم يعظمون فرعون. ويقولون ما قاله صاحب «الفصوص» قال: ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه جاء في العرف الناموسي؛ لذلك قال( فقال انا ربكم الاعلى ) أي وإن كان الكل أرباباً بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم، قال: ولما علمت السحرة صدق فرعون فيما قاله لم ينكروه وأقروا له بذلك. وقالوا له( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما انت قاض انما تقضي هذه الحياة الدنيا ) قال: فصح قول فرعون( فقال انا ربكم الاعلى ) وإن كان فرعون عين الحق .
وحدثني الثقة الذي كان منهم ثم رجع عنهم أن أبغض الناس إليهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، قال: وإذا نهق الحمار ونبح الكلب سجدوا له، وقالوا: هذا هو الله فإنه مظهر من المظاهر. قال: فقلت له: محمد بن عبد الله أيضاً مظهر من المظاهر، فاجعلوه كسائر المظاهر وأنتم تعظمون المظاهر كلها أو اسكتوا عنه، قال: فقالوا لي: محمد نبغضه، فإنه أظهر الفرق ودعا إليه وعاقب من لم يقل به، قال: فتناقضوا في مذهبهم الباطل، وجعلوا الكلب والحمار أفضل من أفضل الخلق، قال لي: وهم يصرحون باللعنة له ولغيره من الأنبياء، ولا ريب أنهم من أعظم الناس عبادة للشيطان وكفراً بالرحمٰن.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا سمعتم صياح الديكة فسلوا الله من فضله، فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار ونباح الكلب فتعوّذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً ) فهم إذا سمعوا نهيق الحمار ونباح الكلب تكون الشياطين قد حضرت فيكون سجودهم للشياطين.
وكان فيهم شيخ جليل من أعظمهم تحقيقاً ـ لكن هذا لم يكن من هؤلاء الذين يسبون الأنبياء ـ وقد صنف كتاباً سماه ( فك الأزرار عن أعناق الأسرار ) ذكر فيه مخاطبة جرت له مع إبليس، وأنه قال له ما معناه: إنكم قد غلبتموني وقهرتموني ونحو هذا، لكن جرت لي قصة تعجبت منها مع شيخ منكم، فإني تجليت له فقلت: أنا الله لا إله إلا أنا فسجد لي فتعجبت كيف سجد لي. قال هذا الشيخ: فقلت له: ذاك أفضلنا وأعلمنا وأنت لم تعرف قصده، ما رأى في الوجود اثنين وما رأى إلا واحداً فسجد لذلك الواحد لا يميز بين إبليس وغيره، فجعل هذا الشيخ ذاك الذي سجد لإبليس لا يميز بين الرب وغيره؛ بل جعل إبليس هو الله هو وغيره من الموجودات جعله أفضلهم وأعلمهم .
ولهذا عاب ابن عربي نوحاً أول رسول بعث إلى أهل الأرض، وهو الذي جعل الله ذريته هم الباقين، وأنجاه ومن معه في السفينة، وأهلك سائر أهل الأرض لما كذبوه؛ فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وعظم قومه الكفار الذين عبدوا الأصنام، وأنهم ما عبدوا إلا الله، وأن خطاياهم خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، وهذا عادته ينتقص الأنبياء ويمدح الكفار، كما ذكر مثل ذلك في قصة نوح وإبراهيم وموسى وهارون وغيرهم.
ومدح عبّاد العجل، وتنقَّص هارون وافترى على موسى. فقال: وكان موسى أعلم بالأمر من هارون؛ لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه بأن الله قد قضى أن لا يعبد إلا إياه، وما قضى الله بشيء إلا وقع، فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه؛ فإن العارف من يرى الحق في كل شيء؛ بل يراه عين كل شيء، فذكر عن موسى أنه عتب على هارون أنه أنكر عليهم عبادة العجل، وأنه لم يسع ذلك فأنكره، فإن العارف من يرى الحق في كل شيء؛ بل يراه عين كل شيء.
وهذا من أعظم الافتراء على موسى وهارون، وعلى الله، وعلى عبّاد العجل؛ فإن الله أخبر عن موسى أنه أنكر العجل إنكاراً أعظم من إنكار هارون، وأنه أخذ بلحية هارون لما لم يدعهم ويتبع موسى لمعرفته. قال تعالى( وما اعجلك عن قومك ياموسى ).
قلت لبعض هؤلاء هذا الكلام الذي ذكره هذا عن موسى وهارون يوافق القرآن أو يخالفه، فقال: لا بل يخالفه، قلت: فاختر لنفسك إما القرآن وإما كلام ابن عربي.
وكذلك قال عن نوح قال: لو أن نوحاً جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه، أي ذكر لهم فدعاهم جهاراً ثم دعاهم إسراراً إلى أن قال: ولما علموا أن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو؛ لأنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية ( قل هذه سبيلي ادعوا الى على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين ) فهذا عين المكر فنبّه أن الأمر كله للّه فأجابوه مكراً كما دعاهم، فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته، وإنما هي من حيث أسمائه، فقال( يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفداً ) فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين، فقالوا في مكرهم( وقالوا لاتذرن الهتكم ولاتذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً ) فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجهاً يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله، كما قال في المحمديين( وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما) أي حكم، فالعارف يعرف من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.
وهو دائماً يحرف القرآن عن مواضعه، كما قال في هذه القصة( مما خطيئاتهم اغرقوا فادخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله انصاراً ) فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله وهي الحيرة( فادخلوا ناراً ) في عين الماء في المحمديين ( واذا البحار سجرت ) سجرت التنور أوقدته (مما خطيئاتهم اغرقوا فادخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله انصاراً) فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد، وقوله( وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما) بمعنى أمر وأوجب وفرض. وفي القراءة الأخرى ( ووصى ربك ان لاتعبدوا الا اياه ) فجعل معناه أنه قدّر وشاء أن لا تعبدوا إلا إياه، وما قدره فهو كائن، فجعل معناها كل معبود هو الله وأن أحداً ما عبد غير الله قط، وهذا من أظهر الفرية على الله، وعلى كتابه، وعلى دينه، وعلى أهل الأرض.
فإن الله في غير موضع أخبر أن المشركين عبدوا غير الله؛ بل يعبدون الشيطان، كما قال تعالى( الم اعهد اليكم يابني ادم ان لاتعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين وان اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد اضل منكم جبلا كثيرا افلم تكونوا تعقلون ) .
وقال تعالى عن يوسف أنه قال( يا صاحبي السجن ءارباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار ماتعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم وأباكم ما انزل الله بها من سلطان ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الااياه ذالك الدين القيم ولكن اكثر الناس ).
وقال تعالى( وجاوزنا ببني اسرائيل البحر فاتوا على قوم يعكفون علىاصنام لهم قالوا ياموسى اجعل لنا الاها كما لهم الهه قال انكم قوم تجهلون ان هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قال اغير الله ابغيكم الاها وهو فضلكم على العالمين ) .
وقال تعالى عن الخليل( اذا قال لابيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً يا ابت اني قد جاني من العلم ما لم ياتك فاتبعني اهدك صراطاً سويا يا ابت لاتعبد الشيطان ان الشيطان كان للرحمن عصياً يا ابت اني اخاف ان يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا قال اراغب انت عن الهتي يا ابراهيم لئن لم تنته لارجمنك واهجرني مليا قال سلام عليك ساستغفر لك ربي انه كان بي حفيا واعتزلكم وما تعبدون من دون الله وادعو ربي عسى الا اكون بدعاء ربي شقيا فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ) .
فهو سبحانه يقول فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ) وهؤلاء الملحدون يقولون: ما عبدنا غير الله في كل معبود.
وقال تعالى( واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار الم يروا انه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً اتخذوه وكانوا ظالمين ولما سقط في ايديهم وراوا انهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ولما رجع موسى الى قومه غضبان اسفاً قال بئسما خلفتموني من بعدي اعجلتم امر ربكم والقى الالواح واخذ براس اخيه يجره اليه قال ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين قال رب اغفر لي ولاخي وادخلنا في رحمتك وانت ارحم الراحمين ان الذين اتخذوا العجل سنالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين )
قال أبو قلابة: هي لكل مفتر إلى يوم القيامة أن يذله الله.
والجهمية النفاة كلهم مفترون، كما قال الإمام أحمد بن حنبل إنما يقودون قولهم إلى فرية على الله، وهؤلاء من أعظمهم افتراء على الله فإن القائلين بأن وجود الخالق هو وجود المخلوق هم أعظم افتراء ممن يقول أنه يحل فيه، وهؤلاء يجهلون من يقول بالحلول أو يقول بالاتحاد، وهو أن الخالق اتحد مع المخلوق، فإن هذا إنما يكون إذا كان شيئان متباينان، ثم اتحد أحدهما بالآخر، كما يقوله النصارى من اتحاد اللاهوت مع الناسوت، وهذا إنما يقال في شيء معين.
وهؤلاء عندهم ما ثم وجود لغيره حتى يتحد مع وجوده، وهم من أعظم الناس تناقضاً، فإنهم يقولون ما ثم غير ولا سوى، وتقول السبعينية: ليس إلا الله بدل قول المسلمين لا إله إلا الله، ثم يقولون: هؤلاء المحجوبون لا يرون هذا.
فإذا كان ما ثم غير ولا سوى فمن المحجوب ومن الحاجب؟ ومن الذي ليس بمحجوب وعمَّ حجب؟ فقد أثبتوا أربعة أشياء: قوم محجوبون، وقوم ليسوا بمحجوبين، وأمراً انكشف لهؤلاء وحجب عن أولئك.
فأين هذا من قولهم ما ثم اثنان ولا وجودان؟ كما حدثني الثقة أنه قال للتلمساني: فعلى قولكم لا فرق بين امرأة الرجل وأمه وابنته؟ قال: نعم! الجميع عندنا سواء؛ لكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم، فقيل لهم: فمن المخاطب للمحجوبين أهو هم أم غيرهم؟ فإن كانوا هم فقد حرم على نفسه لما زعم أنه حرام عليهم دونه، وإن كانوا غيره فقد أثبت غيرين وعندهم ما ثم غير.
وهؤلاء اشتبه عليهم الواحد بالنوع بالواحد بالعين، فإنه يقال: الوجود واحد، كما يقال: الإنسانية واحدة، والحيوانية واحدة، أي يعني واحد كلي وهذا الكلي لا يكون كلياً إلا في الذهن لا في الخارج، فظنوا هذا الكلي ثابتاً في الخارج، ثم ظنوه هو الله، وليس في الخارج كلي مع كونه كلياً وإنما يكون كلياً في الذهن وإذا قدر في الخارج كلي فهو جزء من المعينات وقائم بها، ليس هو متميزاً قائماً بنفسه، فحيوانية الحيوان وإنسانية الإنسان سواء قدرت معينة أو مطلقة هي صفة له، ويمتنع أن تكون صفة الموصوف مبدعة له، ولو قدر وجودها مجرداً عن العيان على رأي من أثبت (المثل الأفلاطونية) فتثبت الماهيات الكلية مجردة عن الموصوفات، ويدعي أنها قديمة أزلية، مثل إنسانية مجردة وحيوانية مجردة، وهذا خيال باطل.
وهذا الذي جعله مجرداً هو مجرد في الذهن وليس في الخارج كلي مجرد، وإذا قدر ثبوت كلي مجرد في الخارج وهو مسمى الوجود فهذا يتناول وجود المحدثات كلها، كما يتناول وجود القديم، وهذا لا يكون مبدعاً لشيء ولا اختصاص له بصفات الكمال، فلا يوصف بأنه حي عليم قدير؛ إذ ليس وصفه بذلك بأولى من وصفه بأنه عاجز جاهل ميت، والخالق لا بد أن يكون حياً عليماً قديراً سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ثم لو قدر أن هذا هو الخالق فهذا غير الأعيان الموجودة المخلوقة، فقد ثبت وجودان أحدهما غير الآخر، وأحدهما محدث مخلوق، فيكون الآخر الخالق غير المخلوق، ولا يمكن جحد وجود الأعيان المعينة، ولكن الواحد من هؤلاء قد يغيب عن شهود المغيبات كما يغيب عن شهود نفسه، فيظن أن ما لم يشهده قد عدم في نفسه وفني وليس كذلك، فإن ما عدم وفنى شهوده له وعلمه به ونظره إليه، فالمعدوم الفاني صفة هذا الشخص، وإلا فالموجودات في نفسها باقية على حالها لم تتغير، وعدم العلم ليس علماً بالمعدوم، وعدم المشهود ليس شهوداً للعدم؛ ولكن هذا الحال يعتري كثيراً من السالكين يغيب أحدهم عن شهود نفسه وغيره من المخلوقات، وقد يسمون هذا فناءً واصطلاماً، وهذا فناء عن شهود تلك المخلوقات؛ لا أنها في نفسها فنيت، ومن قال فني ما لم يكن وبقي ما لم يزل، فالتحقيق ـ إذا كان صادقاً ـ أنه فنى شهوده لما لم يكن، وبقي شهوده لما لم يزل، لا أن ما لم يكن فني في نفسه، فإنه باق موجود؛ ولكن يتوهمون إذا لم يشهدوه أنه قد عدم في نفسه.
ومن هنا دخلت طائفة في الاتحاد والحلول، فأحدهم قد يذكر الله حتى يغلب على قلبه ذكر الله ويستغرق في ذلك فلا يبقى له مذكور مشهود لقلبه إلا الله، ويفنى ذكره وشهوده لما سواه، فيتوهم أن الأشياء قد فنيت، وأن نفسه فنيت حتى يتوهم أنه هو الله، وأن الوجود هو الله.
ومن هذا الباب غلط أبي يزيد ونحوه حيث قال: ما في الجبة إلا الله.
وقد بسط هذا في غير هذا الموضع، وبين أنه يعبر بالفناء عن ثلاثة أمور:
أحدها: أنه يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه. وبمحبته وطاعته وخشيته ورجائه والتوكل عليه عن محبة ما سواه وطاعته وخشيته ورجائه والتوكل عليه، وهذا هو حقيقة التوحيد الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فقد فنى من قلبه التأله لغير الله، وبقي في قلبه تأله الله وحده، وفنى من قلبه حب غير الله وخشية غير الله والتوكل على غير الله، وبقي في قلبه حب الله وخشية الله والتوكل على الله.
وهذا الفناء يجامع البقاء، فيتخلى القلب عن عبادة غير الله مع تحلي القلب بعبادة الله وحده، كما قال صلى الله عليه وسلم لرجل: ( قل: أسلمت للّه و تخليت ) وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله بالنفي مع الإثبات؛ نفي إلهية غيره مع إثبات إلهيته وحده، فإنه ليس في الوجود إله إلا الله، ليس فيه معبود يستحق العبادة إلا الله؛ فيجب أن يكون هذا ثابتاً في القلب؛ فلا يكون في القلب من يألهه القلب ويعبده إلا الله وحده، ويخرج من القلب كل تأله لغير الله، ويثبت فيه تأله الله وحده؛ إذ كان ليس ثم إله إلا الله وحده.
وهذه الولاية للّه مقرونة بالبراءة والعداوة لكل معبود سواه ولمن عبدهم، قال تعالى عن الخليل عليه السلام( واذ قال ابراهيم لابيه وقومه انني براء مما تعبدون الا الذي فطرني فانه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم ) وقال( قال افرءيتم ماكنتم تعبدون انتم واباؤكم الاقدمون فانهم عدو لي الا رب العالمين ) وقال تعالى( قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا برءاوا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدواة والبغضاء ابداً حتى تؤمنوا بالله وحده الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك وما املك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير ) .
قلت لبعض من خاطبته من شيوخ هؤلاء: قول الخليل( إنني براء مما تعبدون ) مما تبرأ الخليل، أتبرأ من الله تعالى وعندكم ما عبد غير الله قط؟ والخليل قد تبرأ من كل ما كانوا يعبدون إلا من رب العالمين، وقد جعله الله لنا وفيمن معه أسوة حسنة، لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، قال تعالى( قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا برءاوا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدواة والبغضاء ابداً حتى تؤمنوا بالله وحده الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك وما املك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا انك انت العزيز الحكيم ) .
وقد قال صلى الله عليه وسلم ( أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ):
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وهذا تصديق قوله تعالى( ذلك بان الله هو الحق وان ما يدعون من دونه الباطل وان الله هو العلي الكبير ) وقال تعالى( فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق الاالضلال فانى تصرفون ) وقال سبحانه( ولا تدع مع الله الاها اخر لا الاه الا هو كل شيء هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون ). قال طائفة من السلف: كل عمل باطل إلا ما أريد به وجهه، وقد قال سبحانه( ولا يصدنك عن ايات الله بعد اذا انزلت اليك وادع الى ربك ولاتكونن من المشركين ولا تدع مع الله الاها اخر لا الاه الا هو كل شيء هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون ).
وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد .